ألفيزي أورفانيللي.. رائد فن التصوير السينمائى

سامي حلمي 10 مايو 2022 السينما التشكيلية..سحر الصورة

الكاتب : سامي حلمي
شكلت رحله هذا الرجل الذى ولد بالإسكندرية وتنسم عبير هوائها، ونزل إلى معترك الحياة مبكرًا كي يعول أسرته، عمل صبيًا لدى محلات “عزيز ودوريس” كمشغل لاسطوانات بعض الأفلام الصامتة فى سينما فون عزيز ودوريس بداية من عام 1906، والعمل بداخل معمل هذه المحلات، ولم يكن أحد يتصور أنه سوف يصبح من أهم رواد السينما المصرية وصناعها.


ولكن الإصرار والعزيمة والعبقرية والتعلم من التجارب اليومية وصقلها هي التي صنعت البدايات الأولى للمصور “الفيزى أورفانيللي”(1902-1961) نزل أورفانيللي لظروف مادية صعبه تمر بها العائلة، انضم الى أحد رعايا إيطاليا المنتشرين بالإسكندرية فى ذلك الوقت، تعلم الفوتوغرافيا وشارك فى أمور المعمل من إظهار وطبع، وعاصر مصوري فوتوغرافيا قبل أن يتحولوا إلى مصوري سينما توغراف، وتدرج فى حياة عملية بالغة الصعوبة، من ماشنيست إلى مساعد مصور، حتى استطاع بعد إغلاق الشركة المصرية الإيطالية التى كان يملكها دوريس واّخرون أن يجهز مشروعه الخاص.
كانت بداياته محل فوتوغرافيا فى 2ش محمود باشا الفلكي بالإسكندرية، ثم أضاف جزءًا جديدًا ومختلفًا تمامًا بأجهزة تصوير سينما توغراف، ومجموعة من الآلات والأجهزة القادمة من خلف المتوسط، لم يكن يتصور يوما أنه يصنع تاريخًا له، ولم يدرك أحد أن هذا الرجل يساهم ويؤسس المشروع السينمائي المصري، فقد تعلم من أستاذه دوريس الذي فشلت تجربته، وحاول تجاوزها والتغلب على المعوقات التي صادفته، وأن يكون أكثر مهارةً وأشد صلابةً ولديه رؤية وبصيرة نافذة فى قراءة مستقبليات هذه الصناعة فالهدف الذى أعلنه هو تقديم شرائط إخبارية لوكالات الأنباء وبيعها، وظل فى الوقت نفسه شريكًا لأستاذه أمبرتو دوريس فى أعمال مشتركة حتى نهاية عام 1928 قبل الانفصال تمامًا، لكن خلال تلك الفترة لم يتوقف استوديو ألفيزي عليه فقط، بل لديه عدد من المساعدين والصبية الذين شاركوا فى بناء هذا المجد وتتلمذوا على يديه وهو يؤسس الاستوديو الخاص به، ليس للتصوير السينمائي فحسب بل كمعمل للطبع والتحميض والمونتاج ومكاتب للإدارة ثم إضافة أجهزة أخرى من إضاءة وصوت.
استوديو الفيزى أورفانيللى: يعتبر استوديو الفيزي ثاني استوديو يقام بالإسكندرية 1919 بعد استوديو الحضرة “ستشيا” 1917 وكانت قاعة التصوير من الزجاج وجدرانها مغطاة بالستائر البيضاء، وكان يعتمد على الشمس كمصدر للضوء، أما استوديو الفيزي أورفانيللي فى 18 شارع القائد جوهر بالمنشية الصغرى فكان عبارة عن فيللا مكونة من ثلاثة طوابق، الطابق الأول استعمل كبلاتوه للتصوير وباقي الطوابق نستعمل كمعمل للطبع والتحميض له وللغير، إلى جانب غرف مونتاج ومكاتب الإدارة وغرف ممثلين، بالطبع كانت تجربة الأستاذ دوريس مع استوديو النزهة ماثلة فى الأذهان حيث إن الأفلام التي أنتجت من خلاله سقطت سقوطًا كبيرًا لأنها كانت بعيدة وغريبة عن ذوق المشاهد المصري لأن الموضوعات غريبة عنه، وطقم الممثلين أجانب، لذا اتجه الفيزي من خلال الاستوديو الخاص به إلى إنتاج وتقديم أفلام مغايرة عما قدم من قبل فقدم من خلال الأستوديو الخاص مع المخرج الإيطالي لارتيشي فيلم” مدام لوريتا” ومن بطولة الممثل الكوميدي المسرحي فوزي الجزايرلي، والذى قدم فيما بعد مع المخرج السكندري توجو مزراحي مجموعة من الأفلام تحت اسم المعلم بحبح مع ابنته إحسان الجزايرلى، وقدم وشارك الفيزي أورفانيللي مع استيفان روستى ومن بطولة أمين عطا الله فيلم “البحر بيضحك” ومع شكري ماضي فيلم “تحت ضوء القمر” وغيرهم كثيرون، فقد كان الفيزي ينتج ويخرج من خلال الاستوديو الخاص به وأيضًا كان يصور ويقدم خدمات الأستوديو للغير للتصوير أو الطبع كما حدث مع معظم أفلام توجو مزراحي والأخوين “بدر وإبراهيم لاما”.
الفيزى أورفانيللي رحلة من الكفاح الطويل منذ البدايات وحتى وفاته عام 1961م، مبدع كمصور سينمائي وقف أمامه عشرات الممثلين، ابن بلد حتى النخاع، قدم للسينما فوزي وإحسان الجزايريلي وشالوم “ليون إنجل” مرورًا بكل من حسين صدقى، أنور وجدى، صباح، عقيلة راتب، زكي رستم وبشاره واكيم، محمد فوزي، كمال الشناوي، فاتن حمامه، هند رستم، فاطمة رشدي، سعاد حسني، محرم فؤاد، فريد شوقي، هدى سلطان، محمود المليجي، شكري سرحان، إسماعيل ياسين، شادية، يحيى شاهين بهيجة حافظ، علوية جميل ،عمر الشريف.
القائمة طويلة وهي دالة على حجم عمله كمدير تصوير مبدع ونشيط فى أفلام عديدة، مختلفة ومتباينة، فقد عمل مع مدارس مختلفة فى الإخراج السينمائي ما يقرب من سبعين فيلمًا، قدم ما هو تقليدي، وحاول التجديد، وتقديم ما هو مختلف فى إطار السينما التجارية التى أحببناها، بداية من العمل مع شكري ماضي مرورًا بتوجو مزراحي، أحمد جلال، حسين فوزي، حسن الإمام، عباس كامل، بركات، يوسف شاهين نيازى مصطفى، إبراهيم عمارة، حسن الصيفي، حسام الدين مصطفى، السيد بدير، وآخرين.
فى العشرين عامًا الأولى من حياته كمدير تصوير قام بتصوير ثمانية وعشرين فيلمًا، وفى الفترة من عام 1951 حتى تاريخ وفاته عام 1961 قدم حوالي اثنين وأربعين فيلمًا، وهو رقم بكل المقاييس غير طبيعي وهي عبقرية لاشك فيها، وعندما نستعرض بعض الأعمال التى قام بتصويرها مثال ذلك (ابن النيل) (باب الحديد)، (رصيف نمره 5)، (حسن ونعيمة)، وهى مجموعة من الأفلام التي اعتمدت في معظمها على قدر كبير من التصوير الخارجي بل وأيضًا اختلاف بيئة كل فيلم عن الآخر إضافة إلى أنها تستغرق أسابيع كثيرة لتصويرها وأيضًا الأجواء المحيطة بكل فيلم تتطلب مهارة وحرفية كبيرة لتنفيذها.
