رحلة شخصية مع جمعية نقاد السينما المصريين

عصام زكريا 30 مارس 2023 جمعية نقاد السنيما المصريين

الكاتب : عصام زكريا
كان «نادى سينما القاهرة» أول جمعية سينمائية أشترك بها فى حياتى. كان للنادى شهرة كبيرة وسط المثقفين والمهتمين بالسينما والفنون، وقد انتظرت اليوم الذى أتم فيه ثمانية عشر عاما (سن قبول عضوية النادي) واشتركت فى اليوم نفسه تقريبا. كان النادى يضم أعدادا كبيرة حتى إن إدارته قررت عمل عرضين أحدهما فى «قاعة النيل» والثانى فى «قاعة إيوارت» بالجامعة الأمريكية، وأحيانا، عندما كان يعجبنى الفيلم كثيرا، أحضر العرضين فى يومين مختلفين.


كان «نادى سينما القاهرة» أول جمعية سينمائية أشترك بها فى حياتى. كان للنادى
شهرة كبيرة وسط المثقفين والمهتمين بالسينما والفنون، وقد انتظرت اليوم الذى أتم
فيه ثمانية عشر عاما (سن قبول عضوية النادي) واشتركت فى اليوم نفسه تقريبا.
كان النادى يضم أعدادا كبيرة حتى إن إدارته قررت عمل عرضين أحدهما فى
«قاعة النيل» والثانى فى «قاعة إيوارت» بالجامعة الأمريكية، وأحيانا، عندما كان
يعجبنى الفيلم كثيرا، أحضر العرضين فى يومين مختلفين.
«نادى السينما»، رغم النشرات المصاحبة للأفلام والمناقشات التى يديرها كبار
النقاد فى ذلك الوقت، بدا للجمهور العادى من أعضائه، أمثالى، بعيدا، للفرجة على
الأفلام فقط لا المشاركة بالرأى أو فى الكتابة عن الأفلام. وكان الاقتراب من هؤلاء
الأسماء الكبيرة: أحمد الحضرى، سامى السلامونى، يوسف شريف رزق الله
وغيرهم، شرف لا يناله سوى المحظوظين أو من يملكون الجرأة على تقديم أنفسهم
للآخرين.
بقيت، وغادرت، نادى السينما، لسفرى وانشغالى، ثم بسبب إغلاق النادى فيما بعد،
عقب اختلاف وخلافات كبار أعضائه ووصول هذه الخلافات إلى حد تدخل وزارة
الشئون المعنوية المشرف الرسمى على نشاطاته، وهى واحدة من الخسائر الكبيرة
التى حدثت بسبب عادة المثقفين المصريين فى النزاع والشقاق وإفساد كثير من
النشاطات الجماعية الناجحة.
لاحقا، عندما دارت الأيام والتحقت بالعمل فى الصحافة الفنية، تعرفت على
الجمعيات السينمائية الموجودة على الساحة، جمعية نقاد السينما المصريين، جمعية
كتاب ونقاد السينما، جمعية الفيلم، اتحاد التسجيليين، جمعية السينمائيات، وغيرها
من الكيانات الأهلية المعنية بفن السينما.

جمعية نقاد السينما كانت الأكثر أهمية ونخبوية بين هذه الجمعيات، فهى تضم أبرز
نقاد السينما فى مصر، وبعض السينمائيين الذين يعملون، أو عملوا، بالنقد. بينما
الجمعيات الأخرى تضم كتابا وسينمائيين وهواة.
أصبح عنوان «36 شارع شريف» جزءا من قاموسى اليومى. ربما أذهب فى
الصباح إلى مركز الصور المرئية الذى يحتوى على مكتبة وأرشيف لا بأس به ــ
بمقاييس هذه الأيام ــ لإعداد موضوعات صحفية، وفى المساء أذهب لمشاهدة
عرض فى جمعية النقاد أو اتحاد التسجيليين، وربما أذهب فى أوقات أخرى للقاء
ناقد أو سينمائى للحصول على تصريحات بشأن تحقيق أو استطلاع أجريه.
بعد وقت قصير انضممت إلى جمعية النقاد باعتبارى صحفيا سينمائيا، وتوطدت
العلاقة بينى ومعظم أعضاء الجمعية الكبار. وأذكر أن أول ظهور تليفزيونى فى
حياتى جاء بالمصادفة أثناء وجودى فى الجمعية، حيث كانت المذيعة اللامعة سلمى
الشماع وفريق عمل برنامجها «زووم» فى المقر لإجراء بعض الحوارات حول
فعالية أو قضية ما لا أذكرها، وطلبت منى أن أكون من المتحدثين، ولا أنسى الخجل
والارتباك ودقات القلب السريعة التى أصابتنى يومها.
من هذه الأيام بقيت بعض الملاحظات على المناخ العام لجمعية النقاد:
كان الاتجاه السائد، ونحن نتكلم عن منتصف تسعينيات القرن الماضى، هو التحليل
والتقييم «الاجتماعى» و«السياسى» للأفلام. كان يطلق على جمعية نقاد السينما أنها
«شيوعية»، حيث يأتى عدد كبير من أعضائها من خلفية يسارية، وكان يطلق على
عدد من أبرز أعضائها «عصابة الأربعة»، وهم سمير فريد وعلى أبوشادى وكمال
رمزى وهاشم النحاس، و«عصابة الأربعة» تعبير كان يطلق فى الصين على
زوجة الزعيم الراحل ماو تسى تونج وثلاثة من مساعديها، عرفوا بدمويتهم
وجرائمهم أثناء ما يعرف بـ«الثورة الثقافية»، من تصفية للمعارضين.
ليس معنى ذلك أن كل أعضاء الجمعية كانوا من اليساريين، والتعبير نفسه أطلقه
أعضاء آخرون فى الجمعية من ذوى الميول اليمينية أو الليبرالية، والذين كانوا
يختلفون مع الأعضاء الأكثر يسارية حول بعض المسائل النقدية والإدارية، ومن
هؤلاء سامى السلامونى ومصطفى درويش ورفيق الصبان وغيرهم.

المهم أن المواقف السياسية كانت تحدد إلى درجة كبيرة أذواق وآراء هؤلاء النقاد
الفنية، طبعا بدرجات وفوارق فردية بينهم، خاصة أن بعضهم، مثل سمير فريد بدل
أو طور آراءه بمرور الوقت، وأصبح محافظا لبعض الوقت، ثم ليبراليا. وأعتقد أن
هذا ينطبق على معظم الأعضاء، فقد شهد النصف الأول من التسعينيات تحولات
عالمية وإقليمية مذهلة، حيث انهار حائط برلين ثم الاتحاد السوفيتى، ثم حلم الوحدة
العربية، مع غزو العراق للكويت وحرب الخليج الثانية، ثم انتشار الأقمار الصناعية
ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية وتحول العالم إلى غرفة معيشة صغيرة!
كانت الاختلافات السياسية تقود كثيرا من النقاشات «النقدية» التى تدور فى
الجمعية. التسعينيات فترة انكسار وتحولات قسرية شديدة الوطأة، خاصة على الذين
قضوا حياتهم فى حلم الوحدة الاشتراكية والوحدة العربية، وزاد الطين بلة صعود
جماعات العنف الدينى التى راحت ترتكب الاغتيالات والمذابح، وتروع المثقفين
والفنانين بالتحريم والتكفير، مما دفع نسبة كبيرة من الفنانات والفنانين و«المثقفين»
إلى أحضان هذه الجماعات، هلعا، أو طمعا، أو نفاقا أو اقتناعا.
ما بين الإيمان بالفن الملتزم اجتماعيا والدفاع عن الفن ضد الهجمات المتتالية عليه،
وميراث الاتهامات بالعمالة والتطبيع والتنازل، كان يضيع وقت، قد يقصر أو
يطول، من المناقشات حول الأفلام والقضايا الفنية، أو هذا ما كنت ألاحظه وأضيق
به أحيانا. ولكن ليس معنى ذلك أن المناقشات لم تكن تتطرق إلى جوانب فنية أخرى
أو أنها لم تكن مفيدة بالنسبة لناقد شاب يشق طريقه. بالعكس كان هناك مناقشات
وآراء مفيدة للغاية، والأهم هو مشاعر الالتزام والجدية وأهمية ما نفعله، التى كانت
تسود وتنتقل إلى أى عضو جديد. وبما أننى أصبحت عضوا أو ضيفا مشاركا فى
الجمعيات السينمائية الأخرى، يمكننى أن أقول إن جمعية نقاد السينما هى الأكثر
اهتماما بالثقافة السينمائية والأكثر نفعا بالنسبة للناقد الشاب، وليس معنى ذلك أن
الجمعيات الأخرى ينقصها ذلك، ولكن معناه أن جمعية النقاد تزيد عنها، كثيرا أو
قليلا.
الملحوظة الثانية تتعلق بأعمار أعضاء الجمعية، فلوقت طويل كان هناك ندرة فى
انضمام أعضاء جدد. أعتقد أن ذلك له علاقة بالمناخ الثقافى العام فى التسعينيات،
والذى كان فى أسوأ أحواله فيما يتعلق بالثقافة السينمائية. فى جيلى مثلا لم يكن
هناك الكثير من النقاد الشباب، ولم يكن هناك الكثير من الـ«سينيفيليين» (عشاق

السينما). بعض الشباب الذين انضموا للجمعية كانوا سينمائيين من خريجى معهد
السينما، ولكن النقد لم يكن عملهم الأساسى، وربما كان يتعارض مع كونهم
مخرجين أيضا. هذه المشكلة كان يمكن الشعور بها بشكل أكبر فى جمعية كتاب
ونقاد السينما التى تضم نقادا وصحفيى فن وكتاب سيناريو.
كانت الملحوظة الأساسية هى قلة الأعضاء الشباب من النقاد، وبالنسبة للمخرجين
الشباب كان هناك ميل منهم لكسب ودِّ النقاد الكبار على أمل دعم أفلامهم بالكتابة أو
غيرها. ولذلك كان هناك بعض الجمود فى الأفكار والمناقشات، إذ كانت تخلو من
وجهات نظر الأجيال الجديدة، وظهر ذلك بوضوح فى الموقف مما عرف بـ
«السينما المستقلة» فى أمريكا، التى انتعشت فى التسعينيات مع أعمال سودربرج
وتارانتينو وغيرهم، وجماعة «دوجما 95» التى ظهرت فى أوروبا منتصف
التسعينيات، و«السينما المستقلة فى مصر، التى بدأت فى النهوض مع بداية الألفية.
باستثناء عدد قليل من المتحمسين للجديد كان الموقف من الحركات السينمائية
الجديدة، خاصة التى تنتمى لما بعد الحداثة، والتى تكسر قواعد وتقاليد السينما
الكلاسيكية، متحفظا، إن لم يكن رجعيا أحيانا.
لكن مثل كل شىء فى العالم بدأت رياح التغيير تهب على جمعية نقاد السينما مع
منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة. فى تلك الفترة حدث شىء مهم جدا وهو
مشاركة أعضاء الجمعية فى لجان تحكيم «الفيبريسى» (الجمعية الدولية التى تتبع
لها جمعية نقاد السينما المصريين)، فى المهرجانات الدولية المختلفة بشكل منتظم،
بعد أن كان ذلك شيئا نادرا وقاصرا على عدد قليل جدا من أعضاء الجمعية،
وتزامن ذلك مع توسع الجمعية الدولية جغرافيا والزيادة الهائلة فى عدد المهرجانات
السينمائية فى أنحاء العالم. هذه المشاركات بشكل منتظم فى لجان التحكيم الدولية
ساهمت فى تحرير أفكار نقاد الجمعية من نظرتهم التقليدية للفن السينمائى. من ناحية
ثانية، ومع تأثير الإنترنت، زادت الثقافة السينمائية لدى نسبة كبيرة من الشباب،
وساهم فى ذلك ظهور سينما «المولات» وانتشارها، إلى حد ما فى مصر، مما
ساهم فى اطلاع هؤلاء الشباب على السينما العالمية (حتى لو كانت أمريكية فقط فى
معظمها)، كما ساهمت المهرجانات السينمائية الجديدة التى بدأت فى مصر فى مزيد
من اطلاع صحفيى الفن والنقاد الشباب على التجارب الجديدة وزيادة ثقافتهم
السينمائية. وكانت النتيجة اهتمام كثير من الشباب بالانضمام للجمعية. ومن الظواهر

الإيجابية أيضا أن جمعية النقاد أصبحت شريكا رئيسيا فى معظم المهرجانات
المصرية من خلال لجان تحكيم خاصة بها، كانت محلية، ثم أصبحت دولية، ومن
خلال ندوات وحلقات بحث واستطلاعات تقوم بها الجمعية بالتعاون مع هذه
المهرجانات.
الآن، بعد نحو عشر سنوات على بداية هذا التحول، اكتست جمعية النقاد بوجود
شبابى ملحوظ، لم تتمتع به منذ تأسيسها فى سبعينيات القرن الماضى.
تبقى ملحوظة أخيرة كانت ولم تزل فى تصورى نقطة ضعف جمعية النقاد، وهى أن
أعضاء الجمعية يهتمون بالسينما ونقدها ومحاولة تطويرها أكثر مما يهتمون بالنقد
ونقده ومحاولة تطويره. وقد تمنيت دوما، وما زلت، أن تعود مجلة الجمعية للصدور
فى ثوب جديد يصبح فيه همها الأساسى هو النقد وليس الأفلام، ومهنة النقد وليس
صناعة السينما، وأن يكون هدفها الأساسى تطوير حركة النقد وتوفير المناقشة
والجدل حول النقد نفسه: أنواعه وأعلامه وعرض وترجمة روائعه، وطرح الأسئلة
عن جدواه ووظائفه وأشكال القصور والفساد التى قد تعتريه.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات