التاريخ الرسمي لجمعية النقاد كما ترويه الوثائق

أحمد شوقي 22 مارس 2023 جمعية نقاد السنيما المصريين

الكاتب : أحمد شوقي
في دراسته الشهيرة التي تُعيد مجلة "الفيلم" نشرها في هذا العدد الاحتفالي، يشرح الناقد الكبير سمير فريد الظروف الثقافية والسياسية والاجتماعية التي أدت لتأسيس "جمعية نقاد السينما المصريين"، كنتيجة لحراك ثقافي ومحاولات عديدة لتوحيد جهود جيل من شباب السينمائيين المؤمنين بأن الفن السابع يحمل ما هو أكثر من الترفيه والدعاية السياسية،


في دراسته الشهيرة التي تُعيد مجلة "الفيلم" نشرها في هذا العدد الاحتفالي، يشرح الناقد الكبير سمير فريد الظروف الثقافية
والسياسية والاجتماعية التي أدت لتأسيس "جمعية نقاد السينما المصريين"، كنتيجة لحراك ثقافي ومحاولات عديدة لتوحيد جهود
جيل من شباب السينمائيين المؤمنين بأن الفن السابع يحمل ما هو أكثر من الترفيه والدعاية السياسية، وإذا كانت المحاولة الأولى
لهذا الجيل بتأسيس "جماعة السينما الجديدة" قد جمعت الرافدين الفكري والمهني، فتأسست على أيدي نقاد ومخرجين، ونشطت
بالتوازي بين الإنتاج الجماعي ونشر كتابات ومواقف في "مجلة الغاضبين"، فإن قرار استحداث كيان مستقل للنقاد تحت مسمى
"اتحاد نقاد السينما"، والذي صار لاحقًا وبحكم التعقيدات القانونية "جمعية نقاد السينما المصريين"، كان في جوهره قرار
بالاستقلال عن الصناعة، بأن تُترك المساحة للمخرجين فيعملون وفق ما تتيحه لهم ظروف السينما المصرية، بينما تتوحد جهود
النقاد بشكل مواز في محاولة لبلورة اتجاهات منهجية في النقد السينمائي المصري، وهو بالمناسبة الهدف الأول من أهداف
الجمعية حسب بيانها التأسيسي ولائحة نظامها الأساسي منذ 1972 وحتى اليوم.
لا تستطيع الوثائق الرسمية ومحاضر الجلسات الإجابة عن سؤال نظري من نوعية: هل نجحت جمعية النقاد بالفعل في هدفها
وبلورت اتجاهات منهجية في النقد؟ فالأمر متروك للمؤرخين والمحللين لبحثه ومحاولة الإجابة عنه. لكن بإمكان الوثائق أن تشير
بوضوح إلى الجهود التي اتُخذت سعيًا لتحقيق الأهداف، وكذلك إلى أهم المعوقات التي عطلت حراك الثقافة السينمائية في مصر
بشكل عام، ومسيرة جمعية نقاد السينما المصريين بشكل خاص. وهو ما نحاول سرده في هذه الدراسة اعتمادًا على وثائق
الجمعية الرسمية: محاضر اجتماعات مجلس الإدارة والجمعية العمومية ودفاتر العضويات وبعض المكاتبات.
مشكلة الأرشيف الأزلية
أول مشكلة تقفز في وجه الباحث هي بالتأكيد غياب الأرشيف. في بلد يمتلك مائة عام من إنتاج الأفلام دون وجود أرشيف
وطني للسينما "سينماتِك" رغم المحاولات المتتالية المضنية لتحريك هذا الملف وتوضيح أهميته، في بلد كهذا يبدو غياب
التوثيق أمرًا منطقيًا، لكن غير المنطقي هو ألا يقوم المنادون بالأرشيف أنفسهم بتوثيق جهودهم، أو توثيقها بشكل فردي يزول
برحيل صاحبه، كحال الأرشيف الضخم الذي كوّنه سمير فريد، والذي لا يزال معطلًا لا يخدم الثقافة السينمائية رغم كل جهود
الورثة الهادفة لإتاحته بالشكل اللائق.
لا عجب إذن في كون تاريخ الجمعية المكتوب يبدأ من اجتماع مجلس الإدارة الرسمي الأول بتاريخ 7 يناير 1973،
فهو أول اجتماع يتم إثباته رسميًا في السجلات بعد إشهار الجمعية بتاريخ 20 ديسمبر 1972، بينما كانت الجمعية
نشطة بالفعل منذ التوقيع على محضر تأسيسها بتاريخ 14 يونيو 1972، بحضور المؤسسين وعددهم 15 ناقدًا
وناقدة هم: أحمد كامل مرسي – أحمد الحضري – أحمد راشد – أحمد رأفت بهجت – أنور خورشيد – خيرية

البشلاوي – فريد المزاوي – فتحي فرج – سامي السلاموني – سمير فريد – صبحي شفيق – ماري غضبان –
مصطفى درويش – هاشم النحاس – يوسف شريف رزق الله. اختاروا مجلس إدارة مؤقت مع التأسيس تكوّن من: أحمد
كامل مرسي رئيسًا، وسامي السلاموني نائبًا للرئيس، وفتحي فرج سكرتيرًا ويوسف شريف رزق الله أمينًا للصندوق، وعضوية
أحمد رأفت بهجت وسمير فريد. ونشط الاتحاد/ الجمعية بالفعل قبل الإشهار الرسمي من خلال عدة أنشطة ذكرها سمير فريد
في دراسته.
فترة التأسيس: بين أنشطة البداية وانشقاقات المؤسسين
الطريف أن الاجتماع الرسمي الأول في يناير 73 بدأ بمناقشة استقالة نائب الرئيس سامي السلاموني، الذي رأى أن الجمعية
تتساهل في قبول أعضاء جدد من خريجي معهد النقد لا يمكن اعتبارهم نقادًا، الاستقالة تم قبولها خلال شهر مارس ليتم تصعيد
سمير فريد ليكون نائبًا للرئيس، وضم مصطفى درويش إلى مجلس الإدارة عضوًا. استقالة السلاموني من مجلس الإدارة ثم من
الجمعية برمتها عام 1975 حدثٌ يظهر كثيرًا في وثائق الأعوام الأولى من عمر الجمعية، ويعكس صراعًا شهدته منذ
التأسيس ستتضح جوانبه مع الاستقالة المسببة التي تلاها السلاموني عام 1975 من كراس مكوّن من 20 صفحة رفض
تسليمه للجمعية لاحقًا، يبدي فيه اعتراضه على ضم خريجي معهد النقد من غير الممارسين، وتحديدًا على أسماء منها على أبو
شادي ومصطفى خورشيد وعادل عبد العال. اعتراض يمكن أن نلمس أسبابه بوضوح من المحاضر الرسمية، وهي اعتبار
السلاموني إضافة الأعضاء الجدد تقوية لمكانة فتحي فرج وسمير فريد داخل الجمعية ومجلس إدارتها وزيادة قاعدتهما الجماهيرية
وجعلهما من "مراكز القوى"، بينما رأى فرج وفريد (ومعهما مجلس الإدارة) في اجتماع تم بتاريخ 16 أغسطس
1975 بحضور المؤسسين أحمد الحضري وخيرية البشلاوي بالإضافة إلى السلاموني، إن اعتبار الأعضاء الجدد مجرد
قاعدة انتخابية هو وصف مهين وغير مقبول، وإن من حق الجميع الانضمام طالما انطبقت عليهم شروط اللائحة الداخلية ولائحة
النظام الأساسي وهي ممارسة النقد بغض النظر عن وسيلة الممارسة.
بعيدًا عن التفاصيل فإن المعركة برمتها عكست صراعًا دائمًا بين اتجاهين داخل العمل العام للنقاد في مصر: اتجاه الاحتفاء
بالأصوات الجديدة وضمها للمجموعة وإن لم تمتلك بعد الأدوات النقدية الناضجة ويمثله فتحي فرج وسمير فريد، واتجاه النخبوية
النقدية وضرورة الاقتصار في العضويات على المتمرسين من أرباب المهنة ويمثله السلاموني وبقدر أقل وضوحًا خيرية
البشلاوي.
المجلس الذي استقر على تشكيله الخماسي بعد ضم مصطفى درويش استمر في الانعقاد شهريًا، اجتماعات عُقدت مرات عديدة
لأسباب صحية في منزل أحمد كامل مرسي، المخرج والناقد والرئيس الأول للجمعية، والتي تشير الوثائق أن مكانته كانت رمزية
شرفية أكثر من كونها عملية، وأن الثنائي فرج ــ فريد كان الأنشط والأكثر تأثيرًا، ناهيك عن كونهما المحركين الرئيسين
لتأسيس الجمعية من البداية، وكذلك لانضمامها للاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي) ممثلًا للنقاد المصريين، كأول اتحاد نقاد من

العالم العربي وأفريقيا والعالم العربي ينضم للاتحاد الدولي، وهي العضوية التي ورد قبولها في خطاب بتاريخ 27 أكتوبر
1972، أي قبل الإشهار الرسمي للجمعية.
استمر المجلس دون تغيير لفترة من الزمن، وحتى عند إعادة انتخاب الأعضاء لم يترشح أحد ضد الأعضاء الحاليين، مما دعا
الجمعية العمومية الأولى المنعقدة بتاريخ 7 أبريل 1974 بتوجيه اللوم للأعضاء بسبب إحجامهم عن الترشح، ليترك سمير
فريد بعدها موقع نائب الرئيس لمصطفى درويش ويكتفي بعضوية المجلس (قبل أن يتبادلا المنصبين مجددًا عام 76).
الجمعية العمومية شهدت أيضًا التصويت على أول نسخة من الجائزة السنوية لاختيارات النقاد لأحسن فيلم مصري، وذهبت
الجائزة لفيلم "الحب الذي كان" للمخرج على بدرخان وحصل على 13 صوتًا مقابل 11 صوتًا لفيلم أشرف فهمي
"ليل وقضبان" وثلاثة أصوات لفيلم "السلم الخلفي" لعاطف سالم. ولم يتضمن العام الأول جائزة لأحسن فيلم أجنبي والتي
مُنحت بداية من العام التالي 1974 وكان أول من فاز بها فيلم "سولاريس" للمخرج السوفيتي أندريه تاركوفسكي.
أزمات التمويل.. والجمعية المنافسة ومهرجان القاهرة
خلال 1975 تُنظم الجمعية أول حدث كبير وهو أسبوع الفيلم البرازيلي (7-13 أبريل)، الحدث الناجح والذي أدى
رغم ذلك لصدام مع السلاموني انتهى باستقالته نهائيًا من الجمعية، بعدما رأى أن التعاون مع السفارة البرازيلية يعد تعاونًا مع
جهات أجنبية لا يليق باستقلالية الجمعية، بل ونشر متهمًا القائمين على الأسبوع في مجلة الإذاعة والتلفزيون، لتؤكد الجمعية في
اجتماعها بتاريخ 1 مايو 1975 إن "البانوراما نشاط مشترك بين الجمعية والمعهد القومي للفيلم في البرازيل وليس مع
الحكومة البرازيلية، وإن كان الاتصال قد تم من خلال الملحق الثقافي وهي مسألة طبيعية. ومن ناحية التنظيم فإن المعهد
البرازيلي يقدم الأفلام والتمويل والجمعية تقدم التنظيم والنشرات والكتاب، وأن التنظيم تم من خلال لجنة من 12 عضوًا تم
تكليف سمير فريد بتشكيلها ليقوم بعمل يتم لأول مرة في مجال الثقافة السينمائية في مصر، دون أن تفرض البرازيل أي شيء
على اللجنة، وليس هناك فيلم واحد يدعم الحكومة البرازيلية أو يشكل دعاية لها". يبدو منطق الهجوم غريبًا بمنطق يومنا هذا
الذي تمول فيه الحكومات الأنشطة الثقافية المستقلة بشكل طبيعي، لكنه بالتأكيد عكس طابع مجتمع الثقافة السينمائية والتوجهات
المتناحرة داخله آنذاك.
مشكلة أخرى ترصدها وثائق عام 1975، بطلها هذه المرة رفيق الصبان عضو الجمعية والذي شارك في تأسيس الجمعية
المصرية لكتاب ونقاد السينما، الجمعية التي رعاها وزير الثقافة يوسف السباعي باعتبارها بديلًا لجمعية النقاد التي كان أغلب
أعضائها المؤثرين محسوبين على اليسار. صراع الجمعيتين سنجده بالتفصيل في موضوع آخر بهذا العدد، لكن ما يهمنا هنا أن
الصبَّان ذهب إلى مهرجان كان في مايو 75 حاملًا طلبًا من الجمعية الجديدة للانضمام إلى الاتحاد الدولي، ضاربًا المثل
بإيطاليا التي قبل الاتحاد عضوية جمعيتين منها، لترفض جمعية النقاد المبدأ وتُكلف سمير فريد بمخاطبة فيبريسي وتوضيح أن
السابقة الإيطالية في هذا المجال ليست قائمة، فليس هناك خلاف أيديولوجي يمنع أعضاء هذه الجمعية من الانضمام لجمعية النقاد،
كما هو الحال في إيطاليا. جهود فريد نجحت وظلت جمعية النقاد حتى يومنا هذا هي الممثل الوحيد لمصر داخل الاتحاد

الدولي. لكن لوم رفيق الصبان تكرر في أكتوبر من العام نفسه، عندما رشحت الجمعية فيلم "زائر الفجر" لممدوح شكري
للعرض في أسبوع فيبريسي في مهرجان لوكارنو بسويسرا، ليقوم الصبان بتعديل الجهة المرشحة لتشير وثائق المهرجان أنه من
ترشيح جمعية كتاب ونقاد السينما، التي لم تكن يومًا عضوًا في الاتحاد.
نلاحظ في تلك الفترة تكرار للوم الأعضاء بخلاف أعضاء مجلس الإدارة على عدم مشاركتهم بشكل فعال في الأنشطة، وتكرار
لوم أمين الصندوق يوسف شريف رزق الله على عدم إنهائه للميزانيات وتحصيله للاشتراكات وضبطه للموقف المالي للجمعية،
وهو ما يؤكد أن مشكلات الجمعية منذ تأسيسها تكاد تكون واحدة، وأن الحنين إلى العصر الذهبي الذي كان كل الأعضاء فيه
ناشطين يبدو أقرب للتفكير بالتمني أو ألاعيب الذاكرة منه للحقيقة التاريخية وفق ما تثبته الوثائق.
المعركة مع مهرجان القاهرة السينمائي الوليد في دورته الأولى عام 1976 تظهر بوضوح في وثائق تلك الفترة، والتي
تعمدت فيها وثائق جمعية النقاد بتسمية الحدث "مهرجان شيراتون" نسبة لمكان إقامته، وهي الطبيعة التجارية التي تضافرت مع
تنظيمه من قبل الجمعية المنافسة ودعمه من وزير الثقافة وعدم اعتماده على النقاد أعضاء الجمعية من جعل الموقف السلبي
قاطعًا ومستمرًا، وإن كان قرار المقاطعة الصادر بتاريخ 1 أكتوبر 76 يشير إلى أن "المقصود بالمقاطعة ليس بالقطع منع
الأعضاء من مشاهدة ما يستحق المشاهدة، وإنما عدم مساندة المهرجان إعلاميًا وإبراز الجوانب التي تؤكد إنه ليس مهرجانا ثقافيا
وحقيقة كونه عمل تجاري تقوم به جمعية الكتاب والنقاد مع مؤسسات أجنبية مثل فندق شيراتون بينما يحمل اسم القاهرة، وأن
المهرجان يعزل نقاد السينما الحقيقيين عن المشاركة بقصد عدم إفساد الأهداف التجارية المشبوهة". توتر العلاقة سيخفت بمرور
السنوات وانخراط عدد متزايد من أعضاء جمعية نقاد السينما المصريين في إدارة المهرجان، حتى أن برنامج المهرجان خلال
القرن الحادي والعشرين يكاد يكون وضع في كل عام عبر اختيارات لجان أغلبيتها من أعضاء الجمعية.
فتحي فرج وسمير فريد.. المؤسسان رؤساء
أول تغيير كبير شهده مجلس الإدارة كان في الجمعية العمومية الرابعة 24 أبريل 1977، بالموافقة على زيادة عدد
أعضاء المجلس إلى سبعة، وإجراء انتخابات خسر فيها يوسف شريف رزق الله مقعده في المجلس لحساب انتخاب عضوين جدد
هما محمد كامل القليوبي وعلي أبو شادي. كان أيضًا يسري نصر الله من بين المرشحين الذين لم يوفقوا في الانتخابات، بما
يعكس الجاذبية التي امتلكتها الجمعية آنذاك لشباب السينمائيين أمثال القليوبي ونصر الله (وأيضًا خيري بشارة ومحمد خان
وغيرهم) ممن سيصنعون أفلامهم لاحقًا ويحدثون تغييرا في شكل الفيلم المصري لا يمكن أن نفصلهم عن تكوينهم الثقافي الثري
ومن روافده ممارسة النقد والانضمام لجمعية النقاد.
الغريب أن توسعة قاعدة مجلس الإدارة وضم أعضاء جددا له لم يتزامن معها تغيير رئيس الجمعية بالرغم من انقطاع أحمد
كامل مرسي عن القيام بأي دور لأسباب صحية، ليبقى في منصبه كنوع من التقدير مع تكليف السكرتير العام فتحي فرج بكل
اختصاصات الرئاسة.

خلال تلك الفترة نظمت الجمعية مؤتمرًا بعنوان "مؤتمر الثقافة السينمائية الأول" بين 14-21 يونيو 1977
احتفالًا بالذكرى الخامسة للتأسيس، لكن الوثائق تشير إلى فشل المؤتمر لتغيب أغلب المكلفين بعمل أبحاث وتحوله جلسات دردشة،
وهو ما نوقش بتوسع خلال اجتماع 3 يوليو 77، وهو نفس الاجتماع الذي تمت خلاله الموافقة على مشروع يسري نصر
الله بتنظيم بانوراما للفيلم الألماني في الفترة 2-13 أغسطس تولى نصر الله إدارتها بالتعاون مع معهد جوتة لتكون من بين
الأنشطة الكبيرة والناجحة التي نظمتها الجمعية بمبادرة من أحد أعضاءها من خارج مجلس الإدارة، في سابقة لم تتكرر كثيرًا
لسوء الحظ.
يترك أحمد كامل مرسي الرئاسة أخيرًا ويتم اختياره رئيسًا فخريًا في مايو 1978، ليخلفه فتحي فرج فيكون ثاني رؤساء
الجمعية لفترة أولى لم تتجاوز 12 شهرا حتى يونيو 1979، ويخلفه سمير فريد لعشرة أشهر فقط انتهت في أبريل
1980، هذه الشهور العشرة كانت الفترة الوحيدة التي رأس فيها سمير فريد الجمعية التي أسسها وكان أبرز أعضائها
تاريخيًا. فريد ترك الرئاسة للرئيس الرابع هاشم النحاس وعاد عضوًا في المجلس ترسيخًا لقيم الديمقراطية، قبل أن يترك المجلس
عام 1989 ويستمر قرابة الثلاثة عقود يخدم الجمعية بنشاط دون تقلد أي منصب داخلها. فترات رئاسة فرج وفريد شهدت
انضمام أعضاء جدد لمجلس الإدارة هم كمال رمزي وعدلي الدهيبي وأحمد عبد العال وأحمد قاسم وأمير العمري، وأغلبهم استمر
فترات طويلة في مجالس الإدارة لاحقًا.
ويبدو أن وصول فتحي فرج للرئاسة رسميًا كان إشارة لانفصال مؤسس آخر هو أحمد رأفت بهجت عضو مجلس الإدارة
السابق، والذي تقدم باستقالته من الجمعية ليوافق عليها المجلس في نوفمبر 78 بعدما قال رئيس الجمعية إن "الزميل دأب
على التعامل مع كل الجهات التي تحارب الجمعية" مقترحًا قبول الاستقالة ليوافق المجلس بالإجماع على انفصال ثالث شخص
من المؤسسين.
مطلع 1979 شهد مشكلة بعدما نُشرت تغطية صحفية لندوة في الجمعية قال طالب خلالها سمير فريد بإلغاء وزارة الثقافة،
التغطية أشارت لأن هذا رأي الجمعية الرسمي، مما تسبب في انقسام داخل مجلس الإدارة تقرر في نهايته بتاريخ 7 يناير
79 عدم نشر أي خبر يتعلق بالجمعية إلا بعد الرجوع إلى مجلس الإدارة مع نشر بيان رسمي من الجمعية يؤيد بقاء وزارة
الثقافة! وشهدت اجتماع 28 يناير إثارة لمشكلتين من النوع دائم: عدم حضور الأعضاء عروض الجمعية وعدم اقتراحهم
أنشطة وأفلام للعرض، وقيام البعض بالتصويت في اختيار أحسن فيلم دون أن يشاهد الأفلام المتنافسة وهو ما أدى لإعادة النقاش
والتصويت في جلسة لاحقة، وهي مجددًا من المشكلات التي يستمر ظهورها داخل نقاشات الجمعية باستمرار حتى يومنا هذا.
هاشم النحاس رئيسًا.. وعلاقة السكرتارية بالتوثيق
فترة رئاسة الناقد والمخرج هاشم النحاس للجمعية امتدت عقدًا كاملًا من مايو 80 وحتى سبتمبر 90 لتكون ثاني أطول
فترة رئاسة في تاريخ الجمعية. خلالها تولى علي أبو شادي سكرتارية الجمعية في أغلب الفترة، الأمر الذي أثر بشكل واضح
على جدوى الأرشيف خلال تلك الفترة، فأبو شادي – ورغم خبرته الممتدة في العمل الحكومي وربما بسببها – اعتمد نموذجًا

بالغ الاختصار لمحاضر الاجتماعات لا يكاد يذكر فيه ما يتجاوز جدول الأعمال، بما يجعل محاضر اجتماعات الفترة هزيلة كمًّا
وكيفًا لا تحمل الكثير من المعلومات المفيدة، اللهم إلا الإشارة لتطبيق دورية إدارة النشاط سنويًا، فكان سمير فريد مسؤولًا عن
نشاط عام 81 ثم كمال رمزي عن نشاط 82 ثم علي أبو شادي عن 83 وهكذا.