ولو استعراضنا فيلم”ابن النيل” إخراج يوسف شاهين ندرك على الفور هذا التناغم الحادث بينهما، فهما من أصول سكندرية وعاصر فيها يوسف شاهين بداية السينما فى الإسكندرية وكان يعلم كثيرا عن صانعيها ويعرف تمام المعرفة أن الفيزي يستطيع تمامًا تحقيق كل مافى خيال شاهين فقدم معه صورة الريف الجواني أو حضر القاهرة الغريب التى قابلها شخصية حمدان الشاب الريفي المتمرد على واقعة ولديه طموح جامح لتجاوز ماهو فيه إلى عالم آخر، وقد لعبت كاميرا أورفانيللي لتقديم شكل الحياة في الأرض – الطرق، المدقات – الجداول وحركة الأفراد والفقر الشديد ثم الفيضان وغضبه وأيضًا الانتقال بعين حمدان إلى القاهرة بشوارعها ومبانيها وحركة الأفراد وصخب الشوارع وحتى العوامات من خلال صورة مدققة خبيرة بكل تفاصيلها من خلال حركة كاميرا واستخدام إضاءة تعبر عن كل موقف.
قائمة أفلامه:
الأفلام الروائية القصيرة:
- مدام لوريتا .... إخراج ليوناردو لارتيشى.
- الخاتم المسحور .... إخراج ليوناردو لاريتشي.
الأفلام الروائية الطويلة:
قبلة فى الصحراء بالاشتراك مع السندسكي 1927. - البحر بيضحك 1928 - الكوكايين 190 - تحت ضوء القمر 1930. - الساحر الصغير مع محمد بيومي 1931 - 50001 .....1932 - أولاد مصر .....1933 - المندوبان مع عبد الحليم نصر 1934 - شالوم الترجمان 1935 - عنتر افندى 1935. - المعلم بحبح 1935 - ابو ظريفة 1936 - الأبيض والأسود 1936. - اليد السوداء 1936 - ليلة فى العمر 1937 - خدامتي 1938 - يوم المنى 1938 - بحبح باشا 1938 - خطوبة بمشاكل مع برونو سالفى “يوناني” 1938 - ثمن السعادة 1939 - أغيولا “يوناني”1939 - أصحاب العقول 1940. - الصبر طيب 1945 - أمير الأحلام 1945 - أول الشهر 1945. - الحظ السعيد 1945 - أنا وابن عمى 1946 - أم السعد 1946 - سلوى 1946 - عروس للإيجار مع برونو سيلفي ومصطفى حسن 1946 - الملاك الأبيض 1946 - زهره 1947 - المتشرده 1947 - ملائكة فى جهنم 1947. - القاتل 1948 - نحو المجد 1948 - على قد لحافك 1949 - حماتك تحبك 1950 - أنا بنت ناس 1951 - ابن النيل 1951. - أسرار الناس 1951 - غضب الوالدين 1952 - نساء بلا رجال 1953. - مكتوب على الجبين 1953 - دستة مناديل 1954 - دايمًا معاك مع برونو سالفي 1954 - شيطان الصحراء 1954 - هبوب الرياح فى أثينا “يونانى” - رياح الغضب “يونانى” 1954. - بنات الليل 1955 - الجسد 1955 - من القاتل 1956. - صحيفة سوابق 1956 - رصيف نمره 5 1956 - كفاية ياعين 1956. - ربيع الحب 1956 - لواحظ 1957 - الحب العظيم مع محمود نصر 1957. - إسماعيل يس فى جنينة الحيوان 1957 - إغراء 1957 - سواق نص الليل 1958. - حب من نار 1958 - غلطة حبيبي 1958 - باب الحديد 1958. - سلطان 1958 - رحمة من السماء 1958 - إسماعيل يس للبيع 1958. - موعد مع المجهول 1959 - حسن ونعيمه 1959 - نور الليل 1959. - المليونير الفقير 1959 - قاطع طريق 1959 - حسن وماريكا 1959. - احترس من الحب 1959 - إنى أتهم 1960 - الحزين 1960. - نداء العشاق 1960 - غرام الصحراء “مع بلاستيدوس” - آخر الحبايب 1961. - فطومه 1961 - النصاب 1961 - رجل فى حياتي 1961.
واذا انتقلنا الى عام 1965 والانتقال لحال مغاير فوجدنا الفيزي يقدم مع الرائد المخرج نيازي مصطفى وفيلم “رصيف نمرة 5” والذى تدور أحداثه فى مدينة الإسكندرية وهو الأدرى بها ويعلم تمامًا كل تفاصيلها من شوارع وبحر وميناء وحتى أدق تفاصيل الشخصية السكندرية والصراع الدائر ما بين المعلم “زكى رستم” الذى يتظاهر بالطيبة والبراءة والورع وهو فى داخله كل الشرور التى لايظهرها وما بين السوال خميس فرد السواحل ابن البلد الشهم والمحب لمدينته وبلده وندرك على الفور أنه لو يكن هناك مصور يعرف مكونات مدينة ولد وعاش بها معظم حياته واستطاع من خلال الكاميرا تقديم حواري ومقاهي وخمارات وأيضًا الميناء والبحر و”جدعنة” أولاد البلد، ولو أشرنا إلى مشهد النهاية والصراع الذي دار ما بين الشر والخير ورصيف الميناء من حركة سريعة وتفاصيل يعلمها تمامًا مدير التصوير.
وإذا انتقلنا إلى فيلم آخر وشكل مختلف عما سبق وهو فيلم “باب الحديد” عام 1958 والذى يعد أهم صورة مرئية فى ذلك الوقت تختلف عن أفلامه السابقة وذلك لطبيعة المكان – والشخوص فى محطة القطار أو محطة مصر “هنومه – قناوى – أبوسريع – عم مدبولى “نجد صورة وإضاءة إلى جانب نهار أو ليل وأيضًا حركة كاميرا عبقرية من الصعب أن نجدها مع مصور آخر، ويقوم الفيزي أورفانيللي في عام 1959 بتقديم شكل وإيقاع حياة أخرى مغايرة وفيلم”حسن ونعيمة” حيث الأجواء الريفية والأسطورة الشعبية الفلكورية كإحدى القصص الرومانسية وتدور الأحداث فى صعيد مصر، وما نسعى إليه هو كيفية اختيار المكان وسط الزراعات والأراضي وروح تأثير المكان على طبيعة تكوين الشخصيات وحتى تصوير أغاني الفيلم لم تكن كما سبق فى أفلام أخرى من حركة كاميرا وحجم اللقطات ودقة الضوء لتؤكد درامية الصورة والحدث.
تلك أمثلة لأفلام تؤكد على مهارة وصنعة الصورة والضوء عند الفيزي إضافةً إلى الثبات والحركة للصورة بشكل درامي فى كل مشهد أو لقطة.
يقول مدير التصوير “حسن داهش”: “إن أهم شخصية فى الأستوديو فى تلك الفترة كانت مدير التصوير”.
وكانت أوامره تنفذ على الفور وله مهابة كبيرة داخل الأستوديو، وأكد أيضًا مدير التصوير محمود نصر فى حوار مع كاتب هذه السطور أن وحيد فريد وعبد الله ياقوت وعبد العزيز فهمي وأنا نعمل مساعدين لبعض المصورين الأجانب حيث إن الأجنبي يحصل على 1000 فى الفيلم ونحن كمساعدين نتقاضى أجر 100جنيه.
ونخلص من هذا إلى أن مدير التصوير فى الحياة الأولى لبدايات السينما المصرية يعد صاحب العمل الخلاق ويتقاضى أعلى الأجور وله من المكانة والاحترام والتميز كما لديه إلمام كامل بحرفية هذا الفن من تصوير وطبع وتحميض وتكوين للصورة وكان الفيزى هو واحد من أقطاب مديري التصوير بل ونجد من جانبنا أنه رائد فن التصوير السينمائي فى مصر والأستاذ الذى تخرج على يديه المصورون الأجانب والمصريون.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات