"بشير الديك يتأمل مشوارة في "الفيلم

حسن شعراوي وعزة إبراهيم 15 مارس 2022 الفيلم القصير

الكاتب : حسن شعراوي وعزة إبراهيم


أحب الكتابة صباحاً ولا يوجد شىء اسمه الإلهام لذلك لا أنتظره أبداً


حوار- حسن شعراوى وعزة إبراهيم:

الكتابة عند السيناريست بشير الديك كالتنفس.. وهى سلوك يومى لا يتوقف انتظاراً للإلهام. فهو باستمرار فى حالة كتابة وتدفق منذ خطواته الأولى فى جمعية الرواد الأدبية بدمياط، ومروراً بالعشق الممتد للقراءة وكل أنواع الأدب، وخاصة الأدب الأمريكى والروسى الذين استحوذا على خياله بكل ما فيهما من أحداث وشخصيات وكتاب كبار.
فى حديقة منزله التى صممها بنفسه التقت به "مجلة الفيلم"، وقضينا ساعات فى مكتبه وعالمه الخاص ونحن نستمع لنبرة صوته العميق وعينيه التى مازالت تلمع فيهما صور لسواق الأتوبيس، وموعد على العشاء، والحريف، وعاطف الطيب وابنه الذى رحل فى الرابعة عشرة من عمره، ومحمد خان ويحيى حقى والتروللى باص رقم 15 وصور للسينما الجديدة التى كان كاتبها الأول والتى صاغها ناقداً للواقع المصرى بشعرية وصوفية وحلم.

أخبارك الآن ؟
شارك آخر فيلم لى وهو فيلم الرسوم المتحركة "الفارس والأميرة" إنتاج 2019 فى مهرجان مالمو بالسويد، وعمل رد فعل لم أكن اتوقعه من كل الذين شاهدوه، فقد كتبت سيناريو الفيلم وبعد وفاة مخرج الرسوم المتحركة "حسيب" طلبوا منى أن أخرجه بدلاً منه، فعملت Avant titre وعشر دقائق فى بداية الفيلم وقلت لو عجبونى وعجبوكم نكمل. كانت تجربة صعبة رغم أنه سبق لى إخراج فيلمين روائيين قبلها لكنها المرة الأولى التى أخرج فيها فيلم رسوم متحركة فهذا جديد على. كانت العشر دقائق مرعبة فى الجمال لدرجة أنهم قرروا عرض هذة الدقائق العشر فى مهرجان سينما الطفل فى الأوبرا، وعجبت الناس لدرجة أنهم صرخوا من الإعجاب. وأحمد الحضرى عميد النقاد السينمائيين قال لى وقتها: كيف صنعت كل هذا الجمال؟ فقدمت له عشرين شابا وشابة وقلت له هؤلاء هم من صنعوا هذا الجمال وحركوا الشخصيات وبذلوا مجهوداً مضنيا. بعدها احضرنا الممثلين كلهم وسجلنا الصوت والأغانى والألحان، وبدأنا فى تحريك الرسوم وعمل Lay Out ورسمنا الخلفيات كلها التى ستتحرك عليها الشخصيات وكان معنا مصطفى حسين رسام الكاريكاتير العظيم الذى بذل مجهوداً كبيراً.
نعود لبداياتك كيف كانت؟
كنت غاوى قراءة بدون سبب أو مبرر فالتهمت الكثير جداً من الكتب. ثم كتبت قصصا قصيرة. وكان عندنا فى دمياط جمعية أدبية اسمها "الرواد" فشاركت فيها وكتبت القليل من الشعر لكن أحببت القصة القصيرة أكثر. ونشرت عدد من قصصى فى جريدة المساء ومجلتى المجلة والكاتب لأنه كان المشرف على هذه المطبوعات وقتها ناس محترمة منهم يحيى حقى وعبد الفتاح الجمل المشرف على الملحق الأدبى لجريدة المساء وهؤلاء هم من نشروا أعمالى القصصية، لكننى أحببت السينما.
كيف نما وتطور هذا الحب ومتى دخلت عالم كتابة السيناريو؟
دخلت مرة فيلم أجنبى لا أذكر اسمه وكان يدور فيه جو غريب فى أقصى الشمال وبطله صياد دببه، وأتت امرأة للمكان وتزوجت الصياد فشعرت أننى يجب أن أكون داخل هذا العالم - عالم السينما - وكتبت قصة سينمائية، وفى أحد الأيام كانوا يصورون عندنا فيلم فى دمياط اسمه " أغنية على الممر" لعلى عبد الخالق ومصطفى محرم كاتب السيناريو، وعرفت أن فريق الفيلم موجود فى قهوة "الخواجة ديمترى" على النيل والخواجة ديمترى كان يونانيا مقيما فى دمياط. وكنا نذهب للجلوس فى مقهاه الهادئ النظيف. دخلت المقهى ومعى قصة لى اسمها "زائر المدينة الميتة". وكانوا يجلسون فى ركن ومعهم صلاح السعدنى ويتناقشون بشكل فيه خصوصية فشعرت أننى سخيف، فشربت قهوتى ومشيت. ثم انتقلت إلى القاهرة وبدأت محاولاتى مع السينما ونقلت زوجتى أيضا لمركز أبحاث الدواء الكيماوية. وكان لى قريب عنده محل فى المهندسين ويعرف عشقى للسينما، فأخبرنى أن مصطفى محرم ساكن فى نفس المكان وأن حماته تشترى من عنده لوازم البيت وتحكى عنه وعن المخرج أحمد توفيق زوج ابنتها الثانية. فأعطيته قصة لى ليوصلها له وسافرت دمياط. ولما رجعت وجدت الدنيا مقلوبة ومصطفى محرم يبحث عنى، فكلمته واتفقنا نتقابل فى مقهى ريش مع على عبد الخالق.
وكيف كان أثر هذا اللقاء عليك؟
قالوا إن القصة أعجبتهم وإن فيها روح السينما، وأنهم سيحولونها لفيلم وبدأوا فى ترشيح الأبطال محمود ياسين ونجلاء فتحى. فمرة واحدة وجدت نفسى انتقلت من عالم لا علاقة له البتة بالسينما إلى قلب مطبخ السينما، ووجدتنى أختار الممثلين لأداء الشخصيات. ووقتها كان محمود ياسين بدأ نجمه يلمع بعدما قام ببطولة فيلم مع فاتن حمامة قطعت له فيه هدومه وقالت له " يا ابن الكلب" هو فيلم الخيط الرفيع.
بدأنا فى تحضير الشغل، وحضرت العرض الخاص لفيلم " أغنية على الممر" الذى كتب له السيناريو مصطفى محرم وبعدها خرج الناس عملوا مظاهرات فتم وقف عرض الفيلم وتعرض صناعه لهجمة ليس لها مبرر. فعلى عبد الخالق قال هاتوا مخرج آخر فرفضت ولم نعمل الفيلم حتى الآن. لكن كنت تعرفت على مصطفى محرم ومن خلاله عملت أول أفلامى "مع سبق الإصرار" وعمل رد فعل قوى جداً وبدأنا رحلة الكتابة العجيبة ورحلة الوجود نفسه.
ماذا تعنى الكتابة بالنسبة لك؟
الكتابة بالنسبة لى ليست مجرد كتابة بل هى وجود وبدون كتابة أنا عدم. وحين أراجع هذة التجربة الآن لعمل ثبت بكل أعمالى اكتشفت أنى عملت أفلام كثيرة جداً وكتبت 15 مسلسلا فنظرت لكل ذلك باندهاش.
رحلتك طويلة مع الكتابة ومميزة وكل أفلامك علامات فى تاريخ السينما المصرية هل تراها كذلك؟
فيها حاجات مهمة وحاجات عادية وأعتقد لو من بين كل ما قدمت تم تصفية عشرة أو خمسة عشر عملاً جيداً فأنا سعيد وراض بذلك.
من وجهة نظرك ما هو أقوى أعمالك؟
بلا شك "سواق الأتوبيس" لأنى عملت فيه تحقيق شديد العمق للواقع المصرى. وقدمت مرثية لعصر فائت هو عصر عبد الناصر والثورة والمصانع والعروبة والجو النفسى المتأجج الذى عشناه، إلى أن جاء أنور السادات وقال فى مجلس الشعب أنه سيمشى على طريق عبد الناصر، فمشى عليه بالأستيكة وتحول إلى رئيس مؤمن وأخرج الإخوان المسلمين من السجون وقلب مصر قلبة بشعة ثم جاء من بعده رئيس لا يهش ولا ينش.
ما هو رأيك فى العصر الحالى؟
فيه محاولة حقيقية للنمو وفيه حركة وكان هناك ضرورة للتغيير الاقتصادى لأن الجنيه المصرى تقييمه خاطئ. الآن فى مواجهة قوية لمشاكل مصر الحقيقية وفى حركة بناء وتطور ومصانع.
إذن أنت راض عن الوضع الحالى؟
إلى حد كبير جداً. رغم أننى لا أحب الحكم الدينى ولا العسكرى. لأنك لو اختلفت مع الحكم الدينى سيجعلك كافراً، ولو اختلفت مع الحكم العسكرى سيجعلك خائناً، وعليك أن تختار. ومع ذلك الآن يحاولون عمل شىء وفيه محاولة للسير على الطريق الصحيح الذى هو طريق التنمية وبناء المصانع.
لكن الآن تباع المصانع الكبرى وقلاع الصناعة الوطنية؟!
فى تنمية فى المناطق الصناعية فى دمياط. مثلاً وعلى بعد خمسة كيلومترات من بلدنا فى مصنع ادفيينا ومصنع للألبان ومصنع للغزل والنسيج، وجنوباً فى فارسكور فيه مصانع أيضاً. ففى موقع واحد يوجد نحو ستة مصانع وجميعها تم وقفها وبيعت اراضيها بعد أن تراكمت عليها الديون. وفى لعبة خبيثة يتم لعبها لجعل المصانع تخسر وبالتالى يكون هناك ضرورة لغلقها. أيضا لا توجد صيانة ولا تجديد لقطع الغيار والتجهيزات بها. الآن هناك عالم جديد ينشأ يبيع المصانع للرأسماليين القادرين على تشغيلها.
كان عندنا محاولة لاشتراكية الدولة لكنها انتهت بالتفسخ. لذلك أصبح الاستعانة برجال أعمال ناجحين لتشغيل هذة المصانع شىء جيد وفيه تنشيط للرأسمالية. وفى رأيى أن الرأسمالية التى ستقوم على علمانية هى ما يمكن أن ينجح. ما حدث أن دول العالم الثالث طبقت الاشتراكية تأسياً وتقليداً للاتحاد السوفيتى فتحولت إلى اشتراكية دولة مما أدى لانتقال البيروقراطية إلى المصانع. مثلاً لما باعوا أرض مصنع البيبسى كولا فى الطالبية وجاء واحد غنى يشتريه فواحد من أصحاب المصالح "عاطف عبيد" قال الأرض بكذا والقيمة الدفترية لها مثلاً باتنين جنيه، نزود عليها مثلاً عشرة فى المائة ونبيع. وطبعاً لأن كل مكان فى مصر به فى وسط كل مدينة مخزن للبيبسى كولا فتم بيع هذه الأماكن ووصلنا لدرجة من الفساد الاقتصادى والأخلاقى لا شبيه لها فى العالم. أنا عملت فيلم وقلت فيه إنه كلهم فاسدون وكلنا فاسدون وشاركنا فى الفساد بالسكات عليه فكان لابد من نقطة ونبدأ من جديد.
لكن على أرض الواقع لا توجد أجواء ديموقراطية ولا بيئة لحراك اجتماعى وبيعت الأصول للسعودية ودول الخليج والخراب مستمر مع البطالة والجوع والفقر؟
أتصور أن هذا مؤقت وأن هذة مرحلة انتقالية لما يسمى بالرأسمالية الليبرالية وهى رأسمالية ناجحة فى أوروبا وأمريكا.
لكن الرأسمالية فى أوروبا وأمريكا لها مواصفات خاصة ولها قاعدة اجتماعية؟
سينشأ ذلك بالتدريج وجيد أنه أتى شخص يقول Stop نحن سنعيد ضبط الحكاية من الأول وبعدها نتكلم.
ألا ترى تناقضا بين هذا الكلام وبين صرخة نور الشريف فى نهاية فيلمك العظيم سواق الأتوبيس "يا ولاد الكلب"؟
نور الشريف كان يصرخ ضد الانفتاح الذى تم والذى لم يكن لوسائل الإنتاج لكنه انفتاح للكولوتات والفانلات والكانتلوب بدلاً من القمح. ويوسف إدريس كتب وقتها "ليس بالكانتلوب وحده يحيا الإنسان" كانت مصر كلها بتزرع كانتلوب ولا تزرع قمحا، وكان هذا منظماً ومقصوداً.
السينما مكون من مكونات الحراك الاجتماعى ولا توجد سينما جيدة بدون أجواء مواتية بدليل أنكم عشتم فى الستينيات فى جو فيه منابر ثقافية متنوعة ؟
كان كل هذا موجود إلى أن جاء السادات وأصبح لدينا ما يسمى بالرأسمالية الساداتية التى سماها أحمد بهاء الدين "الانفتاح السداح مداح" فهذا لم يكن انفتاحاً حقيقياً لأن الانفتاح الحقيقى يكون على وسائل الإنتاج وليس على الاستيراد وتدمير الإنتاج المحلى لدرجة أن مصر تستورد 80 % من استهلاكها.
كيف ترى حال السينما الآن؟
السينما تغيرت فى العالم كله لأن العالم كله أصابه تغيير نوعى شديد بسبب الإنترنت والفيس بوك. ذات مرة سألنى مخرج شاب عن رأيى فى فيلمه فقلت له: ربنا يوفقك لكن أنت محتاج لكذا وكذا، فرد: هل رأيت السيارة التى احترقت؟ تعجبت أنه صنع فيلم ليحرق فيه سيارة!
ألا ترى أن النظام الحالى موت السياسة؟
ما كل واحد حر يعمل أحزابه، ليس للنظام علاقة بذلك. هذا كلام يشبه كلام شباب 25 يناير الذين يغوون التنظير، أنا ذهبت للميدان فى الثورة وقابلت شبابا كثيرين وكلهم هتفوا: كلنا فاسدون، ثم أتى الإخوان وحكموا سنة تغير فيها كل شىء حتى لون الشجر.
لكن ألا ترى أنهم يصدرون لنا رواية واحدة للأحداث وهى أن الإخوان هم سبب كل شىء متجاهلين أنهم هم من أتوا بالإخوان وخدعوا الشعب؟
الجيش فيه ابن الفلاح والعامل والصانع وكل أبناء الشعب فلا يجب أن تلغى الشعب.
لكن الحراك المجتمعى فى الثورتين التونسية والسودانية جعلمها تتجاوزا الثورة المصرية؟ ومصر هى أكبر مستعمرة فى التاريخ 2500 سنة مستعبدين مما خلق شخصيات غرقانة فى الاستعباد كما وصفها جمال حمدان. الثورة المصرية كان ممكن تكون ملحمة جميلة لولا النخبة والخديعة التى تعرض لها الشعب المصرى؟
فى 25 يناير خرج الشعب خروجاً عبقرياً والسيدات كن يخرجن بعد مقتل خالد سعيد لابسات اللون الأسود ويعطين ظهرهن للعالم وينظرن ناحية النيل. وأنا كنت مندهشا من هذا الحراك العظيم والتنظيم الجيد ووقوف المسلم والمسيحى كتفاً بكتف داخل الميدان، وظهور مفردات خاصة بطبيعة الشعب المصرى الخاصة وحضارته العميقة وقدرته على الإبداع رغم كل ما تعرض له من تدمير على يد البيروقراطية. ولما الدبابات نزلت للميدان الشعب كان يضع عليها الورد ويصدق أن الجيش سيحمى الثورة. وأنا كتبت سيناريو عن هذا اسمه "شمس القلوب" لكن لم تتوافر ظروف لإنتاجه واستوحيت اسمه من بيت شعر للحلاج : إن شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب لا تغيب.
كيف تفسر وضع السينما الحالى؟
هى تشبه المجتمع لا شىء محدد ولا شىء له تاريخ حقيقى. مثل فيلم الفيل الأزرق كل ما فيه هو الإبهار الشديد فى الصورة والجرافيك وكأن هذا هو الهدف. وفيلم الممر مثلاً لشريف عرفة تلميذنا الذى ينتمى للجيل القديم وكاملة أبوزكرى ومحمد ياسين ومجموعة السينمائيين الذين نشأوا وسطنا بيشتغلوا لكن المناخ نفسه لم يعد هو المناخ الصاعد الراغب فى التجاوز.
لماذا هم مختلفون عن جيل الواقعية الجديدة؟
جيل الواقعية الجديدة كان مختلفا تماماً وهو الذى أنقذ الثمانينيات من الموت وعمل التميز فى ذلك الوقت. فالسينما دائما ما يصنعها مجموعة وهذة المجموعات هى سبب نهضتها كما حدث فى أمريكا بعد تقريباً شللها فى فترة أواخر الستينيات التى ظهرت فيها أفلام هابطة، إلى أن أنقذها مجموعة من شباب السينمائيين وقتها منهم فرانسيس فورد كوبلا ومارتين سكورسيزى وستانلى كرامر وسبيلبيرج.
الآن أى فيلم تريد مشاهدته يمكنك أن تشاهده على الإنترنت وهذا تغير نوعى شديد القسوة لأنه على أيامنا كنا نعيش فى الخيال والحلم، وكان الواقع يسمح لنا بذلك وتركيباتنا أيضا كانت تسمح. مثلاً زوجتى كانت من القاهرة وأنا كنت من دمياط وكنا بنحب بعض جداً فاتفقنا إن كل يوم إثنين الساعة السادسة يجلس كلانا ليكتب للآخر وهذا كان يحدث تواصل عاطفى وانفعالى مدهش بيننا. الآن التواصل اليومى والمجانى غابت عنه هذه الأحاسيس.
أيضا الظروف العامة للسينما والإبداع أصبحت تسير فى سكة عدم النضج والسرعة والصنعة الزائدة لتغطية العجز عن الإبداع. المشكلة ليست أن تقدم صنعة لكن أن تقدم أفكارا للناس تعبر عن نبضهم فى هذة الفترة. أعتقد أن هذا يحتاج لوقت ليتشكل.
ما هو فهمك للسينما والمفهوم الذى انطلقتم منه لتكسير المألوف والتعبير عن رؤيتكم المختلفة؟
كنا فى تلك الفترة نرى عظمة السينما الأمريكية والأوروبية وحالة الفوران فى السينما العالمية وهذا كان بمثابة غذاء لنا لا نكف عن الفرجة. وعندما أخرجت أول أفلامى كان فى مجموعة أفلام أرسلت فى طلبها من لندن وكنت أشاهدها أنا وكرو الفيلم ونحلل حركة الكاميرا وكل شىء فيها وتعلمنا منها.
علاقتى بالموت غريبة
علقنا على صورة مرسومة له بأنها جيدة فقال: هذه صورة رسمها لى مهندس الديكور ومنسق المناظر الراحل رشدى حامد على بحيرة المنزلة. أذكر أنه فى يوم وفاته كلمنى ومر على وكان متضايقا قليلاً وبعدها بأيام عادل أدهم مات فذهبت للعزاء فى عمر مكرم وعلى الباب سألنى صديق لى: إنت رايح هنا ولا هنا، فقلت له عند عادل أدهم وسألته فى من مات تانى، فقال لى: رشدى حامد.
أنا علاقتى بالموت صعبة وغريبة، مثلاً ابنى أحمد فى يوم عيد ميلاده الرابع عشر طبع كروت الدعوة وعزم أصحابه وخرج معهم ليشتروا لوازم الحفلة وهو بيعدى الشارع داست عليه سيارة ومات. أنا وقتها كنت فى كافيه وجاءت لى منى وقالت لى أحمد تعبان شويه فى المستشفى. الحادثة كانت فى شارع فيصل ولما وصلت المستشفى وجدته مات.
الحادثة الثانية فى علاقتى بالموت لما كنت مع عاطف الطيب عند المنتج لنختار فريق العمل فى أحد المشاهد التى سنصورها بعد أسبوع، لأنى كنت مسافر ألمانيا ولما أرجع سنكمل. وفعلاً سافرت المانيا ورجعت بعد أسبوع وفى الطائرة وزعوا علينا الصحف وفى الصفحة الأولى للأهرام وجدت صورة عاطف الطيب وخبر موته، وتأكدت من صحته حينما وجدته منشوراً فى بقية الصحف، فدخلت التواليت وانفجرت فى البكاء ولما رجعت للكرسى سألنى الجالس فى المقعد المجاور عما بى فقلت له : صاحبى مات وانفجرت فى البكاء.
شخصياتك فى أفلامك فيها جانب صوفى رقيق هل تتعمد هذا الاختيار؟
هى فيها جانب شعرى وأزعم أننى أول واحد اشتغل على الهامش الشعرى للواقع وليس على الواقع الصلد. مثلاً عندما تشاهد سواق الأتوبيس ستسأل نفسك ماذا تعنى الورشة لحسن وللمعلم سلطان، وسترى أن انهيارها وبيعها وموت صاحبها ليس مجرد واقع لكنه تاريخ، فالأشياء لم تعد مجرد أشياء فى الواقع الخشن. السينما التى أصنعها ليست واقعاً خشناً ولا هى واقع صلاح أبو سيف بل هى واقع صوفى وحالم.
ناجى العلى
هل صحيح أن صلاح أبو سيف كان هو الذى سيخرج فيلم ناجى العلى الذى كتبت له القصة والسيناريو والحوار قبل عاطف الطيب؟
الحكاية أن الصحفى والمثقف اللبنانى وليد الحسينى الذى أنتج الفيلم مع نور الشريف كان اتفق مع صلاح أبو سيف لإخراج الفيلم فقلت لوليد: ما هذا؟! فقال لى كنت أعتقد أن صلاح أبو سيف هو الناظر "بتاعكم". فجلست بالفعل مع صلاح أبو سيف لكن لم أوافق عليه لتباعد أجوائنا ووجهات نظرنا. ولأنه لم يدرك أن الأجواء فى الفيلم أكثر تعقيداً مما يريد تقديمه فوليد قال لى: ما الحل وهو قبض العربون بالفعل؟ ليست مشكلة عربون لكن الإحراج منه.
وكيف خرجتم من هذا المأزق؟
أنا كنت سأذهب لمهرجان فى قبرص وكنت أعلم أن أبو سيف سيذهب معنا، فأرسلنا له ثلاثة خطابات بعلم الوصول تفيد بأن الشركة المنتجة تريد البدء فى الفيلم فوراً وإذا لم يكن متفرغاً فى الوقت الحالى فيمكنه أن يرشح لنا بديلا. وكتبنا له ثلاثة أسماء وبينهم عاطف الطيب ولم يرد، فأرسلنا له خطابا آخر نعتذر ونخبره أننا اخترنا مخرجا آخر. وأنا كنت أريد عاطف الطيب ولم يكن وليد الحسينى يعرفه فقلت له اسأل نور الشريف عنه، هذا الفيلم محتاج لشقى وتعب لأن فيه تصوير الخروج الفلسطينى من بيروت ويحتاج لمخرج شاب قادر على بذل جهد.
فيلم ناجى العلى واجه مشكلات كبيرة كيف تعاملتم معها؟
إبراهيم نافع شن حملة فى الأهرام ضد الفيلم، ووقتها كان مسافراً على طائرة الرئيس حسنى مبارك فسأله لماذا كل هذة الحملة ضد الفيلم؟ فقال له إن "ناجى العلى" واحد بيكرهنا، فمبارك أوقف المعركة فوراً لدرجة إن سمير رجب كتب فى الجمهورية ضد الحملة التى على الفيلم وقال: ليس هكذا تدار المعارك!! ووقتها كلمونى من روزاليوسف يسألوننى هل فعلا الفيلم ضد مصر؟ فقلت لهم إن الفيلم وناجى العلى ضد كامب ديفيد. كذلك كلمنى يحيى الفخرانى يسألنى عن الحكاية ويخبرنى أنهم طلبوا منه الكتابة ضد الفيلم فرفض لأنه لم يشاهده. وقال آخرون إن الشعب المصرى موافق على كامب ديفيد إذا الفيلم ضد الشعب المصرى!! الخلاصة أنها كانت معركة حامية أدارها إبراهيم نافع وإبراهيم سعدة فى الأهرام والأخبار.
كلمنا عن تجربتك فى الإخراج؟
أنا لما أخرجت فيلم سكة سفر، كان الذى سيخرجه هو عاطف سالم وبالفعل منتج الفيلم كان اتفق معه وأعطاه عربون وأعطانى كذلك عربون كتابة السيناريو، فجاء معنا عاطف سالم لمعاينة مواقع التصوير التى كتبت عنها وليرى الملاحات والفلاحين والقرية وبيت أم رتيبة. وتقريباً لم يعجبه فطلب تغيير الشخصيات وإضافة تاجر موبيليا، فأصبت بنكد غير طبيعى لأنى أريد فيلمى وهو يريد فيلما آخر برؤية أخرى. فحكيت لوحيد حامد المشكلة وقال لى إنه سيحلها، واتصل بعاطف سالم وسأله: هل انت بتعمل فيلم عن الصيادين والملاحات كاتبه بشير الديك؟ هذه الأحداث يتم تصويرها الآن كمسلسل فى اليونان، فكلمنى عاطف سالم ليخبرنى أن الفيلم يتم إنتاجه كمسلسل الآن فى اليونان ويسألنى: أنت بعت الفيلم. فأدركت على الفور ما فعله وحيد حامد وقلت له وأنت زعلان ليه؟ أنا سأقدمه كمسلسل وأنت ستخرجه كفيلم ولا يوجد تناقض وأنا ممكن أكلمهم يأجلوا المسلسل. فقال: أنا لا أريد هذا الفيلم لأنه مكلف جداً واسترد ما دفعه وشعرت أنا بسعادة بالغة. وجاءنى وقتها خالد الخميسى يريد دخول مجال الإنتاج السينمائى فعرضت عليه السيناريو وتحمس له وأنتجه وأنا أخرجته.
وما هى دوافعك لدخول مجال الإخراج؟
ربما تكون طبيعتى الخاصة هى التى تحكمت فى الحكاية، فأنا أعشق التفاصيل ولا أكتب إلا ما أراه، يعنى أرى الشخصيات وهى تعمل وتحس وأعيش بداخلها وتعيش بداخلى فيصبح السيناريو عندى فيه تفاصيل كثيرة، وأنا أصلا عشقت فن السيناريو لأنه يعتمد بشكل أساسى على التفاصيل. وطول ما أنت بتوصف الشخصيات وشايفها ستجعلها تنطق بأسلوبك وبلغة كثيفة خاصة أن الفيلم السينمائى أقرب ما يكون إلى القصة القصيرة أو القصيدة فهو يعتمد على التكثيف الشديد، فى حين أن المسلسل هو فن البوح مثله مثل الرواية تستطيع أن تقول فيهما ما تشاء وكيفما تشاء. ولأنى اشتغلت مع عاطف الطيب ومحمد خان ونادر جلال ولأنهم أصدقائى فكان متاحاً لى التواجد داخل مكان التصوير والمشاركة معهم فى كل التفاصيل وهذا جعلنى عايش فى مطبخ الفيلم، أيضا كنت أجلس معهم فى المونتاج دون أن يتضرروا وهذا سهل على دخول عالم الإخراج. فأنا لم أكن أرمى ورقى ككاتب سيناريو وأمشى بل كنت جزءا فاعلا معهم أرى طرق تنفيذ ما كتبته.
وحينما بدأنا فى عمل فيلم سكة سفر كان سيخرجه مخرج آخر لكن فى عز التصوير حدثت مشكلة لأن العمل شديد الخشونة وعن شاب محبط وحلمه محبط وأردت أن أكتب على الفيلم بيت شعر لمحمود درويش عن الوطن وشعورنا به يقول: إن الوطن
أن أحتسى قهوة أمى
أن أعود آمناً فى المساء
ففى هذة الكلمات ملخص تجربة بطل الفيلم الذى تعرض للبهدلة فى الوطن فسافر للخارج فتعرض لبهدلة أكبر فعاد مرة أخرى. الفيلم فيه حزن وأسى.
وماذا عن تجربتك فى فيلم "الطوفان"؟
أثناء تنفيذ فيلم سكة سفر حكى لى واحد بلدياتى عن مشكلة له وهى أن عنده فداني أرض دخلا كردون المبانى وأنه يريد بيعهما لأن سعرهما مليون جنيه لكن أمه ترفض البيع ، فأنا سرحت فى القصة وعملت الفيلم عن الأم القيمة العليا التى تتصدى للفساد وفى فقدانها فقدان للقيمة الحقيقية لكل شىء.
وتقديمك لفيلم "رسوم متحركة" ألا تعتبره مغامرة؟
أنا كنت عملت سيناريو مع "حسيب" لفيلمين قبله. ولما طلبوا منى نعمل فيلم رسوم متحركة أحضروا لى أفلاما لديزنى هى "الملك الأسد" و"أنستازيا" و"هانش باك" فأنا شوفتهم واتهبلت وقلت له هذا فن رفيع وقررت أعمله. وحسيت إنها تجربة تستحق المغامرة. واخترت موضوع محمد بن الثقفى الذى أنقذ الأميرات من بحر الهند وباكستان وهو فى سن السابعة عشرة. أحضرت كتب تاريخ وبدأت أقرأ تاريخ الدولة الأموية فوجدت أن التاريخ لم يتكلم عنه كثيراً رغم أن عمه كان الحجاج بن يوسف الثقفى. سافرت إسكندرية عندى شقة هناك على البحر وكتبت فيها القصة والمعالجة والسيناريو وطعمتها بعالم الأسطورة وخفة الدم فأعجبوا بالكتابة جداً، لكن لما رجعت وجدت حسيب توفى قبل أن يقرأ السيناريو وتوقف المشروع.
وبعد فترة طلب منى المنتج أن أخرج الفيلم ولأنى أحب المغامرة وافقت بعد ما عملت Avant Titre الذى تحكى فيه أم محمد الثقفى لحفيدها حكاية جد جد جده وكيف مشى فى البحر وأنقذ الأميرات. وكما سبق أن قلت اشترطت عليه أن يعجبنى أولاً ثم نكمل العمل، ووفر لى جيشا من العاملين وسجلنا الصوت بأصوات مدحت صالح ودنيا سمير غانم وسعيد صالح وأمينة رزق وعبله كامل ومحمد هنيدى. وعملنا العشر دقائق الأولى التى فازت فى مهرجان سينما الطفل بالجائزة الثانية. ووجدت أحمد الحضرى يبكى متاثراً بالفيلم.
فى الوقت الحالى ماذا تفعل؟
ولا حاجة، المناخ تغير وأصدقائى الحميميون ماتوا والباقون ليس لديهم وقت.
هل ترى فروقاً فى علاقاتك بالمخرجين محمد خان وعاطف الطيب ونادر جلال وأشرف فهمى؟
تختلف علاقتى من مخرج لآخر، فعاطف الطيب كان الأقرب لى روحياً تعرفت عليه وهو يصور فيلمه الأول "الغيرة القاتلة" فى إسكندرية ووقتها كنت أصور "موعد على العشاء" فى نفس الأوتيل وكان بيننا صديق مشترك هو المصور السينمائى سعيد شيمى الذى قالى لى إنه مخرج رائع، لم يعجبنى فيلم "الغيرة القاتلة" لكن أعطيته "سواق الأتوبيس" ليخرجه بدلاً من محمد خان الذى كانت فكرته أن يجعل الفيلم عن سواق تاكسى يمشى على الكوبرى فى وسط البلد وخلفه شخص يتكلم وهو يشعر بالملل فيقف جانباً وينزل يفتح الشنطة ويخرج منها جركن بنزين ويشعل النار فى التاكسى ويمشى.
أنا استهوتنى فكرة السائق وكنت أحب سائقى الأتوبيس فى هذة الفترة بعد 1973 بعد الحرب، كان كل سائق يضع خلفه ستارة وورد. محمد خان عندما وجد الفيلم بهذا الشكل أعطاه لعاطف الطيب وقال إنه سيخرجه أفضل منى لأن هذا ليس الجو الملائم لى. أنا كنت كتبت السيناريو ونور الشريف فرح به جداً، لكن عادل إمام قال إن الشخصية سلبية ولا تفعل شيئاً لأن عادل كان وقتها فى عز أجواء الكوميديا ولا يريد هذة النوعية من الأفلام.
لكن الحريف لمحمد خان يعتمد بشكل أساسى على التفاصيل الدقيقة وهو مستوحى من شخصية سعيد الحافى الحقيقية فى إمبابة الذى كان يلعب الكرة الشراب ويؤجر الماتشات وسمى كذلك/ لأنه كان يلعب حافياً ولما جلست معه لم أجد شيئاً مميزاً فيه فأعدت صياغة الشخصية من خيالى وتصورته إنساناً وحيداً فى نهاية عصر اللعب يظهر ذلك حينما يقول لابنه: زمن المتعة انتهى. صاحبه يهرب السيارات وهو عمل لا علاقة له باللعب ولا بالجمال ولا بالحرفنة، محمد خان أخرج الفيلم بشكل جميل من حيث الصورة والإخراج والمونتاج. أراه من أفضل السيناريوهات التى كتبتها لأنه غير تقليدى وغير نمطى ويعتمد على الموقف.
لكن عادل إمام صرح بأنه لا يحب هذا الفيلم؟
لأنه غير كوميدى. بعدها عملت مع خان فيلم "موعد على العشاء" والفكرة جاءت لى من حادثة منشورة فى مجلة لبنانية عن زوجة متخانقة مع زوجها فعزمته على العشاء ووضعت له السم فى الطعام ومات. لكن فى القصة الحقيقية هى لم تمت معه وأنا فاجأتهم بالمشهد الأخير فى آخر أيام التصوير. كنت أحضر التصوير وأرى كيف أن سعاد حسنى شديدة الهشاشة وهى نفس تركيبة أحمد زكى كلاهما يتحول إلى الشخصية وكأنه هى وليس ممثلاً لها فقط. لكن أحمد كان مقاتلاً أكثر منها. استغربت سعاد من النهاية لأنها عارفة إنه فى سم فكيف ستأكل معه. وقلت لها أنت تبحثين عن حريتك وليس أمامك سكة أخرى لتتجاوزى ضعفك. الفيلم كان ملحمة امرأة تبحث عن حريتها والثمن الوحيد هو الموت.
هل أثناء كتابتك للسيناريو تضع شخصيات معينة فى ذهنك؟
لا أفعل ذلك وهذا الفيلم كان عبارة عن حادثة منشورة فى سطرين أحضرهما لى محمد خان، فعملت منهم القصة. فى فترة الكتابة تكون العيشة الكاملة مع المخرج نتخانق ونتصالح ونختلف ونتفق إلى أن نصل للشكل النهائى.
فى رأيك من هو كاتب السيناريو القوى؟
كنت أحب محسن زايد وقيل لى إننى امتداد له. ومن العالم أحب السيناريوهات التى يقدمها فرانسيس فورد كوبلا ومارتن سكورسيزى العظيم وتعاملهم مع الشخصيات بنفس الطريقة أياً كان حجم دورها وبطريقتهم التى تقدر الفن لا السبوبة.
ما رأيك فى ورش السيناريو؟
ليس لى اعتراض على الورش فى حد ذاتها لكن اعتراضى على إنتاجها النهائى. الواقع السينمائى والفنى فى مصر يحتاج لمن يتجاوزه ليقدم فناً قيماً ويعجبنى شغل مريم ناعوم وعبد الرحيم كمال ومروان حامد.
هل لك طقوس فى الكتابة؟
أحب الكتابة صباحاً واكتب بشكل منهجى ولا يوجد شىء اسمه الإلهام، لذلك لا أنتظره. ولازلت أفضل الكتابة على الورق ولا أحب الكتابة على الكمبيوتر لأن لدى علاقة حميمية مع الورقة والقلم. أكتب بالقلم الرصاص على ورق مسطر لأنه يتيح لى إمكانية المسح والتعديل، لكن القلم الجاف يشعرنى أنه مؤبد لا يمكن محوه.
كلمنا عن شغلك مع أحمد زكى؟
أول فيلم لى معه هو "النمر والأنثى" وكان هو الأقرب للشخصية وكان مفترضا أننى سأسافر معهم للتصوير فى ألمانيا لكن كنت مشغولا ولم أتمكن من السفر. استندت فى كتابة السيناريو إلى قصة كتبها أحمد أبو الفتح وعجبنى أنها شخصية مصرية بسيطة وحقيقية، وأنه تمكن من السفر لأوروبا والحصول على الجنسية السويدية، وكان أول مصرى يحصل عليها وكان فاتح محل لإعادة تأهيل المعدات القديمة هناك. أنا عملت اختلاف عن القصة وحولته إلى ملاكم ربما لأن المادة فرضت على هذا الاختلاف. بعدها بسنوات جاءت زوجة محمد حسن الحقيقية وقريب له يريدون استكمال جزء ثان للفيلم لكن لم أوافق.
فى مسلسل "الناس فى كفر عسكر" حدث خلاف مع المؤلف أحمد الشيخ لأن السيناريو لم يلتزم بروايته، إلى أى مدى يمكن أن يلتزم أو لا يلتزم السيناريو بالرواية؟
بالفعل المؤلف لم يعجبه التعديل وأننى لم التزم بروايته، فقلت له أنا ملتزم فقط بالواقع ومن يريد أن يقرأ روايتك أو حتى روايات العظيم نجيب محفوظ نفسها عليه أن يقرأها كروايات، لكن أنا أقدم شيئاً مختلفاً. ونجيب محفوظ هو من قال هذا الكلام وهو أستاذنا جميعاً فأنا كسيناريست أصنع خلقاً موازياً ولا أقدم ترجمة للنص الأدبى. فرفع قضية فى المحكمة وحكمت له بتعويض لأنى لم أحضر محاميا وذهبت للنقابة ودفعت له التعويض (عشرة آلاف جنيه) وفوق ذلك كلمت المنتج ليعطيه 20 ألفا زيادة، لأنى لا وقت ولا دماغ لدى لذلك. أنا كل وقتى وجهدى لعملى فقط. والمدهش أنه قال إنه يريد أجرا مساويا لأجرى.
ما الفرق بين أحمد زكى ونور الشريف من وجهة نظرك؟
نور الحرفة لدية قوية جداً، حرفة التمثيل ولوازم الشخصية مهمة عنده، فمثلاً فى فيلم مع سبق الإصرار أضاف لازمة البربشه بعينيه. أحمد زكى يعيش جداً داخل الشخصية وتحس إن روحه أصبحت هى الشخصية، هو وسعاد حسنى أمام الكاميرا شىء وبعيد عنها ناس عاديين جداً وأقل من العادى. فى إحدى المرات كنت فى استوديو نحاس وأردت أن أتكلم فى التليفون، فكان فى واحدة بتتكلم فى التليفون وطولت جداً فقلت للمسئول عن الاستوديو كيف تترك كومبارس تشغل التليفون كل هذا الوقت وتعطلنا. فقال لى: هذه سعاد حسنى، اندهشت جداً فقد كانت ترتدى ملابس الشخصية ولم أعرفها، كانت وقتها تصور فيلما مع سمير سيف. جريت واعتذرت لها. فقالت لى: أهلاً يا حبيبى أنا سمعت عنك كثيراً.
وحدث لى موقف مشابه مع أحمد زكى عندما عرفنى عليه صديق كان يرتدى قميصاً رمادياً ولا يظهر عليه أى شىء ولم يستوقفنى لكن بعدها عمل مسلسل الأيام فقلت إيه ابن المجنونة ده! فلما قررنا نقدم فيلم طائر على الطريق أنا ومحمد خان رشحناه للبطولة أمام فريد شوقى، فغضب فريد شوقى واستنكر أنه يكون الملك كومبارس أمام وجه جديد، فقلت له: يا ملك لو انت لم تأخذ بيد الجدد فمن سيأخذ بيدهم، نحن نبيع الفيلم باسمك، وكالطفل البرىء قال : تمام موافق.
كلمنا عن فيلم ضد الحكومة؟
أحمد زكى عمل شغل رائع فى هذا الفيلم، وحكاية الفيلم كانت من مجموعة مقالات لوجيه أبو زكرى وحملة صحفية قام بها ضد محامي التعويضات. قلت لأبوزكرى انت كتبت عن مئات المحامين المتعاقدين مع عزرائيل، وكل ما يموت شخص يبحثوا عن التعويض، فانت اسمك سيكتب على القصة فاعمل مجهود فى هذا الاتجاه. وبعد يومين أحضر لى ورقتين عن محام شهير جداً وعمدة ومن قرية ومنقوع فى الشر القدرى، ومحام آخر مستشار والاتنين يعملون على قضايا التعويضات. فأنا اقترحت جعلهم محاميا واحدا قذرا جداً، وأيامها كان فى حادث قطار مروع فكتبت عنه وعرضت ما كتبته على عاطف الطيب فأعجبه جداً لكنه لم يعجب أبو زكرى واعترض على أن محامبا قذرا يكون ضد الحكومة ويطالبها بتعويضات. لكن أحمد زكى تحمس للفيلم وبدأنا التصوير وأنهينا مشاهد المحكمة فى خمسة أسابيع لأننا صورنا فى أيام الجمعة فقط أجازة دار القضاء العالى. والفيلم كان له تأثير كبير وعجب الجمهور، لدرجة أننى وقتها كنت أجرى عملية جراحية لتغيير صمام فى القلب وأنا فى البنج سمعت الدكتور يقول لطاقم الأطباء: هذا الرجل كتب فيلم عبقرى اسمه "ضد الحكومة"، وأشاد بمشهد القطار حينما ذهب البوليس ليقبض على البطل ففتح الشنطة ورمى الحشيش وظل يحكى عن الفيلم حتى غاب وعيى فى البنج. ومشاهد أخرى عجبت الناس كمشهد المرافعة الأخيرة لأحمد زكى وطبعاً إخراج عاطف الطيب المخرج الجميل الذى لا يفتعل ولا يتصنع فالصنعة عنده غير مباشرة ومستخبية فى العمل وكأن ما يحدث حقيقى وهذا هو أصعب أنواع الصنعة.
كيف تصف أسلوب عاطف الطيب؟
ما قدمه عاطف الطيب هو الواقعية الشعرية التى تحتفى بالمشاعر والأحاسيس والعلاقات بين البشر ولا تقدم الواقع كمجرد واقع لكن تقدمه بشكل يكاد يكون له روح.
ما الفرق بين سيناريوهات الأفلام وسيناريوهات المسلسلات؟
الفيلم هو فن الإيحاء أما المسلسل فهو فن البوح بشرط عدم وجود ملل، ووجود حرفية عالية حتى تتمكن من جذب المشاهد طوال الوقت. فكاتب السيناريو يستخدم أدواته بحرفية لجذب مشاهدى المسلسلات وكسر توقعاتهم وإدهاشهم دون الخروج عن الموضوع بل يستخدمها لتعميق العمل.
هل درست سيناريو فى معهد السينما؟
أنا لم أدرس سيناريو ولا سينما لكن أحببت الحصول على المعلومات عن كل ما يخص الأفلام من الكتب ومن الأفلام المترجمة. وبدأت بقراءة الروايات فقرأت كل الأدب الروسى ثم الأمريكى والأوروبى وكنت أقرأ نحو 13 ساعة فى اليوم وأخرج من شقة الطلبة بجوار جامعة القاهرة وكأنى خارج من الجب ممتلئا بالصور والخيالات فعشت فى ذلك العالم لمدة طويلة. وطوال دراستى كان عندى رحلة يومية إلى وسط البلد بالتروللى باص رقم 15 لأدخل السينما وأحضر 3 أفلام وأمام السينما كان يوجد محل لبيع الكتب المتبقية من التوزيع بنصف الثمن ومنه اشتريت ديستيوفسكى وتشيخوف وجوجول وجوركى ... الخ. وأصبحت أصرف نصف مصروفى على الكتب وغرقت فى القراءة حتى النخاع. ووقعت فى غرام الأدب الأمريكى بشكل مختلف عن غرامى بالأدب الروسى، وعندما قرأت رواية "الدون الهادئ" لميخائيل شولوخوف التى حصل عنها على نوبل اتفزعت من جمالها وعشت فى عالم حقيقى أكثر من الحقيقة. وكنت أحفظ قصص تشيخوف من كثرة ما قرأتها وأعجبت بعبقريته. وأحببت محيى الدين بن عربى وكتب التصوف. القراءة كانت الشىء الأساسى الذى أفعله وقد أفادنى ذلك كثيراً حينما بدأت كتابة السيناريو.
وما النصيحة التى تقدمها لكتاب السيناريو الشباب؟
كنت أتعجب حينما أسأل بعضهم هل قرأت فلانا أو فلانا فيجيب بلا، فأقول لهم لا توجد نحلة تستطيع إفراز العسل إلا لما تعدى على الزهور وتأخذ الرحيق وكلما كانت الزهور بعيدة فى الجبل كان العسل أحلى وأغلى. لابد من القراءة بشكل أساسى ومكثف. فى كتاب سيناريو جيدين منهم مريم ناعوم وعبد الرحيم كمال ومحمد رجائى إحساسه حلو، ووائل حمدى كان عنده عشر سنين ونحن نصور الطوفان فى دمياط على النيل وكان ساكنا فى الناحية الأخرى من النيل وشاهد التصوير وانبهر بما يحدث وفى اليوم التالى جاء لينتظرنا.
دمياط بالنسبة لك ماذا تعنى؟
انتقلنا من دمياط للمنصورة، حينما كان عمرى 4 سنوات لأن والدى موظف ونقلوه فى العمل، فكان حلمى طوال الوقت أن أرجع إلى دمياط لقريتنا "الخياطة" والتى تحيط بها بحيرة المنزلة والبحر المتوسط وجوها ساحر وكلها أساطير وحكايات عن الجنيات كنت أسمعها فى طفولتى.. فكانت بالنسبة لى كالحلم الذى أنتظره طوال العام الدراسى لأذهب إليه فى الأجازة. وهذا جعل لقريتى مكانة كبيرة فى خيالى. وظل الوضع هكذا حتى عدت لدمياط مع أسرتى فى الصف الثالث الإعدادى. ثم جئت للقاهرة فى فترة الجامعة، والقاهرة مدينة متجهمة وماكينة ضخمة لا تكف عن الدوران، ووسط المدينة كان مكانى المفضل بها.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات