آلان رينيه الزمن والخيال

بسنت الخطيب 10 مايو 2022 السينما التشكيلية..سحر الصورة

الكاتب : بسنت الخطيب
مخرج فرنسي ومصور سينمائي ومونتير وكاتب سيناريو، ولد في عام 1922 في فانيه في بريتاني وكان طفلًا وحيدًا لأسرته، أصيب فى طفولته بمرض صدري جعله يبتعد عن الدراسة وتلقى تعليمه فى المنزل فى سن مبكرة، ثم أصبح مغرمًا بالأفلام، صوّر فيلماً قصيراً بعنوان «فانتوماس» وهو فى سن الثالثة عشر، وبعدها زاد شغفه بالمسرح وعشق السريالية واهتم بأعمال (أندريه بريتون) أحد رواد السريالية، ثم درس التمثيل منذ عام 1940 وحتى عام 1943 وتتلمذ على يد (جين جريميلون) وتأثر به كثيرا، وقام بالتمثيل فى فيلمين أولهما «زوار الليل» للمخرج مارسيل كارنيه عام 1942 عندما كان في العشرين من العمر، والثاني «عندما يبتسم القط»عام 1997 من إخراج زوجته الممثلة سابين أزيما.


يعتبر آلان رينيه أحد المخرجين الذين تركوا بصمات فى تاريخ السينما الفرنسية بعد أن عاش 9 عقود أنجز خلالها 20 فيلمًا طويلًا و27 فيلمًا وثائقيًا متوسطًا وقصيرًا، بالإضافة إلى مساهمته في عشرات الأفلام كمنتج ومدير تصوير ومونتير وكاتب سيناريو وممثل.
أدرج اسم رينيه كمخرج تجريبي استطاع أن يتمرد على الأنماط الكلاسيكية وعلى التسلسل الزمني المنطقي فى السينما، واعتمد فى أفلامه على الأحداث التاريخية خلال القرن العشرين وارتبط اسمه بتيار الموجة الجديدة في السينما والرواية الفرنسية، واعتبره النقاد واحدًا من رواد حركة التجديد في السينما الأُوروبية مع الإيطاليين روبيرتو روسيليني ومايكل أنجيلو أنطونيوني، غاص رينيه فى الربط بين الصورة والكتابة وتمكن بفضل جلاء الرؤية لديه من أن يقدم مبادئ علم الدلالات والرموز وعلم جمال السينما، وأن يطور لغته الخاصة.
شرع رينيه فى معالجة المواضيع الفنية فقدم تجارب «فان جوخ» عام 1948 و»جوجان» 1950 و»جيرنيكا» عام 1950، كما شارك في الإخراج مع كريس ماركر في فيلم (التماثيل تموت أيضًا) ذلك الفيلم الذي كان يرصد جدلاً حول تدمير الاستعمار الثقافي الفرنسي للفن الأفريقي.
وفى عام 1956 قدم رينيه فيلمًا وثائقيًا بعنوان (ليل وضباب) ويحكي عن معسكرات الاعتقال النازية وقام فيه بعرض الصور التاريخية بالأبيض والأسود متجنبًا إثارة أى تعبير يوحي بالفزع مكتفيا بتأثير ما تحكيه الصور، ثم فيلم «ذاكرة العالم» 1957.
عندما انتقل إلى الأفلام الروائية، راح يتعاون مع كبار الروائيين فى ذلك الوقت حيث كتبت مرجريت دوراس سيناريو وحوار فيلمه الروائى الأول «هيروشيما حبيبتي» عام 1959 مقدما به جيرنيكا جديدة، وقد تخوف رينيه فى البداية من التشابه بين هيروشيما وفيلمه السابق (ليل وضباب) ولكن بعد عدة مناقشات بينه وبين الكاتبة مرجريت دوراس والتى كانت ترى استحالة الحديث عن هيروشيما لانه لايمكن تصوير الدمار الذي خلفته القنبلة، استطاع رينيه فى النهاية أن يطوع النص الأدبي ويدخله إلى عالم السينما.
يتابع الفيلم 24 ساعة من حياة ممثلة فرنسية متزوجة كانت تعمل في هيروشيما فوقعت في حب شاب ياباني، هذه التجربة أحيت ذكرى تجربة سابقة لها فى فترة شبابها عندما أحبت جندياً المانيا أثناء الاحتلال النازي لفرنسا، حيث قتل ذلك الجندي أمام عينيها عند تحرير باريس من الألمان ومن ثم عوقبت بحلق شعرها الأمر الذي دفعها إلى الاختفاء. وفى هذا الفيلم تميز رينيه بكسر الحواجز الزمنية والخروج إلى لغة سينمائية جديدة مما جعل النقاد ينقسمون في آرائهم حوله، وبعد أشهر قليلة من عرضه وصلت شهرته إلى العالم كله عنه.
قال عنه الناقد ميشال برنسشتاين: (إنه الفيلم الأكثر تمايزًا وجرأةً وإبداعًا منذ أن انطلقت السينما الناطقة) وحصل الفيلم على العديد من الجوائز وترشح لنيل جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو.
وفى عام 1960 يخرج رينيه فيلمه الثانى «السنة الماضية فى مارينباد» بالتعاون مع الروائي والسينمائي آلان روب جرييه، ليفوز الفيلم بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي ويثير جدلًا واسعًا ويعود النقاد للانقسام حوله، ولكنهم اليوم يتفقون على إبداع رينيه فى تصويرعالم آلان روب المختلف، وكما قال جيل دولوز في كتابه «الصورة الزمن»: إن الفارق بين رينيه وروب جرييه هي في مستوى الزمن، وفي طبيعة الصورة فهي تشكيلية في الحالة الأولى، ومعمارية في الحالة الأخرى.
وفى عام 1961 كان رينيه أحد الموقعين على البيان 121 والذى يحتج على السياسية العسكرية الفرنسية فى الجزائر، ليأتى فيلم «موريل» عام 1963 ليشير بشكل غير مباشر لتلك التجربة.
استطاع رينيه أن يجذب إلى عالم السينما الكثير من الأدباء والموسيقيين، وشكل عائلة من التقنيين والممثلين والممثلات، من بينهم سابين أزيما وبيار آرديتي وأندريه دوسوليه ولامبرت ويلسون، وفى عام 67 شارك رينيه مخرجين آخرين فى العمل الجماعي حول حرب فيتنام من بينهم كريس ماركر وجان لوك جودار.
ومع بداية عام 1968 تخلى عن معالجة القضايا السياسية وقام بتقديم أحد أفلام الخيال العلمى «أحبك أحبك» عن الذاكرة والحب والموت، ولكن يتم إلغاء العرض المخطط له فى مهرجان كان بسبب الأحداث السياسية إبان ثورة 68، بعدها يتوقف رينيه عن الإخراج لمدة ست سنوات، وتأتي العودة مرة أخرى مع جورج سيمبرن في فيلم «ستافسكي» 1974عن الفضيحة السياسية التى أثيرت نتيجة لوفاة الممول الشهير ستافيسكى، بعدها يخرج أول فيلم له باللغة الإنجليزية «العناية الإلهية» 1977 عن سيناريو ديفيد ميرسر، والذي يدور حول الشيخوخة من خلال من حياة روائي عجوز.
فى عام 1980 يقول آلان رينيه عن تجربته فى إخراج فيلم «عمى الأمريكي»: قرأت كتب هنري لا بوريه عن السلوك، ثم راودتني فكرة ما لبثت أن ذهبت إلى منتج لأحدثه عنها، إن الأفلام والمسرحيات تخلق عادة عن رغبة في تطوير فكرة ونظرية، من خلال شخصيات أو حكاية ما، وتساءلت: ألن يكون من المثير أن أفعل العكس تماما؟ أعني أن أضع حاجزاً فاصلاً بين الفكرة والرواية، بما يسمح لكل منهما أن يوجد وحسب، كما لو كان المرء يلعب بالمرايا أو ينسج خيوطاً مختلفة في سجادة وما دمت قد التقيت بفكر أصيل ومثير للاهتمام أفلن يكون ممتعاً أن أجمع في نسق واحد بين تأملات عالم أحياء ذي خبرة خاصة في السلوك البشري وصفحات من حياة أو أكثر لأناس عاديين؟ ولنتأمل أي نوع من التفاعل يمكن أن يتحقق بينها.
فاز الفيلم بالعديد من الجوائز الدولية، بما في ذلك السعفة الذهبية في مهرجان كان وثبت أيضا أنه كان واحداً من أنجح أفلام رينيه جماهيريا.
ظهر اهتمام رينيه بدمج فن السينما بالفنون الأخرى خاصة المسرح والموسيقى وظهر ذلك فى فيلم «الحياة هى سرير من الورود» عام 1983 والذي وصفه رينيه بأنه كان نقطة بداية له فى تقديم أفلام يتناوب فيها الحوار والغناء، حيث يتضمن الفيلم العديد من الأغاني يتناوب فيها الحوار والغناء، ويمكن اعتبار هذا الفيلم بداية اهتمامه بوجود الموسيقى كعنصر سردي أساسي في أعماله.
فى عام 1984 قدم فيلم «الحب حتى الموت» كما قدم فى عام 1992 فيلمًا تلفزيونيًا بعنوان «جيرشوين» الذي تضمن لوحات رسمها جى بيلار خصيصًا، وفى عام 1997 أخرج فيلم «نفس الأغنية القديمة» والذي حصل على جائزة سيزار كأفضل فيلم، ثم قدم «ليس على الشفاه» 2003 وهو عرض موسيقي سينمائي.
كانت آخر أعمال رينيه فيلم «حياة ريلي» وهو فيلم مأخوذ عن مسرحية للكاتب الإنجليزي آلان أيكبورن، وعرض لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي ويأتي كثالث عمل يقتبسه المخرج عن مسرحية كتبها أيكبورن، وهو ما يعكس مدى اهتمامه بالمسرح كأساس لأعماله السينمائية.
حصد رينيه عددا من الجوائز في مهرجانات سينمائية كبرى منها جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين عن فيلم «التدخين/لا للتدخين»، وجائزة سيزار كأفضل فيلم وأفضل مخرج، وجائزة الأسد الفضي فى مهرجان البندقية عن مجمل أعماله عام 1995، ثم جائزة سيزار مرة أخرى عن فيلم «مخاوف خاصة فى أماكن عامة» وكرمه مهرجان كان السينمائي ومنحه جائزة الإنجاز مدى الحياة عام 2007.
توفي المخرج الفرنسي آلان رينيه فى مارس 2014عن عمر ناهز 91 عامًا بعد مسيرة سينمائية حافلة امتدت لأكثر من 60 عاما.





التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات