علي أبو شادي .. عين ترعى الحرية

أمل ممدوح 30 مارس 2023 جمعية نقاد السنيما المصريين

الكاتب : أمل ممدوح
ربما كان الانطباع الأقوى عند رؤيته شعورك بانهماكه الفكري وهدوئه الكبير، فهو يبدو للوهلة الأولى شخصا وقورا جادا، ذو شارب ويرتدي نظارة طبية داما منذ شبابه، لكنه ما إن يتكلم تطل من وجهه بساطة وطيبة روح بابتسامة هادئة تكشف بعضا من خجل، ثم تصلك خفة ظله الهادئة أيضا، وتجده متجاوبا ومتباسطا مع محدثه، مع نظرة تركيز دقيق اعتاده، مع التزام مهني وحس مسؤول، بالطبع كانت معرفتي المبكرة به من خلال اللقاءات التليفزيونية ووسائل الإعلام، فعلي أبو شادي كان اسما علما لسنين طويلة، كناقد سينمائي ورقيب على المصنفات الفنية، لكن لقائي الشخصي به كان في مقر جمعية نقاد السينما المصريين بالأخص، سواء في اجتماعات للأعضاء أو ندوات أفلام أو في ورشة النقد التي كان أحد أساتذتها، وسأتطرق لها.


ربما كان الانطباع الأقوى عند رؤيته شعورك بانهماكه الفكري وهدوئه الكبير، فهو يبدو للوهلة الأولى
شخصا وقورا جادا، ذو شارب ويرتدي نظارة طبية داما منذ شبابه، لكنه ما إن يتكلم تطل من وجهه بساطة
وطيبة روح بابتسامة هادئة تكشف بعضا من خجل، ثم تصلك خفة ظله الهادئة أيضا، وتجده متجاوبا
ومتباسطا مع محدثه، مع نظرة تركيز دقيق اعتاده، مع التزام مهني وحس مسؤول، بالطبع كانت معرفتي
المبكرة به من خلال اللقاءات التليفزيونية ووسائل الإعلام، فعلي أبو شادي كان اسما علما لسنين طويلة،
كناقد سينمائي ورقيب على المصنفات الفنية، لكن لقائي الشخصي به كان في مقر جمعية نقاد السينما
المصريين بالأخص، سواء في اجتماعات للأعضاء أو ندوات أفلام أو في ورشة النقد التي كان أحد أساتذتها،
وسأتطرق لها.

بدايات..
نشأ علي أبو شادي الذي ولد عام 1946، في قرية "ميت موسى" بمركز شبين الكوم بالمنوفية، كابن أكبر
لأسرة بعيدة عن الاهتمامات الثقافية والفنية، والده تاجر صاحب محل بقالة، كما يتاجر في القطن والغلال،
وأمه ربة منزل تساعد زوجها في عمله، وأخ أصغر واحد، كان والده صارم في تربيته حد القسوة في
إصراره على تفوقه، ما أراه ساهم كثيرا في بناء حسه المسؤول وإطاره الجاد، والقدرة على الجمع بين مهام
صعبة، كان طفلا متميز الذكاء والذاكرة، فلم يتنازل أباه عن تميزه فألبسه جبرا ثوب الالتزام الصارم مبكرا،
حتى إذا ما توفي والده وهو في الثانوية العامة، جرب شعور التحرر لأول مرة والمسؤولية المطلقة عن نفسه،
فلم يحصل على مجموع كبير لكنه رضي بمجموعه، وربما كان بحاجة لتجربة هذا التحرر كي يتزن ثم
يصبح ملتزما بإرادته، فالتحق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، قبل أن يكون مقدر لهذا الشاب المهتم بالأدب
والكتابة والسينما أن يتطور في هذا الطريق.

موعد مع فتحي فرج
جاء تعيينه في وزارة المالية، حيث كان موعد لقائه القدري مع صديقه الناقد فتحي فرج، الذي كان زميلا له
في الوزارة يكبره باثني عشر عاما، رآه مختلفا عن غيره متقنا للإنجليزية، ينتقد ما ومن لا يعجبه حتى
رؤساءه حد الاصطدام، دائم القراءة شديد الثقافة، وهو ما ساهم في اتساع ثقافة أبو شادي باستعارته كتبا منه
لم يكن سمع بها، فكان بوابته لدخول عالم المثقفين وعشاق السينما، كندوة الفيلم المختار ليحي حقي وجمعية
الفيلم، فتفتح وعيه السياسي وتعرف على أصدقاء يساريين، مرورا بمشاركته في تأسيس جماعة السينما

2
الجديدة، ما أدى لدراسته للنقد في معهد النقد الفني وتخرجه منه عام 1975، وأثناء ذلك كانت قد تأسست
جمعية نقاد السينما المصريين وانضم لعضويتها.

رقيب حليف
تولى مناصب كثيرة ومتعددة، منها رئاسة نوادي السينما في الثقافة الجماهيرية، رئاسة المركز القومي
للسينما، رئاسة قطاع الإنتاج الثقافي، أمانة المجلس الأعلى للثقافة، رئاسة تحرير مجلات سينما والثقافة
الجديدة، ورئاسة المهرجان القومي للسينما ورئاسة مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، لكن
يظل أهم وأبرز مناصبه رئاسته للرقابة على المصنفات الفنية منذ عام 1996، إضافة لكتابته للعديد من
المقالات النقدية، وإصداراته الهامة من الكتب السينمائية، مثل "السينما التسجيلية في السبعينات"، "أحمد
راشد.. عيون تعشق الحياة"، "كلاسيكيات السينما العربية"، "الفيلم السينمائي"، "لغة السينما"، "كمال
الشناوي شمس لا تغيب"، "اتجاهات السينما المصرية" و"سحر السينما".. وغيرها.
لم يكن علي أبو شادي رقيبا متربصا بل كان حليفا للفن والفنانين، مع خطوط عريضة يسعى لمرونتها
وليس لتضييقها على الرقاب، فكان يدافع عن حرية الفن والمبدع مع مراعاة المجتمع والنظام، قال عنه الكاتب
أحمد رجب في عموده الشهير"نص كلمة": "علي أبو شادي نقل الرقابة من العصر الحجري والمخ الزلط إلى
عصر الإلكترونيات"، فقد سعى لاكتساب مزيد من الحرية للمبدع سواء السينمائي أو المسرحي او الأدبي،
فخاض عدة معارك، منها موقفه من أزمة رواية "وليمة أعشاب البحر" للكاتب حيدر حيدر، وكذلك دفاعه إثر
مساءلته يوميا عن تجاوزات فناني المسرح للنصوص في عروضهم، وتحالف مع المخرجين السينمائيين
لتمرير سيناريوهات أفلام بها ملاحظات رقابية، كان يمكن أن تواجه بسببها أزمات، فكان يطلب من
المخرجين الموافقة على هذه الملاحظات ليتم تمرير السيناريو والتصريح بالتصوير، كما حدث في مشهد
حرق العلم الاسرائيلي في فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، وحلوله تجاه تحفظات الداخلية عن فيلم
"أرض الخوف" لداوود عبد السيد وغير ذلك.

ضد قوى ظلام الشارع والجماعات
في أحد لقاءاته التليفزيونية قال "إن رقابة المجتمع أو رقابة الشارع صارت أكبر كثيرا جدا من الرقابة
نفسها"، وأن "استخدام القانون لصالح المبدع شيء مهم جدا"، مضيفا أن "الخصومة كانت دائما بين الرقيب
والمبدع، أما اليوم فبين الرقيب والمبدع في جانب والمجتمع في جانب آخر، فهناك جهات محافظة جدا تريد
أن تفرض إرادتها ورأيها بالإرهاب وبالقوة على كل شيء، اليوم أصبح المختصمون ضحايا أيضا للشارع،
لأن هذه القوة التي تريد أن تفرض رأيها ورؤيتها بالإرهاب أصبحت اليوم العنصر الأساسي في تدمير
العملية الفنية، فهي عناصر ظلامية لا تريد أي نوع من التغيير، ومن هنا صارت الرقابة أكثر تسامحا بكثير
من الأول، وصارت أضعف هي والمخرج من هذه الجماعات، والدليل أن أفلام السبعينات، سيفكر الرقيب
اليوم 10 مرات قبل الموافقة عليها، لأن القوى المتطرفة من الاتجاهات المختلفة ستؤدي لهذا النوع من
المحاكمات المستمرة للرقيب والمبدع، وهذا سبب من أسباب غياب الأعمال الجادة، هذه الحساسية، ومن هنا
ضرورة فكرة المواءمة، في لعب هذا الدور بين مراعاة مصلحة المبدع والنظام أيضا، لأن الرقابة في جزء
كبير منها سياسية؛ وبين الشارع أيضا".

3

عن النقد..محاضرة معه
عن النقد والنقاد يقول في كتاب الناقد محمود عبد الشكور عنه "هناك حاليا استسهال في الكتابة ونوع من
الاجتراء، بحيث يبدو الشخص "أبو العريف والآخرون لاشيء"، مع استثناءات قليلة، ويضيف "هناك نقطة
تميز جيلنا وهي أننا تأسسنا بشكل ما، سياسيا وثقافيا وسينمائيا قبل أن نكتب".
وكان من حظي لقائي به كمحاضر في أول ورشة نقد نظمتها الجمعية، وذلك في نهاية عام 2014 وبداية
2015، ساهم فيها بمحاضرة واحدة وكذلك الأستاذ سمير فريد، ولاحظت أن كليهما ألقى علينا محاضرته
واقفا، متمشيا لخطوات أمامنا أثناء شرحه، وصلني ذلك كنوع من الاستغراق والتقدير للمهمة، وحماس من
يعطي من عمقه، برغم بساطة وتلقائية الحديث، كنت أتأمله وأنصت جيدا، صوته هادىء واضح غير رنان،
به بحة يوحي بمن اعتاد الاستماع أكثر من الكلام، وجهه لا يظهر الكثير من التعبيرات..ربما من طول التحكم
بنفسه، دون وصول شعور بالغموض بل ببساطة وابتسامة مريحة.
بدأ حديثه عن جماعة السينما الجديدة وأعضائها وقد كان منهم، وكيف أنها أنجبت هذه الجمعية، وذكر
أسماء نقاد مثل فتحي فرج وأحمد الحضري وأحمد صالح والناقد المغربي محمد شويكة، وإن كنت لا أذكر
تماما موقع ذكر أسمائهم، تكلم عن فترة السبعينات والثمانينات وأنها اتصفت بغلبة الأفكار والأيديولوجيا،
أكثر من البناء الفيلمي حيث أنها كانت فترة مليئة بالأحداث والتغيرات، فكان الطرح الفكري حينها أهم من
الطرح السينمائي، وأكد لنا على أهمية اللغة الإنجليزية للناقد، وأوصى بقراءة المقالات النقدية التطبيقية، كما
رشح لنا كتبا للقراءة منها كتاب "فن الفرجة على الأفلام" وكتابه "سحر السينما".
الآن أسترجع هذه الذكرى بامتنان وقد مضت حوالي ثمان سنوات، غادرنا خلالها ناقدنا ورقيبنا الأشهر
العزيز، مغمضا عينه التي طالما كانت يقظة تحرس الحرية رغم موقعها، وذلك في فبراير 2018 بعد معاناة
مع المرض، تاركا خلفه مكانا كبيرا شاغرا، وأفلاما هامة خرجت للنور بسببه، ومحبة وتقديرا في نفوس
محبيه، وسيرة هامة وأثرا لا ينسى.

******

مصادر أساسية: كتاب الناقد كمال رمزي "علي أبو شادي ناقدا"، كتاب الناقد محمود عبد الشكور"علي أبو
شادي في رحاب السينما والثقافة".

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات