المصورة سارة زهير: الإسكندرية.. حاضرة فى معرضى الأخير

إسلام انور 10 مايو 2022 السينما التشكيلية..سحر الصورة

الكاتب : إسلام انور
تتضاءل أماكن التنزه في الإسكندرية بوتيرة متسارعة عامًا بعد آخر، ليس فقط على كورنيش المدينة المحاصر بالمقاهي والنوادي والشواطئ الخاصة ولكن داخل المدينة أيضًا، فمعظم أحياء الإسكندرية باستنثناء مناطق محطة الرمل وسموحة والمنتزه تكاد تخلو من الحدائق العامة وقاعات الفنون والأندية الرياضية وغيرها من أماكن التنزه.


في معرضها الأخير «نزهة في الإسكندرية» اختارت المصورة سارة زهير تسليط الضوء على متنزهات الإسكندرية الباقية عبر رحلة ممتدة من شرق الإسكندرية إلى غربها ومن البحر إلى قلب المدينة، التقطت كاميرا سارة خلال رحلتها حيوات متعددة لبشر وأشجار وتماثيل وألعاب مهجورة، تعكس مشاعر متباينة بين البهجة والوحدة والخوف من الزوال والشعور بالسكينة والتماهي مع الطبيعة.
تفتح سارة معرضها الذي أقيم في معهد جوته ضمن فعاليات أيام التراث السكندري، بدعوة للزوار للانضمام لها في نزهة بالمدينة عبر مجموعة من الأسئلة: «هل ملأت عينيك بالأشجار وألوانها والشمس ودفئها والسماء وزرقتها؟، هل استلقيت على الحشائش وشممت الورود؟، هل لعبت بالكرة؟، هل تنفست الهواء؟، هل تحدثت إلى البحر؟، يبدو أنك لم تفعل ذلك منذ زمن بعيد. ها هي دعوة إليك أنت لنزهة مع الإسكندرية لإعادة اكتشاف المدينة، ورسم خرائط جديدة لإنعاش الذاكرة الجمعية وإعادة الحياة إلى أماكن مهجورة لا يزورها أحد، قد تنسى وتهمل فتختفي».
عن معرضها «نزهة في الإسكندرية» وقصصها المصورة السابقة التي تتناول حكايات مختلفة تنتمي جميعها لمدينة الإسكندرية حاورنا سارة زهير.
لماذا اخترتِ فكرة النزهة تحديدًا لتكون محورًا لمعرضك الأخير؟
الصورة الذهنية الراسخة عند كثير من الناس عن النزهة في مدينة الإسكندرية مرتبطة في الغالب بالبحر والشواطئ، لكن هناك وجه آخر للمدينة ومساحات متنوعة للنزهة من أبرزها المساحات الخضراء وعلاقات الناس مع تلك الفضاءات من المسطحات الخضراء المفتوحة أو الحدائق والمتنزهات، وهذا ما ركزت عليه خلال المعرض، فالمعرض ينطلق من قلب المدينة ليتقاطع مع البحر في عدة صور ولحظات بسيطة، كذلك كنت مهتمة باستعادة تاريخ وتراث هذه الحدائق والمتنزهات والصورة التي ظهرت بها في الأفلام القديمة خلال منتصف القرن العشرين وما آلت إليه تلك الأماكن حاليًا.
حرصت أيضًا على عدم ذكر أماكن الصور من أجل تشجيع جمهور المعرض على زيارة واكتشاف أماكن التنزه المختلفة في الإسكندرية، وكنت سعيدة للغاية بمعرفة كثير من الجمهور بمعظم الأماكن، فبعضهم تعرف على صور حديقة «انطونيادس» وآخرون استعادوا ذكرياتهم مع حديقة الشلالات، وغيرها من الحدائق والمتنزهات المفتوحة بشكل مجاني أو بتذكرة رمزية، ورفضت أن أصور حديقة المنتزه لأن سعر تذكرتها وصل إلى 25 جنيها، وهو رقم مبالغ فيه للغاية، حولها من متنزه مفتوح للجميع، إلى مكان مخصص للنخبة من الأغنياء.

* في صورك هناك اهتمام بعلاقة البشر بالفضاء العام، ما الذي تبحث عنه كاميرتك؟
الأشخاص يضيفون للصور عمومًا، فوجود الشخص في الصور يعني وجود حياة، وخلال العمل على التحضير للمعرض ركزت على فكرة أن تلك الأماكن التي قد تبدو مهجورة لكن لا تزال لها جمهورها الخاص وتستقبل الزوار من وقت لآخر، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة تحذيرات من أن الحدائق والمتنزهات مثل أنطونيادس والشلالات ليست بالأماكن الآمنة التي يمكنك الذهاب إليها بمفردك وخصوصًا للبنات، وقد حرصت على أن أزور تلك الأماكن بمفردي وقمت باتخاذ الصور في زيارات متعددة، كدليل على أنها أماكن آمنة وليست مهجورة، نعم هي مهملة ولكنها آمنة إلى حد كبير.

* ما هى أكثر الصور أو اللحظات الفارقة خلال رحلتك في هذه النزهة؟
في أحد زياراتي لحديقة «النزهة» شاهدت في جزء مهجور من الحديقة شجرة عملاقة تساقطت كل أوراقها والتقطت لها صورة وأكملت مساري في الحديقة لاتخاذ المزيد من الصور، وبعد حوالي عشرة أيام عدت مرة أخرى للحديقة لأجد الشجرة العجوز على الأرض، فقد تم قطعها بوحشية، حينها بكيت وسألت نفسي لو كان للشجرة زائرون يودونها لما سقطت وحيدة هكذا.
* تعكس صورك مراحل زمنية مختلفة للإسكندرية، أى مرحلة من تاريخ المدينة أقرب لك؟
أميل عمومًا للقديم، وأعتقد أن فترة الأربعينيات من القرن العشرين كانت من أزهى عصور الإسكندرية، انتشار الجاليات الأجنبية، والاهتمام بالثقافة، والمعمار، والصناعات .. إلخ، ولكن مؤخرا أحاول ألا أستسلم لحالة النوستالجيا، وأبحث من خلال الفوتوغرافيا عما تبقى من روح المدينة الجميلة.

* في معارضك السابقة الإسكندرية حاضرة دومًا رغم اختلاف تيمة كل منهم، كيف تتأملين علاقتك بالمدينة؟
أنا مولودة في الإسكندرية وأعيش فيها ومرتبطة بها جدًا، ولا أتخيل نفسي أعيش في بلد أو مدينة أخرى الإسكندرية مدينة شهدت تاريخًا طويلًا وعصورًا كثيرة وهي غنية بالمشاهد والحكايات والأساطير، أحاول توثيق كل ما هو حولي، وخاصة مع تعرض المدينة في الآونة الأخيرة من تدمير وتشويه وتغيرات سريعة من هدم مباني تراثية وشواهد مهمة لا يعوضها المعمار الجديد مهما كان.

* في أحيان كثيرة يحتاج الفنان للخروج والسفر واكتشاف فضاءات جديدة على المستوى الجغرافي والإبداعي كيف تتعاملين مع هذه الفكرة في ظل تركيز أعمالك على مدينة الإسكندرية؟
حبي الكبير للإسكندرية لا يمنعني من السفر والاكتشاف وخوض تجارب جديدة، لكن يظل هناك شعور بالحنين والرغبة في العودة مرة أخرى للمدينة، وخلال الفترة الماضية كان يوجد أكثر من مشروع اشتغلت عليهم لقصص مصورة خارج الإسكندرية، وقريبًا سوف يخرجون للنور ويشاهدهم الجمهور، كما أن الإسكندرية ليست مجرد مدينة بل مزيجًا من مدن وثقافات وشعوب متنوعة، وكل مرحلة من تاريخها تشعر أن هناك مدينة جديدة تولد، لذلك فهناك مئات القصص والحكايات المتجددة.

* في معارضك هناك مزج بين الصورة والأدب، كيف ترين العلاقة بينهما؟
هناك ارتباط قوي بين الفنون المختلفة: الأدب، والموسيقى، والرسم، والفوتوغرافيا، كلهم وسائل مختلفة للتعبير، والهدف من المزج بين النصوص الأدبية والصورة هو تجسيد النص من خلال الفوتوغرافيا بناءً على رؤية وإحساس المصور بالنص، وبشكل عام أنا مهتمة بالأدب وبالكتابة، لذلك أشعر دومًا بتماس بين الكثير من النصوص الأدبية التي أحبها وبين القصص المصورة التي أعمل عليها.
* تتنوع صورك بين الأبيض والأسود والألوان، على أي أساس تختارين أيهما؟
الألوان هي عنصر قوى جدًا في الفوتوغرافيا وخصوصا في تصوير الطبيعة ( مثل البحر والشجر والورود ووقت الغروب)، أما الصور الأبيض والأسود تعطي إحساسًا مختلفًا ليس بالضرورة إحساس بالحزن، ولكني أعتبر الصور غير الملونة صورًا ذكية لأني كمصورة أستغني عن عنصر قوي مثل الألوان في تقديم الصورة وأعتمد فقط على القصة والإحساس. وأنا أميل أكثر إلى الصور الأبيض والأسود لهذا السبب، وأيضا لأنها تعطي إحساسًا بالقدم وأنا أحب كل ما هو قديم.

* في معرضك الأول «الرحيل» ثم قصصك المصورة التالية حضور بارز لمشاعر الوحدة والرحيل والغياب برأيك إلى أي مدى يمكن للفوتوغرافيا أن تمنح حيوات جديدة تمتد رغم غياب أصحابها؟
بالتأكيد لا شيء يعوض غياب البشر أو الأشياء الجميلة من حدائق وشؤاطئ ومبان، لكن طالما لم نستطع الحفاظ على الأصل فلا يجب أن نفقد صورته وظله أيضًا، وأتمنى أن تكون هذه الصور سببًا في الحفاظ على أصول أخرى من الضياع، من خلال تذكيرنا بقيمة الأشياء الجميلة التي فقدناها.

* عقب ثورة 25 يناير ظهر جيل جديد من المصورين أنتِ واحدة منهم، برأيك ما المختلف في جيلكم عن الأجيال السابقة؟
لابد أننا محظوظون، ففي أيام الثورة انتشرت صور كثيرة محترفة للميادين والمظاهرات، وقد كان هذا أقوى وسيلة توثيق لهذا الحدث المهم والفارق ليس فقط في حياة جيلي ولكن في المجتمع ككل، لتبقى تلك الصور شاهدًا يحكي ويرصد ما حدث لأجيال قادمة، وثورة 25 يناير كانت دافعًا كبيرًا في تطويرعلاقتي بالصورة والإيمان بأهمية فكرة «التوثيق»، ولذلك اشتريت الكاميرا التي أصبحت صديقتي، وبدأت التصوير بشكل احترافي، وكانت من أوائل الصور طبعًا صور المظاهرات.

* ما عملك القادم؟
هناك أكثر من مشروع أعمل عليهم، منهم مشروع تم بالفعل وقريبًا سوف أعلن عن موعد معرضه، ومشروع آخر سينتهي في أوائل 2020، وحتى ذلك الحين فأنا أحب المفاجآت.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات