الكاتب : محسن ويفي
في أعقاب هزيمة 1967 التي زلزلت المصريين بعد صدمة رهيبة من خيبة الآمال والأحلام العظيمة التي وضعوها في الرجل والزعيم (الخالد) والنظام السياسي بأكمله الذي وعدهم بـ»تماثيل رخام علي الترعة وأوبرا في كل قرية عربية» !
فأستيقظ المصريون فإذا بإسرائيل تحتل أراضي من ثلاث دول عربية!
أحس المثقفون الوطنيون والديمقراطيون بضرورة التحرك والسرعة في اتخاذ التدابير و المواقف المختلفة المطالبة بضرورة التغيير الذي اتخذ اشكالاٌ سياسية وثقافية متنوعة, وما يهمنا في هذا المقام اتخاذ هؤلاء المثقفين ضرورة تكوين منابرهم وتجمعاتهم «المستقلة» بعيداً عن التنظيم الواحد الذي كان يحاصر العمل السياسي والنقابي والثقافي داخل أطواق الصوت الواحد تحت عباءة النظام, ومن هنا بادر بعض من الشعراء والقصاصين في تكوين جمعية «كتاب الغد»
كما كون آخرون مجلة «جاليري 68» التي كانت سفر النبوءة لجيل كامل من الموهوبين في القصة القصيرة (بشكل أخص) لما سمي بجيل الستينات قبل ابراهيم اصلان ومحمد البساطي و بهاء طاهر وجمال الغيطاني ومحمد ابراهيم مبروك ويحيي الطاهرعبدالله وغيرهم الكثيرون من الأدباء , كما تكونت جمعيات سينمائية للثقافة السينمائية بعضها تحت عباءة وزارة الثقافة مثل نادي سينما القاهرة و نوادي السينما في الأقاليم والمحافظات , كما تكونت جمعية نقاد السينما المصرية (في يونيه 1972) وكانت هذه الجمعيات تحاول تكريس نوع مختلف وجاد من الثقافة السينمائية سواء من افلام سينمائية او كتابات لنقاد جدد تحاول تعريف جمهورها بتيارات السينما الأوربية وبأفضل مما في السينما الأمريكية بعيداٌ عن السينما الهوليودية بطرق سردها ونجومها وفحوى مضامينها التي تكرس الأستعباد و العنصرية والتي تنتقد لمفاهيم استعمارية دفاعاٌ عن المصالح الامريكية والتي مثلت ظهيراٌ لإسرائيل في حرب 1967.
لكن الجدة كل الجديدة أن يجتمع مجموعة واسعة من السينمائيين المتخرجين حديثاٌ من المعهد العالي للسينما من كل التخصصات المهنية (إخراج, سيناريو, تصوير , مونتاج .. الخ) و يقومون لأول مرة بتكوين «جماعة السينما الجديدة» وتحلق حولهم مجموعة نابهة من النقاد يشدون من ازرهم ويرسمون معا معالم لطريق مختلف ومستقل مثل سامي السلاموني و سمير فريد وفتحي فرج وغيرهم من النقاد الشبان في ذلك الوقت البعيد منذ خمسين عاماٌ, كان هناك برامج للتثقيف السينمائي لأعضاء هذه الجماعة التي ترأسها على مدى فاعليتها ثلاث من السينمائيين: محمد راضي (المخرج) وبعده رأفت الميهي (السيناريست في ذلك الوقت ثم المخرج شديد التميز بعد ذلك) و اخيرا المونتير الموهوب والصلب احمد متولي . كانت برامج التوعية السينمائية برامج كاملة عن المحطات والتيارات السينمائية من كل العالم والتي لعبت دوراٌ هاماٌ واساسياٌ في نقل فن السينما نقلات توعية مختلفة من حيث جماليات هذه السينما وتقنياتها واستخدامها لكافة عناصرها استخداماٌ مبتكراٌ وخلاقاٌ بعيداٌ عن الحلول الدرامية والسردية السينمائية التقليدية التي استقت منها السينما المصرية اغلب ميراثها السينمائية والتي يرغب هؤلاء السينمائيين في الأنقلاب عليها و محاولة تغييرها
ولابد من الأشارة إلى تبني الناقد الكبير رجاء النقاش والذي كان يترأس مجلة «الكواكب» في ذلك الوقت إلى غضب هذه الجماعة ووعيهم لسينمائي المختلف وذلك بتخصيص صفحات داخل الكواكب اطلق عليها مجلة «الغاضبون» التي رأسها في البداية هاشم النحاس واختلف بعدها مع الجماعة فرأس تحريرها الناقد الكبير فتحي فرج حيث عكست هذه «الغاضبون» وجهة نظر الجماعة في السينما المصرية السائدة (المحتلفة) والتعريف بأهم مخرجي و تيارات السينما المعاصرة وكتب فيها الكثير من اعضائها سواء من النقاد أو السينمائيين...
صحيح أن (الصراع) اتخذ شكل سينما الشباب في مواجهة - نمط - سينما الاسطوات التي عض عليها الزمن و اعتبرتها الجماعة - ضمنا – و ضمن امور سياسية و اجتماعية و ثقافية اخرى لم تؤدي إلا إلى الهزيمة وتكريس التخلف على كافة الأصعدة ! نعم أن شكل الصراع هذا كان في سياق محاولة هؤلاء السينمائيين – بما طرحوه في بيانهم الشهير لم يكن إلا جزء من محاولة المثقفين بشكل عام للخروج من عباءة النظام والمطالبة بتوسيع افق الديقراطية من اجل التغيير والمقاومة وإزالة اثار العدوان والهزيمة المرة , صحيح ان النظام نفسه قد رفع شعار «ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» و من هنا ضرورة الصمود و التصدي وتوسيع مجال المشاركة الشعبية و تخليصها من القيود المختلفة التي تكبل طاقاتها الخلاقة.
وقبل أن تدلي ببعض الملحوظات علي هذا البيان التأسيسي لهذه الجماعة الرائدة, تشير إلى أن مقالي الناقدين الكبيرين سامي السلاموني وسمير فريد المنشورين بعد ذلك في هذا الملف الخاص سيشيران إلى كثير من التفاصيل الهامة الخاصة بطبيعة تكوين هذه الجماعة ومالها وما عليها (في العدد القادم من المجلة) ولابد أن اشير إلى ملحوظة خاصة بمقال سامي السلاموني الذي كتبه في نهاية الثمانينات بناء علي طلب خاص مني كي ينشر ضمن مطبوعة خاصة بجمعية نقاد السينما المصرين ولم تصدر المطبوعة لاسباب مالية واحتفظت به الى ان اصدر سمير فريد «السينما والتاريخ» فعرضته عليه فنشره على الفور مرحباً وكان ذلك بعد وفاة ناقدنا الكبير سامى السلامونى.
فلنقرأ اولاً البيان التأسيسى لجماعة السينما الجديدة:
هذا بيان يحتوى على حلول (غير تقليدية) من وجهة نظر السينمائيين الشباب (من كافة العناصر السينمائية) للبحث فيما الت الية السينما فى مصر.
بيان السينما الجديدة فى مصر (1968)
فى المؤتمر الشامل للسينمائيين الذى عقد فى أكتوبر سنة 1966، كما فى مؤتمر السينمائيين الذى عقد منذ أسابيع، لاحظنا، نحن السينمائيين الشباب أن الحلول المقدمة تدور كلها فى نفس الدائرة المغلقة التى أنحبس فيها الفيلم المصرى منذ عشرين عاما.. كما لاحظنا، فى الوقت ذاته، أن صوتنا قد ضاع وسط عديد من الأصوات التى ترتكز على توجيه السيد/ الدكتور وزير الثقافة فى اجتماعه مع شباب السينما، رأينا أن نجتمع فى اجتماع يشمل كافة العاملين فى الحقل السينمائى من الشباب من مخرجين ومصورين و مهندسى ديكور ومونتيرين وكتاب سيناريو ومهندسى الصوت ومديرى الإنتاج، ووجهنا الدعوة إلى النقاد الشباب المثقفين السينمائيين للانضمام الينا .. وقد تم تشكيل لجان تضم كل منها العناصر التى تشترك فى صفة نوعية «لجنة الإخراج – لجنة كتاب السيناريو – لجنة التصوير - لجنة المونتاج - لجنة الديكور - لجنة الصوت - لجنة المونتاج» وبعد أن تم استفتاء الموجودين على تشكيل لجنة للتنسيق والصياغة انتهينا إلى ضرورة تقديم تقرير شامل موحد تمثل فيه كافة مطالب السينمائيين الشباب كما تحدد فيه الحلول العملية التى انتهوا إليها من واقع خبرتهم وثقافتهم ..
ولقد رأينا أن ينقسم تقريرها كى يكون شاملا ومحددا، إلى أقسام أربعة هى:
* القسم الأول: ويشمل مفهومنا للسينما أولا، بتسليط الضوء الكافى على ما فى مفهوم السينمائيين التقليديين من تخلف وثانيا بتصحيح النظرة إلى السينما على ضوء المستوى الذى بلغه الفيلم فى أوربا فى بلاد عرفت السينما حديثا واستطاعت السينما القومية فى كل منها أن تحقق نجاحا ساحقا فى جميع المهرجانات الدولية.
* القسم الثانى: ويشمل الشكل التنظيمى الذى نرى ضرورة تطبيقية فى السينما المصرية بحيث تحقق الطفرة التى لابد منها كى تلحق بالمستوى العالمى.
* القسم الثالث: ويشمل مخططا لحل المشاكل الانتاجية ومشاكل التوزيع والعرض، بشكل عملى، ومن واقع الخبرات بلاد سبقتنا إلى تطبيق هذه الحلول، ثم من وقعا.
* القسم الرابع: وهو خاص بمطالبنا بالنسبة للمناخ الصحى الذى يجب خلقه عن طريق الثقافة السينمائية..
أولاً: مفهومنا للسينما
فى اعتقادنا أن الأزمة التى وصل إليها القطاع العام ترجع أولا وقبل كل شئ إلى سيطرة مفهوم معين للسينما أصبح الآن متخلفا على جميع المستويات ... فجمهورنا يسخر من هذا المفهوم، وأى بلد أجنبى تعرض فيه أفلامنا يدرك تخلفها .. ومن هذا جاء انكماش جمهور الفيلم المصرى .. وتحول الجمهور - فى الطرف المقابل - إلى الأفلام الأجنبية .. والواقع أن جمهورنا هو الذى جعل أفلاما ممتازة كأفلام: أنطونيونى وليلوش وكاكويانيس مثل انفجار، ورجل وامرأة، والحياة للحياة وزوربا اليونانى تظل تعرض شهورا متوالية ... ومع ذلك يصر السينمائيون التقليديون على تناول نفس الموضوعات التى طرقتها السينما المصرية منذ عشرين عاما، ويصرون على تقديم نفس الأشكال الفنية التى أصبحت اليوم باليه، بل مضحكة ... ولقد أثبت الجمهور زيف الأسطورة التى كان يرددها السينمائيون التقليديون والتى تقول بأن من المستحيل استحداث أى شكل فنى غير مألوف ومن المستحيل طرق مجالات جديدة فى الواقع ومن المستحيل تقديم وجوه جديدة، من ممثلين ومخرجين وسيناريست ومصورين، خشية انصراف الجمهور عن هذه التجارب الجديدة ..
ومن الواضح أنهم نشروا خرافة لا وجود لها فى الواقع .. ولم يكتفوا بوضع السينما المصرية فى هذا الاطار المتحجر، وإنما ارتكبوا خطأ فادحا بالنسبة لاقتصادنا القومى، وذلك باصرارهم أيضا على مستوى إنتاجى يكلف الفيلم المصرى تكاليف باهظة مع أن أرقام توزيع هذا النوع من الأفلام قد تحدث عند رقم معين، لايكاد يتجاوز نصف التكاليف المبنية فى أى ميزانية توضع لفيلم من أفلامهم.. ومعنى ذلك أنهم يعرفون مقدما أنهم ينتجون أفلاما لا عائد لها، بل تحقق خسارة أكيدة..
وفى رأينا أن الخطاً يكمن كله فى مفهوم السينمائيين التقليديين للسينما.
وهو مفهوم يبدو متخلفا على هذه المستويات:
1-على المستوى الفكرى :
نشأة السينمائيين التقليديين تفسر مفهومهم.. فمعظمهم لم يدخل السينما كى يعبرواعن أفكار معينة أو لكى يحققوا شكلا فنيا معينا.. فهذه المفاهيم لا يعرفونها على الإطلاق.. ومن هنا لم يظهر فى مصر طوال تاريخ السينما أى مفكر سينمائى يقف جنبا إلى جنب مع السينمائيين أصحاب التيارات أمثال ايزنشتين وروسيللينى وجودار وتروفو وانطونيونى وبيرجمان..
بل لقد استمر العمل فى ميدان السينما عندنا، فى حدود علاقات حرفية، فالسينمائى يبدأ صبيا وكل أماله أن يكتسب العدد المحدود من قواعد حرفة معلمه، فإذا ما أصبح الصبى معلما، فأنه يقدم لنا صورة طبق الأصل مما قدمه معلمه فى السنوات الماضية.. وفى الوقت نفسه، يحاط هذا المعلم الجديد بعدد من الصبيان، يتطلعون أيضا إلى اكتساب العدد المحدود من قواعد حرفة معلمهم.. نتيجة لذلك تحدد مثل أعلى واحد للإخراج والتصوير ولكتابة السيناريو ولكافة عناصر العمل السينمائى.
وهذا المفهوم مناقض تماما لوظيفة السينما.. فالسينما فن يقوم على أسس علمية، بخصائص الضوء وكيمياء الفيلم وحساسيته، وعلى موقف يتخذه السينمائى من الحركات المتطورة فى الفنون التشكيلية «فوحدة الفيلم، أى الكادر، تماثل وحدة فن التصوير، أى الصورة المرسومة، بما فيها من تكوين وإحساس بالكتلة والحجم والنغم بين الألوان..الخ» وعلى موقف أخر لابد للسينمائى أن يتخذه من التيارات المعاصرة فى الموسيقى. فقد يكون المونتاج كونترابونتيا أو بولوفونيا أو سيريالياً أوقائما على التعارض بين الصوت الصولو و بين الكورس.. الخ باختصار، أن السينما فن يجمع الفنون التى عرفها الإنسان حتى الآن فى وحدة عضوية مستقلة، ولا يمكن تحقيق هذه الوحدة إلا على أسس علمية.. وحتى لو توافرت للسينمائى كل هذه المعرفة، فلا يمكنه مع ذلك أن يقدم عملا سينمائياً كبيراً ، لسبب بسيط هو أن هذه المكتسبات مجرد أداة تساعده فى رؤية واقعة.. وواقع السينمائى، فى قرننا العشرين، ليس ثابتا على الإطلق، فالمجتمعات تتطور، ونظم الإنتاج تتغير، والعلاقات الطبقية والإنتاجية في طفرات مستمرة ، وفي بلاد عديدة تتغير قاعدة المجتمع جذريا ، كما أن المجتمعات نفسها تنفتح علي تيارات عالمية ، وقد رأينا كيف أن دول آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، وهذه كلة يشير إلي حقيقة لها أهميتها فى عمل السينمائى : هي ان علية أن يظل معاصرا ،علية أن يحتضن كل مايطرأ علي مجتمعة من علاقات ويعطيها الصيغة الدرامية الملائمة لها ويبحث فى كل ما لدية من أدوات تعبير ، عن لغة جديدة تعبر عن هذه الأوضاع الجديدة .
بهذا يكون السينمائى مفكرا ومعاصرا وفنانا وصادقآ . ولا شئ من هذا حققتة السينما التقليدية لأنها حرفية لم تستطع أن تكون معاصرة .
ولأنها ليست معاصرة فهي لا تخاطب مشاعر جماهيرنا ولا تحرك أفكارهم ، ولهذا أنصرفوا منها .
ولهذا تخلفت هذة السينما إزاء حركة مجتمعنا المتطورة علي الدوام .
2- علي المستوي التكنيكي :
نتيجة لسيطرة المفهوم الحرفي علي انتاجنا ، لم يفكر السينمائيون التقليديون في التمرس علي اي أسس تكنيكية جديدة . ولقد يقال : « ولكننا لم نستورد آلات حديثة منذ فترة طويلة « . وهذة حجة واهية لأن التكنيك لا يعني آلة حديثة فقط ، فالآلة عاجزة – بداهة – عن أن تعبر عن نفسها ، والمشكلة كائنة في الانسان الذي يستخدم الآلة .. والدليل علي ذلك أن حركات التجديد الكبري في ايطاليا والموجة الجديدة في فرنسا تمت بامكانيات آلية ضعيفة وفي ظروف انتاجية صعبة .
ولا يختلف الموقف كثيرا في ميدان ، هو بالضرورة – ميدان تجريب ويبحث عن وسائل تعبير مستمرة ، ونعني به ميدان الإخراج وميدان التصوير . فلسهولة العمل وفق « العدد المحدود من القواعد « يطلب المخرج من السيناريست التقليدي أن « يفصل « له الموضوع بحيث تدور 90% من أحداثه في غرف مغلقة ، وذلك لكي يبني ديكورات متوالية في البلاتوة ، وبذلك يصبح فيلمة تكرارا لنفس الزوايا ونفس التكوينات ونفس المواقف الدرامية التي حققها في افلامه السابقة. وبالمثل ، يلمس كل من يغمروا الديكورات بالضوء الساطع ، لدرجة أننا نشهد بيوت عمال ، وبيوت فلاحين ، تضاء اضاءة تماثل ما هو جديد في كازينو كبير مثلا ... ونتيجة كذلك فإن الفيلم المصري بانحباسه داخل البلاتوه يزيف الواقع , بينما المدراس السينمائية المعاصرة تتجه عامة إلي خارج البلاتوه ...
وليس التكنيك , في مفهومنا , لوازم حرفية , ولا هو أسلوب سينمائي , وأنما هو وسيلة .. وسيلة لغاية محدودة هي تفتيح جوانب واقع حي , متطور , واعطاء المتفرج عينا جديدة ليراه بها
3- علي المستوي الانتاجي والاقتصادي :
في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية , وحتي الآن , حاول عدد من منتجي السينما المصرية استيراد نظم الإنتاج المتبعة في هوليوود , ومن أهمها نظام النجوم علي خلق مجموعة من الأبطال الذين يتمتعون بشجاعة خارقة , ومجموعة أخري من النساء اللاتي يثرن المتفرج بتكوينهن الجسدي , ثم إحاطة هذة المجموعات بدعاية واسعة , في الصحف وفي الاعلام , ويخلق أساطير حولها , حول طريقتها في الحياه , وحول كلابها وقططها واطباقها المفضلة ، والغرض من ذلك هو خلق نوع من المشاركة الحميمة بين المتفرج والجو الساحر المتفرد بخصائصة الذي يعيش فية النجم ... ويخلق هذة العلاقة ، تتحول النجوم إلي بضاعة يقبل عليها الجمهور لمجرد وجودها في اي فيلم ، تماما كما توضع الأزياء والأحذية فى واجهات المحلات .. ثم ترسم سياسة الإنتاج على ضوء مافي متناول يد المنتج من نجوم .... فكان الإنتاج مجموعة من الموضوعات « تفصل « حسب ما يريد المنتج للنجم وتكون النتيجة هي :
*وجود سيناريوهات لا قيمة فنية لها , فهي لا تقوم علي تحليل واقع إنسانى , وأنما تكتب لخلق جو ساحر يحيط نجما أوعدة نجوم , وعلي أساس وضع النجم في اكبر عدد من الأحداث التي تظهرة في الصورة التي يريدها المنتج
* يصبح ذلك النجم هو اغلي قيمة في الفيلم، ويؤدي ذلك إلي أرتفاع أجورهم ارتفاعا لا يمكن تصوره , بينما تنكمش نسبة المبالغ المخصصة لعناصر العمل السينمائى الحقيقي .
* ترسم الميزانية علي أساس مجموعة النجوم الواجب وجودها في الفيلم لا علي أساس دورة الفيلم الحقيقية في الأسواق وعلي أساس ما يحققة هذا النوع أو ذاك من عائد .
فإذا أضفنا إلي سياسة النجوم هذة ما أشرنا إلية من تخلف تكنيكي وفكري , فيمكننا أن نحصر الأسباب التي أدت إلي الأزمة الأقتصادية التي يمر بها الفيلم المصري .
ولقد كان غريبا حتى عندما نشأ القطاع العام في السينما أن يتبني نفس السياسة الانتاجية التي أصبحت الأن متخلفة , حتي في بلاد تتبع السينما فيها احتكارات السيارات والمطاط والبترول كما هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية .
ولأن السينما عندنا حرفة ..
ولأن السينما عندنا عملية تحويل نجوم إلي بضاعة ..
ولأن السينما عندنا ديكورات فسيحة , غير واقعية , غارقة في أضواء لا وجود لها ألا في خيالات أبطال ألف ليلة وليلة .
ولأن السينما عندنا لم تكن فكرآ أبدآ , ولم تعرف روح البحث العلمي , ولم تواجه واقعنا كي تستخلص من حركتة خطوط القوي الدرامية التي تؤدي إلي صياغة سيناريوهات اصلية وصادقة .
لهذا كلة , ولما أشرنا إلية من أسباب فقدت صناعة السينما المصرية جمهورها , وأستمرت فى تخطيط انتاجها على أساس نظام النجوم بصرف النظر عن حقيقة ما تشير إلية أرقام التوزيع , وبقيت في مستوي تكنيكي وفني مختلف تماما .
وواضح , مما أشرنا إلية , أن السينما التي نريدها هي السينما التي تتحرر من كل تلك العيوب التي تعوق طفرتها
فالذي نريدة سينما تتعمق حركة المجتمع المصري , وتحلل علاقاتة الجديدة , وتكشف عن معني حياة الفرد وسط هذة العلاقات , بحيث إذا ما دخل واقعنا في علاقات أخري , أكثر تطورا, تطورت معه السينما , وكشفت – مرة أخري- عن الإنسان المصري في كل مرحلة ثانية ... فهي أذن سينما معاصرة ..
ولكي تكون سينما معاصره , فلابد لها أن تمتص خبرات السينما الجديدة علي مستوي العالم كة : فتستفيد من تجارب السينمات القومية لا في أوربا وحدها , بل ايضا في البلاد التي حققت طفرة في إنتاجها السينمائى ووصلت إلي العالمية بقوة تعميقها لبيئتها المحلية , ولعل السينما في أمريكا اللاتينية واليابان والهند خير مثال علي ذلك ..
وعندما تكون السينما واقعية , محلية الموضوع , عالمية التكنيك , واضحة المضمون بفضل تعميق السينمائيين لواقعنا , مما لاشك فية أنها تستعيد جمهورها , كما تستحق أنتشارا عالميا , وعلي عكس ما يتصورة السينمائيون التقليديون , أثبتت الأحصائيات أن الأفلام التي حققت تطورا كبيرا في السينما هي الأفلام التي حققت ايرادات كبيرة .. وأن الأفلام الواقعية الجديدة , خاصة روما مدينة مفتوحة و « سارق الدراجة « و « معجزة ميلانو « وأفلام ما بعد الواقعة الجديدة في إيطاليا , كأفلام انطونيوني وفيلليني , وأفلام الموجة الجديدة الفرنسية , وأفلام السينما الحرة في بريطانيا هي الأن الأفلام ذات الايرادات الكبيرة علي المستويين : القومي والعالي .
(2)
ولنا علي هذا ( البيان ) مجموعه من النقاط التي نوجزها في الآتي :
1 _ يقول البيان ( لاحظنا نحن السينمائيين الشبان ان الحلول المقدمة تدور كلها في نفس الدائرة المغلقة التي سجن فيها الفيلم المصري منذ عشرين عاما ، كما لاحظنا ، في الوقت ذاتة ، أن صوتنا قد ضاع وسط عديد من الاصوات التي ترتكز علي أسالب أخري غير أسلوب المناقشة الموضوعية وروح البحث العلمي .... رأينا أن نجتمع في أجتماع يشمل كافة العاملين في الحقل السينمائي من الشباب من مخرجين ومصورين ومهندسي ديكور ومونترين وكتاب سيناريو ومهندسين الصوت ، ووجهنا الدعوة إلي النقاد الشبان والمثقفين السينمائيين للأنضمام إلينا .... وتلك تحديد واضح بان هذة الجماعه هي من السينمائيين الشبان من كل المهن السينمائين وهو ما يعني أن عضويتها مفتوحة لهؤلاء وأمثالهم من الشبان وليست مقصور علي أعضاء بخلفيات سياسية محددة أو حتي جمالية / سينمائية ذات أفق يحركها بمانفيستو سينمائي علي قرار بعض الجماعات التي تكونت – هنا بعد ذلك - أو هناك في أوربا او أمريكا اللاتينية .. وذلك كلة يؤكدة ما جاء في البيان التأسيسي في أفتتاحيتة .
2- وذلك في فقرة .... وبناء علي توجية السيد الدكتور فى أجتماعه مع شباب السينما ... رأينا أن نجتمع في أجتماع يشمل كافة العاملين في الحقل السينمائى من الشباب ..... الخ . ويستطرد ( البيان ) وقد رأينا أن يقسم تقريرها لكي يكون شاملآ ومحددآ ...... ألخ .
أذن هذا بيان في شكل تقرير مرفوع إلي السيد عكاشة لإتخاذ ما يراة تجاة الحلول التي يراها هؤلاء السينمائيين في مواجهة تخلف السينما المصرية .. وهو ما يؤكد ما ذكرناه آنفا من أن هذة الجماعة ليست مقفله علي مجموعة ذات أتجاة سياسي أو تنادي بسينما جذرية بمانيفيستو سينمائي محدد.
3- وبرغم الأستقلالية عن أي تنظيم خاص بالدولة .. إلا أن استقلاليتها تلك محكومة بمدى ضيق أو أتساع افق وظلال تفكير النظام ذاتة فالتقرير ( البيان ) مرفوع لسيد وزير الثقافة لأتخاذ ما يلزم تجاه الحلول المختلفة التي يراها هؤلاء الشبان السينمائيين خاصة ان القطاع العام السينمائي ( من استديوهات وأنتاج وتوزيع ودور عرض ) كان هو القاطرة السياسية التي تمسك بمقاليد السينما المصرية ، والذي كان تحت رئاسة وزير الثقافة مباشرة . خاصة ان النظام ذاتة – في تلك الفتره – كان ينادي بضرورة التغيير علي كافة الاصعدة كأثر مباشر لأحتواء ثورات الغضب التي اعترت المثقفين بعد هزيمة 67.
4- صب البيان كل غضبة علي نقد المفهوم السائد لدي السينمائين التقليدين الذي يقوم عملهم ( في حدود علاقات حرفيه ) فالسينمائى يبدأ صبياً ، وكل أمالة أن يكتسب العدد المحدود بين قواعد حرفة معلمة ، فأذا أصبح الصبي معلمآ ، فإنه يقدم لنا صورة طبق الأصل بما قدمة معلمة في السنوات الماضية ويستطرد البيان ..
ورغم ذلك فهؤلاء الشبان لا يقصدون كل من بدأ عملة صبيآ أو مساعدآ ثم أتيحت لة فرصة الأخراج أو المونتاج أو التصوير السينمائي .... ألخ . فاغلبية خريجي المعهد هنا أو هناك بأوربا قد بدآت هكذا ولكن ذلك تم من اجل كتاب الحرفة السينمائية ووصولا إلي تنفيذ( مشروعهم ) السينمائي الخاص وبأسلوب وببصمة سينمائية لا تخطئها العين الفاحصة مثل كمال الشيخ وصلاح أبو سيف وبركات وعاطف سالم ، بل ان بعض من هؤلاء الشبان الغاضبين قد عمل مساعدا لبعض من المخرجين المشار اليهم وغيرهم
5- المقصود أذن بأسطوات السينما المصرية هؤلاء الذين يكررون نفس (النمط ) من الافلام علي مستوي الحواديت التي تكتفي بدغدغة مشاعر الجمهور قبل النوم وتلهيهم عن الواقع من حولهم وتناقضاتة الأساسية سواء فى الميلودراما الزاعقة أو افلام الكوميديا المكررة التى بعيد وتكرر هذة (الصورة الاصلية ) للافلام «و هذا المفهوم مناقصه تماما لوظيفة السينما، فالسينما فن يقوم على اسس علمية، ... وعلى موقف يتخده السينمائى من الحركات المتطورة» كما يقول البيان.
6- ويقترب البيان من مفهومه الخاص عن السينما التى يرغبون فى صنعها عندما يشيرون الى أن “ليس التكنيك، فى مفهومنا، لوازم حرفية، ولا هو اسلوب السينمائى، وإنما هو وسيلة.. وسيلة لغاية محددة هى: تفتيح جوانب واقع حى، متطور، واعطاء المتفرج عيناً جديدة ليراه بها» كما يستطرد فى هذا السياق: «ولأن السينما عندنا حرفا ! ولأن السينما عندنا ديكورات فسيحة، غير واقعية ، غارقة فى اضواء لا وجود لها إلا فى خيالات ابطال الف ليلة و ليلة !.. ولأن السينما عندنا لم تكن تفكر ابدا، ولم تعرف روح البحث العلمى، ولم تواجه واقعنا كى تستخلص من حركته خطوط القوى الدرامية التى تؤدى الى صياغة سيناريوهات اصيلة وصادقة! لهذا كله ولما اشرنا اليه من اسباب ، فقدت صناعة السينما المصرية جمهورها واستمرت فى تخطيط إنتاجها على اساس (نظام النجوم) بصرف النظر عن حقيقة ما تشير إليه ارقام التوزيع، وبقيت فى مستوى تكنيكى وفنى متخلف تماما”.
7- ويخلص البيان إلى “فالذى نريده سينما مصرية، أى سينما تتعمق حركة المجتمع المصرى و تحلل علاقاته الجديدة وتكشف عن معنى حياة الفرد وسط هذة العلاقات ... وكشفت عن الانسان المصرى فى كل مرحلة تالية .. فهى اذن سينما معاصرة...فيما لاشك فيه إنها ستستعيد جمهورها، كما ستحقق إنتشارا عالميا ..وعلى عكس ما يتصوره السينمائيين لواقعنا».
8- رغم أن البيان فى قسمه الرابع يشير الى “مطالبنا بالنسبه للمناخ الصحى الذى يجب خلقه عن طريق الثقافة السينمائية” إلا أن البيان لم يشر من قريب او بعيد الي ضرورة توفير المناخ الديمقراطي الذي يتيح حرية المبدع والسينيمائي في خلق و إبداع رؤيته الخاصة دون خنق او ملاحقة او مصادرة .. ويبدوا ان (الجماعة) – بسبب طبيعة تكوينها الواسع , لم تري ضرورة لوضع نفسها فى تناقض كبير مع ما يتردد – حينها- من أن المهمة الاساسية هى الآن إزالة اثار العدوان وضرورة العمل لتعميق الصمود والتصدى وأن ذلك – ظاهريا- يتناقض مع الديمقراطية فى الحقيقة!
9- خاصة وان الجماعة ما تزال فى احتياج لمشاركة القطاع العام السينمائى المملوك للدولة فى إنتاج افلامهم الخاصة وهو ما تحقق بالفعل فى فيلمى على عبد الخالق وغالب شعث، اغنية على الممر وظلال فى الجانب الاخر على التوالى.
10- رغم كل شئ فالتحية واجبة لتلك الجماعة الرائدة والتى تكونت فى ظروف تاريخية شديدة الصعوبة والتى مثل تكوينها وما ساهمت فيه سواء على مستوى الثقافة السينمائية (النشرات والندوات ومجلة “الغاضبون” أو حتى على مستوى الفيلمين المشار اليهما تحديا واضحا للهزيمة واشارة – مع التكوينات الثقافية الآخرى- بضرورة الاستقلالية وإنشاء الكيانات الديمقراطية بعيدا عن الدولة من اجل اوسع حرية ممكنة ومن اجل خلق ثقافة وطنية واعية ومتطورة.
وبعد .. رأينا أن نتيح ذلك بمقال عن فيلم اغنية على الممر للمخرج على عبد الخالق، كمثال يكفينا بديلا عن الفيلمين كى نرى مدى ما جاء فى بيان السينما الجديدة وايضا ما رصدناه من ملاحظات سابقة.
فى البداية كتابة توضح أن زمن احداث الفيلم فى 7 يونيه 1967 أى بعد يوم واحد من النكسة.
و خمس شخصيات تمثل جنوداً يحرسون ممرا هاما فى بقعة من ارض سيناء وهم محاصرون من دبابات العدو الاسرائيلى وعتاده الحربى وهو يطلب منهم الاستسلام و التسليم لتدمير الموقع.
و الموقع فقد الاتصال بقيادته لعطب فنى ما وذلك منذ بداية الفيلم، وحتى بعد أن يقوم الشاويش محمد (محمود مرسى) بإصلاحه بعد ذلك، قرب نهاية الفيلم،لايرد علية احد. ذخيرة الموقع قاربت على النفاذ، كما لا يوجد تموين من طعام ولا مياه ومع ذلك كله ما يزال الجنود الخمسة يدافعون.
برغم من سيطرة اللحظة الآتية على هذة الشخصيات الخمس إلا ان تلك اللحظة وتفاصيلها من الحياة اليومية داخل الموقع إنما هى نتاج ماضيها المكثف والذى يكاد ينطبع بصفة واحدة تطبع كل شخصية بطابع معين تؤثر على سلوكها وموقفها من التحدى الحاضر. كما أن هذة الشخصيات تنتمى إلى الفئات الاجتماعية الفقيرة بشكل عام، يظهرها لنا الفيلم ، برغم ذلك ، باختلاف بعض منها (تحديدا العسكرى منير/ صلاح قابيل) فى القدرة على الصمود لأن منطق حياة هذة الشخصيات أو تلك يتحكم فيها موقفها الذى عاشته قبل أن تستدعى للجندية هذا من جانب، كما أن تلك الشخصيه أو تلك ليست تمثيلا نموذجيا لفئات اجتماعية تدافع عن مصالحها الاقتصادية فى تضاد مع شخصيات اخرى تمثل مصالح مناقضة لها، إنما هى فى النهاية شخصيات فردية هى الباقية من “سرية” مشاه تدافع عن الوطن والعرض والأرض، رغم أو ربما بسبب إنتمائها جميعا- كما ذكرنا- لفئات اجتماعية فقيرة، لكن حياة كل منها فى الماضى قد اضفت على وعيها بما هم عليه فى الحاضر.
ضرورة التصدى رغم اختلاف مصادر هذا الوعى وحدوده!
وبالتالى يبنى منطق السرد السينمائى (صوت وصورة) على الانتقال بين الحاضر وما يحدث داخل وحول الممر وبين ماضى هذة الشخصيات ما بين تداعى حر لإحداها وما بين حكى بعضها عن ما كان يفعله فى الماضى قبل تجنيده أو تطوعه للجيش.
فعلى سبيل المثال، وبعد مقدمه قصيرة عن طبيعة ومكان وزمن مهمته هؤلاء الجنود، نلتقى بالعسكرى حمدى (احمد مرعى) ، الملحن الذى يجرب تلحين اغنية مع المطربة فيفى (سهير البارونى) وهو يدربها على اللحن ثم تغنيه بشكل يمتلئ بالخلاعة فى احد البارات وسط السكارى والمخمورين، فتفسد الاغنية فينسحب حمدى وهو فى طريقه يستمع لاغنية عمال السككك الحديدية،فينبت فى ذهنة لحن جديد مرتبط بهؤلاء الذين يكدون وسط الغيطان وداخل المصانع، لذالك نراه يحاول طوال وجوده داخل الممر استكمال اللحن، وفى النهاية وقبل أن يستشهد يسلم اللحن لزميله شوقى (محمود ياسين) كأخر امنية له أن يصل اللحن بأغنية الممر إلى الناس جميعا.
وهكذا تأتى الشخصيات الآخرى، تنويعات من الالتزام والإيثار فيما عدا العسكرى منير (صلاح قبيل)، وهو الوحيد الذى لا يدعه السرد إلا أن يحكى حكايته، فيأتى صوته من خارج الكادر عكس تماما ما تحكيه الصورة، فهو مثال للفقير الإنتهازى الانانى الذى يتسلق ويرتكب كل الموبقات حتى بيع حبيبته الهام (مديحة كامل) لاحدهم أو أن يعاشر العجائز الشمطاوات، بينما نراه فى الممر رعديد، انانى حتى إنه يقتل بأحد الالغام حول الممر لأنه كان يريد الفرار بنفسه!
فى تضاد لهذة الشخصية يأتى الشاويش محمد (محمود مرسى) الفلاح الذى تناديه الجهادية ايام العدوان الثلاثى، فيلبى النداء وبعدها يتطوع فيحارب كل الحروب التالية ضد العدو الاسرائيلى لأن هناك ثأرا ليس شخصيا وانما ثأر الدفاع عن الارض والعرض وعن كل الذين استشهدوا فى سيناء، وهو مثال للقائد المغوار، فحتى وهو يعرف إنه فقد الاتصال بمقر القيادة ووسط إنذارات العدو المتتالية بتفجير الممر وضرورة الاستسلام خاصة وقد انسحب باقى الجيش المصرى إلى الخط الثانى، يصمد فى النهاية وقد بقى من السرية الثالثة هو فقط والعسكرى شوقى (محمود ياسين) الذى لم يحس بالتحقق الا هنا أى فى الممر.
وقد اخذا يترنمان بأغنية المحلن حمدى:
نبكى، ننزف، نموت
وتعيشى ياضحكة مصر.
وهكذا يبنى منطق السرد على وحدة المكان الواحد والزمن الواحد (يوم 7 يونيه 1967) بليلة واحدة وايضا وحدة الحدث. ولكن المكان بتفرع وينساب بالتعرف على بعض من جذور الشخصيات قيل التجنيد فى اماكن بأزمنة مختلفة ومتنوعة لكنها جميعا تتجمع داخل الممر فى اليوم التالى لنكسة 67 وسط حدث واحد ووحيد هو الدفاع عن الممر رغم ما حدث بالأمس، فتتشامخ الشخصيات إلى حد الاستشهاد النبيل أو تتقزم إلى حد الموت جبنا وانانية.
كما يأتى الزمن داخل الممر بطيئا وسط حالة من الانتظار الدائم لإصلاح راديو الإشارات أو وصول التعيينات و الذخيرة، أو قلق – ولا نقول الخوف من – غارات العدو بدباباته وطائراته وإنذاراته التى لا تنقطع – وبالذات – فى الثلث الأخير من الفيلم بضرورة الاستسلام واحباط الروح المعنوية لمن يحرسون الممر، ووسط الاحساس بالعطش والجوع وتناوب الخدمة بين الجنود الخمسة وما تكشفه هذة اللحظات المختلفة من تظاهرات لصفات هؤلاء الجنود بالعودة إلى الماضى، وهى العودة التى تكشف عن اسباب لنتائج ما يحدث من هذة الشخصيات ومصائرها هنا داخل الممر شديد الاهمية رغم فقره وخوائه الا من اعقاب السجاير وبقايا علب طعام الجنود ورمل وطوب وما يمثله من ارض وعرض يستحق التحدى والصمود. كما حرص كاتب السيناريو (مصطفى محرم)على فك حالة الجفاف التى تسود المكان بإضفاء حالة من المرح وخاصة من جانب مسعد (صلاح السعدنى) الذى ظل يداعب الجميع بسؤال يشغله: هو الواحد يأكل ايه ليلة الدخلة؟!
كما حرص السرد على إقامة قدر من التوازن بايقاعات سرعة مختلفة من المخرج (فى اول اخراج له:على عبد الخالق) فى مشاهد التداعى أو الحكى (الذى تتناقض صورة فنراه على الشاشة مع ما يقوله منير(صلاح قابيل)، كما حرص المخرج على تناقضات الضوء والظل فى هذة المشاهد فخلق بذلك قدرا من التنوع تكسر إضاءة الممر بنور النهار الواحد. كما جاءت احجام لقطات الماضى متنوعة ومتباينة كى تعطى ثقلا لهذة المشاهد وكى تستطيع مع احجام اللقطات القريبة والمتوسطة (التى تشير إلى مشاعر هذة الشخصيات فى اللحظات المختلفة أو إلى التفافها معا وهم ضد عدو شرس فى خارج الممر الذى نرى دباباته وهى تقترب فى لقطات بعيدة)، أن تخلق إيقاعا متمهلا ثم متوسطا متوحدا ثم ياخذ فى التصاعد فى المشاهد الأخيرة للفيلم مع دندنة الصامدين على الممر وهما يترنمان بالأغنية وايديهما على الزناد وعيونهما مصوبتان على العدو الاسرائيلى :
نبكى.. ننزف، نموت
وتعيشى ياضحكة مصر
لمزيد من المشهادات عن هذة الجماعة وعن فيلميها انظر:
- كتاب انا و جماعة السينما الجديدة لعلى عبد الخالق من منشورات جمعية كتاب ونقاد السينما 2018
- كتاب احمد متولى المشاغب.. تأليف سيد سعيد من منشورات المهرجان القومى الحادى عشر للسينما المصرية 2005 (صندوق التنمية الثقافية )
- مجلدا السينما والتاريخ وناشره سمير فريد من مطبوعات مهرجان الاسماعيلية دورة 2018.
- كتاب «جماعة السينما الجديدة « وثائق وشهادات و تصوير لمجلة «الغاضبون» من منشورات جمعية كتاب ونقاد السينما (2018).