صناع الصورة الجدد غياب المضمون وطغيان الشكل

أمنية عادل 09 مايو 2022 السينما التشكيلية..سحر الصورة

الكاتب : أمنية عادل


صناع الصورة الجدد
غياب المضمون
وطغيان الشكل
الصورة هي وسيط السينما في مخاطبة جمهورها، وكما هو الأدب، فللصورة لغتها ومفاهيمها وإحداثياتها التي تحدد ملامحها وترسم سماتها الخاصة، لهذا فاللغة السينمائية تعتمد على الصورة وتكوينها وتشكيلها الذي يقدمه صناع الصورة من خلال تصورهم الخاص للمضمون الذي تحويه القصة التي يتم سردها على الشاشة الكبيرة.
في ضوء هذا سيرسم لنا ثلاثة من مصوري السينما المعاصرين رؤيتهم وخبرتهم في صناعة الصورة وتشكيلها، من خلال مائدة مستديرة نستعرض بها تجربتهم في عالم السينما ومنابع صورتهم التي يقدمونها بأعمالهم المتنوعة، فمن خلال رؤية كل من مديرة التصوير "نانسي عبد الفتاح" ومدير التصوير "عبد السلام موسى" ومدير التصوير "فيكتور كريدي" - وجميعهم ينتمون إلى جيل الصورة المعاصرة - سنحاول أن نقف على بعض من ملامح واقع الصورة في السينما المصرية في لحظاتها الآنية.
بحسب معجم الفن السينمائي فإن تعريف مدير التصوير السينمائي: "هو المصور الأول والمسئول عن توزيع الإضاءة واختيار زاوية التصوير وحركة الكاميرا أو الكاميرات والإشراف على حركة الممثلين وتكوين المنظر، وتوجيه الإرشادات والتعليمات، التي من شأنها رفع القيمة الفنية والجمالية والتعبيرية للصورة، وهو يساعد في تصميم المناظر عند تشييدها، بحيث تلائم التصوير الجيد، ويضع خطة شاملة للعمل، تسير عليها وحدة التصوير(1)".
يشير مدير التصوير المخضرم "سعيد شيمي" في كتابه (تاريخ التصوير السينمائي في مصر من عام 1897 إلى عام 1996)، إلى أن مهمة مدير التصوير في الوقت الحالي تختلف عن بدايات السينما، ففي الماضي كان مدير التصوير/المصور هو الذي يقوم بكل المهام المتعلقة بالتصوير ولم يكن هناك مساعدون، أما الآن فهناك مساعدون (Cameraman)، وأصبح مدير التصوير هو المسؤول عن الرؤية الجمالية والتشكيلية للصورة البصرية للسيناريو المكتوب والمشرف على عملية التصوير من خلال توظيف حرفته الإبداعية لخدمة الرؤية التشكيلية التي تتفق مع مفهوم المخرج ودراما العمل(2).
يصف مدير التصوير "فيكتور كريدي" الصورة السينمائية بأنها أكبر من مجرد تكوين يضعه مدير التصوير أو مجهوده فحسب، بل يقف وراء هذه الصورة الكثير من الفنيين والمصورين، يقول: "إن المصورين يحصلون على تقدير أكبر من عملهم، حيث ينسب لهم كل فضل الصورة رغم أن هناك العديد من الشركاء بها، فالصورة ليست مجرد إضاءة وزوايا وتكوين، بل هناك الملابس والديكور ومنفذوهما، فضلا عن عمل المخرج الفني والمخرج، وهذه كلها مهام تشكل الصورة التي تظهر للمشاهد في النهاية".
• البدايات تشكل الكثير من رؤية وفلسفة من يتولى مهمة التصوير السينمائي، حدثونا عن هذه التجارب وكيف شكلت وعيكم ورؤيتكم لما ترونه من خلال العدسة السينمائية؟
نانسي عبد الفتاح: بدايتي لم تكن عن طريق السينما وإنما تخرجت في كلية الفنون الجميلة، وتخصصت في تعبيرية ديكور مسرح، مع هذا كان شغفي واسعا بالتصوير وهويت التصوير الفوتوغرافي لفترة من الزمن، وكنت دائمة التردد على نوادي السينما، حتى قررت أن أدخل معهد سينما لأتعلم التصوير السينمائي وأتخصص فيه، في الوقت ذاته الذي قدمت به صوري الفوتوغرافية في مسابقة "إبداع" التي كانت تنظمها الدولة وتسمح بالسفر إلى روما والتصوير لمدة عام.
قبلت بمعهد سينما ولم يحالفني الحظ بسفرية روما، ولكن هأنذا.
فيكتور كريدي: درست التصوير السينمائي في الولايات المتحدة بجامعة كولومبيا بولاية شيكاغو لمدة أربع سنوات، وعقب التخرج عدت إلى مصر في إجازة، مقررا العودة مرة أخرى للولايات المتحدة، ولكن صادفت أن أخى صديق لرمزي خوري نجل جابي خوري وأشار علي أن أكتشف الواقع السينمائي في مصر، خلال الفترة التي أمكث بها في القاهرة والتقيت بالمخرج "يسري نصرالله" وكان يعمل على فيلم "جنينة الأسماك"، وأعتبر أن هذا الفيلم له فضل كبير في قرار بقائي بمصر وبدأ مساري المهني بها، حيث عاملني "نصرالله" بكل جدية وأعطاني السيناريو لقراءته وشعرت أنه فيلم يختلف عن الخلفية التي كانت عندي بالسينما المصرية، والحقيقة لم تكن معرفتي بالسينما المصرية كبيرة كما هو الحال مع سينما الخارج.
لم تكن مهمتي في الفيلم التصوير السينمائي كما يزعم البعض وإنما توليت فوتوغرافيا الفيلم، وهأنذا.

عبد السلام موسى: درست في المعهد العالي للسينما، وشاركت في العديد من التجارب في السينما القصيرة وأحب التجريب كثيرا، طول الوقت فيه تعلم وتغير وتجديد، كما أن لدي معمل فوتوغرافيا في المنزل، وأحب كثيرا أن "ألعب" بالتقنيات المختلفة، فالخام هو الأفضل في التصوير.
التصوير والتشكيل
نهتم في ملف هذا العدد بالتشكيل في الصورة السينمائية، ونستطيع القول بأن اللغة السينمائية ليست مجرد وصل غير محكم بين مجموع صور (3)، وإنما هو تسلسل لصور متحركة تسرد قصة درامية وتوضح معنى معينا من خلال توصيل شعور وإحساس ما إلى مشاهد العمل وهو ما يجعل السينما فنا خاصا لا يشابه الفنون التي تحيط به، بل ويميزه عن مختلفها.
بدوره في هذه المائدة المستديرة يعرف مدير التصوير "عبد السلام موسى" السينما بأنها فن خاص، تنبع خصوصيته من استلهامه من الفنون جميعها، فلا شئ يشابه السينما، حيث استقت من الأدب الكلمة ومن الفنون التشكيلية التكوين والتشكيل والفوتوغرافيا الصورة ومنحتها روحا من خلال حركة الكاميرا والممثلين.
ويعرج مدير التصوير "فيكتور كريدي" على الحديث قائلا: السينما فن وحده، يمكن أن يستوحي من الفنون الأخرى، فالتشكيل في الصورة السينمائية، له منابع عدة، سواء من اللوحات التشكيلية أو الواقع المعاش، وهو الأمر نفسه لفن مثل الموسيقى، كما أن التشكيل في السينما له سمة خاصة وهي أنه متصل بمضمون يعبر عنه، ولا يجب أن تقدم الصورة بعيدا عما تقدمه القصة.
ورغم إيمانها بأهمية النظريات وأساسيات التشكيل والتكوين إلا أن مديرة التصوير "نانسي عبد الفتاح" ترى أن لكل مصور "مانفيستو" خاصا به واحساسا خاصا بالصورة فالأمر نسبي ولا يمكن أن يتم تحديده فقط عن طريق نسب هندسية أو رياضية، كما أن اختلافه كفيل بتغير رؤية المشاهد للمشهد وبالتالي فهم القصة بالكامل فيما بعد.
لكل مبدع منبعه الذي يستقي منه إلهامه والصورة تعد دربا من الخيال المصور، تلفت "عبد الفتاح" إلى أن هناك اعتباطية في علاقة الصورة بالمضمون في الصورة السينمائية المصرية فأغلب ما يقدم على الشاشة الكبيرة هو صورة جميلة لا تعنى بالمضمون الذي تعبر عنه، وهو ما يفقد الصورة هارمونيتها مع ما يشاهده المتفرج في النهاية.

فهناك سعى واضح وراء صورة "لامعة" براقة حتى لو اختلفت مع القصة، وهو ما يخالف السينما، فالتصوير والعناصر البصرية الأخرى حاضرة لتحقيق التأثير الدرامي للقصة فالسينما لا تقدم إعلانات.
يتفق كل من موسى وكريدي مع هذا الرأي، حيث يريا أن الشكل طاغ على المضمون، إذا يثمن كريدي التقدم التقني الذي باتت تتمتع به الصورة السينمائية المصرية، لكن المضمون مازال لا يواكب هذا التقدم.
ويعتبر أنه من الفشل أن يقدم المصور صورة جيدة جميلة فحسب، ويرجع "موسى" سيطرة الجانب الحرفي على الصورة السينمائية إلى التعليم بصورة عامة، معتبرا أن هناك فقدا في الرؤية الخاصة بالمصور المبدع للصورة ورمزيتها وتوظيفها في المشهد السينمائي، وتكمل "عبد الفتاح" الفكرة ذاتها قائلة:" في الماضي كان هناك وعي بالفنون المختلفة، كالأدب والشعر والفن التشكيلي، كما أن المدارس نفسها لا تفتح المجال لهذا، فإن وجدت حصة للرسم كان هذا جيدا!".
"يكمن الفرق بين الفنان المبدع والحرفي الماهر في حقيقة أن الأول تتوفر لديه الشجاعة لكي يبتكر ويجرب ويخترع، إنه لا يخشى الخطأ ولذلك فهو يتقدم دائما، بينما يعتمد الحرفي الماهر على أفضل ما يعرف مما أحرزه الفنانون المبدعون متفاديا مرحلة التجارب، مستعينا بالتطورات الجديدة فيما يعمل، في حالة إذا ما تقبلها الجميع(4)".
يعد المخرج "يسري نصرالله" هو أول من استخدم الكاميرا الديجيتال الرقمية في تصوير فيلم "المدينة" عام 2000، وهو ما يعد تحايلا كبيرا على صعوبات عدة كان يواجهها الشريط السينمائي المصور، سواء من صعوبات التعامل مع الكاميرات بمختلفها "16 أو 35 م" أو المخاوف التي كانت تحيط بالشريط السينمائي بعد تصويره ومشواره من المعمل والتحميض حتى الخروج إلى النور.
ورغم تخطي الكاميرا الديجيتال لهذه الصعوبات وتقليلها لتكاليف التصوير، إلا أن الحنين للخام ما زال حاضرا في وجدان المصورين، ف"موسى" يعتز بالخام ويعتبره أقرب إلى اللوحات التشكيلية فيما الديجيتال هو "مستشعر" للنسب والألوان والضبط، ليخرج صورة مميزة من ناحية الجودة والألوان لكنها تفتقر في أغلب الأحيان إلى الحياة، فالخام كما الواقع، تستطيع أن تضيف عليه وتعدله كما يحلو لك.
"الديجيتال يجعل الواحد كسولا، ويجعلك حرفيا أكثر، ويحجم الخيال، أما الخام فيعطي فرصة للمصور أنه يلعب كما يريد، ويجعل الصورة تنطق، اتجرأت واشتغلت بخام في فيلم "مصور قتيل"2012، والفيلم كان بين الخام والديجيتال، وساعدني الخام أني أدرج صورة الفيلم، وتوصيل القصة للمشاهد من خلال تباين الصورة بين الخشونة والنعومة ".
اعتبرت "نانسي عبد الفتاح" أن الخام اختراع لا يموت، واصفة إياه بأنه: "حاجة تانية خالص اختراع بقاله 100 سنة ولسه بيدي، الخام صورة شفافة مبهرة إنما الديحيتال صورة مكتوبة وكمان خلى أي حد يعرف يشتغل شغلانه التصوير!".
وتصف عبد الفتاح قدسية هذه المهنة وهيبتها في الماضي، قائلة: "كنا ممكن نقعد سنتين تلاتة علشان نمسك شنطة عدسات الكاميرا، المعدات كانت غالية وقيمتها عالية جدا، وده اللي خلق ناس محترفين فعلا وفاهمين إنما دلوقتي بقى سهل يكون فيه دخلاء على المهنة، بيعرفوا يصوروا أيوه إنما ممكن مبيتمتعوش بالرؤية، بنشوف دلوقتي المخرج ومساعد المخرج قاعدين قدام المونتر".
ويثني "كريدي" على الكاميرا الديجيتال أنها قلصت فجوة الخطأ في الصورة السينمائية وتجاوزت أزمة المعامل والتحميض، مع هذا اندماج غير المتخصصين في التكوين والتشكيل فتح المجال لتيه الصورة السينمائية.
التصوير والإنتاج
طرحنا السؤال التالي على ثلاثتهم وهو: "الإنتاج ضلع أساسي في التجربة السينمائية، انطلاقا من هذه النقطة ونقاشنا السابق حول الخام والديجيتال، ومن خلال تجاربكم، ما هو تعالم الإنتاج ما طلب مدير التصوير لاستخدام الخام في بعض الأعمال أو المشاهد؟، وكانت ردودهم:
تقول نانسي: "أحب أن أستخدم الخام لو توفرت الفرصة، ولكني أحتاج إلى سيناريو يقوي موقفي في هذا الطلب، فالمنتج لن يتحمل تكاليف معمل واحتمالية تلف المادة المصورة فقط لرغبة مدير التصوير في استخدام الخام بدلا من الديجيتال".
وتكمل: "مع الأسف أغلب المنتجين لا يهتمون بمتطلبات الصورة، فيمكنه انتظار الممثل أربع ساعات أو أكثر، لأنه النجم!.. ولا يقدم للمصور ميزانية تسمح له بتقديم صورة قيمة"، ويصف "كريدي" مهمة التصوير السينمائي بأنها مكلفة للغاية، وعلى المنتج والمنتج الفني أن يتمتع برؤية فنية أيضا، فهو ليس مجرد ممول وإنما مساهم في عمل فني، مع هذا أحاول أن أعادل فنيا ما هو متوفر ماديا.


ويكمل قائلا: "أسعد حينما يحاورني المنتج حول ما أطلبه من معدات، فهذه نقطة إيجابية ويمكن أن أقنعه بما يخدم العمل"، وفي ضوء تجربته يذكر "كريدي"، بأنه عمل في أفلام عدة متنوعة الميزانية، معتبرا أن الأفلام ذات الميزانية المنخفضة تمنح المبدع | المصور مساحة للتجريب.
شاركت في أعمال ذات ميزانية منخفضة وهذه الأعمال هي التي حصلت من خلالها على جوائز بالخارج، الأول كان فيلم "بصره" وهو أول فيلم قمت بتصويره، وحصلت على جائزة من إسبانيا، وكانت ميزانيته تقريبا غير موجودة والإضاءة كانت متواضعة للغاية واستخدم كاميرا ديجيتال صغيرة، كما نافست بفيلم "أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة" وهو أول فيلم يمني، وكانت ميزانيته بسيطة للغاية مع هذا حصل على جائزة تصوير في ستوكهولم، لهذا فالميزانية ليست مقياسا لنجاح الفيلم".
فيما يخالفه "موسى" في الرأي، حيث يرى أن قلة الميزانية لا تخدم دائما الصورة أو العمل بصورة عامة، فالميزانية المحدودة سلاح ذو حدين، يمكن أن تحد من طموح العمل وصناعه، كما أن أغلب المنتجين يعملون على تقليل الميزانيات بكافة السبل، وعليهم أن يستوعبوا أن كل مشروع مختلف وله متطلبات مختلفة، عن نفسي إذا شعرت بالضغط في العمل أو صعوبة في تقديم عمل جيد أعتذر عنه حتى لو قبله بأيام".
ومن واقعه الحالي يضيف "موسى"، أنه يعمل حالا على فيلم "عنها" وهو فيلم مستقل، إخراج "إسلام عزازي" وإنتاج المونتيرة "دينا فاروق"، ومعنا أستاذ "أنسى أبو سيف"، والموسيقى للموسيقي "موريس لوكا"، وهي تجربة خاصة جدا، تدور الأحداث في ثلاثينيات القرن المنصرم، ميزانية الفيلم بسيطة للغاية، ومع هذا نحاول تكوين صورة فنية ونكتشف أنها تقارب سمات لوحات تشكيلية، أتمنى أن أستخدم "خام" ولكن نتعامل مع المتاح واستخدم كاميرا "Hand held".
وتشارك "نانسي عبد الفتاح" تجربتها في فيلم "ريكلام" 2010:2011، وكانت تجربة مختلفة في وقت الثورة والصعوبات تحيط بالمجال، وكيف استخدمت الكاميرا "5D" في تصوير مشاهد المترو، ولم تكلف شيئا على الإطلاق للإنتاج، وتضيف قائلة: "لم نستخدم أي شيء على الإطلاق، الإضاءة كانت طبيعية إضاءة المترو وعربات المترو، وكذلك الكاميرا كانت صغيرة ولم تلفت الانتباه سواء للراكبين أو أمن المترو".
وفي السياق نفسه تضيف، إن التجارب تختلف فمثلا في مسلسل "واحة الغروب" كان أغلب التصوير يتم في الصحراء وهو ما يحتاج للكثير من المعدات والتجهيزات اللوجستية إلى جوار الكاميرات، فنحن داخل الصحراء بعمق ساعة ونصف بالسيارات، وإذا ما نفذنا ما تفكر به

المخرجة "كاملة أبو ذكري" لاحتجنا لميزانية هوليودية، مع هذا فأنا قادمة من مدرسة ذات إمكانيات قليلة، وأستطيع أن استغني عما لا أحتاج، وبالفعل، تمكنا من تصوير كل المشاهد، رغم الصعوبات والحالة غير الآدمية في بعض الأحيان".
وتستطرد قائلة: "كل مشاهد الليل في الصحراء استخدمت بها النار كإضاءة لا شيء أكثر، فأنا لن أضيء الصحراء، وباقي المشاهد الخارجي في الصحراء يتم تصويرها وقت "Magic Hourعشر دقائق وقت الشروق أو الغروب"، وكنا نعد كافة ما نحتاج قبلها بساعتين وننتظر لهذا الوقت ولا مجال للإعادة فهي دقائق معدودة، حتى إن هناك كاميرا تم تبديل عدستها، بسرعة شديدة دون أن يلاحظ المشاهد لتفادي ضياع المشهد كاملا".

التصوير والمضمون

وصف مدير التصوير "سعيد شيمي" المصور الإيطالي الشهير " Vittorio Storaro" بأنه "شخص يكتب الأفكار على الشاشة بالضوء واللون، وهو يطوع أدوته (السينما – فوتوغرافيا) للكتابة .. فالصورة السينمائية نوع من الأدب المرئي(5)"، وفي السياق طرحنا السؤال على رواد المائدة المستديرة التي نحن بصددها وهو، هل يواكب المضمون والأفكار المطروحة قوة الصورة وتطورها؟.. فجاءت الإجابة بالنفس لثلاثتهم وإن وجب التعقيب أيضا.
حيث عقب "كريدي"، قائلا: "إحنا عندنا حكايات بس مش عارفين نحكيها وواقعين في فخ تقليد الأمريكي من غير تفكير، وعمرنا ماهنعرف نعمل زيه لأنهم بيصرفوا 200 مليون دولار للفيلم الواحد اللي عاوزين نعمل شبهه"، وتقول "نانسي":"الصورة عمرها مبتتحرك لوحدها فيه مكونات تانية أساسية ومنها النص، مع الأسف في أغلب الأعمال النص مش موجود العطل عندنا في السيناريو، بنفضل نتفزلك في الشكل ونزخرفه بس كل ده في الأرض".
ويستدل "موسى" بالسينما الإيرانية وأنها نموذج استطاع أن يقدم نفسه رغم القيود التي تواجه هذا النوع من السينما إلا أنها تقدم نفسها، وتستحق الجوائز التي تحصل عليها.
اعتمدت العديد من الأعمال السينمائية منذ بداية السينما على النصوص الأدبية وتجلى هذا في ستينيات القرن المنصرم وحاليا نجد بزوغا لفكرة عودتها من جديد على الشاشة الكبيرة ويظن البعض أنها يمكنها إنقاذ الموقف المتأزم الذي خلقه عطب السيناريو السينمائي، وتثنى مديرة التصوير "نانسي عبد الفتاح" على الأعمال الأدبية، قائلة: "أتمنى أن يكون هناك سيناريو يكتب

خصيصا للسينما، ولكن إن لم يوجد فالأعمال الأدبية تعد ملاذا لاسيما أنها تمثل مرجعا واضحا وعميقا سواء لقراءة الشخصيات أو الأحداث".
وتستدل برواية "واحة الغروب" للأديب بهاء طاهر، التي قدمتها مع المخرجة كاملة أبو ذكري، كمسلسل يحمل الاسم نفسه عام 2017، فالرواية كانت "مفسرة" لكل شيء وكل "تفصيلة"، مما ساعد في رسم كافة التفاصيل، السيناريو في أغلب الأحيان لا يضع كافة التفاصيل كما هو الأدب.
سينما .. تلفزيون
كما هو ملاحظ فإن الأعمال السينمائية تتقلص في مقابل تنامي الأعمال الدرامية وتوجه السواد الأعظم من صناع السينما إلى ساحة الشاشة الصغيرة، في ضوء هذا نلقى الضوء على تجارب مصورينا، لاسيما أن لكل منهم أعماله الدرامية المميزة.
ينبه "كريدي" إلى اختلاف الشاشة الصغيرة (التلفزيون) عن شاشة السينما، فشاشة التلفزيون لها إحداثيات تختلف عن السينما، وهو ما يمثل فخا، لاسيما حينما يعود الصناع إلى السينما من جديد، فنرى صورة سينمائية بتشكيل تلفزيوني وهو أمر ليس جيدا على الإطلاق.
وعن تجاربهم يسردون، تحكي "نانسي" قائلة: "الموضوع مش مختلف بقينا نستخدم نفس الكاميرات وأهم حاجه فهم ووعي مدير التصوير لاختلاف شاشة التلفزيون عن السينما، يعني مينفعش افضل مركزة على لونج كتير، مهما التلفزيون كبر هيفضل تلفزيون برضه".
ومن جانبه أوضح أن مستوى الانتاج في التلفزيون والدراما كبير مقارنة بالإنتاج الموجه إلى السينما، فالتلفزيون أصبح مساحة أكثر أمنا للمنتجين، لهذا فأطقم العمل انتقلت بالتبعية إلى شاشة التلفزيون، وعن تجربته باختلاف التشكيل بين السينما والتلفزيون، قال: "أحاول قدر الإمكان عدم الوقوع في فخ الخلط بين الصورتين، وهو ما حدث في مسلسل "موجه حاره" و"أفراح القبة".
وفي السياق اتفق ثلاثتهم على وعى المشاهد ونضجه الفني، في كثير من التجارب التي خاضوها، فعل ذكر مسلسلي "موجة حارة وأفراح القبة"، يقول "موسى": "ذهلت من رد فعل الجمهور فهناك فهم وقراءة جيدة بجمال الصورة وقوة التشكيل بها، وهو ما لم نتوقعه بأن يكون إلى هذا الحد".
فيما تطرح "نانسي" تساؤلا قد تفجر بينها وبين المخرجة "كاملة أبو ذكي" حول ما هو دور المبدع، هل أن يقدم "ما يريده الجمهور" أم يرفعه إلى مستوى أعلى فنيا، وكانت الإجابة

تنتصر للفكرة الثانية، وتقول:"في مسلسل "سجن النسا" كنا متخوفين من الصورة القاتمة التي تسيطر على المسلسل، ولم نكن متأكدين من تقبل الجمهور لها، ولكن بعد عدة حلقات أعطانا الجمهور قوة لنكمل على نفس النهج بعد فهم جماليات الصورة وملاءمة هذه الصورة بسماتها و"سيمائياتها" للمضمون المقدم".
وعن تجربته طرح "كريدي" في مسلسل "الجماعة الجزء الثاني" استوحيت الألوان للمسلسل من لوحات "كارفاجيو"، وكان هناك لعب بالظل والنور على مدار الأحداث، وبمسلسل "بدون ذكر أسماء" تخوفت من حقبة الثمانينيات، فهي لا تتمتع بجماليات شكلية بصورة كبيرة، ومع هذا تفاعل الجمهور مع الصورة المقدمة وكنت سعيدا حقا من التعليقات حتى من جمهور لا يمتلك خلفية فنية.
ما وراء الصورة
على المصور / المبدع أن يدرس بدقة إحداثيات العمل الذي يخوضه على اختلافه "دراما / سينما"، وأن "يذاكر" قبل أن يقدم على تنفيذ العمل، فبحسب تجربة "موسى" في مسلسل أفراح القبة، الذي اعتمد فيه المسلسل على رواية الأديب "نجيب محفوظ" التي تحمل الاسم نفسه ويقول "موسى": حتى أتمكن من المذاكرة لهذا العمل الضخم كان علي قراءة الرواية أكثر من مرة وعدد من روايات محفوظ لمشاهدتها بصريا، كذلك مسلسل "موجه حارة" انتظرنا الكثير من الوقت لانتقاء الصورة النهائية للمسلسل، كما أنه من المسلسلات الأوائل، اللاتي تم بها تنفيذ "تيست للممثلين"، وأصبح الآن جزءا طبيعيا في صناعة الدراما.
وفي فيلم "واحد - صفر" للمخرجة "كاملة أبو ذكري"، وصورة "نانسي عبد الفتاح"، كان هناك الكثير من العمل والمذاكرة، بداية من قراءة السيناريو عدة مرات إلى مشاهدة أفلام تشابه فكرة اليوم الواحد والشخصيات المتعددة، وتشير إلى أن المذاكرة تختلف من عمل إلى آخر خاصة أننا نتعامل في ضوء ميزانية موضوعة.
وعن تجربة فيلم "لحظات انتحارية" تقول "نانسي:"في الفيلم ده مكنش فيه ميزانية تقريبا، وكان صعب أننا ننور، وقولتلهم حسب اللوكيشن، لو فيه نور مش هنحتاج ننور، وفعلا اللوكيشن كان شقة قديمة بكوريدور وفي آخره شباك كبير منور واشتغلنا على كده وأخدنا جايزه عليه في مرجان القاهرة".



التصوير والتسجيل
ترجع "نانسي" مرونتها في التعامل مع الميزانية والمواءمات المالية إلى خلفيتها التسجيلية، إذ تقول: "فيلم "البنات دول" إخراج المخرجة تهاني راشد، هو الذي منحني كل ما أنا عليه الآن فمتابعة حكاية دون الحاجة للعديد من التجهيزات، التسجيل يحتاج إلى صبر وإعداد والتحام مع الأشخاص المنوطين بتصوير حكايتهم، ففي البنات دول، قضينا شهرين مع البنات اللاتي تم تصويرهن، حتى أصبحنا جميعا متآلفين لبعضنا البعض، وحينما خرجت الكاميرا للتصوير لم يشعروا بالوحشة أو الغربة عنا، واستخدام إضاءة بسيطة للمبات الزينة الصغيرة لتكن هي مصدر الضوء لي، وعليه فأنا افكر دايما في أبسط ما يمكن أن يشكل الصورة، وهو ما ساعدني في بناء صورة فيلم "واحد - صفر" مثلا فكانت الإضاءة أقرب إلى التسجيلي، فنحن بصدد تصوير الشارع والواقع".
ويصدق "موسى" على ضرورة التعايش مع الحكاية أو الشخص الذي نسرد حكايته، وعلى طاقم العمل أن يتسم بالمرونة، في وضع الكاميرا وموازنتها مع إضاءة المكان وهكذا من مسائل تقنية، فيما أشار "كريدي" إلى أن تجارب التسجيلي تفتح مجالا للمبدع بالتجريب واللعب، والابتكار بشريط السينما.
المراجع:
1- معجم الفن السينمائي، وضع أحمد كامل موسى ومجدي وهبه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973.
2- تاريخ التصوير السينمائي في مصر من 1897:1996، ص(50:55) تأليف مدير التصوير سعيد شيمي، المركز القومي للسينما، 1997.
3- كتاب قواعد اللغة السينمائية ص 10، تأليف دانييل اريخون، ترجمة أحمد الحضري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997.
4- كتاب قواعد اللغة السينمائية ص 11، تأليف دانييل اريخون، ترجمة أحمد الحضري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997.
5- الصورة السينمائية من السينما الصامتة إلى الرقمية، ص(366:367)، تأليف مدير التصوير سعيد شيمي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2003.


التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات