الكاتب : حجاج أدول
حجاج أدّول يكتب:
تابعنا إبهار أفلام الغرب الأمريكي (الويسترن).. تابعناها بشغف بداية من نجمها جاري كوبر الذي حصد جائرة الأوسكار عن فيلمه (العريف يورك Sergeant York) 1941، لكن فيلمه الأشهر هو (ظهيرة مشتعلة High Noon) 1952. ثم سطع الممثل جون وين في فيلم (عربة الجياد Stagecoach) 1939، رغم أنه حصد الأوسكار عام 1969عن فيلم (عزم حقيقي True Grit). وتتوالى أفلام الويسترن، وإذا بفيلم (الطيب والشرس والقبيح 1966) بطولة النجم كلينت أيستوود وإخراج سيرجيو ليوني. إذا به يسطع ويحتل القمة، رغم النقد الشديد له في بدايات عرضه. وتتوالى أفلام الويسترن التي صارت أسطورة ممتدة، ومناجم ذهب للمنتجين، وسماوات بهجة للمشاهدين، فأدمنوها واشتاقوا لها شوقا هائلا لا يشبع.
أفلام الويسترن مع توالي إنتاجها الفاتن، صارت لها أسس تُبنَى عليها ونشاهدها غالبا في هذه الأفلام الشيقة. أسس ممكن أن نفتقد بندا أو اثنين من بنودها، لكن بقية البنود حتما ستكون موجودة، تنطلق منها الأحداث، أو تأتي لها أو تنتهي بها. ومن أهم تلك الأسس:
الأبطال الفاتنون: بطل الفيلم له شروط يجب استكمالها، أن يكون مظهره الخارجي نموذجا يسيطر على أذهان النساء والرجال معا، قوة ورشاقة جسد ووجه وسيم، مع ذكاء وطيبة ومهارة في القتال، سواء باللكمات أو بإطلاق النار. يضاف لهذه البنود، بند يُحس بالشعور، الجاذبية الفطرية المنبعثة من الداخل، أي القبول (الكاريزما)، بكل هذه العوامل الخارجية والداخلية، يكون لهذا البطل جاذبية فاتنة للنساء وخاصة الفتيات، وبالنسبة للرجال والشباب خاصة، هو النموذج الذي يتماهون معه ويتخيلون أنهم هو. وبناء على وجود الكاريزما برسوخ، يمكن التغاضي عن خفوت بند من البنود، مثل قوة الجسد أو الرشاقة أو الوسامة.
في زمن طفولتنا بالإسكندرية، كنا نطلق لقب الوله (الولد) على بطل الفيلم، فنقول.. "الوله راح ضارب زعيم العصابة (بونية)، طاااخ وقعه ع الأرض ...إلخ". والوله (الولد) في المفهوم الشعبي هو القوي الجريء، هو البطل. فنقول "آه يا بلد عايزة ولد". أو "عايزة ولد شارب من بز أمه". أو "دا ولد خُلاصَة". وحين نعجب برجل أو شاب نقول.. "يا وَلَدْ". وخلال حصارنا للثغرة وقت حرب 73، كنا على ضفة ترعة (نفيشة) على مشارف الإسماعيلية، نحن على ضفة والعدو على الضفة الأخرى، شيء مصغر من مجرى قناة السويس. بالقرب من البيت الذي بناه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وبجواره ثلاث دبابات إسرائيلية تم نسفها. في الليل كان زميلنا عبد العال وهو من فلاحي الدلتا، (عبد العال هذا بطل من أبطال الحرب، بخلاف عبد العال المحفلط المنافق إياه، اللي بالي بالك) كان في قلب الليل وهو في نوبة حراسة، يصيح فجأة: "يااااولد"، فكان بعضنا الذي في نوبات الحراسة المتناثرة، يجيبونه بنفس النداء "يااااولد". فوجئنا ذات ليلة في الجانب الآخر من الترعة، بجندي إسرائيلي يردد نفس النداء "يااااولد"! فضحكنا، مؤكد أن هذا الجندي الإسرائيلي من أصول عربية. وتوجد أغنية نائحية تقول: "ياعيني ع الولد". وفي القاهرة وقتها كان يقال عن بطل الفيلم (الشجيع) ونذكر هنا بيتا من أوبريت الليلة الكبيرة، للفنان متعدد المواهب صلاح جاهين (أنا شجيع السيما، أبو شنب بريمة).
بطلة الأفلام نفس الشيء، المطلوب منها أن تكون نموذجا يسيطر على أذهان الرجال والنساء معا، تمتلك الجمال والرشاقة، مع جاذبية فطرية منبعثة من داخلها، أي الكاريزما، فتكون فاتنة للرجال وخاصة للشباب منهم، والنساء والشابات، تكون لهن النموذج الذي يندمجون معها ويتعايشون، وتتخيل كلّ منهن أنها هي تلك الممثلة الرائعة. والبطلة يتم اختيارها من ذوي الجمال الملائكي، فهي غالبا ستقوم بتمثيل الطيبة النسائية الإنسانية.
المبارزات: في تلك الأفلام الساحرة، كل بيت يحوي بندقية أو أكثر، وكل رجل في حزامه جراب يحوي مسدسا محشوا، وهو مستعد لإطلاق النار في أية لحظة، ونادرا ما يخلو فيلم من مبارزة ثنائية بين بطل الفيلم وعدوه الشرير، أو بين بطل الفيلم والبطل الثانوي الذي اضطرتهما الظروف أن يتقاتلا. المشهد.. شارع من شوارع البلدة ذات البيوت الخشبية الواطئة. الخصمان كلٌّ منهما على رأسه طاقية الغرب ذات الحواف العريضة، التي صارت تكساسية الاسم، والقميص، وربما على القميص الصديري. والسروال الخشن والحذاء المتين عالي الجوانب والكعب. يتمنطق كل غريم بحزام يتدلى منه جراب بداخله المسدس التقليدي أبو ساقية، وأحيانا يكون جرابان في الحزام ومسدسان. يتقدم الغريمان من بعضهما. الخطوات هادئة في مظهرها، لكن الغريمين في انتباه وتوتر ما قبل إطلاق النار.
سكان البلدة.. منهم من يهرع لداخل البيوت، ومنهم من يتابع وهو بعيد نوعا ما. وربما بطلة الفيلم الجميلة تتابع، ووجهها الفاتن يظهر مدى رعبها على حبيبها بطل الفيلم. يستمر الغريمان في التقدم وأعينهما تتركز في بعضها. يتقدمان لمسافة هي الأمثل لإطلاق النار. يشهران مسدسيهما في سرعة ويطلقان النار.. بانج بانج (أصوات طلقات النار من مسدس أو من المسدسين)، والفائز هو الأسرع، والأبطأ يتلقى الطلقة ويسقط ميتا، والميت بالطبع هو الشرير، أو الغريم الذي أوقعته الظروف ليبارز الشجيع بطل الفيلم.
المبارزة في تلك الأفلام حتمية "كاوبُووِيّة" تقع بين اثنين ونادرا بين ثلاثة مثل فيلم الطيب والشرس والقبيح. وسبب المبارزات أن أحدهم أهان الآخر، فيتحدى المُهان من أهانه في مبارزة رصاصية، أو أنَّ كُلا منهما يقرر أنه الأسرع في سحب المسدس وإطلاق النار، وعليه يجب أن تتم المبارزة بين المتحديين لبيان من هو الأسرع! أما الأبطأ فيستبعد من الساحة تماما، هذا لأنه سينال طلقة في صدره ويموت. وشاهدت فيلم كاوبوى شهيراً اسمه (أسرع الرماة The fastest gun alive)، بطولة جلين فورد، وكان بطل الفيلم مشهورا بأنه أسرع الرماة على الإطلاق، لذا فكل شاب سريع في إطلاق النار يغار من سيرة هذا البطل المشهود له بأنه الأسرع، فيذهب إلى البلدة التي يعيش فيها الأسرع - وأنا أحكي من الذاكرة - ويتحداه ليبارزه فيقتله، وبهذا يكون هو الأشهر في سرعة إطلاق النار. ولما زهقت البلدة من كثرة الآتين للمبارزة، ويقوم بطلهم جلين فورد بقتلهم واحدا بعد الآخر، قررت بعد المبارزة الأخيرة، التي فاز فيها بطلهم، أن تدعي أن المتحدي مات، وأيضا أشهر الرماة مات، فالاثنان أطلقا النار في وقت واحد. حفروا مقبرة زائفة وضعوا عليها شاهد قبر مكتوب فيه اسم أشهر الرماة، "فيا ناس لقد مات أشهر الرماة، فلا يأتي متحد هنا بعد الآن".
وإطلاق الرصاص هنا سينمائي تماما، فكل كاوبوي يطلق النار والمسدس على مستوى حزامه، أي لا يرفع المسدس عاليا أمام عينيه ليحدد الهدف، فلا وقت عنده، ثم هو بطل كاوبوى حريف، لا يحتاج للدقة في إطلاق النار، فالدقة موهبة فطرية فيلمية وهبها المنتج والمخرج للبطل الويسترني؟! ثم إن الحكم على الفيلم كما قلنا سابقا، ليس من جانب الواقعية الحياتية، بل من داخل الواقعية الفنية للفيلم. وبناء عليه، فإن بطل الكاوبوي سريع إشهار المسدس، سريع إطلاق النار، بدون أن يركز في موضع التصويب، يستطيع أن يحدد أين تستقر رصاصته، فبإمكانه أن يضع الرصاصة في قلب غريمه تماما، وباستطاعته أن يصيب الغريم في ساقه أو ذراعه أو كف يده القابضة على المسدس، بل يستطيع - إن أراد- أن تصيب الرصاصة مسدس غريمه فيطير المسدس من يده، وبدون أي خدش لكف الغريم! "أيوووه"، وهو لفظ تعجب سكندري، وبالأمريكاني "وااو".
امتلأت أفلام الكاوبوي بهذه المبارزات وصارت من أساسياتها. وهي مبارزات فعلا شيقة، فهي واقعية سينمائية مدهشة، فالمتفرج داخل السينما لا يشاهد فيلم كاوبوي خاصة وهو ناءٍ عنه، بل يعيش في الفيلم وكأنه من سكان البلدة الغربية، حيث الكل يحمل السلاح، وهو حين يندمج في الفيلم، خاصة لو كان طفلا أو فتى في عمر المراهقة، يشعر أنه أيضا يتمنطق بالحزام حاملاً جراب المسدس أبو ساقية والمحشو بالرصاص. يعيش بينهم ويتوتر وهو يراقب مشاهد المبارزات ويتشوق ليرى نهاية المبارزة، ولا يخاف مثل أغلب سكان البلدة الذين يتوارون حتى لا تصيبهم طلقة طائشة، هو فقط يقلق لأن الفيلم لم يعطه التأكيد التام أن (الوله) بطل الفيلم سينتصر. ثم .. بانج بانج. يسقط الشرير أرضا، ونرى وجه البطل وهو ينظر للقتيل نظرات استعلاء لا نظرات شريرة. نظرات من قام بالواجب، لا نظرات قاتل شرس.
البار: الجنس والمال من براكين الحياة. والجنس يتركز في البارات التي تحوي نساء المتعة. وبار الويسترن متسع وله طابق علوي بسلم جانبي واسع أنيق. ويستغل السلم خلال المشاجرات المتتابعة التي تدور في البار، فتقع على درجاته وبسطاته اشتباكات باللكمات، وسقوط لأسفل وأيضا مبارزات بالمسدسات والبنادق. البار يجب أن يكون بابه قصيرا، بحيث يستطيع الواقف في الخارج أن يرى الداخل والعكس. باب مزدوج ينفتح على الناحيتين للداخل وللخارج، أي باب طيع وملائم للمشاجرات، بحيث حين يُلقى بأحدهم للخارج، ينفتح الباب سامحا للملقَى أن ينقذف خارجا في مشهد جميل وإن كان دمويا. بار الويسترن، نبع درامي تراجيدي لا ينضب، مثله مثل ميادين القتال، حيث تتجلى وحشية الإنسان وقوته وقسوته وجبروته وجانب من نبله. لاحظ أن بارات الأفلام المصرية الشعبية، أغلبها على هذا المنوال، فهناك بارات الويسترن، وهنا بارات الإيسترن الشعبية، وفيها القوة البدنية هي الأساس، لذلك فأشهر تلك الأفلام تدور حول تجار الحشيش والعصابات، والتي قام ببطولة عدد منها فريد شوقي ومحمود المليجي، والبطلات هدى سلطان وعدد من الراقصات، ومثل بارات الويسترن نجد بارات الإيسترن محشوة بالمغنيات والراقصات، وقليلا ما نجد فتاة متعة صريحة، لكن نجدها فنانة راقصة، لها ملكات في الهنك والرنك.
البارات في أفلام الويسترن هي ميدان قتال وبنود أخرى، فيها القتال موت أو حياة. فالبارات بكل أنواعها أساسها الخمر، والخمر تذيب الرسميات وتبخر الخجل، وتُنحِّي الحواجز وتبعد المظاهر، فينطلق ما في قرار الإنسان انطلاقات غير منضبطة، ويظهر كل شارب جميع ما فيه من كراهيات ومحبات، كل ما فيه من ضيق ومن قلق ومن رفض، وفي البارات الرجال مستعدون لإذابة النشا وفك ربطات العنق الحقيقية والرمزية، مقبلون على المتعة في الخمر والتفكه والسخريات والالتهاب الجنسي، والنساء في البارات زبائن أو عاملات، جميلات وغير جميلات، المهم أن أجسادهن موجودة بمنطلقها الجنسي، سواء كانت أجسادا مستعدة للعطاء بثمن أو بمزاج خالص، أو بالعطاء الموحي المغري جنسيا فقط. وفي البارات توجد أوراق لعب القمار، والقمار انفعالات داخلية وخارجية، وربما الخاسر يرفض الخسارة، ويتهم منافسه الفائز بالغش، ويثور ويطلق النار، أو يسبقه من اتُّهِم بالغش ويطلق عليه النار. وسواء المعركة سببها القمار، أو التنافس على فتاة، أو احتكاك سكارى بسبب تافه، أو لوجود مؤامرة مسبقة لقتل بطل الفيلم أو غيره، المهم أن معركة دموية تحدث، ويصير البار ميدان قتال بأي حال.
فتنطلق معركة الحانات، اللكمات تندفع فتصدر أصواتها المعروفة، وتتطور للضرب بزجاجات الخمر والمقاعد والطاولات فتسيل الدماء من الأنوف والأفواه. تشتد المعارك في حركات سريعة ومطاردات داخل البار الواسع، ويُستخدم السلم الصاعد للدور العلوي، فيتم قذف أكثر من رجل من الدور العلوي للسفلي، ليسقط على مائدة فتتهشم. تتصاعد المعارك فتشهر المسدسات وتنتهي المعركة بالبانج بانج لتسيل دماء القتلى والجرحى.
سؤال: هل هناك فيلم ويسترن خال من البار؟ ربما. وإن تحقَّقَت "ربما"، فسيكون هذا الفيلم هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. والقاعدة هي وجود البارات في تلك الأفلام.
الكنيسة: عكس البار، فهي المكان الهادئ، حيث تخفت الصراعات الدموية، أو تكتم إلى حين. وفيها القس وهو في الغالب طيب يقف مع الخيرين. والكنيسة ليست بالمكان الدرامي الأساسي في أفلام الويسترن، لكن هذا لا يمنع أن تكون داخلها مشهد أو أكثر، يكون مؤثرا تأثيرا أساسيا في مجريات الشخصيات، وبالتالي في الفيلم نفسه.
الشريف: الشريف هو في الغالب صاحب الشارة الدالة على مركزه كحاكم لبلدة الكاوبوي، فهو العمدة ورجل الشرطة معا. هو رئيس الجمهورية ومنفذ القانون الحامي للقاطنين في البلدة. والشريف كثيرا ما يكون في هذه الأفلام سلبيا، فيميل مع صاحب الأراضي الشاسعة ورؤوس الماشية التي لا تعد، أو صاحب منجم الذهب، أي رأس المال المتوحش. وأحيانا يكون عاديا باهتا، أي إمعة يساير الأقوى. وأحيانا يكون هو بطل الفيلم الطيب والقادر على استخدام المسدس وقبضته في سبيل استتباب الأمن، وإن اضطر أن يجابه عصابة الأشرار، فهو يجابههم بمهارة وشجاعة. والشريف هنا شريف مرن، فهو كثيرا ما يستخدم طرقه الخاصة في استتباب الأمن، ومهما كانت مكانة الشريف، فبلدة الكاوبوي يتحكم فيها انطلاقة الفردية، والبلدة معبأة بدوافع الحياة في أقصى عنفوانها، فتكون الدراما البشرية ساخنة نارية دموية، إنها أمريكا حاملة شعلة الثقافة العدوانية. وهي مشعلة الحرائق، وتشعل الطموحات التي لا تحدها حدود، فتتطور البلدة الكاوبوويّة لتكون مدناً عصرية غنية مبهجة مرعبة مربحة، مدن بها ناطحات السحاب ومدن الملاهي المتفردة. مدن هي الأكثر تطورا وهي الأكثر اتساعا والأعلى ارتفاعا، بل وتحتوي على المتاحف المتفردة والمسارح المحترمة وغير المحترمة. إنها مدن الكاوبوي التي ليس مثلها مدن، ثم أليس رئيس جمهوريتها السابق دونالد ترامب، هو كاوبوى بدرجة رئيس جمهورية؟!
الخيول: وهي من أساسيات تلك الأفلام. فلا أفلام كاوبوى بدون خيول. البطل لا ينفصل عن جواده. شوارع البلدة وسيلة مواصلاتها هي الخيول. المطاردات بالخيول. الإسراع للغرب على الخيول وعلى العربات التي تجرها الخيول. والخيول رومانسية الخِلقة. تعطي فرصا لجمال المشهد وعنف القتال وتدفقه. وفيلم من أشهر الأفلام عن الغرب الأميركي هو فيلم (عربة الجياد)، فالفيلم أساسه تلك العربة التي تجرها الجياد وحولها الأبطال وأشهرهم النجم جون وين.
يكفي الخيول تيها إن أدركت ذلك، يكفيها أننا حين نسمع جملة.. أفلام الويسترن، فإن الصور الذهنية التي تتداعي ونكاد نراها رأي العين.. من أهمها صورة بطل الكاوبوي بملبسه المعهود ممتطيا حصانه.
الأشرار وعصابات اللصوص: كثيرون من قاموا بأدوار الشر في أفلام الويسترن، ومن أشهرهم لي فان كليف الذي اشتهر بفيلم (الطيب والشرس القبيح)، فملامح كليف ملائمة لتلك الأفلام، ويذكرنا هذا بوجه الممثل جاك بالانس وهو ممثل قدير، قام بأداء فيلم الكاوبوي الكوميدي سيتي سليكزر، أبناء المدن، وحصل على أوسكار أحسن ممثل مساعد. وبالطبع يوجد غير كليف وبالانس. أما الشرير الحقيقي الأسطوري، والذي لعبت على سيرته العديد من أفلام الويسترن، فهو الولد بيلي (Billy The kid) كان بيلي خارجا عن القانون، وهو في الحادية والعشرين من عمره، وقبل أن يقتلوه، كان قد قتل واحدا وعشرين شخصاً، أي بمعدل رجل واحد لكل سنة من حياته! لم يكن يمتاز بقوة الجسد أو الطول الفارع، كان أقرب إلى القصر. أزرق العينين ناعم الخدين، لطيف المظهر، لكنه عصبي المزاج عنيد ماكر خطير لكونه ماهرا في إطلاق النار. بعد قتله مدير الشرطة باتريك غاريت، نشر كتابا مثيرا عن بيلي بعنوان (الحياة الأصيلة للولد بيلي)، وهنا انطلقت شهرة بيلي وصار رمزا من رموز الويسترن، فأنتِجَ عن سيرته عدد من الأفلام بعضها أخذ شهرة عالية، وقام ببعضها أبطال ذوو شهرة مدوية مثل بول نيومان. وأخرج عنه المخرج الكبير سام باكينباه فيلما باسم Pat garrett&Billy The Kid. قام ببطولته الممثل المشهور جيمس كوبرن، وألف موسيقاه الموسيقي والعازف والمطرب صاحب نوبل بوب ديلان.
وفيلم للممثل الذي بهرني في طفولتي أودي ميرفي، حيث قام ببطولة فيلم The Kid From) Texas) ولأن هوليوود تعشق (النخع)، أي (الهجص) و(البكش) الفني، أي على رأينا.. (الفنكوش). فنكوش هوليود فنكوش فني مُستحب في غالبه. فنكوشات فنية أو شبة فنية على الأقل، فأنتجت فيلما بعنوان دراكيولا يقابل الولد بيلي! يا ولاد الحرام، إيه اللي جاب الولد بيلي عند دراكيولا؟ فيقولون ممكن بالفنكوش - المخدوم فيليما - يحصل.
ثم أقرأ وأسمع عن فيلم أتى بدراكيولا وإبراهام لينكون! كمان؟! طب إيه اللي جاب دراكيولا للغرب الأمريكي، ومين جاب دراكيولا وضمه لرئيس جمهورية أمريكا؟ يقولك؟ فنكوش شباك التذاكر! فالشباب في أمريكا وهم المرتادون الأكثر لدور السينما، والمشاهدون الأساسيون لهذه النوعية الفنكوشية، أغلب هؤلاء الشباب بنين وبنات، لسان حالهم يقول: "الفلوس كتير بس فين النفس اللي تصرف؟" يلاقوا فيلم (بكش) لكن فيه (أكشن) وفير. إيه يعني كام دولار يبحتروهم؟ يقولون: هينا بنا نشوف الفيلم. يقطع تذكرة ويدخل وينبسط! تقوله.. بس دا فيلم فنكوش؟ يقولك.. عاجبني.
البنوك: كل بلدة في الويسترن حتما بها بنك. والبنك مجمع الدولارات، وقلنا إن الجنس والمال من براكين الحياة، فإن كان الجنس يتركز في البارات، فالمال يتركز في البنوك. كل بلدة فيها ما يكفيها من اللصوص، وإن قصر اللصوص في أعمالهم، تأتي عصابات من بلدات أخرى لتنهب الأموال من هذا البنك. يتسلل اللصوص ويشهرون المسدسات فيرتعب موظفو البنك ويسلمون الأموال للعصابة. الأموال في أكياس قماش بيضاء. ربما يحدث إطلاق نار وقتلى وجرحى، وربما لا. يحمل اللصوص أكياس الدولارات المنهوبة، وعلى ظهور خيولهم يهربون، فينطلق سرب المطاردة وراءهم وعلى رأسها الشريف، لنرى الكثير من إطلاق النار والموت والدمار. إذن البنوك من البنود المحورية في تلك الأفلام المثيرة.
الغني الشرس: وفي الغرب يوجد الغني الشرس الشرير، إنه الغريم الذي يدفع الأحداث للتصاعد، فهو يمثل المال الرأسمالي الأناني، وأعداؤه هم الطبقة العاملة، أليس هذا هو مسلسل الصدامات بين الرأسمالية والاشتراكية؟ ولا يوجد الغني الطيب المحب والمساعد للمجتمع إلا نادرا، فمثل هذا الغني لا ينتج دراما. الغني الشرس الأناني طموحه يتزايد للتملك والسيطرة التامة على الناس. إنه الطاغية التاريخي الواضح في كل جغرافيا المعمورة، فهل هناك مكان في عالما هذا خالٍ من الزعيم الطاغية؟ بداية من بدايات التاريخ وحتى الآن؟ في البلدة الغني الطماع القاسي المتسلط الذي يمتلك مئات وآلافاً من الأفدنة وعليها قطعان الجاموس، وعنده عصابة وتقوم بتهديد صغار الملاك ليبيعوا أراضيهم للغني الشرير، ويكاد يفوز الغني الشرس لولا ظهور البطل الشجاع سريع سحب المسدس، فيقتل أفراد العصابة، وفي النهاية يقتل هذا الغني الشرير، بالإضافة لحصوله على الفتاة الجميلة الطيبة.
بالطبع ليست هوليوود ضد الغني، فهوليوود ما هي إلا مجموعة أغنياء اقتصاديين يعملون على زيادة أرباحهم، لكن ضرورة الفيلم الويسترن، تحتم فوز البطل الشعبي على الغني الشرس، حتى ينجح الفيلم في حشر المشاهدين وجلب الملايين من الدولارات.
الهنود الحمر: هم الأشرار المتوحشون، شبه العراة الصابغون وجوههم بالألوان المزعجة، الصارخون مثل صرخات الحيوانات، المسلحون بالنبال والخناجر والبُلط، إنهم القوم المعتدون الذين يحاولون منع تقدم الإنسان الأبيض الآتي للتعمير سلما. ولفتح شهية المشاهد بالتنويع، وإدخاله في حالة توتر فني، لزياد أفلام الويسترن وزيادة تحصيل الدولارات، فتأتي هوليوود بعصابات هنود حمر تتربص وتهاجم بهمجية قوافل البيض وحصونهم، يهاجمون بنبالهم وخناجرهم وبلطهم، لكن الرجل الأبيض المسالم، رجل قتال وقت اللزوم، فهو شجاع صنديد عنيد يستطيع حماية نفسه، وحماية فتاته الجميلة وأطفاله الملائكة، فيقوم الأبيض الجميل الجريء بالفتك بالهنود الحمر، ولا مانع من سقوط عدد من القتلى البيض المساكين. هذا في أغلب أفلام هوليوود، والنادر من الأفلام، تلك التي تعطي فرصة لوجهة نظر الهنود، وبيان اضطرارهم للقتال، وسنتناول جوانب منها لاحقا.