الكاتب : سارة عابدين
مقدمة فى نقد وتحليل الصورة
الفوتوغرافيا أثر الواقع
سارة عابدين
يقول الناقد جون بيرجر فى عملِه (طرق الرؤية): "على عكس أى منتج بصرى آخر، فإن الصورة ليست عرضا أو تقليدا أو تفسيرا لموضوعها، ولكنها فى الواقع أثرٌ له. لا توجد لوحة أو رسم، مهما كانت طبيعته، ينتمى إلى موضوعه كما تفعل الصورة".
تلتقط الصورةُ لحظةً من الزمن فى واقعيتها، فى حين أن الرسمَ أو اللوحةَ، مهما كانت دقتها، هى فى الأساس عرضٌ لِمَا يختار الفنان رؤيته. لكن هل يمكن اعتبار التصوير الفوتوغرافى فنا بحاجة إلى النقد والتحليل؟
منذ اللحظة الأولى التى ظهر فيها التصوير عام 1839، احتدم الجدل حول ما إذا كانت الفوتوغرافيا فنا أم مجرد طريقة لاستخدام أداة بصرية ميكانيكية لتوثيق الواقع. حاليا، نحن نعلم أن التصوير الفوتوغرافى بالفعل شكل من أشكال الفن. التصوير لغة تستخدم العناصر المرئية بدلا من الكلمات. الكلمات أيضا أداة يمكننا أن نكتب بها عقود الإيجار والكتب الدراسية، كما يمكننا أن ننظِم بها الشعر ونكتب بها الروايات. ما يميّز الفنان الحقيقى هو امتلاكه فكرة ما يسعى لإيصالها، وقدرة الإنسان على تفسير الصورة المرئية تمنح الفنان الحرية لأنْ يتركَ عمله مفتوحا على العديد من التأويلات؛ فهو يطرح أسئلة بدلا من تقديم الإجابات.
مثل أى شكل من أشكال الفن المرئى، يستغل التصوير الفوتوغرافى نقاط ضعف الإدراك البصرى، ويمكن أن يجعلنا نشعر بمشاعر تُحرّكنا وتُجبرنا على التفكير فى أفكار لم نلتفت إليها من قبل. يمكننا هنا أن نعود إلى سلسلة صور المصور لويس هاين الذى قام بتصوير طفلة تعمل أمام ماكينة حلج القطن. تسببت هذه الصورة فى تغيير التشريعات الخاصة بعمالة الأطفال، ونتج عن ذلك خفض نسبة الأطفال العاملين بنسبة 50% خلال عشر سنوات.
ربما يصعب على الأشخاص رؤية قيمة فنية فى التصوير الفوتوغرافى عندما يمكن عمل نسخ متطابقة تقريبا من نفس الصورة. لا يمكن للصورة أن تكون نسخة فريدة مثل اللوحة "ما لم يطبع المصور نسخة واحدة، ثم يحذف كلَّ آثار وجودها". ومنذ أصبح التصوير الرقمى هو القاعدة، أصبح هناك اعتقاد بأن أى شخص يمكنه أن يلتقط صورة. لا نحتاج حتى لامتلاك كاميرا لالتقاط صورة فى هذه الأيام. تأتى معظم الهواتف المحمولة مزودة بكاميرا وطرق متعددة لتحميل الصورة ومشاركتها على الفور. مما لا شك فيه أنه لا يمكن التعامل مع هذه الصيغة الفورية على أنها (فن) بالمعنى الحقيقى للكلمة.
لكن بالرغم من هذا، فإن بعض الصور الفوتوغرافية يمكن اعتبارها فنا. إذا ألقينا نظرة فاحصة على صور المناظر الطبيعية والصور الشخصية، غالبا يمكن أن نرى تأثير اللوحات فى بعض الصور الفوتوغرافية، حيث يلتقط المصور التعبيرات المثيرة للاهتمام، أو الحالات المزاجية المعقدة، أو يخلق تكوينات تشبه التكوينات الفنية، فيبدو تأثير الفن واضحا فى الفوتوغرافيا.
الصور الفوتوغرافية التى اختار فيها المصور الوقت المناسب للإضاءة الصحيحة، حيث من المحتمل أنه قضى ساعات فى الإعداد الصحيح للصورة، وأقام عَلاقة إنسانية أو بصرية مع الموضوع، تنتمى بشكل ما إلى الفن. هناك صور تخاطب المشاهد، وتثير لديه ردودَ أفعال لا تختلف عن تلك التى يثيرها الفن، لذلك يمكن اعتبار التصوير الفوتوغرافى فنا فى الظروف المناسبة. هو أحد أشكال الفن الذى يحتاج إلى مهارة وقدرة وفهم للتكنولوجيا، كما يتطلب بعض المهارات التحليلية، واختيار اللحظة المناسبة لتثبيتها والحفاظ عليها للأبد، بالإضافة إلى المهارات التقنية التى يطوّرها المصور خلال سنوات من الممارسة.
على غرار الرسَّامين الذين يستخدمون مجموعات مختلفة من الفرش والوسائط الفنية، يجب أن يكون المصور خبيرا بالجوانب التقنية الخاصة بالتصوير، والتى تساعده على التجريب. بالإضافة إلى أن ما يفصل الصور الفنية عن اللقطات العادية هو توقيت وتوقع التفاصيل الصغيرة. هذه التفاصيل هى المكان الذى تكمن فيه المشاعر القوية. المصور الفنان يعرف اللحظات التى تستحق التسجيل فى العالم الصاخب من حولنا.
فى التصوير المعاصر، وبعد أن أصبحت الفوتوغرافيا فنا بصريا، يحتاج المصور بشكل عام أن يفهم معنى التجريد. والتجريد هو استبعاد عناصر بعناية وعن قصد مما ينتج عنه لقطة مفتوحة لتفسيرات مختلفة. يتطلب التجريد أيضا فهما للأشكال الهندسية والملمس والخطوط والألوان والتكوين.
دور المصادفة فى الفوتوغرافيا
من خلال تصفُّح مئات الصور الأكثر شهرة فى الماضى، يمكننا أن نلاحظ بسهولة العفوية الموجودة فى الصور. العفوية التى تساعد على خلق وهم السهولة. العفوية التى تجعل الفوتوغرافيا مشابهة لموسيقى الجاز، على عكس الصرامة الموجودة فى الرسم مهما بدا عفويا، والتى تجعله أقرب إلى الموسيقى الكلاسيكية.
من ناحية أخرى، يمثل التصوير الفوتوغرافى الواقع، ولا يمكن أن يوجد بدونه. يمكن تحريف الواقع وتغييره بدرجات مختلفة من خلال الفوتوغرافيا، لكنه يبقى موجودا. أحد الاختلافات المهمة بين الرسم والتصوير الفوتوغرافى هو أن المهارات الفنية للرسام تعتبر جزءا لا يتجزأ من موهبته، بينما التصوير الفوتوغرافى ليس كذلك، إذ يمكن لأى شخص التقاط صورة فنية، وحتى إنشاء تحفة فنية عن طريق الصدفة. لذلك عندما تظهر صورة مثالية، ربما لا يلتفت أحد، وربما يعتقد البعض أن الفوتوغرافيا ليست فنا.
نقد وتحليل الفوتوغرافيا
إذا عدنا إلى معنى النقد فى المعاجم اللغوية، نجد أنه ببساطة إظهار العيوب والمحاسن، أو تمييز الجيد من الردىء. وفى الإنجليزية يعود أصل كلمة Critic)) إلى الكلمة اليونانية (Kritikos)؛ لذلك عندما ننتقد صورة فإننا نحكم عليها.
وهذا تماما ما يجب أن يفعله ناقد العمل الفنى فى كل المجالات، بما فيها الصورة الفوتوغرافية، التى أصبحت ضمن الأعمال الفنية فى العالم الحديث والمعاصر. أى إن انتقاد الصورة يعنى الحكم عليها وتشريحها. لكن فى البداية يمكن أن نطرح بعض الأسئلة: لماذا ننتقد الصورة؟ وكيف ننتقدها؟ وما القيمة التى يحصل عليها المصور والجمهور من نقد الصورة؟
عندما يقدم الناقد ملاحظات على الصورة، فهو يساعد المصور فى تحسين جودة صوره، كما يساعده فى تحسين مهارات الحكم على الصور الخاصة به، ليلتقط فى النهاية صورة أفضل، وربما يمكنه أن يصبح الناقد الأول لنفسه بعد فترة من الوقت. ما أتحدث عنه هنا هو العلاقة المثلى التى يجب أن تكون بين الناقد والفنان بعيدا عن الصراعات ورغبات التباهى المعرفى أو فرض السلطة التى تحدث أحيانا من بعض النقاد.
يفترض دائما أن يكون النقد موضوعى يعتمد على منهج ما، لكن تبقى دائما هناك فجوة بين ما هو مفترض أن يحدث، وبين ما يحدث بالفعل، لذلك من المؤكد أن أى انتقاد للصورة، سيكون مزيجا من الموضوعية المنهجية، الملونة بأذواقنا البصرية، وتفضيلاتنا الجمالية الشخصية وتجاربنا الإنسانية؛ ذلك أن الصورة الواحدة يمكن أن تحمل العديد من التأويلات والرؤى المختلفة تبعا لظروف وسياقات التلقى المختلفة، ومشاعر وأفكار المتلقى.
كيف يحدث النقد؟
نحن نتلقى الصورة على خطين بالتوازى: المشاعر والأفكار. وصف الصورة بصريا أحد أهم طرق تحليل الصورة بشكل موضوعى. الوصف المجرد الدقيق ربما يبدو أمرا بسيطا، بينما هناك العديد من الأشخاص يمكنهم النظر إلى الصورة فعليا، دون ملاحظة كل عناصرها بالكامل. لذلك من مهام الناقد الإشارة إلى كل عنصر ولون ومساحة فى الصورة بدقة وتجرُّد.
يجب أن تجيب تلك الخطوة على سؤال بسيط وهو: "ماذا أرى؟". يجب أن يكون الناقد قادرا على تمييز أجواء الصورة إذا كانت أرضا أو سماء أو منظرا طبيعيا أو شخوصا، ثم وصف المحتوى بشكل مبسط. وبما أن الصورة هى لوحة بصرية فى نهاية الأمر، فيجب أن ننظر إليها كما ننظر إلى اللوحة. نبتعد قليلا للخلف لنوسع دائرة الرؤية، لنميز العناصر المكونة للصورة بشكل أوضح.
الرؤية الأولى يُفضَّل أن تكون شاملة، نحدّد من خلالها العَلاقات المختلفة بين عناصر العمل، وبين عنوان العمل ومحتواه، إن وُجد له عنوان. هذه الخطوة الأولى هى جَرد عقلى مرئى لِمَا يظهر فى الصورة، ليس أكثر.
ردود الأفعال فى النقد يجب أن تكون متأنية، ومن هنا نصل إلى الخطوة التالية فى النقد وهى التحليل الفنى لعناصر الصورة الفوتوغرافية. تسمح هذه الخطوة بتشريح مكونات الصورة المختلفة؛ الأمر الذى يتطلب المعرفة التقنية ببعض مهارات التصوير. بدون هذه المعرفة التقنية، يفقد المتلقى المتخصص أو الناقد نفسه فى تفاصيل غير مُجدِية داخل الصورة.
أهم هذه الأسئلة يتعلق بالتكوين داخل الصورة. هل هو جيد ومناسب للعناصر؟ أم إنه بحاجة إلى تحسين؟ وكيف يمكن تحسينه؟ عند نقد التكوين يجب الإجابة على بعض الأسئلة التى تفتح الأفق أمام المتلقى، وهى أحد أهم وظائف النقد.
• ما هى أهم العناصر المثيرة للاهتمام؟ وما هى العناصر المرئية التى تشتت الانتباه داخل الصورة؟
• هل الصورة ديناميكية أم تفتقر إلى الطاقة والحيوية وتميل إلى الثبات والسكون؟
• هل هناك أى انحرافات فى الخلفية تشتت الانتباه عن العناصر الأصلية فى الصورة؟
• هل هناك خطوط أو أشكال أو منحنيات مثيرة للاهتمام فى الصورة؟
بعد الإجابة عن هذه الأسئلة، يبدأ الناقد فى تفنيد عناصر الصورة، كل على حدة، وهى: العناصر الأمامية، والخلفية، ومراكز الاهتمام، والسمات، والضوء، والتنسيق، والتأطير، والإبداع داخل الصورة.
كل هذه المكونات هى جزء من قائمة كبيرة تختلف باختلاف الرؤية الشخصية للناقد، والطريقة التى يفضل العمل بها على تشريح الصورة.
الخطوة الثالثة هى تحديد سياق الصورة. يمكن تشبيه سياق الصورة بشكل أقرب إلى سرد القصص. كل العناصر السابقة ضرورية لشرح وتحليل الصورة، لكن يبقى سرد قصة ما لتوصيل الخبرات المتعلقة بالصورة هو الأسلوب الأكثر إمتاعا للمتلقى، حيث تعمل القصة على جذب انتباه المتلقى وإثارة مشاعره، وتعريفه بسياق الصورة، بشكل محبب دون جمل تقنية جافة. يشرح هذا الجزء الظروف التى التقطت فيها الصورة. تتيح القصة للمُشاهد اكتسابَ اتصالٍ أعمقَ بالصورة فى كل مرة يراها فيها. لن ينسى أبدا الصورة، بمجرد حدوث هذا الارتباط الشخصى بها.
عند تقديم سرد قصصى متعلق بالصورة، تتحول الصورة من مجرد أشكال على الورق، إلى حكاية فى ذهن كل شخص شاهد الصورة، مما يؤدى إلى خلق تجربة مشاهدة متعلقة بالصورة.
تتطلب خطوة سرد قصة موازية للصورة فهم السياق الفنى والبيئى والزمنى الذى التُقطت فيه الصورة، بالإضافة إلى معرفة بتاريخ المصور وتطوره المهنى، وربما اتجاهاته الأيديولوجية، لفهم دوافعه الفنية بشكل أفضل.
الخطوة الرابعة فى نقد الصورة هى التفسير. والتفسير غالبا ما يكون شخصيا، أى إنه أحد التأويلات المختلفة للصورة، ولا يمكن اعتباره رأيا قاطعا أو وحيدا. ومن هنا يأتى تفضيل الجماهير لناقد على آخر، حسب قرب أو بعد قراءات الناقد عن كل شخص وعن أفكاره ورؤيته للصورة.
يعطى التفسير الفوتوغرافى للصورة معنى أعمق. والتفسير أقرب إلى ربط الصورة بالمشاعر الشخصية. كيف تشعر بالنظر إلى الصورة؟ القلق، الخوف، الرهبة، الوحدة؟ هنا لا نحاول فهم ما أراد المصور توصيله، لكن فقط شرح ما نشعر به من وجهة نظرنا الشخصية، لنترك لكل شخص حرية التفكير وقبول التأويل أو رفضه.
فى هذه المرحلة، يحاول الناقد تحديدَ ما تحمله الصورة من رمزيات وإشارات. والأمر يشبه الاستبطان، أو تحليل الدوافع الشخصية التى دفعتك كناقد أو متلق لتحليل هذه الصورة.
بالعودة إلى عناصر تحليل الصورة، نطرح بعض العناصر التى يجب أن يلاحظها الناقد الفوتوغرافى بشكل أكثر تفصيلا؛ الأمر الذى يفرق بين تجربة المشاهدة النقدية والمشاهدة السطحية؛ لأن المشاهدة النقدية أكثر عمقا وتفصيلا. هنا أهم الأفكار الرئيسية التى تساعد على تشريح الصورة.
بنية الصورة
كل صورة بحاجة إلى بنية أساسية قوية لجذب انتباه المشاهد من مسافة بعيدة. يمكن الإشارة إلى هذه البنية على أنها التكوين الأساسى للعناصر. لا تشير البنية إلى العناصر الأساسية، لكنها تشير إلى الأشكال والألوان والتباينات التى تعمل على جذب انتباه المشاهد، كما تمثل بوابة تشرك المشاهد بأدق تفاصيل الصورة.
بينما يركز معظم المشاهدين على موضوع الصورة، فإن المشاهدة النقدية تركز أكثر على قوة الأشكال والألوان، والتباينات من أجل رؤية التوازن العام للعناصر داخل الصورة.
الضوء
الضوء هو العنصر الأساسى للصورة؛ لأنه يضىء المشهد أو الموضوع. سواء أكان الضوء طبيعيا أم صناعيا، فإن جودته واتجاهه هو المهم؛ لأنه يساعد على خلق حالة شعورية معينة داخل الصورة، ويمكن أن يركز على العناصر الأساسية داخل التكوين. ويمكن أيضا أن يساعد الضوء فى إنشاء عمق وإبراز الأنسجة والتفاصيل والظلال. يمكن القول إن الضوء أهم ما يجب أن يتبعه الناقد فى الصورة لتحليل التجربة الشعورية الشخصية ومراقبتها.
عند النظر إلى الصورة، يجب أن نحدد هل الضوء صناعى أم طبيعى، وأن ننتبه لكثافة الضوء فى الصورة، وتأثيره على المتلقى. يمكن أن نفكر فى ردود أفعالنا عندما ندخل غرفة مضاءة بشكل خافت، أو غرفة مضاءة إضاءة ساطعة، لنتمكن من إدراك وفهم الصورة بصريا وشعوريا.
فى الصورة المقابلة (صورة الراهبات مع الشموع)، تساعد الشموع وأضواء الشوارع على ضبط الحالة المزاجية للصورة، كما تساعد على التركيز على وجوه الراهبات ومشاعرهن.
فى الصورة التالية (صورة عامل الفحم) يمتزج الضوء الطبيعى مع الدخان لإبراز الظلال، وإعطاء عمق وحالة شعورية خاصة للصورة. الطريقة التى يمتزج بها الضوء مع الدخان تجعل الصورة أكثر دراماتيكية.
اللون
مثل الضوء، يساعد اللون فى ضبط الحالة المزاجية للصورة، ويمكن أن يلعب دورا مهما فى لمس المشاهد على المستوى العاطفى. اللون هو العامل الأساسى المسئول عن جعل الصورة تبدو مثيرة وحيوية، أو غامضة وكئيبة. بشكل عام، لا ينظر المشاهد فى البداية إلى التكوين أو الظل والنور، لكن الجميع فى البداية يستجيبون عن طريق اللون؛ لأنه يلعب دورا كبيرا فى إثارة المشاعر، حتى فى مجالات أخرى مثل الديكور الداخلى والديكور السينمائى، وحتى العلاج بالألوان؛ لذلك هى مهمة وذات تأثير كبير، حتى وإن لم يستطع الجمهور تحديد ذلك التأثير والقبض عليه بكلمات دقيقة.
بالإضافة إلى أهمية اللون فى المشاعر، فإن اللون جزء أساسى من رواية السرد المرئى، وهو ما نفعله فى التصوير الفوتوغرافى، عن طريق جذب الانتباه إلى ما هو مهم فى الصورة.
لماذا ننقد الصورة الفوتوغرافية؟
النقد هو محاولة الوصول إلى جوهر الصورة ومشكلاتها، بالإضافة إلى محاولات فتح طرق لقراءة الصورة. ليس بالضرورة أن يقدم كل النتائج، ولا كل الإجابات. الناقد يفعل أكثر بكثير من مجرد الإعجاب أو الكره. يلقى نظرة فاحصة ليحدد بالكلمات ما يدفعه للشعور والتفكير والفهم. استخدام لغة متداولة ومفهومة لتوصيل لغة ربما تكون صعبة على البعض.
النقد هو خطاب مستنير حول الفن بشكل عام، لزيادة فهم الفن وتقديره؛ بهذه الطريقة نتعرف أكثر على الفوتوغرافيا. وهناك نوعان من النقد، كلاهما مفيد، ولكن يخدم أغراضا مختلفة: النقد الجمالى الاستكشافى، والنقد الجمالى الجدلى.
استخدام المنهج النقدى الجمالى الاستكشافى، يؤخر أحكام القيمة، ويحاول التأكيد على القيم الجمالية للصورة بأكبر قدر ممكن، للتأكد من أن القراء سيختبرون كل ما يمكن رؤيته فى الصورة. يعتمد هذا النوع من النقد بشكل كبير على التفكير الوصفى والتفسيرى، بهدف الحفاظ على التجربة الجمالية. بينما النقد الجمالى الجدلى يكون بعد التفسير الكافى للعمل. يبدأ الناقد فى البحث عن الجوانب الإيجابية فى الصورة من عدمها، ويبنى الناقد حكمه بناء على معايير محدَّدة وواضحة.
يرى آندى جروندبيرج، ناقد التصوير الفوتوغرافى السابق فى صحيفة نيويورك تايمز، أن هناك نهجَيْن أساسيين لنقد التصوير الفوتوغرافي: التطبيقى والنظرى. النقد التطبيقى عملى وفورى وموجَّه للعمل، بينما النقد النظرى أكثر فلسفية، يحاول تعريف التصوير الفوتوغرافى، ويستخدم الصورة فقط كمثال لتوضيح حُجَجه. يميل النقد التطبيقى أكثر إلى الصحافة، بينما يميل النقد النظرى نحو الجماليات الموجودة فى الفوتوغرافيا.
يعرف جروندبيرج أيضا نوعا آخر من النقد على أنه (التذوُّق)، لكنه يرفضه باعتباره محدودا للغاية؛ لأنه يقوم بشكل كامل على الذوق الشخصى. هذا النوع من النقد غالبا يكون غير رسمى، وتكون أحكامه صادرة دون أسباب داعمة أو معايير واضحة، وبالتالى يكون هذا النوع من النقد غير مفيد وغير واضح، كما أنه يكون شديد الخصوصية بحيث لا يستحق الجدل.
مواقف تجاه النقد
يتخذ النقاد مواقف مختلفة بشأن النقد الذى يجب أن يكون، وكيف ينبغى أن يحدث. يرى البعض أن الممارسات النقدية فى المقام الأول يجب أن تدور حول طرح الأسئلة. يحدث ذلك عن طريق مواجهة العمل على أكبر مستوى ممكن من التواصل وإزالة الحواجز وفك الرموز والتأويلات.
يرَى بعض النقاد أن دور النقد يتجلَّى فى التوضيح والشرح والتنوير، لمساعدة القارئ على وضع الصورة فى سياق كامل، مع مراعاة أن يتَّخذ الناقد موقفا أصيلا من المعايير الزائفة والأعمال الفنية غير المتقنة، لذلك يجب أن يكون الناقد مستقلا عن الفنانين وعن المؤسسات التى يكتب عنها.
يبقى الجدل قائما حتى الآن بين فكرة تضارب المصالح المحتمل بين الفنان والناقد والراعى أو صاحب المؤسسة الفنية. ويرى النقاد الذين تبنوا تلك الفكرة أن الناقد لا يجوز أن يتحول إلى لسان حال أى شخص، بل يبقى صوتا مستقلا دون أن يتعطش للسلطة، ودون الحاجة إلى أن يكون محبوبا. بينما يرى بعض النقاد أن أفكارهم عن الفن أصبحت أكثر وضوحا من التواصل مع الفنانين وصداقتهم، ويرى ذلك المعسكر أن الموضوعية النقدية والحياد تُعَدُّ أساطير لا تحدث فى الواقع، ويعتقدون أن نهجهم أكثر صدقا من نهج النقاد الذين يزعمون أنهم أبعدوا آراءَهم الشخصية.
تأتى قيمة النقد من المعرفة التى يطرحها؛ حيث إن قراءة وجهة نظر شخص آخر حول العمل الفنى توسع رؤيتنا إذا اتفقنا معها، وتطرح حججا مضادة إذا اختلفنا معها. يرى بعض النقاد أن الكتابة حول صورة ما تجعلها أجمل. لا يعنى ذلك أن الناقد يتحمس ليزيف الحقائق، ولكن الكلمات هى أداة التفكير، وعندما نرى ما يدور فى أذهاننا مكتوبا يصبح أكثر وضوحا وتأثيرا وقوة. التفكير فى الأسئلة الوصفية والتفسيرية والتقييمية حول العمل الفنى يوسع بشكل كبير الوعى حوله؛ لذلك يحاول النقاد ترجمة المزيج المعقد من الأفكار والمشاعر حول الصورة أو العمل الفنى إلى كلمات يمكن فهمها من قِبَل أنفسهم، ثم من قِبَل الآخرين؛ حيث إن الناقد يتحمل مهمة النضال مع المعنى، ومعالجة الأسئلة التى يطرحها العمل الفنى، أو طرح أسئلة جديدة.
عادةً ما ينظر النقاد إلى الأعمال الفنية من منظور أوسع من الصورة الفردية أو العرض الفردى، ويحاولون وضع العمل فى سياق أكبر بكثير لأعمال الفنان الأخرى، وأعمال فنانين آخرين فى ذلك الوقت وفى الماضى. يفعل النقاد ذلك؛ لأن رؤيتهم أكثر اتساعا من المشاهد العادى. يتعيَّن على الناقد المجادلة وتِبيان الحُجَج؛ ومكافأة الناقد هى زيادةُ عددِ قرَّائه أو زيادة عدد الجماهير التى تتبنى وجهة نظره للفن.