كمال رمزي: النقد ومهنة البحث عن أسرار الجمال.

أحمد عزت 31 مارس 2023 جمعية نقاد السنيما المصريين

الكاتب : أحمد عزت
في عام 2008، كنت طالبا في كلية طب قصر العيني مهووس بالسينما، تلتقط يدي دون وعي كل ما له علاقة بالسينما من كتب. هناك قريبا من سينما الجمهورية - دار السينما الوحيدة لدينا بكفرالشيخ - وهي سينما أقرب للترسو اذ تعرض فيلمين في بروجرام واحد، يوجد بائع جرائد كنت قد اعتدت المرور عليه قبل سفري للقاهرة للاطلاع على الكتب والمجلات المتاحة لديه. وجدت لديه هذه المرة كتابا بعنوان " من مقاعد الترسو: مطالعات في السينما الأمريكية" لكمال رمزي. أنهيت الكتاب تقريبا في الطريق الى القاهرة.


في عام 2008، كنت طالبا في كلية طب قصر العيني مهووس بالسينما، تلتقط يدي دون
وعي كل ما له علاقة بالسينما من كتب. هناك قريبا من سينما الجمهورية - دار السينما
الوحيدة لدينا بكفرالشيخ - وهي سينما أقرب للترسو اذ تعرض فيلمين في بروجرام واحد،
يوجد بائع جرائد كنت قد اعتدت المرور عليه قبل سفري للقاهرة للاطلاع على الكتب
والمجلات المتاحة لديه. وجدت لديه هذه المرة كتابا بعنوان " من مقاعد الترسو: مطالعات
في السينما الأمريكية" لكمال رمزي. أنهيت الكتاب تقريبا في الطريق الى القاهرة.
لم أكن وقتها أعرف من هو كمال رمزي ولم أكن قد شاهدت الكثير من الأفلام التي كتب
عنها في مطالعاته لكني لا أزال حتى هذه اللحظة أسير المتعة التى منحنى اياها هذا
الكتاب وهي متعة غريبة على هذا النوع من الكتابة، أقصد الكتابة النقدية.
قرأت لاحقا مقولة للأديب الكبير يحيى حقى الذى كان يكتب أحيانا مقالات عن الأفلام التى
شاهدها تفيد بأن على كاتب مقالات النقد السينمائي أن يأخذ في حسبانه الذين لم يشاهدو
الفيلم والذين ربما لن يشاهدوه أبدا. ما فهمته من مقولة حقى ان على مقال النقد السينمائي
أن يصير نصا ممتعا في ذاته ممتلكا جماله الخاص.
أعتقد أن مقالات كمال رمزي في العموم تحقق هذه المقولة بجاذبية الحكي لديه، لغته
الأدبية المنضبطة وسعة ثقافته السينمائية والأدبية. لم أندهش لاحقا حين قرات في احد
حواراته: "مازال يحيى حقى هو القارئ المتخيل بالنسبة لي" (1) وكان قد كتب في بداياته
في مجلة المجلة التى يرأس تحريرها يحيى حقى.
ينتمى كمال رمزي للجيل الذي يمكن اعتباره الجيل المؤسس لمهنة النقد السينمائي بمعناها
الدقيق بعد أن كان حقلا مشاعا للجميع من كتاب وصحافيين. جيل سمير فريد، على أبو
شادى يوسف شريف رزق الله وكامل النحاس وغيرهم وهو أيضا الجيل الأكبر أثرا
وانجازا في مسار النقد السينمائي حتى الآن.
جاء رمزي من أرض النقد الأدبي متأخرا قليلا عن مجايليه الذين بدأو في ممارسة النقد
السينمائي قبله بقليل. بدأ بكتابة النقد السينمائي في مجلة الطليعة بدعوة من الناقد فاروق عبد
القادر عام 1971 ليكتب وقتها عن أفلام اليسار الإيطالي والتي كانت في أوجها آنذاك.
كانت الطليعة من أكثر المجلات مقروئية وقتها وتوالت مقالاته فيها.

لاحقا قرأ سمير فريد أحد مقالاته في الطليعة وطلب مقابلته والانضمام معهم في جمعية
النقاد وهناك يتعرف على بقية زملاء المهنة. كان حركة النقد السينمائي في الستينات والتي
بشرت بسينما جديدة قد تبلورت بتأسيس جمعية النقاد. عزز انضمامه شعوره بالانتماء
لهذا الجيل و بدأ يشعر بانه ليس غريبا على الوسط وانطلق في مهمته التي تمتد لخمس
عقود من الزمن الآن.
المنهج النقدي وقيود البحث عن أسرار الجمال
مهنة النقد عند رمزي هي القدرة على قول هل هذا عمل جيد أم لا؟ والبحث عن أسرار
الجمال الكامن فيه. لكن بحثه هذا عن الجمال يكاد يكون محدودا بحدود همه الأيديولوجي
وهو ما يشترك فيه مع أغلب نقاد جيله، الجيل الذي يعترف نجمه الأبرز سمير فريد-
مراجعا لذاته- في حواره مع وائل عبد الفتاح " أنا مسؤول عن تسييس السينما" (2)
ينتمى رمزي للمنهج الواقعي في النقد حيث يتم مقاربة العمل الفني من خلال ارتباطه
بالواقع التاريخي والاجتماعي. يمكننا أيضا أن نقول انه ينتمى لما يطلق عليه " بيل نيكولز"
في كتابه (أفلام ومناهج ) النقد السياقي حيث دراسة فيلم أو سينما مخرج داخل سياق أوسع
كالتاريخ والأيدلوجيا. من هنا صلاح أبوسيف ليس فقط هو مخرجه المفضل باترون
المخرج بالنسبة له. يقول أنه المخرج رقم واحد بالنسبة له والمسافة بينه وبين من يليه
واسعة. يجعل رمزي أيضا من فيلمه الفتوة معيارا للفيلم الجيد، فبالنسبة له يحمل وعيا
اجتماعيا واضحا مع قدرة على دراسة الظاهرة التي يقدمها. هناك أيضا مقياسا شديد الذاتية
لدى رمزى في حكمه على الأفلام وهو هل هذا فيلم يجعلنى قويا ويمنحني قدرة على
الصمود؟ ومن هنا نجده يرفض أفلام مراجعة الفترة الناصرية وأبرزها الكرنك معتبرا
إياها أفلاما تجعل المشاهد ضعيفا.
أهم مساوئ هذا المنهج كما يشير بيل نيكولز في كتابه سالف الذكر هو إغفال الأسلوب في
مقابل المضمون حيث يكون للفيلم قيمه بسبب مغزاه الاجتماعى أو كونه ينزع بشدة نحو
وعى اجتماعي وسياسي.هو منهج خشن وصارم لكن كتابات رمزي - ربما لشئ متأصل
في طبعه الشخصي- تأتي في الغالب أكثر نعومة وأقل صرامة من المنهج الذي يتبعه.
ستجده معجبا بأفلام شاهين ذات الهم الاجتماعي والسياسي مثل باب الحديد والأرض
وعودة الابن الضال لكنه أقل تقديرا لأفلام ذات الصبغة الذاتية.
عين على الواقع وعين على السينما
يرى رمزى انه على الناقد ومن قبله مخرج العمل أن يضع عينا على الواقع و عين على
السينما. ما أجده في كتابات رمزي أن عينه المفتونة بالواقع تشوش رؤيته الكلية وموقفه

الجمالي من الفيلم. نجده لا يقدر سينما سعيد مرزوق باعتبارها تجريبا في الشكل السينمائي
لا أكثر أو رفض سينما الفرنسي كلود ليلوش لموقفه السياسي من مخرجها. يصرح في
أحد حواراته بأنه أحب فيلم خلى بالك من زوزو أحب الفيلم لكنه لم يكتب عنه لكى لا
يشعر بالتناقض مع موقفه الايدلوجي الرافض لهذه النوعية من الأفلام في زمن الحرب.
ينتقد فيلم كوبولا نهاية العالم الآن لقصر نظرته السياسية وفقر قدرته على التحليل ورغم
تصريحات كوبولا التي يوردها رمزي في مقاله عن فكرة تجاوزه انه فيلم عن فيتنام تحديدا
بل عن الحرب بشكل عام عن الحضارة في مواجهة البدائية عن الجنون والعنف فإنه يشكك
في ذلك معتبرا ذلك نوعا من العجز عن النظر في عين الواقع والتاريخ.
شغف بفن التمثيل
يمتلك رمزي شغفا خاصا تجاه فن التمثيل ولديه قدرة على رصد وتحليل الانفعالات
والاداءات بذكاء وتبصر. يمنحنا دراسات قيمة جدا عن الشخصيات التي قدمها عماد
حمدي وشادية وسعاد حسني داخل السينما المقتبسة من أعمال نجيب محفوظ مضيئا ملامح
هذه الشخصيات وتطورها معتبرا تألق الممثلين والممثلات يعود في جزء منه لقدرة
محفوظ الفذة على رسم الشخصيات وتفاصيلها الداخلية وصراعاتها. في مثل هذه
الدراسات والتي كانت جديدة تماما على النقد السينمائي العربي كان رمزي يعرف كيف
يربط بين شخصية الممثل وصورته لدى الجمهور وعلى الشاشة واصلا أقنعة الممثل
بجوهر الشخصية والأداء.يكتب عن نفيسة / سناء جميل في فيلم بداية ونهاية:
في مشهد النهاية، عقب خروجها من قسم الشرطة حيث قبض عليها بتهمة الدعارة، تسير
خلف شقيقها ذليلة، يكاد وجهها في لمسة ابداعية بارعة أن يشفق عليه أكثر من قلقها على
نفسها وبايعاز منه تلقي بجسدها في النيل دون تردد.
مثل كهذا يبرز يبرز قدرة رمزي على التقاط أدق التفاصيل والانفعال ليصل من خلاله
لجوهر الشخصية. لا يهتم رمزي فقط بالشخصيات الرئيسية بل الثانوية ايضا نجده مثلا
يكتب مقالا عن دور الممثلة يسرية المغربية التي تلعب دور الجدة في فيلم فتاة المصنع
لمحمد خان ليس فقط في مديح أدائها وحضورها بل لأن شخصيتها في نظره حطمت
الصورة النمطية للجدة في السينما المصرية. هذه بعض رتوش في بورتريه ضخم لناقد
يدين له ولجيله كل من يمارس مهنة النقد السينمائي الآن بالكثير من المتعة والمعرفة.
المراجع:
(1) كمال رمزي ان حكى: أرض النقد الواسعة- وائل عبدالفتاح..
(2) سمير فريد ان حكى: مغامرة النقد- وائل عبد الفتاح.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات