مسابقة أسبوع النقاد في مهرجان كان 2021: نساء أمام الكاميرا وخلفها أيضًا

محمد طارق 15 مارس 2022 الفيلم القصير

الكاتب : محمد طارق



أقيمت الدورة الـ60 لمسابقة أسبوع النقاد في مهرجان كان، الموازية للدورة الـ74 للمهرجان العريق، في الفترة ما بين 7-15 يوليو 2021، وتكونت من مسابقة رسمية تتضمن سبعة أفلام روائية طويلة وعشرة في مسابقة الأفلام القصيرة وفيلمي افتتاح وختام إضافة إلى ثلاثة أفلام في اختيار رسمي خارج إطار التنافس، وفيلم احتفالي بمناسبة مرور 60 عامًا على إطلاق أسبوع النقاد. تاريخيًا، أطلقت نقابة نقاد السينما الفرنسية أسبوع النقاد ليكون أول مسابقة موازية للمهرجان بهدف عرض الأعمال السينمائية الأولى أو الثانية لمخرجيها وخاصة تلك التي لا تنتهج طريقًا أو نمطًا تجاريًا. هذا العام، تابعنا أفلام المسابقة التي أتيحت جميعها عبر سوق مهرجان كان الافتراضي، ونحاول في هذا المقال النظر إلى اختيار تلك الأفلام وبرمجتها وعن أي أفكار تعبر.
لعب الأسبوع على مدار التاريخ دورًا هامًا في تقديم العديد من الأسماء السينمائية البارزة في بداية مسيرتهم وبينها أسماء مثل وانج كار واي وكريس ماركر وبرناردو بيرتولوتشي وجوليرمو ديل تورو وجاك أوديار وجاسبار نوى وأليخاندرو جونزاليس إيناريتو ومن الأسماء العربية مرزاق علواش وعمر الزهيري المشارك في الدورة الأحدث من المسابقة بفيلمه "ريش"، وهي المشاركة المصرية الأولى في الأسبوع. إذا تعد تلك المسابقة التي بدأت بعد عرض فيلم واحد اختارته النقابة في عام 1961 ثم تحولت لبرنامج موازٍ للمهرجان عام 1962، محطة مهمة في اكتشاف أحدث الأصوات السينمائية وأكثرها جرأة.
الملاحظة الأهم التي يجب التوقف عندها قبل التعرض لأفلام المسابقة السبعة هي الاهتمام الخاص المولى لصانعات الأفلام وللنساء بوجه عام، فبحسب الموقع الرسمي للأسبوع، تمثل النساء 30% من كل قسم، كما أن اختيار البوستر الخاص من صورة لفيلم ديفيد روبرت ميتشيل "يتبع" الذي تدور قصته حول بطلة شابة تلاحقها قوى ما ورائية، والذي عُرض عام 2015 في مسابقة أسبوع النقاد، تعني أن المسابقة تولي اهتمامًا خاصًا بالمرأة هذا العام، أضف إلى ذلك أن كل أفلام المسابقة الرسمية بطلاتها من النساء، حتى ولو بشكل مشارك في فيلم واحد هو "زوجة حفار القبور"، وفيلمي الافتتاح والختام "متين" و"مجنون فرح" هما من إخراج نساء. على رأس لجنة التحكيم المتكونة من ثلاثة رجال وإمرأتين هناك كريستيان مونجيو الذي تناولت معظم أفلامه وخاصة فيلمه الأشهر "4 شهور و3 أسابيع ويومان"، قضايا متعلقة بالنساء وأوضاعهن. والآن لنبدأ في الحديث عن الأفلام ذاتها المشاركة في المسابقة.
(صورة البوستر)
ملاحظة للمحرر: مرفق مع المقال سبعة صور للأفلام السبعة، كل صورة تحتوي اسم الفيلم.
آمبارو
إخراج: سيمون ميسا سوتو
الفيلم الطويل الأول لمخرجه الذي حاز سعفة الفيلم القصير عام 2014، ويحكي عن آمبارو التي تحاول إنقاذ ابنها من الذهاب إلى خدمة التجنيد في كولومبيا التسعينيات. على مدار الفيلم، تبدأ الأم رحلتها لجمع الرشوة المطلوبة لإخراجه من المعسكر، تلجأ إلى كل معارفها لاقتراض النقود أو تبيع مجوهراتها أو كل ما يلزم لإبعاد وحيدها عن منطقة الحرب. خلال هذه الرحلة تتكشف العديد من قضايا الفساد داخل المجتمع الكولومبي آنذاك، إضافة إلى التعرض لقضايا النساء، كون آمبارو أم وحيدة لابنها، وكونها لا تجد الحلول إلا عند رجال مختلفة، وتتعرض بالتالي لسلطتهم، فمن حبيبها إلى زوجها الثاني ومديرها في العمل وعقيد الجيش والسمسار الذي سيقوم بتخليص ابنها، لا تبدي آمبارو أي مقاومة لتحقق هدفها. يستخدم المخرج العديد من اللقطات المقربة لوجهها، لينقل إحساسها بينما تستمع إلى كل الهراءات وتتعرض لكل المضايقات والاستغلالات الممكنة، بشكل دقيق للغاية. يقول المخرج أنه استوحى القصة من تاريخه وتاريخ أسرته، إضافة إلى استخدامه للقطات المقربة للوجه كتأثر بفيلم كارل ثيودور دراير "آلام جان دارك"، الأمر الذي يضع الأم في منزلة القديسات بشكل سينمائي.
أولجا
إخراج: إيلي جرابيه
تدور الأحداث عام 2013، عندما تضطر أولجا الشابة البطلة الأوليمبية أن تترك أوكرانيا فرارًا إلى سويسرا بسبب تعرض أمها الصحافية لحادثة عنيفة بسبب آراءها السياسية المعارضة. تستطيع أولجا اللعب مع المنتخب السويسري لأنها مزدوجة الجنسية، لكن قلبها يبقى معلقًا ببلدها الأم. يمزج الفيلم ما بين البطولة الأوليمبية التي تشارك فيها أولجا وبين ثورة الشعب الأوكراني عام 2013 ضد الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش من خلال أساليب عدة تتنوع بين الوثائقي ممثلًا في فيديوهات حقيقية للمظاهرات ومكالمات عبر الإنترنت وبين الروائي الذي يصور أولجا بينما تمارس لعب الجمباز بشكل فاتن. تعد تلك العلاقة بين الصور الوثائقية الخشنة وصور الجمباز الفاتنة هي معادل للعلاقة بين ما تشعر به أولجا من آلام وبين ما يظهر على السطح من حركات أكروباتية جذابة.

جسد صغير
إخراج: لاورا سماني
تدور أحداث الفيلم عام 1900 حول أجاتا الشابة التي تموت طفلتها الوليدة وقت وضعها، ويرفض كهنة القرية إعطاءها اسمًا، فتقرر أن تغادر قريتها ذهابًا إلى الجبال التي سمعت أن بها مكانًا تستطيع إحياء بنتها مجددًا وخروجها من حالة التيه التي تعيشها لأنها ولدت ميتة. خلال رحلتها تكون أجاتا صداقة مع لينكس لتبدأ رحلتهما لإحياء الطفلة الصغيرة. دراما الفيلم مبنية على أساطير ما ورائية قديمة، ورغم بُعد ذلك العالم عن عالمنا فإن الدافع الموجود لدى آجاتا يمكن فهمه بسهولة، وتجسيد تلك الرحلة بصريًا في الفضاءات الشاسعة مثل الغابات والجبال والبحيرات أو المغلقة مثل الكهوف والمعابد بكل العقبات التي تواجهها آجاتا تُظهر مدى ثقل الرحلة التي تمر بها الأم، لنتسائل أي من آجاتا أو طفلتها يعبر عن "الجسد الصغير"، أو أن ذلك العنوان هو مجاز عن المرأة المعاصرة التي تتعرض لتحديات مشابه مستمر منذ قرون عديدة.
ريش
إخراج: عمر الزهيري
ربما يكون فيلم الزهيري أفضل أفلام المسابقة من ناحية طموحه وجرأته الفنية، بل وأيضًا قد يمتلك تغيرًا في الأساليب السينمائية التي تعارف عليها صناع السينما المصرية المستقلة في السنوات الأخيرة. أسلوب الزهيري يستلهم جاك تاتي وروي أندرسون وغيرهم من مخرجي كوميديا التهريج (Slap Stick Comedy)، مع عناصر مصرية خالصة ليروي قصة إمرأة يتحول زوجها بفعل ساحر يقوم بخدع رديئة إلى دجاجة، فتضطر إلى خوض رحلة الحصول على ما يكفل لها استمرار معيشتها، ورغم أن ذلك الخط يشي بمعاناة إلا أن أسلوب زهيري يجعله أشبه بكاريكتير هزلي مضحك. بداية من استخدام الدجاج والقردة والكلاب للدلالة على حقيقة شخصيات الفيلم، مزجًا بمواقع تصوير يمكن أن توجد في أي مكان، لا تشعر معها بأي ألفة أو تواصل، ومرورًا بسطور الحوار البيروقراطية التي ميزت فيلمه القصير السابق "ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375" والأجواء الخانقة المليئة بدخان المصانع أو سيارات رش المبيد أو دخان السجائر ليخلق حالة من التغريب تجاه الفيلم وشخصياته والتي تجعله واحدًا من أكثر الأفلام المصرية المستقلة تميزًا من ناحية الأسلوب.

زوجة حفار القبور
إخراج: خضر عيدراوس أحمد
يعد هذا الفيلم هو الأضعف بين أفلام المسابقة، بقصته الكلاسيكية التي تدور حول حفار قبورجيبوتي تمرض زوجته فيضطر إلى العودة إلى قريته ليحضر المال من أجلها وبينما هو في رحلته نتعرض لفهم ماضي الشخصيات – بشكل حواري غالبًا – تحكيه الأم المريضة لابنها وفي مونتاج متوازٍ يحكيه الأب للغرباء في رحلته. ما يعيب الفيلم ليس حبكته التقليدية بل التزامه بأسلوب حكي تجاري منتمي لسينما هوليوود التجارية، وهو أمر يجعل اختياره في أسبوع النقاد – المهتم بالأفلام الطليعية – ووسط مجموعة من الأفلام التي تستخدم أساليبًا حداثية أو قصصًا جديدة غريبًا بعض الشيء. ربما أيضًا قد يكون الأمر له علاقة بإدماج فيلم إفريقي (رغم أن إنتاج الفيلم أوروبي بالكامل) يدور في دولة جيبوتي التي قلما ظهرت على شاشة السينما.
لا شيء لأهتم به
إخراج: جولي لوكوست وإيمانويل مار
ماذا تتخيل عند سماعك لوظيفة مضيفة طيران؟ حياة هانئة مليئة بالسفر والمال لا ينغصها شيء.. حسنًا ربما يكون هذا الوضع عندما تكون الوظيفة لدى إحدى شركات الطيران الكبرى، لكن في الفيلم الذي تؤديه أديل أكزاركوبولوس– بطلة فيلم عبداللطيف كشيش الحائز على السعفة الذهبية "الأزرق أدفأ الألوان" – الوضع مختلف، إذ أن البطلة تعمل لدى إحدى شركات الطيران الأوروبية المحلية. استوحى المخرجان قصة الفيلم من سفرهما على إحدى خطوط الطيران المحلية، وملاحظتهما لطاقم الطيران على تلك الطائرة، ورغم مشاركة الممثلة الشهيرة في بطولة الفيلم، إلا أن البقية من الممثلين غير المحترفين، بل أن تصوير الرحلة ذاتها استلزم موافقة الركاب على التصوير مقابل رحلة مجانية، وبذلك فإن معظم الظاهرين في الفيلم هم مسافرين حقيقيين. يبرز الفيلم الجانب غير الرومانسي للوظيفة الخاضعة للتنميط البصري معظم الوقت، فكثرة تنقل بطلته وسعيها لعلاقات عابرة يزيد من شعورها بالوحدة، بل وتصوير التدريبات التي يخضع لها الطاقم تضيف عليها ضغطًا عصبيًا خاصة عندما يطلب منها الابتسام دائمًا بينما تتحدث للركاب. هوس البطلة بالعمل الكثير يتكشف سببه لاحقًا عندما نعرف أي نوع من العائلات تمتلك وسبب هروبها الدائم من ملاقاتهم. يستخدم الفيلم أيضًا صورتين متناقضتين، بين حياتها الشخصية التي يجري تصويرها بموبايل أو مكالمة عبر الإنترنت وبين صور وظيفتها المنمقة التي تصور بشكل احترافي للغاية، ما يكشف عن مدى التناقض بين الحياتين.

ليبرتاد
إخراج:
ربما يكون ليبرتاد أيضًا من أضعف أفلام المسابقة، إذ أن حكايته التي تتناول ليبرتاد ابنة الخادمة التي تصادق نورا ابنة الأسرة الإسبانية البرجوازية وتنشأ بينهما صداقة معوقة بالتفاوت الطبقي قصة أعيد إنتاجها كثيرًا في الآونة الأخيرة. تنقلب حياة نورا رأسًا على عقب عند معرفتها بليبرتاد – التي يعني اسمها حرية باللغة الإسبانية – إذ تبدأ في الابتعاد تدريجيًا عن عالمها البرجوازي الرتيب وتكتشف عوالم الحرية التي حرمتها منها أمها المتسلطة بخوفها عليها. لكن ظهور تلك العلاقة على السطح سرعان ما يعرضها للخطر، إذ أن والدتي الشابتين تشعران بقلق من تلك الصداقة غير المتوازنة طبقيًا، والتي عادة لا تكتمل، لكن بسيرورة القصة، ورغم العقبات التي تحيل دون استمرار تلك الصداقة، إلا أن هناك أملًا في تغير أنماط تفكير كلا من الفتاتين عن تقاليد طبقتها. الفيلم على المستوى البصري يتميز بقطع حاد وصورة مهتزة تشابه في أسلوبها العديد من الأفلام المستقلة قليلة التكلفة.

إذًا يمكن الربط الآن بين بوستر الدورة الـ60 وبين كل بطلات الأفلام السبعة المشاركة في المسابقة، فبرغم تفاوت مستوياتهن الطبقية أو الاجتماعية أو مواقعهن الجغرافية أو أعمارهن، فكلهن ملاحقات من قوى مجتمعية أو سياسية أو حتى أسطورية. لكن ذلك الاهتمام بموضوع معين لكل الأفلام، خلق تفاوتًا في مستويات الأفلام، وربما قد يكون قد أضر بحجم وطليعية المسابقة ككل.

التعليقات :

أحدث المقالات