أرض الخوف

شريف وهبه 28 سبتمبر 2025 السيناريو

الكاتب : شريف وهبه
أرض الخوف... الفيلم المكتمل بعد ربع قرن


أرض الخوف... الفيلم المكتمل بعد ربع قرن

أذكر يوم عرض هذا الفيلم أن دعتني إليه صديقتي الراحلة الكاتبة (أمل رمسيس)، وكنت أحب الفنان (أحمد زكي) حباً جماً، وأعرف الأستاذ (داوود عبد السيد) معرفة جيدة من أعماله السابقة ولا سيما رائعة (الكيت كات). لكني خرجت من هذا العمل أعشق الأستاذ عبد السيد وقد قبلت تحديه أن أفهم هذا العمل وأدركه. ولا أخفيكم سراً، ظللت سنوات أشاهد هذا الفيلم وأعتقد أني تجاوزت المائة مرة مشاهدة، وإلى يومنا هذا كلما شاهدت الفيلم أدرك فيه أبعاداً جديدة لم أشاهدها من قبل.

فبعد مرور أكثر من ربع قرن على إنتاج رائعة الأستاذ (داوود عبد السيد) (أرض الخوف - مارس 2000)، وأولى ثلاثيته الشهيرة (أرض الخوف - رسائل البحر - قدرات غير عادية) وهي ثلاثية بحث في الإنسان عن ذاته وتحمل بطلاً واحداً هو (يحيى)، يظل هذا الفيلم واحداً من أفضل الأفلام السينمائية المصرية. ففيه يعاني (يحيى) بطل الفيلم (يحيى أبو دبورة - يحيى المنقبادي) تحت الاسم المستعار (آدم) الهارب من جنة الإله إلى (أرض الخوف)، وهو الفيلم المصري المكتمل في الربع الأول من هذا القرن. السيناريو المكتمل الممزوج بكل العناصر الفنية المكتملة، من الإخراج المتميز لمؤلفه ومبدعه الأستاذ داوود عبد السيد، والصورة المكتملة للرائع سمير بهزان، ممزوجاً بموسيقى مكتملة النواحي للموسيقار راجح داوود، ومونتاج العبقري الراحل الدكتور عادل منير، والديكور للمتميز جداً أنسي أبو سيف. وفي النهاية، التمثيل للأسطورة أحمد زكي مع عدد من الممثلين الرائعين: عزت أبو عوف، فرح، حمدي غيث، عبد الرحمن أبو زهرة، وبالطبع الإنتاج للمنتج صاحب التجارب الرائدة حسين القلا.

هذا السيناريو المكتمل الذي امتزج بعناصره المكتملة صنعت منه الفيلم المكتمل، ولعل أبرز ما قدمه المخرج هو تسكين الممثلين في الأدوار مما جعله نابضاً بشخصياته التي جعلت من الفيلم أيقونة سينمائية. وقد احتل المرتبة 48 في قائمة دبي السينمائية. ولو كانت قائمة المئة فيلم المصرية وُضعت بعد هذا التاريخ، لكان هذا الفيلم في المرتبة الأولى، كما حصل فيلمه (الكيت كات) على الترتيب 24 فيها.

قدم عبد السيد الصراع الأزلي الأبدي بين الخير والشر، بين السماء والأرض، ممزوجاً بصراع بشري مؤلف من الطبيعة الإلهية التي وُضعت أثناء الخلق في الإنسان الذي يمثله آدم، وهو يجتاز رحلته عبر الدرب الذي وضعته فيه الإرادة الإلهية متمثلاً في رحلته عبر أرض الخوف، بعد أن قرر بإرادته، نتيجة قبوله المهمة الانتحارية، أن يجتاز الخطيئة رغبة منه في كشفها، وفي ذاته رغبة متخفية للتمتع بتلك اللذة التي تنتجها هذه الخطيئة تحت ستار السعي نحو الخير.

قدم عبد السيد طبيعة الإنسان التي تتخفى تحت ستار الخير متعلقة ببعض اللذة في التمتع الوقتي بممارسة الخطيئة في إطار فلسفي شفاف ورائع. وقد قدم تحليله معتمداً قصة آدم أبي الإنسانية. ولعل الاختيار هو واحد من مفاتيح هذا العمل، فلكل من بني آدم اختيار يُحاسَب على نتائجه ولا يُحاسَب على نياته. فلا أستطيع إلا أن أجد في هذه التجربة نموذجاً بشرياً يقدمه (يحيى-آدم) بطل الفيلم نيابة عن كل البشر في تحدٍّ واضح للنفس. وقبول هذا التحدي هو تجربة أخرى يتحملها كل بشر. فتكون النتيجة أن قبول (يحيى-آدم) بطل الفيلم لهذا الاختبار ونتيجة قبوله هي تجربة فردية يُحاسَب عليها (يحيى-آدم) البطل، كما يُحاسَب عليها كل بني آدم. فليست هناك تجربة عامة بل هي شخصية وخاصة، لكن التحدي العام الذي ورثه (آدم) أبو البشر لكل البشر يحتاج إلى قبوله بشكل شخصي لكل بني آدم، لتصبح فردية الاختبار هي التي يُحاسَب عليها كل بني آدم.

وفي النهاية، لم يكن لهذا العمل أن يكتمل إلا برؤية صاحب العمل المؤلف والمخرج، ليقدم لنا تلك التجربة العامة لكل البشر ويحولها لتجربة خاصة بكل بشري، ليصبح هذا العمل المكتمل أيقونة السينما المصرية بموضوعه الفريد الذي اكتمل بعناصره الفنية فأصبح أسطورة باقية في تاريخ السينما المصرية.

شريف وهبة
سيناريست ومخرج

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات