قضايا وهموم السينما المستقلة

فتحى امبابى 03 أغسطس 2015 السينما المستقلة

الكاتب : فتحى امبابى
كما احتكر الفرنسيون إنشاء شبكات أنفاق القاهرة، بخدماتها المميزة، وعيوبها الفادحة التي لا تُرى، تحتكر هوليود صناعة السينما في العالم، ولن نتعلل بالأسف، فهناك سور رديء من الفاسدين والمنافقين والجهلاء يحمي سيطرة الغرب، ويعضد قبضته الاقتصادية والعلمية والثقافية، ويكبح قدرة المصريين على الإبداع والتطور.


السينما لم تعد حكرا على الولايات المتحدة، وكما أن كثيرا من دول العالم تُنشئ بقواها الذاتية أنفاقها وشبكات مواصلاتها وبمعدلات سرعات عالية، فهناك صناعة نشطة ومتقدمة في أوروبا واليابان والهند، التي تكاد تسيطر على سوق الشرق، فلماذا التخلف كان من نصيب المصريين؟
بحثا عن إجابة.. خصصنا هذا العدد لعمل ملف عن السينما المستقلة في مصر والعالم، وتحدونا رغبة في دعم كل فنان ينحت في صخر هذا الوطن بحثا عن منفذ لبلوغ المرامي، وكلما تشكل الملف توالت الأسئلة:
سينما مستقلة عمن؟ ومستقلة بأي شكل؟ ثم يأتي سؤال أهم؛ علامَ يعكس تيار السينما المستقلة في اتجاهاته الفنية، والمضامين التي يحملها؟
لنكتشف أن هناك إشكالية وجود تباين دقيق بين المفهوم والمصطلح.
في المصطلح بينما يعبر المفهوم عن الصورة الذهنية أو المضمون المتعارف عليه الذي يعبر عن موضوع ما لدى القارئ، فإن المصطلح أو التعريف به، وهو «الدلالة اللفظية للمفهوم ».. من الوهلة الأولى يوحي مفهوم السينما
المستقلة بالكثيرر من القيم التى تعكس اتجاها فنيا جديدا، أو موقفا اجتماعيا أو سياسيا داخل صناعة السينما العالمية والمحلية، فمصطلح سينما «نوفو » على سبيل المثال، كان تعبيرا عن اتجاه فني برز في ستينيات القرن الماضي في أمريكا اللاتينية، يهدف إلى الاستقلال عن السينما الهوليودية، والتعبير عن حقائق الواقع المعبر عن البؤس اللاتيني، لكن مصطلح )السينما المستقلة( يأخذنا باتجاه آخر، ربما يتقاطع مع المفهوم السائد في بعض جوانبه، لكنه يتباين معه في عدد من الدلالات.
واحتراما من هيئة التحرير للقارئ الكريم، ورغبة في التأصيل النقدي (الفكري والفني)، وللمساهمة في إعادة تطوير وتشييد صرح عملاق لصناعة السينما المصرية، اهتممنا بالبحث في تعريف مصطلح السينما المستقلة من خلال تبين ومعرفة أهم ملامحها التاريخية والاقتصادية والفنية، وهو الأمر الذي تم تغطيته بصورة كبيرة في المقالات التي يضمها هذا العدد، سواء على صعيد السينما العالمية أو المصرية، حيث تبين وجود عدد من الملامح أهمها:
السينما المستقلة مصطلح أمريكي (على عكس مصطلح السينما البديلة)
- مصطلح السينما المستقلة يكاد ينتمي برمته إلى السينما الأمريكية، والذي عبر في بداياته المبكرة عن رغبة لدى عدد من السينمائيين (الجدد)، ومخرجين أصحاب رؤى ومواقف إنسانية واجتماعية، في تقديم فن يعبر عن شخصية مختلفة، ومحتوى إبداعي أكثر حرية ورقيا، يحمل رؤى إنسانية تختلف عن الإنتاج التجاري السائد، أو تبني المشكلات العنصرية والعرقية.. فن .
- كما أنه مصطلح اقتصادي خاص بالسينما الأمريكية بالدرجة الأولى، يعبر عن الرغبة في الخروج من عباءة هيمنة منظومة الاستوديوهات والشركات الثماني الكبرى التي تتحكم في الإنتاج والتوزيع. إنتاج ذو الميزانيات المنخفضة
- أحد أهم الخصائص الرئيسية للسينما المستقلة هو الإنتاج ذو الميزانيات المنخفضة، الذي يخرج عن إطار السينما التجارية التقليدية وتحقيق أرباح سريعة مضمونة، ما يعكس صعوبة الوصول إلى المشاهد، لعدم امتلاكها شركات توزيع وصالات عرض، وبرغم ذلك ضم تيار السينما المستقلة الأمريكية في العقود الأخيرة عددا من الأفلام ذات الإنتاج الضخم والعائد الهائل، بعضها تجاوزت ميزانيته المائة مليون دولار.
- وقد استقر تيار السينما المستقلة ليكون تعبيرا مقتصرا على الاستقلال الاقتصادي في إطار إنتاج الفيلم، بغض النظر عن المضمون، والذي ربما يقارب، بالنسبة للمثقف المصري، في نهاية الأمر الثقافة التي تُكرس لها سينما هوليود بشكل عام..
- أن كل مخرج أو فنان بدأ مستقلا، عاد لاحقا لينخرط في نمط الإنتاج التقليدي لصناعة السينما الهوليودية.
- إذا كان العاملون في النطاق يبحثون عن حريتهم الخاصة في الإبداع، وطابعهم الشخصي المميز، فهو لا ينطوي بالضرورة على مضمون اجتماعي أو سياسي، فالسينما المستقلة الأمريكية ضمت كافة أنواع الأفلام (Categories) ؛ دراما إنسانية، مغامرات وعصابات، والرعب، والخيال العلمي، إلخ.. عقد منفرط في أفراده متصل في إنتاجه إن ظاهرة السينما المستقلة لا تعبر عن تيار أو جماعة أو اتجاه متصل يتسم بالتواصل والاتصال، وإنما هي مغامرة فردية لفيلم واحد أو اثنين، لتصبح السينما المستقلة تعبيرا عن عقد منفرط في أفراده متصل في إنتاجه، يتوالى في الزمن، لتيار يحمل في كل مرة وجوها جديدة تظهر على سطح المركب لتغادره في أول ميناء تاركة المجال لراكبين جدد. فنانون عظام كثيرون هم من حملوا قضايا السينما المستقلة في الولايات المتحدة، وكانوا أصحاب بصمة مميزة، أحدهم الفنان العظيم (شارلي شابلن- Sir Charles Spencer Chaplin) ، الذي تبني أزمة الإنسان تحت وطأة الرأسمالية في العصر الحديث، وقام مع فنانين آخرين بإنشاء شركة (يونايتد أرتست United Artists) للخروج من هيمنة سيطرة منظومة الاستديوهات وشركات الإنتاج الكبرى.
الثاني أوسكار ميشو ( Oscar Micheaux) أنتج واخرج حوالي 44 فيلمًا للسينما المستقلة عبر فيها عن قضايا الفصل العنصري وهموم الزنوج.
الآخر النجم العالمي روبرت رد فورد- Redford الذي أسس في 1978 مع آخرين مهرجان صن دانس- Sundance للأفلام المستقلة ذات الإنتاج منخفض الميزانية، والذي يعرض فيه الفنانون أول عمل لهم أو الثاني، وكان حصول العديد منهم على جوائز المهرجان طريقا للحصول على جوائز الأوسكار وجولدن جلوب. السينما المستقلة في مصر
- المفهوم السائد في الثقافة المصرية للسينما المستقلة قد يتابين مع طبيعة المصطلح نفسه، فهو أميل لمصطلح تيارات السينما البديلة، كما سنرى لاحقا، وقد ظهر مصطلح السينما المستقلة في مصر في العقدين الأخيرين، ومن أهم سماته:
- ميزانية منخفضة التكاليف إلى الحد الذي –غالبا- قد يؤثر في الجماليات الخاصة بالعناصر السينمائية المختلفة.
- الاحتواء على مضمون اجتماعي وصبغة جمالية مميزة.
- السينما المستقلة المصرية لا تعبر عن جماعة محددة، ولا تشكل تيارا فنيا بعينه، وإنما هي محاولات من صانعيها للدق بقوة الفعل على البوابات المغلقة التي تهيمن على صناعة السينما المصرية، والرغبة في دخول عالم هذا الفن الإنساني الرفيع.
- يمكن تَبين أحد الخصائص المميزة للسينما المستقلة المصرية عنها في العالم، بأنها دائما ما تقدم نفسها عبر القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تحملها، ولا تنصاع بالضرورة إلى التيمات السائدة في السينما المصرية التجارية.
- إذا صح هذا القول، فإنه يمكن اعتبار أن السينما المستقلة المصرية، لا تنتمي للسينما المستقلة بمفهومها الأمريكي، قدر انتمائها إلى موجات وتيارات السينما البديلة في مصر وأوروبا.
العناء في ملف السينما المستقلة المصرية يظهر حجم العناء الذي يواجه المبدعين السينمائيين، فالمحاولات شاقة والحصاد ضنين، والأفلام التي ينطبق عليها هذا المصطلح لا تتجاوز عدد أصابع اليد، فصناعة الفيلم تحتاج إلى تمويل، والمال في يد رجال أعمال لا يتفهمون غالبا الأهمية القصوى للتنمية الثقافية المجتمعية، والفيلم المستقل في حاجة إلى دعم الدولة وتضافر الجهود كافة.
السينما البديلة بسبب أهمية التعريف بالتيارات والتجارب السينمائية التي تشق طريقا في الصخر، كانت خطة التحرير هى عمل عددين عن السينما المستقلة، لكن التباين بين المفهوم والمصطلح، جعلنا نكتفي بالحديث عن الس ينما المستقلة في هذا العدد، كي نبدأ مشوار البحث عن السينما البديلة؛ تلك الواقعة على الضفاف الأوروبية، والقابعة في تيارات السينما
المصرية، التي تمثلت في عدد من التجارب التي توالت على مدى تاريخها منذ منتصف القرن الماضي.
* * * *
صورة حلوة.. لسنا محكمي الاتقان لكننا نسعى أن نكون في الأعداد السابقة قدمنا في القسم الخاص بفن التصوير عددا من أهم المصورين العالميين، ونماذج من صورهم، وهو ما سوف نواصل عمله، لكننا أيضا كنا نسعي كي يشمل ما نقدمه وعيا بفن الصورة، والتعريف بتقنياته، وقد عقدت إدارة التحرير اتفاقا مع أحد المصورين المميزين، والذى سيكون مسئولا بدأ من العدد القادم عن الإدارة الفنية للفوتوغرافيا بالمجلة، لتقديم باب خاص في الأعداد الأربعة القادمة للهواة ونصف المحترفين، أربعة مقالات موضوعها جماليات الصورة الحلوة.
الأول سيكون موضوعه عام عن جماليات «الصورة الحلوة »، والثاني جماليات تصوير «البروفيل »، والثالث جماليات «تصوير الطبيعة »، والرابع جماليات فن التصوير الصحفي، كما سنبدأ في تقديم مقالات تضم نصائح وتوجيهات أهم المصورين العالميين الخاصة بتقنيات الصورة وفنونها.

التعليقات :

أحدث المقالات