إعادة اكتشاف سينما أفان - جارد العشرينيات

حسام فهمي 09 مايو 2022 السينما التشكيلية..سحر الصورة

الكاتب : حسام فهمي



إعادة اكتشاف سينما أفان - جارد العشرينيات

حسام فهمي


السينما الطليعية.. التجريب نحو سينما المستقبل

في عشرينيات القرن الماضي ظهر ما يمكن أن نعتبره اللبنة الأولى للسينما المضادة للتيار الرئيسي والتي استمرت في التطور حتى اليوم. ظهرت تسمية Avant-garde cinema أو ما يمكننا تسميته السينما الطليعية، والتي اصطلح على تعريفها فيما بعد بالسينما التجريبية. حين آمن مجموعة من الفنانين في أوروبا وأمريكا بأن العائق الأكبر أمام البشر هو التفكير السطحي، انعدام الخيال، والانسحاق أمام قيم وقوانين المجتمع الهشة.

كان الواقع السياسي والاجتماعي مهيأ لظهور أفكار جديدة في أوروبا وأمريكا، انتهت الحرب العالمية الأولى والتي استمرت بين عامي 1914 و1918، حدثت الثورة البلشفية في عام 1917. بدأت العشرينيات بفترة من التنمية الاقتصادية والازدهار التكنولوجي، ظهرت السيارات والطائرات، تطورت صناعة السينما، وأصبحت السينما الروائية في هوليود راسخة الأركان. كتب سيجموند فرويد كتابه الشهير "تفسير الأحلام"، وبدأ الجميع في التفكير في لا وعي البشر.

كون مجموعة من المثقفين والفنانين حركة دادا، كانت الدادائية في جوهرها ما هي إلا احتجاجا ضد القومية البرجوازية، والرغبات الاستعمارية التي ظهرت جلية خلال الحرب العالمية الأولى، كما كانت احتجاجا ضد الامتثال والمطابقة الفكرية والثقافية والفنية التي رافقت مجتمعاتهم أثناء الحرب وبعدها. ضمت الدادائية فنانين رفضوا المنطق والسببية، كما رفضوا جماليات المجتمع الرأسمالي.
وعوضا عن ذلك فقد قرروا أن يعبروا عن اللامنطق واللاوعي، كما كرسوا غالبية أعمالهم في طابع احتجاجي ضد البرجوازية.

يقول الشاعر الفرنسي لويس أراغون أحد فناني الدادائية:
" الدادئية سوف تحرركم، ستكسر كل شيء، أنتم أسياد كل شيء تكسرونه. القوانين، الأخلاق، الجماليات التي تم خلقها احتراما لتلك القيم الهشة، وما هو هش من المُقدر له أن يُكسر، حاولوا بكامل قواكم ولو لمرة واحدة، الذي لن تكسروه سوف يكسركم، سيكون سيدكم."

استخدم الفنانون الطليعيون الفنون البصرية، النحت، الرسم، التصوير والشعر للتعبير عن معاداتهم للحرب والقومية، كما أنهم حافظوا على ميل سياسي لليسار الراديكالي. ولكن أين كانت السينما وسط كل هذا؟

السينما النقية: ضد التيار الرئيسي

وسط كل هذا كانت الصناعة السينمائية تزدهر في أمريكا وأوروبا، ازدادت ميزانيات الأفلام وبدأت الإنتاجات الضخمة، ولكن العاملين بهذه الأفلام تم اعتبارهم أدوات لصناعة الترفيه أكثر من اعتبارهم فنانين، هكذا كون مجموعة من الفنانين الدادئيين في باريس حركة تم تسميتها Cinema Pur أو "السينما النقية"، ضمت هذه الحركة مجموعة من رواد التصوير والرسم، منهم مان راي، ريني كلير، مارسيل دوشامب، فرناند ليجيه.

كان هدف هؤلاء الفنانين هو صنع سينما ترتكز على العناصر الأساسية للفيلم، كالحركة والتكوين البصري، والإيقاع والإضاءة.
في المقابل قرروا التقليل من أهمية الحكاية والحبكة وغيرها من العناصر المشتركة بين السينما والفنون الأخرى كالرواية والمسرح، وبدلا من ذلك صبوا اهتمامهم على التكنيكات البصرية باستخدام اللقطات القريبة، المونتاج، تغيير حجم العدسة، التلاعب بالضوء، وغيرها.

يقول هنري شومييه أحد مخرجي السينما الطليعية وشقيق أحد أهم فنانيها ريني كلير:

" تستطيع السينما أن تخلق من داخلها قدرة جديدة، تترك وراءها منطق الأحداث وواقعية الأشياء وتولد سلسلة من الرؤى غير المعلومة، والتي لا يمكن تصديقها خارج اتحاد العدسة وشريط الفيلم المتحرك. سينما داخلية أو إذا أردت تسميتها، سينما نقية."

هكذا بدأ فنانو الدادائية في صنع أفلام طليعية، تختلف في مدارسها وخصائصها الفنية، ولكن يجمعها رفض الحبكة والجماليات الكلاسيكية، محاولة اكتشاف وسيط السينما نفسه، وصنع أفلام منتمية للصورة أكثر من انتمائها للحكاية أو الكلمة.

مان راي: قصائد بصرية بالضوء والظلال

مان راي هو رسام ومصور أمريكي، اختار أن يعيش لفترة طويلة من حياته في فرنسا، وهناك كان أحد أهم المؤثرين في حركة أفان-جارد الفرنسية في عشرينيات القرن الماضي
أفلام مان راي التجريبية الطليعية في العشرينيات تحررت بشكل مكتمل من حدود الحبكة والسرد التقليدي. هي في الأساس تجارب لقدرته على التلاعب بالضوء والظلال من خلال خامة الفيلم.

في فيلمه القصير الأول Retour à la raison - العودة للسبب، إنتاج عام 1923، يتلاعب مان راي بالضوء لمدة دقيقتين، الفيلم كله عبارة عن كادرات قريبة - كلوز أب - لخطوط مضيئة يحركها مان راي في كافة الاتجاهات، ثم يظهر ويتلاشى جذع أنثوي عار في الثواني الأخيرة.

عرفنا فيما بعد أن هذا الجذع العاري هو جسد معشوقة الطليعيين في العشرينيات وملهمة مان راي في كثير من أعماله أليس برين، والمعروفة باسم كيكي مونتبارناسي/ ملكة مونتبارناسي. والتي جسدها مان راي فيما بعد في واحدة من أشهر صوره حتى الآن وهي " Ingres's violin - كمان انجريس" حيث صور جسدها العاري ككمان بإضافته للشكل المميز لثقوب الآلات الوترية أسفل ظهرها.

يجسد مان راي في "عودة للسبب 1923" أهمية الخام السينمائي الذي كان موضع استكشاف الطليعيين في هذا العصر، وكيف يتم استخدام إمكانيات هذا الخام لمهاجمة المنطق المتوقع أثناء عملية السرد، وفي نفس اللحظة لخلق سردية بصرية فقط بالحركة والضوء.

بدأت الفكرة حينما اشترى مان راي كاميرا فيلم صغيرة يمكنها حمل أقدام قليلة من خام الفيلم، حينها أقنعه الشاعر تريستين تازارا في صناعة فيلم دادائي قصير.
يقول مان راي عن صناعة هذا الفيلم في كتابه المعنون " مان راي: بورتريه شخصي:

"حصلت على مئة قدم من خام الفيلم، ذهبت لغرفتي المظلمة، وقصصت هذا الخام لشرائط قصيرة. على بعضها رششت الملح والفلفل، وكأنني طباخ يحضر طعاما، على بعضها الآخر رميت دبادبيس ومسامير بشكل عشوائي. عقب هذا أشعلت الضوء الأبيض لثانية أو اثنتين، تماما كما كنت أفعل مع صوري المضيئة المتحركة – رايوغرام - وعقب هذا رفعت بحرص شرائط الفيلم من على الطاولة هززتها لأزيل ما عليها، وتركتها لتتحمض في أوعيتي المخصصة لذلك. في الصباح وحينما عاينتها وجد انعكاسات الملح والدبابيس قد تحولت لأضواء وظلال بشكل شاعري."

كرر مان راي هذه التجربة وبشكل أوسع في فيلمه Emak-Bakia - اتركني وحدي، من إنتاج عام 1926، والذي امتد لما يزيد عن 15 دقيقة. يبدو طابع مان راي السريالي بشكل أوضح في هذا الفيلم، حيث يجمع بين شغفه بالتلاعب بالضوء والظلال، وبين ميله لتكرار الأشكال والصور لخلق حالة شبيهة بالحلم.

اعتمد مان راي أيضا في هذا الفيلم على تقنية إيقاف الحرك stop motion ، والتي تجعلنا كمشاهدين نشعر كما لو أن الجماد يتحرك، وذلك من خلال تصوير الشيء نفسه في عدة صور متلاحقة، يتغير مكانه بين كل منها والأخرى بمقدار صغير، وهكذا حينما يتم عرض هذه الصور بشكل سريع يبدو هذا الشيء وكأنه يتحرك، وهي التقنية التي لاتزال مستخدمة حتى اليوم في أفلام تحريك الصلصال والدمى.

يضيف مان راي في "اتركني وحدي" تتابعات متكررة من صور لعين بشرية مقابل كاميرا، كادرات لجسد أنثوي عار، مما يضفى طابعا ايروتيكيا معتادا لدى السرياليين، حيث كانوا يؤمنون بأن الجنس هو المحرك الأهم للاوعي طبقا لنظرية فرويد في التحليل النفسي.

استمر مان راي في صناعة أفلام طليعية حتى نهاية العشرينيات، فصنع L'Étoile de Mer في عام 1928، ثم فيلمه الأطول Les Mystères du Château de Dé - أسرار نرد الشاتو، في عام 1929، والذي استمر لما يزيد على 27 دقيقة. وبانتهاء العشرينيات عاد مان راي إلى التصوير الفوتوغرافي والرسم كأحد أهم رواد السريالية، لتظل أفلامه الأربعة الطليعية، بالإضافة لما شارك فيه من أعمال مارسيل دوشامب وفرناند ليجيه علامات في اكتشاف الوسيط السينمائي في بداية العشرينيات.

رينيه كلير: سينما التلاعب بالإيقاع
عام 1924 صنع السينمائي رينيه كلير برفقة مؤلف الموسيقى اريك ساتيه ما يمكننا اعتباره أحد أشهر أفلام أفان - جارد الفرنسية في العشرينيات.
الفيلم الذي تم تسميته Entr'acte والتي تعني فاصلا ما بين المشاهد، تم عرضه للمرة الأولى كفاصل سينمائي بين مشاهد باليه Relâche الذي تم تأليفه بواسطة الفنان الطليعي فرانس بيكابيا، وذلك على مسرح الشانزليزيه بباريس.

يتكون الفيلم من عدة مشاهد بالأبيض والأسود تعتمد في الأساس على التلاعب بالإيقاع، حيث يبدأ الفيلم برجلين - هما ساتيه وبيكابيا - يتقافزان بالإيقاع البطيء قبل أن يطلقا قذيفة من مدفع قديم أعلى أحد المباني. فيما يلي من مشاهد غير مترابطة نشاهد راقصة بالية من أسفل، رجال يهرولون خلف نعش بداخله رجل ميت، يبدأ المشهد بالإيقاع البطيء ثم يتحول تدريجيا للإيقاع السريع، وفي النهاية يستعرض رينيه كلير مهارته بإخفاء شخصيات الفيلم.

هنا يعبر كلير عن لغته السينمائية من خلال الإيقاع فقط، فيعطي طابعا ساخرا كوميديا فقط من خلال تسريع الإيقاع أو عكسه أو إبطائه. بالإضافة إلى هذا فإن Entr'acte وبفضل موسيقى إريك ساتيه يعتبر من أوائل الأمثلة السينمائية على التوافق بين الموسيقى والصورة، حيث قسم ساتيه الموسيقى التصويرية لعشرة مقاطع كل منها متوافق مع مشهد بعينه.

ومن خلال ظهور مان راي ومارسيل دوشامب بالإضافة لبيكابيا وساتيه ورينيه كلير نفسه في أحداث الفيلم، يمكننا اعتبار Entr'acte رسالة تذكير عابرة للزمن بعصر سينما الدادائيين الفرنسيين.

فرناند ليجيه: السينما التكعيبية
في عام 1924 صنع الفنان الفرنسي فرناند ليجيه فيلمه الطليعي Ballet Mécanique - الباليه الميكانيكي، وذلك بالاشتراك مع المخرج الأمريكي دادلي ميرفي، وبمشاركة في إدارة التصوير من مان راي.

يمكننا اعتبار هذا الفيلم تجسيدا للفن التكعيبي الأهم في الأفلام الطليعية، حيث الاعتماد الواضح على الأشكال الهندسية في بناء العمل الفني. يبدأ الفيلم بكادر متوسط لفتاة جميلة - تؤدي دورها أليس برين - على أرجوحة في حديقة، وبينما تتحرك الأرجوحة للأمام والخلف ينتقل الكادر على أشكال هندسية متعددة، مكعبات ومخاريط، دوائر ومثلثاث، قبعات وأحذية، ثم ينتقل ليجيه للمزج بين وجه هذا الفتاة وبين مجموعة من الأشكال الهندسية، ليبدو وكأنهم مكملون لبعضهم البعض. يحاكي ليجيه بهذا الفن التكعيبي الذي اشتهر في فرنسا في بداية القرن العشرين على يد مجموعة من الرسامين أبرزهم بابلو بيكاسو.

ميل ليجيه للتكعيبية بدأ أثناء استدعائه للخدمة في صفوف الجيش الفرنسي أثناء الحرب العالمية الأولى. وهناك قضى ما يزيد عن العامين على الجبهة الفرنسية قريبا من غابات أرجون، وفي هذه الفترة رسم ليجيه العديد من الاسكتشات التي يمكن وصفها بالتكعيبية أبرزها لوحته soldier with a pipe، والتي يصور فيها جنديا مكونا من مواسير وأشكال دائرية ومخروطية معدنية، في سبتمبر 1916 كان ليجيه قريبا جدا من التعرض للقتل بعد هجوم بغاز الخردل تم بواسطة القوات الألمانية وعقبها قام برسم لوحته the card players ، وهي عباره عن لوحة لمجموعة من الجنود المعدنيين الذين يشبهون الروبوتات وهم يلعبون الورق، بهذه اللوحة يؤرخ النقاد لمرحلة ليجيه "الميكانيكية" والتي يمكننا اعتبار فيلمه "الباليه الميكانيكي" جزءا منها.

بالتأكيد كانت أهوال الحرب وانسحاق قيمة البشر أمام الآلة محركا لفرناند ليجيه أثناء صناعة لوحاته وفيلمه، وهكذا يمكننا تفهم قيمة الكادرات القريبة للعيون والشفاه البشرية في Ballet Mécanique التي تتداخل مع أحذية وقبعات وآلات، ليتحرك كل شيء في النهاية برتم ميكانيكي، لا فرق بين ما هو إنساني وما هو آلي.

جيرمان دولاك: النسوية بين التأثيرية والسريالية

من المثير للتأمل قدرتنا على تتبع مسيرة إخراجية نسائية في بدايات القرن العشرين، ولا خير من جيرمان دولاك كمثال عند الحديث عن السينما التجريبية الفرنسية.

بدأت دولاك مسيرتها الإخراجية قبيل ظهور حركة Cinema pur، وقد صنعت عددا من الأفلام الفرنسية ذات الحبكة والسرد الكلاسيكي، اعتمدت خلالهم على المدرسة التأثيرية، وهي مدرسة تعتمد على اكتشاف أساليب سردية جديدة لحبكة الفيلم، ويعد أشهر أفلامها التأثيرية هو " La Souriante Madame Beudet - مدام بوديه المبتسمة" ، من إنتاج عام 1922، والذي يدور عن حكاية مدام بوديه التي سئمت من نكات وانتيكات زوجها القديمة.

يخرج زوجها مسدسا فارغا في كل مرة، يهدد بإطلاق النار على نفسه، عليها أن تتفاجأ في كل مرة ثم تضحك بعد انتهاء النكتة، وذات يوم تقرر مدام بوديه أن تضع رصاصة حقيقية داخل المسدس.
الفيلم يمثل بشكل طليعي نسوي حكاية إمرأة ذكية في زواج بلا حب.

لم تكن دولاك فقط صانعة أفلام ولكنها كانت ناقدة وكاتبة أيضا. ويمكننا تلمس تأثرها بحركة السينما النقية من خلال مقالها الذي كتبته عقب لقائها بدي دبليو جريفيث في عام 1921، حيث تحدثت عن تفرد السينما كفن مستقل وغير مرتبط بالرسم أو الأدب، بالإضافة لأهمية صانع الأفلام كفنان وكمبدع.

تطورت مسيرة دولاك عقب هذا وصنعت فيلمها السريالي الأول "The Seashell and the Clergyman - صدفة البحر والقس" ، من إنتاج عام 1928، متأثرة بحركة السينما النقية.
في الفيلم تروي دولاك بصريا مجموعة من هلاوس إيروتيكية لقس منجذب جنسيا لزوجة قائد عسكري.

هنا تتلاعب دولاك بالصورة فلا يمكننا التأكد ما إذا كنا نرى حقيقة أو خيالات، كأن نشاهد القس وهو يحمل بين يديه مبنى كاملا، وتنتقل هنا دولاك أيضا لتصبح مضادة للسرد الخطي والحبكة المفهومة التي اعتادت عليها في أفلامها السابقة، فتصنع فيلما بلا حبكة مفهومة وبلا رمزية واضحة أيضا.
الرابط الوحيد بين هذا الفيلم وبين أفلام دولاك الصامتة الأخرى هو اهتمامها دائما بموضوع ذا هم نسوي، وهو هنا الوله الجنسي بالأنثى.

الكلب الأندلسي: سريالية بونويل وسلفادور دالي

فيلم يسمى الكلب الأندلسي، لا يوجد كلب في أحداثه، ولا أي إشارة للأندلس، عوضا عن هذا نتابع يدا مملوءه بالنمل، وشفرة حلاقة تقطع عينا إلى نصفين. هذا ما يمكننا قوله باختصار عن فيلم Un Chien Andalou الذي صنعه السينمائي الأسباني لويس بونويل برفقة الرسام والكاتب سلفادور دالي.

الفيلم الذي تم عرضه بشكل محدود في باريس مطلع عام 1929، لاقي نجاحا غير مسبوق فاستمر عرضه لثمانية أشهر، قبل أن يصبح بمرور الوقت الفيلم السريالي الطليعي الأشهر في العشرينيات.

بدأت فكرة الفيلم بحلم سرده بونويل لدالي، حيث رأي فيه غيمة تقطع القمر إلى نصفين وكأنها شفرة حلاقة تقطع عينا بشرية. حينها أجابه دالي بحلم رأي فيه يدا تفيض بالنمل.
أعجب بونويل بالحلمين وقرر أن يصنع فيلما عنهما.

كتب بونويل عقب ذلك في كتابه "تنهداتي الأخيرة"، أن القاعدة الوحيدة أثناء كتابة "الكلب الاندلسي" بينه وبين سلفادور دالي كانت هي " :لن نقبل أي فكرة أو صورة يمكن أن يتم تفسيرها بشكل منطقي على أي حال".

كان بونويل ودالي مفتونين بأفكار التداعي الحر التي رأي فرويد أن بإمكانها الكشف عما في لاوعي البشر من مشاعر ورغبات مكبوتة، وهكذا أرادا صناعة فيلم لا يمكن فهمه ولكن يمكن الشعور به يقول بونويل في نفس الكتاب: "لا يرمز أي شيء في الفيلم إلى أي شيء، الطريقة الوحيدة للوصول إلى رمزية ما من هذا الفيلم ربما ستكون بالتحليل النفسي".

يبدأ بونويل فيلمه بكلمات "حدث ذات مرة"، ثم تنفصل المشاهد بكلمات أخرى تظهر على الشاشة وتخبرنا "بعد مرور ثماني سنوات". هكذا دون أن نرى تغييرا على الشاشة.

تنتقل الكاميرا في أحد المشاهد بين كادر قريب لغيمة تمر عبر القمر، وكادر آخر لرجل يضع شفرة حلاقة أمام عين امرأة، يتداخل الكادران، ونرى الشفرة وهي تقطع العين، ليخرج من خلالها سائل. قطع المونتاج السريع في هذه المشاهد يعطى إحساسا لا ينسى، ليظل الكادر عالقا في الذاكرة.

وهكذا صنع بونويل ودالي فيلمهما السريالي الأول بلا حبكة، ولكنهما لازالا مؤثرين بأجواء الحلم وسرديته في نوع فيلمي سريالي لايزال مدين للكلب الأندلسي بالكثير من تكنيكاته.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات