الكاتب : شريف وهبه
أذكر يوم عرض هذا الفيلم أن دعتني له صديقتي الراحلة الكاتبة (أمل رمسيس)، وكنت أحب الفنان (أحمد ذكي) حبا جما، وأعرف الأستاذ (داوود عبد السيد) معرفة جيده من أعماله السابقة ولا سيما رائعة (الكيت كات)، لكني خرجت من هذا العمل أعشق الأستاذ عبد السيد وقد قبلت تحديه أن أفهم هذا العمل وأدركه، ولا أخفيكم سرا ظللت سنوات اشاهد هذا الفيلم وأعتقد أني تجاوزت المائة مره مشاهدة، وإلى يومنا هذا كلما شاهدت الفيلم أدرك فيه أبعادا جديده لم أشاهدها من قبل.
بعد مرور أكثر من ربع قرن على إنتاج رائعة الأستاذ (داوود عبد السيد) (أرض الخوف- مارس ٢٠٠٠) وأولى ثلاثيته الشهيرة (أرض الخوف- رسايل البحر- قدرات غير عادية) وهي ثلاثية بحث في الانسان عن ذاته وهي تحمل بطلا واحدا هو (يحي)، يظل هذا الفيلم واحدا من افضل الأفلام السينمائية المصرية، والذي فيه يعاني (يحي) بطل الفيلم (يحي أبو دبورة- يحي المنقبادي) تحت الاسم المستعار (أدم) الهارب من جنة الإله إلى (أرض الخوف)، وهو الفيلم المصري المكتمل في الربع الأول من هذا القرن، السيناريو المكتمل الممزوج بكل العناصر الفنية المكتملة من الإخراج المتميز لمؤلفة ومبدعة الأستاذ داوود عبد السيد، والصورة المكتملة للرائع سمير بهزان، ممزوجا بموسيقي مكتملة النواحي للموسيقار راجح داوود، مونتاج العبقري الراحل الدكتور عادل منير، والديكور للمتميز جدا أنسي أبوسيف، وفي النهاية التمثيل للأسطورة أحمد زكي مع عدد من الممثلين الرائعين عزت أبو عوف، فرح، حمدي غيث، عبد الرحمن أبو زهرة، وبالطبع الإنتاج للمنتج صاحب التجارب الرائدة حسين القلا.
هذا السيناريو المكتمل الذي امتزج بعناصره المكتملة صنعت منه الفيلم المكتمل، ولعل أبرز ما قدمه المخرج هو تسكين الممثلين في الأدوار مما جعل منه نابضا بشخصياته التي جعلت من الفيلم أيقونه سينمائية، وقد احتل المرتبة ٤٨ في قائمة دبي السينمائية، ولو كانت قائمة المئة فيلم المصرية وضعت بعد هذا التاريخ لكان هذا الفيلم في المرتبة الأولى، كما حصل فيلمه الكيت كات على الترتيب ٢٤ فيها.
قدم عبد السيد الصراع الأزلي الأبدي بين الخير والشر، بين السماء والأرض، ممزوجا بصراع بشري مؤلف من الطبيعة الإلهية التي وضعت أثناء الخلق في الإنسان الذي يمثله أدم، وهو يجتاز رحلته عبر الدرب الذي وضعته فيه الإرادة الإلهية متمثل في رحلته عبر أرض الخوف، بعد أن قرر بإرادته نتيجة قبوله المهمة الانتحارية، أن يجتاز الخطيئة رغبة منه في كشفها، وفي ذاته رغبة متخفية للتمتع بتلك اللذة التي تنتجها هذه الخطيئة تحت ستار السعي نحو الخير.
قدم عبد السيد طبيعة الإنسان التي تتخفي تحت ستار الخير متعلقة ببعض اللذة في التمتع الوقتي بممارسة الخطيئة في إطار فلسفي شفاف ورائع، وقد قدم تحليله معتمدا قصة أدم أبو الإنسانية، ولعل الاختيار هو واحدا من مفاتيح هذا العمل، فلكل من بني أدم له اختيار يحاسب على نتائجه ولا يحاسب على نياته، فلا أستطيع إلا أن أجد في هذه التجربة نموذج بشري يقدمه (يحي- أدم) بطل الفيلم نيابة عن كل البشر في تحدى واضح للنفس وقبول هذا التحدي هي تجربة أخرى يتحملها كل بشر، فتكون النتيجة أن قبول (يحي- أدم) بطل الفيلم لهذا الاختبار ونتيجة قبوله هي تجربة فردية يحاسب عليها (يحي- أدم) البطل، كما يحاسب عليها كل بني أدم، فليس هناك تجربة عامة بل هي شخصية وخاصة، لكن التحدي العام الذي ورثة (أدم) أبو البشر لكل البشر يحتاج إلى قبوله بشكل شخصي لكل بني أدم ليصبح فردية الاختبار هي التي يحسب عليها كل بني أدم.
وفي النهاية لم يكن لهذا العمل زن يكتمل إلا برؤية صاحب العمل المؤلف والمخرج، ليقدم لنا تلك التجربة العامة لكل البشر ويحولها لتجربة خاصة بكل بشر، فيصبح هذا العمل المكتمل أيقونة السينما المصرية بموضوعه الفريد الذي أكتمل بعناصره الفنية فأصبح أسطورة باقية في تاريخ السينما المصرية.
سيناريست ومخرج