السينما المستقلة فى مصر

ضياء حسني 01 أغسطس 2015 السينما المستقلة

الكاتب : ضياء حسني
ظهر مصطلح السينما المستقلة فى مصر مع بديات الألفية الثانية، مصاحبا -إن لم يخنى التوفيق- للتقدم التكنولوجي الحادث فى عالم الفيديو الرقمي، حيث إننا شاهدنا من قبل أفلاما سينمائية مختلفة من حيث نوعية الموضوعات التي تطرحها أو من حيث اختلاف أسلوبها فى السرد السينمائي، وأخص بذلك أفلام يوسف شاهين بداية من “الاختيار” مرورا ب”إسكندرية ليه” و”حدوتة مصرية”، وغيرها من أعماله، وكذلك أفلام يسرى نصر الله، بل حتى فيلم “المومياء”، والذى كان بمثابة قطيعة معرفية مع تراث السينما المصرية منذ بداية القرن، أو حتى “جفت الأمطار” من إخراج الراحل سيد عيسى.


وبرغم ذلك فإن مصطلح السينما المستقلة لم ير النور، نظرا لأن تلك الأفلام خرجت من خلال الشبكة التقليدية للإنتاج والتوزيع، سواء كانت تنتمى للقطاع الخاص أو العام أو الأجنبي (الإنتاج المشترك)، ومع ظهور تكنولوجيا الفيديو الرقمي أصبح من السهل على كل محب للسينما أن يدخل المجال العملي بأقل التكاليف، وأصبح هناك العديد من الأماكن التي يمكنها إنتاج أفلام قصيرة، دون أن تعول هم كيفية توزيع مثل تلك الأفلام، سواء كانت شركات خاصة أو معاهد سينمائية خاصة، أو حتى تجارب ُمِولتكلياعرالتمويلالشخصيلمبدعيها،لقدكان انخفاض التكاليف هو الباب الذى ولج منه كل الراغبين في دخول مجال التعبير السينمائي عن أفكارهم ورؤاهم، يقول يسرى نصر الله المخرج المعروف: “أعتقد أننا فى مصر لا يمكن أن تكون لدينا سينما مستقلة، لأنه يجب أن يوجد أولا ما تستقل عنه هذه.
السينما”(1).
مرجعية يسرى نصر الله فى وجهة نظره تلك هى أصل مصمرجعية يسرى نصر الله فى وجهة نظره تلك هي أصل مصطلح السينما المستقلة الغربي، هل نستطيع أن نقول إن هناك
سينما مستقلة فى مصر بنفس الطريقة التي أطلقت على هذا التيار من السينما فى الغرب؟ وإن كان هذا صحيح أو ممكن فما هو طبيعة استقلال هذه السينما؟ هل هو اقتصادي أم فكرى أم الاثنان معا؟، وما هي عناصر التشابه والاختلاف مع التجربة الغربية التي تم نقل هذا المصطلح عنها؟ لكى نجيب عن كل تلك الأسئلة راجع مقالنا المنشور في نفس العدد عن السينما المستقلة في العالم، والذى ببحث بداية نشأة وظهور تلك النوعية من السينما
في الغرب عر الكتابات التي تناولت القضية من جانبها التاريخي.
السينما في مصر .. تاريخ طويل من صعوبة الاختلاف من الصعب القول إن هناك سينما مستقلة بالمفهوم الغربي، ومن هنا يمكنا تفهم تعليق يسرى نصرالله السابق حول أنه “يجب أن يكون عندنا ما نستقل عنه أولا” فإن المتتبع لتاريخ صناعة السينما في مصر يلاحظ أنها في البداية كانت وسيلة جديدة لمحبي الفنون يمكنهم تقديم أنفسهم من خلالها، وكانت بالنسبة للكثيرين هواية ومجالا للشهرة أكثر منها صناعة فعلية، والمتتبع لأسماء مثل بهيجة حافظ، عزيزة أمير، أمينة محمد، وداد عرفي، أحمد جلال، أحمد سالم..إلخ، و لم تتغير المفاهيم بالنسبة للسينما إلا مع إنشاء أستوديو مصر وبداية التفكير في السينما كصناعة تعتمد على الاستثمارات وتراكم الخرات والتدريب والتعليم والاستفادة من وفرات الحجم، لكن للأسف التجربة لم تستمر ولم ُيكتب لها النجاح بالشكل الذى تعارف عليه في نظام الأستوديو في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت الرقابة بالمرصاد لكل محاولة فنية في السينما تحاول الخروج عن المألوف من أفلام الفواجع والتراجيديات المسرحية والكوميديا الموسيقية
الساذجة وسينما الكباريه.
محنة السينما المصرية
إذا استطاعت بعض الأفلام الإفلات من الرقابة وجدت لها بالمرصاد تقرير زملاء المهنة وأقلام الصحفيين، تنبه أولى الأمر للكارثة التي مرت من تحت أيدى الحكومة ونشرت الفساد في أرجاء المحروسة، تارة باسم سمعة مصر وأخرى باسم حماية التقاليد وحتى تحت دعوى محاربة “ البلشفية “، وهو ما حدث مع فيلم السوق السوداء على سبيل المثال، وأصبحت معظم الأجيال المتتابعة على العمل في السينما المصرية (في الأعم الأعظم) هم من تمت ترقيتهم داخل سلك السينما نفسها، فهذا كوافير يصبح مخرجا ومنتجا وعامل كلاكيت، وكاتب منولوجات يتحول لمخرج الروائع ومونتير ومهندس ديكور وبالطبع ممثل، السينما جسم متكامل لا يحتاج لوارد جديد من خارجها، هذا هو المفهوم الذى ساد السينما المصرية في الأغلب والأعم، مع وجود أجانب لم يكن إسهامهم في السينما تاريخيا يمكن التأريخ له فنيا، بقدر كونهم هم الأكثر خرة لفرصهم في التعلم والتدرب عن المصريين في ذلك الوقت، وعدم وجود الكوادر البديلة أو فقط لمجرد كونهم أجانب.
تغير المفهوم نوعا ما بعد الثورة، حيث الروح والمفاهيم الجديدة، وبدأنا نشاهد مخرجين يكتسبون مصداقيه للعمل في الإخراج السينمائي وهم لم يمتهنوا من قبل أى مهنة سينمائية، بل هم أتوا للسينما كمخرجين، ولعل أولهم كان توفيق صالح (على أساس أن فيلم شاهين الأول كان قبل الثورة)، وبدأ معهد السينما في تخريج دفعات من الخريجين لم يحصلوا على فرصهم لانحسار الإنتاج السينمائي بعد النكسة، وقد شهدت فترة ما بعد النكسة أول محاولة للسينما المستقلة في مصر مع جماعة السينما الجديدة، والتي تعد أول تجمع فنى اقتصادي بغرض إنتاج سينما مختلفة تنتج لعرضها على الجمهور في الصالات، جماعة السينما الجديدة التي كان قوامها خريجي معهد السينما الجدد، بغرض تقديم سينما مختلفة تنقل الواقع الفعلي للمجتمع المصرى، وليس لعب الدور السائد في السينما عر تقديم أفلام بغرض تغييب الوعى الجماعي لجمهور السينما المصرية في ذلك الوقت الحالك من تاريخ مصر، قدمت الجماعة فيلمين أحدهما “أغنية على الممر”، والثاني كان “ظلال على الجانب الآخر”، وقد واجهت تلك التجربة هجمة شرسة من الرقابة أدت لمنع العملين فترة من الزمن وتدخل مقص الرقيب بالحذف فقضيت على التجربة في المهد، ونود أن نضيف أن فصيلا كبيرا من العاملين في السينما التقليدية شنوا هجوما على التجربة لاختلافها كليا عما كان متعارفا عليه في ذلك الوقت السائد من السينما سواء كان نمط
إنتاجها أو طبيعة الموضوعات التي تطرحها.
جاءت فترة ما بعد فترة حرب أكتوبر لتعود السينما المصرية إلى انتعاشها السابق وتزخر أفلام تلك الفترة برياء الغرض منه مداهنة السلطة الجديدة، فتكثر أفلام المعتقلات وزوار الفجر، مثلما كثرت أفلام الجيش في فترة الثورة حتى الهزلية منها، وانتشرت الأفلام الموجهة لسوق الخليج الذى كان في صعود وازدهار كبير بعد الدخول في الحقبة النفطية، وظهرت سينما
المقاولات التي كان معظمها موجه لسوق الفيديو أكثر منه لسوق السينما، لكن مع بداية الثمانينيات وبالتحديد أكثر بعد حادث المنصة والسماح ببعض المحظورات الرقابية التي كانت موجودة من قبل، وبالتحديد في مجال السياسة (برغم أن العهد الساداتى كان مطنطنا بنغمة الحرية فإن ذلك كان في مجال حرية نقد النظام السابق فقط، وعند الدخول في نقد النظام السادتى نفسه ولو بشكل غير مباشر كانت تعلو الأصوات بنغمة قديمة تم استدعاؤها من التاريخ الخاص للسينما المصرية، ألا وهى سمعة مصر وتشويه صورة مصر، وما كان يقال عن أفلام بدر وإبراهيم لاما استخدم لمهاجمة فيلم مثل “المذنبون” لسعيد مرزوق واستتبعه تشديد رقابي).
موت سينما المنتج/المبدع
شهدت فترة التسعينيات انحسارا في الإنتاج، لكنها في الوقت نفسه كانت ملازمة لحدثين من أهم الأحداث التي ستتسم بها السينما المصرية حتى وقتنا الحاضر، أولهما كان نجاح فيلم “إسماعيلية رايح جاى” بمثابة إعلان بدء سيطرة الكوميديا على شباك تذاكر السينما وتسيدها على كل أنواع السينما الأخرى، أدى هذا لقناعة جميع العاملين في الحقل السينمائي ومنذ مدة طويلة بعودة السوق المصرية لتصبح هى المصدر الرئيسى لأرباح ومكاسب السينما المصرية، وانتهت سيطرة السوق الخارجية ولموزع الخارجى، ثانيا قامت الدولة بسن قوانين لصالح التكتلات الكبيرة في مجال الإنتاج السينمائى والاستثمار في صالات العرض فبدأت السوق المصرية تشهد العديد من الشركات التي تقتسم السوق الداخلية فيما بينها في الإنتاج والتوزيع وصالات العرض للفيلم المصري ليعلن موت سينما المنتج/ المبدع سواء كان ممثلا أو سينمائيا، وأصبحت الكلمة العليا لرأس المال، خاصة عندما لم تبق السينما المصرية على نظام النجوم بشكله المعتاد وأصبحت مرتبة نجم الشباك منحصرة في نجم أو نجمين من نجوم الكوميديا (قد يكون ذلك لحين) والباقي من العاملين في مجال السينما يتبادلون مراكزهم مثل لعبة الكراسي الموسيقية (تلمع نوعية أفلام الحركة التي يقدمها أحمد السقا، فيتم إنتاج أفلام حركة بمصطفي شعبان وأحمد عز، وحدث ولا حرج عن نجمات الجنس اللطيف اللائى أصبحن جزءا مكملا للبطل لا يعلق في
ذهن المتفرج منهن واحدة لمدة طويلة).

تباين الجمهور:
المهم أن جميع من يعملون في مجال السينما اليوم أدرك إدراكا كاملا أن جمهور السينما الذى يشكل الجزء الأعم من المترددين على شبابيك التذاكر هم الشباب من المرحلة العمرية (15 – 27 )، وأن الطبيعة الاقتصادية لهذا الجمهور ليست هى جمهور السبعينيات من الحرفيين الذين زادت دخولهم نتيجة للتضخم أو جمهور الثمانينيات الذى كان حتى تلك الفترة مازال يملك مشتركا جماعيا أو حتى رغبة في القصاص من الطبقات المسيطرة في المجتمع من خلال مشاهدة فيلم يفضحهم، فيقوم الفيلم بفعل ما لا يفعله المشاهد في الواقع الفعلي وبسهولة وبدون أى خسائر، ولعل كان ذلك سببا من أسباب نجاح أفلام عادل أمام في الثمانينيات وبداية التسعينيات نجاحا باهرا، لكن الجمهور الجديد هو جمهور يدخل السينما كوسيلة للهروب من الواقع الأليم الذى يعيشه الشباب لا يريد أى حلول ولا مواقف بل يريد قضاء فترة من الوقت فيها من الهزل أكثر من الجد، وفيها قصص مراهقات ومراهقين تدور في أماكن براقة على السواحل وفي القرى السياحية، المهم لا يكون هناك أى طرح لموقف جماعى أو مشكلة اجتماعية، فلم يعد هناك نجم يرتبط به الجمهور لمدة طويلة، ولا مطرب فكل تلك الأشياء يتم استهلاكها كالوجبات السريعة، وبالتالى ليست هناك رسالة أو مواقف يمكن تبنيهما أو
التأثر بها من باب أولى.

استقلال أم هواية أم تمويل
بدأت السينما المستقلة أو ما يعرف بهذا الاسم في مصر عام 1990 ( )، و كانت نتاج مؤسسات البعض منها أجنبية (مؤسسة بروهلفسيا السويسرية) و (قصر السينما) ومعهد جوتة( )، كانت البدايات تتسم بعدة سمات، منها أن هذا الاتجاه الجديد جاء من بعد قيام مؤسسات (سواء أجنبية أو مصرية) بالاهتمام بالتعليم والتدريب على هذا النوع من التعبير الفنى، وليس نتاج لحركة تجمع للراغبين في إيجاد سينما مختلفة مثلما كان هو الحال مع أول تجمع أوروبى للسينما المستقلة، أو حتى المحاولة المصرية المبتسرة المعروفة باسم جماعة السينما الجديدة، بالتالي فإن بدايات السينما البديلة هي انعكاس لوجود رغبة عند العديد من الأجيال الجديدة من محبى السينما في التعبير عن أفكارهم وتوجهاتهم الفكرية عر السينما، سواء كانوا على دراية بفنون السينما(دراسة سابقة)، أو راغبين في الإلمام بعناصر هذا الفن، وجسد الإقبال على دورات قصر السينما أكر دليل على ذلك، كان ظهور مؤسسات في المجتمع المصري للتعليم والتدريب على فنون السينما سواء كانت أجنبية أو مصرية هو العنصر الجديد
الذى عمل على تكثيف وبلورة تلك الظاهرة في المجتمع المصري.
تجمع من محبي السينما
ما نود أن نرصده من هذا العنصر هو أننا أمام تجمع من المهتمين والمحبين للسينما قوامهم الأكر من الخارجين عن النظام السائد في المجتمع في مجال الصوتيات والمرئيات، بمعنى أننا أمام فصيل من محبى السينما (في معظمه) لم يمر بالقنوات المعتادة للدخول إلى مهنة العمل في مجال الصوتيات والمرئيات، والتي تتمثل في دراسة السينما في معهد السينما والرغبة في الدخول في مجال الصوتيات والمرئيات سواء في القنوات التليفزيونية أو في تصوير الإعلانات أو حتى من خلال العمل في أفلام السينما التجارية، هذا الاستنتاج لا يمنع من وجود البعض لديهم تلك الرغبة ولا هو تقليل من شأن الكثير من يمرون بتلك المراحل من العاملين في مجال السينما المستقلة ويقدمون أعمالا مميزة في إطار السينما البديلة، من الملاحظ أن الكثير من أصحاب التجارب في مجال السينما البديلة ليسوا من خريجي معهد السينما (دون التقليل من موهبة الكثيرين من الخرجين)، بل هم من قاموا على عاتقهم بدراسة السينما في الخارج، أو من خلال المعاهد الخاصة أو جاءت تجربتهم عر الدخول في المجال مباشرة، وعلى سبيل المثاللاالحصرسنجد(إبراهيمالبطوط- أحمدخالد–أحمد غانم – ألفت عثمان _إياد طه - إيمان النجار – تامر البستانى – تامر عزت – رينا خورى – شريف العظمة- كريم فانوس – لولى سيف – أحمد حسونة –محمد الأسيوطي – محمد نصار – هديل نظمى – و ليد مرزوق – وائل عمر – رامى عبد الجبار – حسن خان )، وغيرهم. جنس وحرية وفيديو.

تتسم أعمال السينما الرقمية الجديدة أو المستقلة أو البديلة - فلنختار أى اسم على هوانا، حيث التسمية لا تعنى أى أهمية بقدر المسمى- بقدر كبير من الحرية وكسر “تابوهات” الرقابة السائدة في محيط السينما التجارية، وهى محظورات يحدد
الحجم الأكر منها صانعو السينما السائدة أنفسهم من قبل أن تملى عليهم الرقابة أي إلزام، فالبداية تأتى من اختيارهم للموضوع الذى يتناولوه ثم طريقة تناوله، وهى مراحل يتجنبها صانعو السينما السائدة ولا يرغبون الخوض فيها؛ لأن تغير السائد يعنى قدرا من الجدية في الكثير من الأحيان، والجدية تعنى العمق، والعمق يعنى الملل عند المتفرج من (وجهة نظرهم)، وبالتالي يجب تجنب هذا بشتى الطرق (إن كنت تود العمل في الوسط )، وقد كان فيلم أسامة فوزى (بحب السيما) خير دليل على أن السينمائي عندما يقتنع بفكرة من الممكن أن يتغلب على كل العناصر الرقابية سواء كانت رسمية أو شعبية.
أعمال سينمائيين الديجيتال تتسم بقدر كبير من الحرية في طرحها موضوعات تعتر من المحرمات والكبائر في المجتمع المصرى مثل الدين والجنس والسياسة، وهو ما جعل بعض الأصوات تعلو مطالبة بفرض الرقابة على أفلام السينما المستقلة( )، من الواضح أن طبيعة النشأة التعليمية والاحتكاك مع الثقافة الأجنبية أو حتى مجرد وجود ثقافة فقط سواء كانت سينمائية أو غيرها جعل العاملين في السينما المستقلة يختلفون بعض الشيء عن الثقافة السائدة في المجتمع المصرى، والمتمثلة في الفكر الدينى المتزمت، وانشغال المجتمع المصرى بقطبية الحلال والحرام في العديد من الموضوعات التي لا تتحمل مثل هذا الجدل، وقد كانت للسينما المستقلة صولات وجولات في مجال ارتفاع الأصوات المنددة
بما تطرحه من أفكار تتسم بقدر من الحرية في موضوعات الجنس والدين، فقد أثار “الجنيه الخامس” ل “أحمد خالد” الكثير من الجدل عند عرضه وتعالت الأصوات المنددة بفيلم “سنترال” من إخراج محمد حماد عند عرضهما عرضا خاصا في جمعية الفيلم وجمعية نقاد السينما، أما هديل نظمى وفليمها “الأسانسير” فاتخذته صحيفة “الخميس” الصفراء هدفا لشن الهجوم عليه، مع مزيج من الافتراءات والوشاية بأشياء غير موجودة فيه بغرض تهييج الرأى العام وزيادة المبيعات.
الفيلم الروائي القصير
تسبح السينما المستقلة ضد التيار السائد في المجتمع المصرى من تدين شكلي، وتعامل مع الدين بمبدأ الادخار للزمن و”دى نقرة ودى نقرة”، والحاجة للفتاوى في كل كبيرة وصغيرة، وتحجيم بالمرأة إلى نموذج المرأة البدوية، والذى يعتره البعض قمة الدين، إلى أخر الظواهر التي نعرفها ونعيشها ويمارس علينا إرهاب يومى من دعاتها، في “الجنيه الخامس” للكاتب أحمد خالد يتم محاكمة ظاهرة التدين الظاهري السطحي مع فتاة محجبة تلقى بنفسها بين أحضان شاب في الأتوبيس المكيف تحت نظر السائق، الذى يغض النظر عما يحدث ويستمع للقرآن طمعا في الجنيه الخامس باقي التذاكر، وفي السنترال يقدم محمد حماد مجتمعا فاسدا فاسقا من المتدينين يعرف الجميع حقيقة الآخر لكنهم يتغاضون عن مصارحة بعضهم، ألفت عثمان تقدم واقعا سياسيا قاتما في “نشرة أخبار مع فاصل إعلاني”، أحمد غانم في”ألوان من الحب”، زوجة تتذكر زوجها المتوفي من خلال مشاهد لعلاقتهما السابقة مع احتسائهما الخمور، في “الصبية والحشيش” إخراج إياد طه علاقات جنسية محرمة تحت تأثير الحشيش، أما إيمان النجار في (متأخرة) فمن خلال كاميرا رائعة سينمائية ولغة تعبير سينمائى راق، تقدم مشكلة فتاة تأخرت عندها العادة الشهرية فتخشى أن تكون حاملا من علاقتها مع شاب، تامر البستانى يقدم قصة مع بنت الليل في )قطط بلدي(، أما سلمى الطرزى في"أنت عارف ليه" فتقدم ازدواجية المجتمع في عمل تسجيلى عن فتاة تتقدم لعمل اختبار تمثيل في حين تظهر أمها المحجبة لتكلمنا عن أبيها المتشدد، في الوقت نفسه تتلقى الفتاة مكالمات من الشباب، وتذهب للتصوير بصحبة أخيها الذى يجد في ذلك فرصة للتعرف إلى فتيات جديدات، أما “أسانسير” فيحكى عن بنت محجبة تتعرف على أنوثتها من بعد تلقيها مكالمة من شاب يعاكسها بعد تعطل المصعد بها، فتنسى أزمتها وتخلع الحجاب وتصفف شعرها، ويكون المشهد النهائي هو غلق باب الأسانسير الحديدي مثل باب الزنزانة في رمز واضح عن السجن الذى تسجن فيه الفتاة نفسها.
رامى عبد الجبار يعود ليوسف إدريس و”بيت من لحم” ليعرفنا على تواطؤ أخر نابع من الفقر الذى يجعل الأخوات يتزوجن من شيخ أعمى واحد متزوج فعليا من أخت واحدة منهم، لكن الكل يشاركه الفراش
اعتمادا على أنه لا يرى لكنه يعلم والكل يعلم ولكن الكل متواطئ .
الفيلم الروائي القصير يتمتع بقدر كبير من الحرية في مجال الجنس والدين وهو ما لا يتاح للسينما العادية التي تعرض على جمهور واسع فيطولها مقص الرقيب، لكن تلك الحرية تنصب على مجرد أراء صانعيها الذين يتمتعون بثقافة مختلفة عن الثقافة السائدة في الواقع المصرى، ويسعون لقول رأيهم بشكل صادم لمجرد نزوحهم للاختلاف، وهذا في حد ذاته مؤشر جيد، ولكنه ليس كافيا، فلا تسعى الأعمال لمحاولة تفسير ما آل إليه المجتمع المصري من تزمت سطحي، ولا تحاول تقديم محاولات تفسر وقوع الغالبية العظمى من الشباب المصرى تحت وطئة الدعاية الدينية المتزمتة ورفضهم لأى محاولة تفكير مختلفة، تأتى حرية السينما المستقلة في تناولها للدين والجنس، وكأنها محاولة لتقديم ذات صانعيها من خلال أفكارهم المناهضة لمواجة التزمت السائدة في المجتمع وليس من أجل السعي إلى مجتمع متسامح يسوده الاعتدال، بدلا من التعامل مع الآخر كعدو وليس ضحية تردى أوضاع اجتماعية وسياسية وفكرية فيسهل اتهامهم من قبل معسكر التزمت بالخلاعة والفجر والمجون، بل والعمالة و تمثيل الغرب إلى غيرها من كل تلك الأكليشيهات
المعروفة.
أظهرت السينما المستقلة مواهب فنية عالية من المبدعين، لكن مازال أمامها طريق طويل عليها أن تقطعه في إطار فهم المجتمع وتاريخه والرغبة في التأثير فيه من أجل تغيره للأفضل، ولن يتأتى ذلك عر التأثر الذاتي لصاحب العمل بموضوعه ونقله للشاشة، بل يجب أن يدرس المجتمع وتراثه الفكري والسياسي والتاريخي، مع فهم للعناصر المؤثرة فيه وفي أفراده حتى تخرج السينما المستقلة من العزلة المفروضة عليها ولا تصبح مجرد أفلام تعر عن ذات صانعيها أو لعبة يلعب بها ميسورو الحال في مجتمع متخلف لا يجدون فيه
أنفسهم هواة أم محترفون لا نرغب في الدخول في جدل حول وصف نتاج تلك المحاولات كونه سينما هواة أم سينما محترفين، فهذا جدل عقيم لأن معظم تلك الأعمال إما روائي قصير أو تسجيلي، وهو نوع مستقل بذاته، ويختلف عن السينما الروائية الطويلة، ولكننا في مصر (للأسف) لم ندرك تلك الحقيقة بشكل كامل، فيوصم كل ما هو مخالف للسائد بأنه عمل هواة أو تجريبى، وغيرها من الأكليشيهات.

التمويل الأجنبي
السمة الثانية أن الاهتمام بتلك النوعية من السينما بدأ ومازال من جهات أجنبية كثيرة (بروهلسفيا، جوتة، المؤسسة الهولندية، الجيزويت، المركز الثقافي الفرنسي، المركز الريطاني، مؤسسة فورد)، وغيرها من المؤسسات الأجنبية العاملة في مصر، ولا أريد من هذا أن أصل إلى أى استنتاج متسرع، أو وصم التجربة بأى صفة (وإن كان البعض قد فعل ووصفها بأنها تحولت إلى “سبوبة” للمتاجرة بالشباب الحالم بالشهرة و”الشحاتة” عليهم في دول الاتحاد الأوروبي! )( )، لكن الغرض من تلك الملاحظة هو القول إن جزءا كبيرا من المؤسسات الداعمة لهذا النشاط هى في الأصل مؤسسات أجنبية أو
مصرية تعتمد على الدعم الأجنبي، وإن كان هناك قدر كبير من العاملين في هذا المجال يقومون بإنتاج أعمالهم على حسابهم الخاص.
تطور حاسم في تكنولوجيا الكاميرات الرقمية
الملاحظةالأخيرةتتمثلفيأنلميكنمنالممكنحدوثتلكالطفرة في هذا الاتجاه لو لم تكن التكنولوجيا في مجال الفيديو قد تطورت هذا التطور الكبير في مجال تكنولوجيا الكاميرات الرقمية، والذى عمل على خفض التكاليف خفضا كبيرا مما سهل إنتاج تلك النوعية من الأفلام، وأن مازالت هناك بعض المشكلات التي تواجه العاملين في مجال الفيديو الرقمي لعل من أهمها وجود مديرى تصوير أو مصورين من هذا الجيل على دراية بفن إضاءة الفيديو الرقمي الذى يختلف عن إضاءة السينما، وهو ما يرر خفوت الإضاءة في معظم المحاولات الأولى لتلك الأفلام، وأن كانت التجارب الأخيرة تثبت أن هناك تقدما كبيرا في هذا المجال سواء لاكتساب العاملين في المجال لخرات أكر، أو سواء للاهتمام بتلك النوعية من السينما لأسباب عدة، ومن ثم ارتفاع ميزانيات الإنتاج المخصصة لبعض الأفلام مما
ساعد على الاستعانة بمديرين تصوير محترفين.
الدعم الأجنبى
الخلاصة بعد عرض تلك الملاحظات أنه بشكل أو آخر فإن تلك السينما الموازية أو البديلة هى في الأصل نتاج لاهتمام جهات أجنبية لنشرهذاالنوعمنوسائلالتعبيروأنالاعتمادبشكلكبيرعلىالدعم الأجنبى هو ما جعلها تصمد وتتطور حتى الآن، وأن أمل الكثيرين من الشركات الجديدة المصرية التي دخلت مجال الإنتاج أن تنال نفس الحظوة التي نالتها شركة (سمات) من تلقى دعم من دول المجموعة الأوروبية، بل هناك تجمعات تنشأ في الأصل بغرض الحصول على هذا الدعم، و يجب ألا نقف عند تلك النقطة كثيرا لأنه مهما كانت الدوافع للكثيرين في هذا المجال فإن هذه الحركة ساعدت على وجود تيار من محبى هذا التوجه في السينما في حد ذاته وأدت لاعتراف السلطات الثقافية به من خلال تقديم قسم خاص بتلك النوعية من الأفلام في المهرجان القومى للسينما واشتراك الكثير منها في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة وحصولها على جوائز، ونهاية مع عودة الدولة للإنتاج السينمائي تم تخصيص ميزانية سنوية لصنع مثل تلك النوعية الأفلام، وهو ما يعد نصرا للسينما
البديلة عن النمط التجارى السائد في السينما المصرية.
حدود الانتشار (الجماهيري والفني)
يكمن النجاح الأكر في إيجاد قنوات توزيع لمثل هذه الأفلام حتى يتمخلقمردودمادىلمنتجيها،يجعلهميستمرونفياكتشافالعديد من المواهب، وتنوع المدارس الفكرية المختلفة في هذا المجال، وألا يكون مصير تلك النوعية من السينما مرتبطا بما تتلقاه من دعم سواء كان داخليا أو خارجيا، بالطبع هذا أمر شديد الصعوبة، في ظل عدم فهم تلك النوعية من السينما التي لا يمكن عرضها داخل صالات العرض،
وستظل محصورة داخل المهرجانات التي يحضرها صانعو الأفلام وأصدقاؤهم، ويكون البديل مثلما يحدث في جميع أنحاء العالم هو العروض على قنوات التليفزيون، صحيح زادت القنوات التليفزيونية العربية وتنوعت إلا أن الأفلام التسجيلية والقصيرة ليست مادة جذب للمشاهدالعربى،وحتىالقنوات الإخباريةالتيتهتمبالتسجيلي،فإما تقوم بعرض أفلام تسجيلية أجنبية أو تصنع هي أفلامها الخاصة التي تتفق مع سياستها (شارك العديد من مخرجي تيار السينما المستقلة في صنعها)، وهو ما يضع حجرا على رؤى وتوجهات صانعي السينما الجديدة، هذا بالإضافة إلى أن الروائي القصير لا وجود له
على خريطة تلك القنوات.
قوبل خر شراء قناة “أو تى في” لأعمال روائية قصيرة من الشركات العاملة في هذا المجال في مصر بفرح شديد من قبل جميع المهتمين بالسينما كبداية لتوزيع تلك النوعية من الأفلام، لا يتبقى أمام سينما مصر الروائية القصيرة سوى البحث عن مجال للتوزيع داخل القنوات التليفزيونية الأجنبية مثل: الراى الإيطالية، والرابعة الإنجليزية، وأرت الفرنسية الألمانية، والسابعة الأوروبية، وهذا أمر يحتاج لمجهود وعمل دءوب وجماع للتعريف بإنتاج السينما المستقلة في مصر، لكن هل يتم ذلك عر لجنة مشتركة بين الشركات العاملة في مصر أو بإعلان تجمع للسينمائيين المستقلين في مصر أو بأى طريقة للتحرك جماعيا من أجل تسويق الفيلم المصرى المستقل التسجيلى والروائى القصير، أم أن الأمل في أى تحرك جماعي أصبح مفقودا في مصر والكل يتجه نحو مصلحته الشخصية و”سبوبته” كما قال أسامة عبدالفتاح في مقاله السابق الإشارة إليه، في النهاية لا يمكن إطلاق أى توصيات من جانبنا لمطالبة الدولة بدعم أو مساندة أو أى شيء؛ لأن التجربة علمتنا في مصر أن المشكلة في اتحاذ القرارات بل في كيفية تنفيذها ولا في رصد الميزانيات بل في القائمين على إنفاقها، كما إنه قد يكون من الصائب للسينما البديلة في مصر أن تظل بعيدة عن التدخلات، وبالتحديد من قبل الدولة والقائمين على إدارة شئون السينما فيها حتى تظل مستقلة، على العموم كل ما اتخذته وزارة الثقافة من إجراءات لصالح السينما الرقمية الجديدة جاء نتاج إثبات تلك النوعية من السينما لجديتها ونبوغ الكثير من العاملين في هذا المجال، وبالتالى فإن تطورها في المستقبل قد يؤدى للحصول على المزيد من المكاسب من قبل الدولة.
أرشيف للتوثيق
هناك قضية جوهرية خاصة بتلك النوعية من السينما يجب أن ينوط بها أحد سواء من جانب الدولة أو العاملين في المجال من “متلقى الدعم الخارجي”، يجب أن يكون هناك توثيق لتلك النوعية من الأفلام، بل وأرشيف توضع فيه الأفلام القصيرة والتسجيلية المنتجة في مصر وفقا لمعايير يتفق عليها الجميع حتى يحفظ هذا الفن من الضياع ويتم الحفاظ عليه، لتكون تلك هى أول خطوة في طريق العمل الجماعى بين العاملين في السينما البديلة لتحويلها إلى تيار فني في المجتمع.


 
 
 

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات