سامح سامي يكتب: مجلة الفيلم.. هذا لا يكفي أبدًا

سامح سامي 08 نوفمبر 2020 خمس سنوات في ثقافة السينما

الكاتب : سامح سامي


القاهرة بعد 50 سنة في مايو 2070
ربما تجد شارع المهراني مزدحمًا الآن من تدفق جمهور يأتي لمشاهدة مسرحية جديدة، تُعرض على مسرح استوديو ناصيبيان التاريخي، الذي أتمنى متوقعًا أن يسع 600 مقعد. في بدايته أوائل الألفية كان عدد مقاعده تناسب 150 متفرجا، وربما تجد أيضًا مبنى ضخمًا بجوار استوديو ناصيبيان مكتوبا عليه "أكاديمية النهضة للفنون والآداب". وقت كتابة هذا المقال كان الأب الفنان وليم سيدهم اليسوعي يفكر في إنشائه. وإذا تجولت قليلًا في شوارع الفجالة، وأنت خارج إلى شارع رمسيس الرئيسي، ستجد على يمينك مدرسة العائلة المقدسة، ستكون في 2070 لديها من العمر ما يقارب المائتين سنة. في تلك المدرسة بدأ نشاط صغير لعرض الأفلام ومناقشتها، فيما بعد أصبح معروفا باسم نادي سينما الجزويت العريق، الذي انتقلت عروضه إلى جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة" في 2009، رغبة في أن يكون أقرب إلى سينماتك، قائم على تنوع الأفلام لكسر هيمنة السينما الأمريكية، وفتح الباب أمام سينما الشعوب، مثل السينما الإيرانية والرومانية والإفريقية، وسينما أمريكا اللاتينية، وفقًا لما يتبناه "الجزويت" من فلسفة تخص تأثير ثقافة الصورة في التغيير. منه أنبثقت فكرة تأسيس "مجلة الفيلم"، حينما تقدم عام 2009 الناقد حسن شعراوي، مسئول النادي، إلى إدارة الجمعية بفكرة إصدار مجلة سينمائية غير دورية باسم "الفيلم"، تُعنى بثقافة السينما وفن الصورة، على أن يشرف عليها نادى السينما، واستقر الأمر وقتها على أن يتولى حسن شعراوى رئاسة التحرير التنفيذية، والكاتب الروائى فتحى إمبابى رئاسة التحرير من العدد الأول وحتى العدد السادس. وصدر العدد الأول في أغسطس 2014، ثم تشرفت في أغسطس 2016 برئاسة تحريرها منذ العدد السابع الذي كان موضوعه "الثورة وسينما الشعوب". وأتمنى متوقعًا أن تكون المجلة أصدرت حتى الآن 220 عددًا، أو أكثر إذا تحقق الحلم وأصبحت مجلة شهرية، وربما تجد في مكتبة جمعية النهضة مركزًا لثقافة الصورة ملاصقًا لها، يضم تلك الأعداد، مع توقع أن تجد كتبًا عديدة صدرت ضمن سلسلة كتاب مجلة الفيلم.
(2)
القاهرة في مايو ٢٠٢٠
لا تزال صناعة السينما المصرية، الهمّ الأكبر لمجلة الفيلم، تعاني؛ فالمحصلة أن السينما المصرية هي لقطة حلوة هنا ولقطة حلوة هناك، لكنها لقطات مبتورة تغلفها قطيعة وجدار عازل عن تراث السينما المصرية العظيم، وعاجزة عن التواصل الاجتماعي مع قضايا الناس، ممزوجة باضمحلال فكري أو فلسفي؛ فلا رؤية محققة ولا غرض إنسانيًا موجود.
سألت مرة: "هل السينما المصرية في أزمة؟"، وقلت: "نعم، الأزمة الأولى أنها لا تهتم بالفكرة، فلا تلتفت إلى الوعي، ولا تهتم بالتعبير عن قضايا الناس في مصر، بالطبع هناك استثناءات سينمائية بديعة، لكن لا تشكّل تيارًا، ولا تخلق حالة سينمائية متفردة في مصر، بل هي جهد هنا، وجهد هناك.. فهي سينما حدثت لها قطيعة معرفية كبرى بالسينما المصرية، التي كانت رائدة ومجددة، وكذلك واقع سينمائي حادث الآن يقف عند حافة المنحدر، وليس في المنحدر ذاته".. فالواقع السينمائي للاسف يهتم بتقنيات جمالية، ربما تكون مبهرة، دون الاهتمام بالفكرة، بعصب الفيلم، بالحبكة، والذي يهتم بـ"رص" النجوم في أفيش فيلم باهت، لا يقول شيئًا، ولا يتذكره المشاهد فور خروجه من العرض.
ولا تزال الصحافة المصرية تعاني؛ لأنه لا حرية متحققة، ولا ضمير شرط الكتابة متبلور عند معظم الصحفيين الآن. الاستسهال والسطحية هما سيد الموقف.
ولا يزال الوضع القائم كله يعاني؛ لأن المجتمع كله يعاني من قيود سياسية واجتماعية وفكرية، والنتيجة أن الجمال على الهامش والإبداع والجرأة في الأدراج أو داخل بعض العقول محصورة بأقفال من حديد ومن حبال الخوف المتشابك. مجتمع أكله السوس، في كل جوانبه، عبر زمان ممتد من التجريف المعرفي، ومحكوم بفكر غير مستنير، بتعليم رجعي، وبرقابة ذاتية وإدارية، وبفكر مجتمعي لا يهتم بالثقافة والفن، وباقتصاد تجاري نفعي لا يؤمن بمسئوليته الاجتماعية، بمثقفين لا يعرفون دورهم "غير مستقلين.. يميلون دومًا للسلطة"، بمناخ ومجال عام لا يشجعان على الإبداع إلا فيما ندر.
لذلك كان الهدف الأساسي من إصدار "مجلة الفيلم" تفكيك كل تلك المعاناة الحادثة في صناعة السينما وفي المجتمع، خاصة في تهميش الثقافة السينمائية، والمشاركة في أمرين، الأول يخص المشاركة فى الثقافة السينمائية وإتاحتها للقارئ العربى، ورفع مستوى التذوق الفنى والنقدي، والثانى تقديم ما يفيد صنّاع السينما المصرية التى بالضرورة تسهم فى تلك الصناعة".
والمشاركة في رفع مستوى الصحافة الثقافية والفنية، وكذلك البحث السينمائي الذي يقبع بخجل داخل أروقة المعاهد المتخصصة، فلا يعرفه صنّاع السينما، ولا يطلع عليه القارئ العادي، فضلا عن الاهتمام بالفوتوغرافيا، وهو الجانب المهمل في النقد السينمائي الذي يركز فقط على الإفلام وصناعة السينما.
(3)
القاهرة في مايو 2070
عزيزي القارئ، إذا وجدت أن المجلة حادت عن هذا الخط، وبدأت تهتم بأشكال الصحافة الفنية الهابطة، رجاء أرسل تعليقك إلى مسئولي المجلة الآن وذكرهم بهذا المقال، وبأهداف تأسيس المجلة. وأتصور أن إدارة جمعية النهضة التي تصدر المجلة - إذا كانت تسير بالمنهج نفسه - ستأخذ رأيك بعين الاعتبار.
وأتخيل أن الوضع القائم منذ خمسين عاما قد تغير الآن؛ فالناس لا يمكن أن تستمر هكذا.. وأتخيل متمنيًا أن هناك تيارًا مغايرًا في صناعة السينما أخذ وضعًا مكّنه من تقديم أفلام إنسانية ممتعة، فأصبح قادرا على حل إشكالية كيفية صناعة فيلم يعبر عن قضايا الناس، وينتمي لوضعنا الاجتماعي، وفي الوقت نفسه ممتع وجماهيري.
(4)
في مايو 2020
في هذا العدد الذي يجيء احتفالًا بمرور 5 سنوات على تأسيس المجلة، ننشر دراسة مهمة وفريدة من نوعها كتبها الدكتور مجدي عبد الرحمن عن مجلات السينما في مصر.. وهي دراسة تؤسس لمعرفة تاريخ المجلات السينمائية عبر بحث متقن، وأشارت إلى نقطة مهمة تخص دور تقوم به مجلة الفيلم.. فتحت تحت عنوان ظهور النقاد السينمائيين، يقول دكتور مجدي عبد الرحمن: "وإذا اعتبرنا أن المجلات السينمائية معاهد أساسية لتفريخ النقاد السينمائيين الجادين، فإن اهتمامات الناقد السينمائي الأساسية تنصبُّ على تحليله للسيناريو وشكل المناظر والإضاءة واختيار الممثلين وملابسهم واختيار المناظر الخارجية. والنقد السينمائي بهذا المعنى يحاول أن يفسر أو يوضح العمل الفني، فالنقد التفسيري ضروري؛ نظرًا لطبيعة الفن ذاته.. بهذا لابد أن يكون للناقد معيار يعرف به الجودة الفنية ويقيسها. وربما كان أغلب من قاموا بهذه المهنة في بواكير صناعة السينما المصرية التزموا أكثر بالنقد الانطباعي، أي كتابات تعد أوصافا لاستجابات الناقد ذاته. وقد ارتبط بعض المثقفين النقاد بعد ذلك بنظريات التوليف، سواء عند بودوفكين أو أيزانشتين، كما ارتبطوا أيضاً بمسألة التأليفية السينمائية أو سينما المؤلف، وأجروا دراسات عن أورسون ويلز، ورينوار، وبيلي، وايلدروهيتشكوك".
(5)
رسالة إلى محمد توفيق
من القاهرة 2020 إلى القاهرة 1923
هو صاحب مجلة "الصور المتحركة" عام 1923 أول مجلة سينمائية متخصصة في مصر والعالم العربي، ولعلها الأولى في العالم كله، حسب دراسة دكتور مجدي عبد الرحمن:
توليت رئاسة تحرير مجلة الفيلم في 2016، وهي قوية ومهمة لعدة أسباب، منها: أنها تصدر عن مكان تنويري ثقافي في الأساس، هي جمعية النهضة العلمية والثقافية، القائمة على روح ومن نور استوديو ناصيبيان التاريخي، والتي يقودها راهب فنان داعم ومؤسس لكل التجارب الجريئة وحالم بمجتمع تنويري ثقافي، هو الأب وليم سيدهم اليسوعي، ولوجود حسن شعراوي مؤسس المجلة عاشق السينما، ومعه الفنان أحمد عبد الباقي المدير الفني للمجلة، والذي يعمل كل عدد بجد وإخلاص وحب.
لذلك حينما توليت رئاسة التحرير على طبق من فضة، أخذت من مجدها وتنعّمت بفضلها في اكتشاف نفسي واكتشاف الآخرين.. وسعيد بهذه التجربة العظيمة، رغم أن كل شيء نسبي، والخطأ أو التقصير وارد في أي عمل بشري، خاصة أننا نعاني من وجود بشر حول المجلة لا يعرفون قيمة الجمال، ولا يهتمون بالدقة، ولا يشغلون بالهم بالجودة.. ويهمني أن تعلم أن مسئولي المجلة يضعون منذ العدد الأول التجارب السابقة، خاصة تجربتك المصرية في تأسيس مجلة الصور المتحركة، وهي أن تكون المجلة داعمة لصناعة سينما مختلفة، وليست انعكاسا للسينما الموجودة التجارية، وإنما تقف وراء محاولات سينمائية تعتمد على الفكرة، وتطمح للحرية، وأن تكون بوصلة لسينما بديلة، همُّها التعبير عن هموم الناس. سينما فكرية تحتفل بالتغيير والثقافة، فلا تنتمى لتيار شديد القبح، يريد لعقول الناس أن تظل خارج قاعات السينما بحجة "التسلية".
وأرجو يا أستاذ محمد وأنت تتنعم في السماء أن ترى المجلة وتنال إعجابك، وتكون كما حلمت بتأسيس أول مجلة متخصصة في السينما.
وأخيرًا.. هذا العدد إهداء منا إلى الناقد الكبير محسن ويفي، رئيس جمعية نقاد السينما المصريين، الذي رحل مؤخرًا، وربما تعرَّفت عليه في سماك، فهو كان يشارك معنا بفعالية في اجتماعات التحرير وبقلمه الجاد.

التعليقات :

أحدث المقالات