الفترة شهدت عدة اشتباكات مع الرقابة، منها بيان لجنة الدفاع عن حرية التعبير بخصوص منع فيلمي "نورماندي" و"كل هذا
الجاز" في نوفمبر 1980، ودعوة مدير عام الرقابة في مناقشة مفتوحة لمناقشة أسباب منع الفيلمين، وبيان حول منع
فيلمي "درب الهوى" و"خمسة باب" في نوفمبر 83. كما شهد عام 84 مشروعًا بإنشاء نادي فيديو لتنمية موارد
الجمعية توقف بسبب تعذر استخراج تصريح يسمح للجمعية بمزاولة هذا النشاط. كما شهد الجمعية العمومية الثانية عشر والمقامة
14 أبريل 1984 قرارًا غريبًا بتغيير اسم الجمعية إلى "جمعية نقاد السينما بمصر"، سرعان ما تم التراجع عنه في
الجمعية العمومية التالية في 24 أغسطس 86 والعودة إلى اسم الجمعية الأصلي.
أول تصالح مسجل في الأوراق الرسمية بين الجمعية ومهرجان القاهرة جاء في نوفمبر 1986، عندما تمت الموافقة على
المشاركة في المهرجان على أن يبرز اسم الجمعية في أي نشاط أو أن يشارك الأفراد بشكل خاص، مع التركيز على الاهتمام
بالجانب العربي للمهرجان. أي أن مهرجان القاهرة احتاج عشرة سنوات كاملة حتى يتم "تطبيع" العلاقات بين جمعية النقاد
والمهرجان الذي وقفت ضده منذ تأسيسه. لكن العلاقة عادت للتوتر لسبب غير معلوم لتقرر الجمعية في نوفمبر 1988
عدم المشاركة كجمعية في أنشطة المهرجان وترك الحرية للمشاركة بشكل فردي كل فيما يخصه.
سيد سعيد.. بداية نشطة ولائحة داخلية
عقد اجتماع الجمعية العمومية السادسة عشر عن عام 1988 في العام التالي، لكن شاب التنظيم أخطاء إدارية أدت لاعتبار
الاجتماع لاغيًا، مما ترتب عليه عقد الجمعيتين العموميتين العاديتين لعامي 88 و89 معًا يوم 30 سبتمبر
1990، قرر فيها رئيس الجمعية هاشم النحاس ألا يرشح نفسه مجددًا، ليتم انتخاب المخرج والناقد سيد سعيد ليكون
الرئيس الخامس للجمعية، وهو المنصب الذي شغله لأكثر من ثماني سنوات انتهت في مارس 1999. وكما كان علي أبو
شادي هو السكرتير العام طيلة رئاسة النحاس، كان حسين بيومي هو سكرتير كامل فترة سيد سعيد، بما سمح بمحاضر أكثر
تفصيلًا عن الفترة السابقة.
كان أول قرار لمجلس سيد سعيد هو تسديد الناقد الذي يشارك في مهرجان تابع للاتحاد الدولي مبلغ 25 دولار بالعملة
الصعبة نظير المشاركة، وهو التقليد الجديد الذي سنّه الفيبريسي لمواكبة زيادة نفقاته، والمستمر حتى يومنا هذا بمبالغ مختلفة
وبتغيير العملة إلى اليورو الذي صار عملة الاتحاد الرسمية منذ توحيد عملة الاتحاد الأوروبي. القرار يعكس المتغيرات التي
بدأت صناعة الثقافة الدولية تشهدها بعد انهيار المعسكر الشرقي وبدء احتاج المنظمات الثقافية الكبرى مثل الاتحاد لمصادر تمويل
تواكب قواعد العصر الجديد.

رئاسة سعيد بدأت بنشاط كبير، فشهد شهر مارس 1991 حلقة بحثية دولية حول النقد السينمائي تم تنظيمها بالتعاون مع
معهد جوته، وشهد أبريل تشكيل أول لجنة تحكيم من نقاد الجمعية تمنح جائزة باسمها في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية
والقصيرة، وهي اللجنة التي استمرت حتى تم إلحاق المهرجان بلجان الاتحاد الدولي للنقاد، وبدء مخاطبة جميع الأطراف سعيًا
لتكوين لجنة تحكيم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد أن نال المهرجان صفة الدولية، وهي اللجنة التي تشكلت محليًا بداية
من عام 1992. كما طرحت مشروعات لم تتحقق مثل إصدار نشرة دورية وتنظيم احتفالية بالذكرى العشرين لتأسيس
الجمعية.
وشهد أبريل 92 موقفًا طريفًا عندما حضر الأعضاء لعقد اجتماع الجمعية العمومية السنوي فوجدوا المقر مغلقًا، ليتم تحرير
محضر بالواقعة في قسم شرطة عابدين ليتضح أن عامل المقر لم يحضر لأسباب صحية، ويتم تأجيل الاجتماع وعقده في شهر
مايو.
سرعان ما خفت نشاط مجلس سيد سعيد بمرور الوقت ليقتصر على تسيير الأعمال وعقد النشاط الاعتيادي بعرض الأفلام
ومناقشتها في مقر الجمعية، لكن الرئيس كرس جهوده لوضع لائحة داخلية للجمعية لأول مرة من 62 بندًا تمت مناقشتها
وإقرارها في جمعية عمومية غير عادية هي الأولى في تاريخ الجمعية بتاريخ 26 مارس 1995. وفي نفس العام
تعرضت الجمعية لفحص من الجهاز المركزي للمحاسبات أسفر عن عدة ملاحظات قامت الجمعية بالاعتذار عنها والتعهد بعدم
تكرارها.
في نوفمبر 96 احتفلت الجمعية بعيد ميلاد المخرج توفيق صالح السبعين، ودارت نقاشات طوال علم 1997 لبحث
كيفية الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس الجمعية، انتهت بإصدار كتاب تذكاري بعنوان "النقد السينمائي" طُبع بمنحة
من صندوق التنمية الثقافية قيمتها 20 ألف جنيه، لم تستخدم كلها في طباعة الكتاب وإنما استخدم الباقي منها لاحقًا في
مشروع مجلة الجمعية الأولى. نلاحظ أن الجمعية تعثرت في إتمام مادة الكتاب التذكاري الذي لم يصدر إلا في يوليو
1998 أي بعد انتصاف العالم التالي لليوبيل الفضي.
في مارس 99 يستقيل عضو المجلس هاشم النحاس مسببًا استقالته بكونها "أملًا في أن يحتل المكان دماء جديدة من
الشباب"، ولسبب غير معلوم يتغيب رئيس الجمعية سيد سعيد عن الجمعية العمومية وعن اجتماع تشكيل مجلس الإدارة رغم
استمرار عضويته، ليتم انتخاب فتحي فرج رئيسًا للجمعية في يونيو 99، ليكون أول (وآخر حتى يومنا الحالي) من يتم
انتخابه للرئاسة مرتين وبفاصل زمني 20 سنة بين الرئاستين. يشهد نفس العام صدور قانون الجمعيات 153 لعام
1999، لتتم إجراءات توفيق الأوضاع في جمعية عمومية غير عادية ثانية بتاريخ 5 مارس 2000، ورغم أن
المحضر يذكر الموافقة على زيادة أعضاء مجلس الإدارة إلى تسعة بدلًا من سبعة، فإن هذه الزيادة لم يتم تنفيذها أبدًا. وفي
أبريل 2000 تُقبل استقالة سيد سعيد من المجلس بعد شهور من تقديمها، ليترك الرئيس الخامس مجلس الإدارة ولا يعود

له مجددًا. وفي مساء الجمعة 9 فبراير يتوفى الناقد فتحي فرج رئيس الجمعية لتشارك الجمعية في عزاءه وتأبينه، ويؤدي نائب
الرئيس محسن ويفي مهامه لحين عقد الانتخابات.
رئاسة أمير العمري.. إنجازات كبيرة وعيوب عمل الرجل الواحد
ينشط في تلك الفترة أمير العمري ويتردد اسمه بوضوح في برامج الجمعية بعد انضمامه لمجلس الإدارة عضوًا في انتخابات
مايو 99، ليتم انتخابه في 17 يونيو 2001 ليكون الرئيس السادس للجمعية، فيبدأ رئاسته بنشاط مكثف أسفر عن
إصدار أول مجلة سينمائية تصدر عن الجمعية وهي "السينما الجديدة"، التي استفادت مما تبقى من منحة صندوق التنمية
لاحتفالية اليوبيل الفضي، وحاولت إيجاد مصادر تمويل بديلة ليصدر عشرة أعداد منها تُمثل إنجازًا تحقق لأول مرة منذ تأسيس
الجمعية. قام مجلس العمري بشطب عضوية 25 عضو لم يستجيبوا لدعوات سداد الاشتراكات المتأخرة، سعى لنشر كتابين
عن الجمعية الأول جمع لمقالات فتحي فرج والثاني وضعه حسين بيومي حول الرقابة، لكن ضعف الإمكانيات أدى لنشر الكتاب
الأول في هيئة قصور الثقافة (سلسلة آفاق السينما)، بينما نجحت جمعية النقاد في نشر الكتاب الثاني. مجلس العمري أقام
أيضًا حفل عشاء على شرف الناقد سمير فريد بمناسبة حصوله على جائزة التفوق الفني لعام 2002.
وبسبب مشكلة بخصوص الترشح للمهرجانات الدولية اعتذر رئيس الجمعية عن الاستمرار في تولي مسؤولية العلاقات الخارجية
وتكليف السكرتير العام أحمد حسونة بالملف، ليسن سنّة مستمرة حتى اليوم بتولي السكرتير شأن التواصل مع الخارج. وبشكل
مفاجئ يرسل رئيس الجمعية استقالته في فبراير 2003، ليترك موقعه بعد أقل من عامين شهدت الجمعية فيهما نشاطًا
ملحوظًا، ويترك موقعه للرئيس السابع أحمد عبد العال، والذي يكون أول قراراته وفي نفس الاجتماع الذي تولى فيه الرئاسة هو
"النظر في انتظام صدور مجلة السينما الجديدة بعد طرح العدد العاشر في أول فبراير 2003، وإيقافها لحين تشكيل
مجلس تحرير جديد وحل مشكلة التوزيع، مع الموافقة من حيث المبدأ على إصدار عدد خاص في أول يونيو 2003".
لم يصدر هذا العدد الخاص بطبيعة الحال ولا أي عدد آخر من المجلة!
رئاسة عبد العال كانت وضعًا مؤقتًا لم يستمر أكثر من عشرة أشهر، لكنها فترة شهدت كبوة وتوقف لكافة الأنشطة التي شهدتها
الفترة السابقة، بما يوضح خطورة الاعتماد على شخص رئيس الجمعية في كافة أوجه النشاط. الوضع الذي دفع أحمد عبد العال
لتقديم استقالته في شهر نوفمبر، ليرفضها المجلس ويبقى في موقعه لحين إجراء انتخابات في 14 ديسمبر 2003
أسفرت عن انتخاب حسن عطية ليصير الرئيس الثامن للجمعية، في فترة رئاسة بدأت هادئة وانتهت بشكل عاصف.
حسن عطية.. من الهدوء إلى الإطاحة
جنح العام الأول من رئاسة عطية لسياسة تسيير الأعمال وطرح مبادرات لم تتحقق أبدًا مثل إعادة إصدار السينما الجديدة وتنشيط
الموقع الإلكتروني الذي كان العمري قد أسسه وزيادة موارد الجمعية، ومتابعة التطورات عن بُعد حتى أن شهر أكتوبر
2003 قد شهد الاجتماع التأسيسي للفيدرالية الأفريقية للنقاد (فاك) دون أن تشارك مصر في الاجتماع، ليقرر المجلس

لاحقًا "متابعة تطور هذا الاتحاد وإجراء الاتصالات مع القائمين عليه للبحث في إمكانية المشاركة مستقبلًا في نشاطاته". وهو
أمر غريب قياسًا على قيمة الجمعية المصرية تاريخيًا وعلاقة النقاد المصريين الممتدة بقرطاج، لكن من الواضح أن أحدًا من
المصريين المدعوين لم يهتم بحضور الاجتماع التأسيسي للاتحاد الأفريقي.
حتى كتب سكرتير الجمعية ضياء حسني في محضر اجتماع بتاريخ 26 سبتمبر 2004 البند الذي سيطيح لاحقًا برئيس
الجمعية: "قرر مجلس الإدارة مخاطبة السيد رئيس مهرجان القاهرة والسيد رئيس مهرجان الإسكندرية من أجل تكوين لجنة
تحكيم من الفيبريسي الدولي في المهرجانين". الصياغة الركيكة يمكن قبولها بحكم كتابة محاضر الاجتماعات بسرعة وخلال
النقاش، لكن خطأ المعلومات كان بداية الأزمة، فلجنة فيبريسي في القاهرة كانت موضوعًا مطروحًا بالفعل تم الاتفاق عليه بداية
من دورة العام التالي (وهو ما أكده رئيس المهرجان شريف الشوباشي بخطاب أثبت في اجتماع 9 مايو 2005)، بينما
لم يستضيف الإسكندرية لجنة تحكيم للنقاد من قبل سواء محلية أو دولية. لا يرد ذكر لجنة الإسكندرية مجددًا في الاجتماعات
لعام كامل، حتى يأتي الاجتماع الشهير في 25 سبتمبر 2005، والذي وجه فيه عضوا المجلس ضياء حسني وصفاء
الليثي تساؤلًا حادًا لرئيس مجلس الإدارة بصفته رئيس لجنة تحكيم الجمعية التي أقيمت في مهرجان الإسكندرية خلال شهر
سبتمبر، والتي نشرت الصحف أنها لجنة دولية مشكلة من الاتحاد الدولي، وهو ما وصل إلى سكرتير الاتحاد كلاوس إيدر من
خلال شريف الشوباشي ليرسل عبر البريد الإلكتروني متسائلًا عما حدث.
حسن عطية حضر متأخرًا قبل نهاية الجلسة التي رأسها نائب الرئيس أحمد الحضري، وطالب ضياء حسني رئيس الجمعية رسميًا
بالتنحي عن منصبه. وبالرغم من توضيح عطية عدم مسؤوليته مؤكدًا أنه خطأ الصحف التي نشرت معلومة خاطئة وهو ما أكده
الحضري الذي أعلن الجوائز بنفسه بصفته رئيسًا شرفيًا لمهرجان الإسكندرية وعضوًا في جمعية الكتاب والنقاد، إلا أن حسن
عطية قد رفض التوقيع على بيان التوضيح الذي تقرر إرساله للصحافة مع إرسال تكذيب للاتحاد الدولي، وقام بتقديم استقالته
ومغادرة الاجتماع غاضبًا، ليقبل المجلس الاستقالة، ويقام اجتماع آخر يوم 3 أكتوبر 2005 ليُعاد تشكيل المجلس ويصبح
صبحي شفيق الرئيس التاسع للجمعية، ويكون أول قرار لمجلسه هو ترشيح عصام زكريا لعضوية أول لجنة تحكيم دولية
يستضيفها مهرجان القاهرة مشكلة من ثلاثة أعضاء من الاتحاد الدولي للنقاد من بينهم عضو مصري.
صبحي شفيق.. المجلة إنجازًا وحيدًا
بدأت رئاسة صبحي شفيق بمشكلة جديدة وقعت يوم 5 مارس عندما قام عضو الجمعية محمود مسعود بسب رئيس الجمعية
صبحي شفيق وأمين الصندوق صفاء الليثي، ليطلب منه المجلس تقديم اعتذار رسمي مكتوب قبل 2 أبريل 2006، وهو
ما رفضه مسعود ورفض الحضور للمثول أمام لجنة تحقيق تشكلت من أعضاء المجلس أحمد الحضري وفريدة مرعي وضياء
حسني، وهو ما وجده العضو أمرًا غير عادل يجعل المجلس الخصم والحكم معًا، ليدرس المجلس قانونية تشكيل لجنة من
خارجه. الدراسة تبدو نوعًا من المراوغة فلا مانع قانوني من تشكيل أي لجنة من خارج أعضاء لجنة الإدارة بل إن استقلالية
اللجان هي الأفضل دومًا، وهو ما تأكد بإصدار قرار بفصله يوم 8 أكتوبر بحجة أن ليس من حقه المطالبة بتشكيل لجنة من

خارج المجلس حيث إن مجلس الإدارة هو المنوط بشؤون الجمعية، وهو ما أدى لاحقًا لتحرك العضو قانونيًا بالشكوى في الشئون
الاجتماعية والتهديد بمقاضاة الجمعية. وفي محضر مكتوب بتاريخ 18 نوفمبر 2007 يوافق المجلس على اقتراح صفاء
الليثي بإعادة قيد مسعود انطلاقًا من روح التضامن والزمالة، لكن الاجتماع مشطوب عليه لاعتباره لاغيًا وبالتالي يكون القرار
كأن لم يكن، ليعود الأمر ويظهر في الأسابيع الأخيرة لرئاسة صبحي شفيق، ليتم التصالح ويعود مسعود للجمعية متعهدًا بعدم
رفع دعاوى قضائية.
إنجاز مجلس صبحي شفيق الأكبر كان إصدار مجلة "عالم السينما"، ثاني إصدارات الجمعية والتي صدر منها خمسة أعداد
جيدة المحتوى، وإن كانت متابعة إصدار تلك الأعداد شبه غائب عن محاضر الاجتماعات، حتى أن مجلس الإدارة لم يجتمع بين
شهري ديسمبر 2006 ويونيو 2007، ربما لانشغاله أعضائه بالمجلة، ويبدأ ظهور الموقف المالي للجمعية في
محضر اجتماع ديسمبر 2007 لإقرار مصاريف العدد الخامس والأخير من المجلة. بما يشير مجددًا لأزمة التوثيق
الواضحة التي تجعل نشاطا بهذه القيمة لا يكاد يُرصد في المحاضر الرسمية، بل إنه لم يّكر إلا بعدما شهد اجتماع الجمعية
العمومية في نوفمبر 2007 هجومًا من بعض الأعضاء على طريقة إدارة تحرير المجلة وانفراد صفاء الليثي بالقرار فيها،
لترد بأن العمل مشترك مع مجلس التحرير الذي يضم معها كلًا من أحمد يوسف وسهام عبد السلام.
تشهد بداية 2008 استقالات جماعية لأعضاء المجلس فريدة مرعي (يتم تصعيد عفاف طبالة بدلًا منها)، ثم ضياء حسني
وأحمد عبد العال وعلاء عبد العزيز، والأخيران قاما بتخطي مجلس الإدارة وتقديم استقالة مسببة إلى إدارة عابدين للشؤون
الاجتماعية وبها إشارات تدين مجلس الإدارة بالتقصير والإهمال، ليتم إقناع ضياء حسني بالبقاء وتصعيد المرشحين التاليين في
عدد الأصوات بدلًا من المستقيلين بما ينقذ الجمعية من مأزق الفراغ الإداري الذي تسببه عادة الاستقالات الجماعية. لكن يبدو أن
شكاوى العضوين أدت لإرسال الشؤون الاجتماعية استفسارًا حول إصدار مجلة "عالم السينما" أدى عمليًا لإيقافها للأبد، لتخسر
الجمعية مجلتها الثانية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
محسن ويفي.. بدايات هادئة حتى أسبوع النقاد
بعد عشرة أيام فقط من التصالح مع محمود مسعود وعودته للجمعية في 19 يوليو، وهو التصالح الذي أشرف عليه محسن
ويفي، بما يعكس دوره المتزايد في حل مشكلات الجمعية، يتم انتخابه في 29 يوليو 2009 ليكون الرئيس العاشر
للجمعية في انتخابات هي الأكبر في تاريخ الجمعية بتسجيل 55 صوتًا صحيحًا حصل منها ويفي على تصويت 50
عضوا، ثم يصير لاحقًا الرئيس الأطول استمرارًا بعدما بقي في موقعه حتى وفاته خلال عام 2020.
ومن الواضح أن الاعتراضات الكثيرة التي واجهها المجلس السابق أدت لأن يعمل مجلس محسن ويفي بشكل هادئ تمامًا في
فترته الأولى، ودون التطوع ودخول أي مشروعات كبرى، مقتصرًا في أغلب الأوقات على تسيير برنامج العروض والندوات
وإرسال طلبات المشاركة في لجان تحكيم الاتحاد الدولي وفق اشتراطات مشددة تتعلق بسنوات العضوية ومرات المشاركة،
والحفاظ على لجنة تحكيم النقاد المحلية في مهرجان الإسماعيلية. مع التعامل مع أزمة نشبت عندما حدث تراشق بالكتابة بين

عدة أعضاء من الجمعية على صفحات الجرائد: زياد فايد ضد أمل زكي، محمد عبد الرحيم ضد أحمد عاطف، محمد الروبي
ضد سمير فريد، والأخيرة تضمنت اتهامات بالتخوين دفعت سمير فريد لتقديم استقالته من الجمعية للمرة الأولى والوحيدة، ليتم
تهدئة الأجواء وأهابت الجمعية بفريد أن يتراجع عن قراره بالاستقالة ليستجيب للدعوة.
حتى جاء يناير 2011 محدثًا رجّة على كل الأصعدة في المجتمع المصري، فنظمت الجمعية عدة عروض وندوات تماشيًا
مع التطورات السياسية، وطُرحت فكرة لم تُنفذ لتنظيم احتفالية بالسينما التونسية. وفي أبريل 2012 تقدم سكرتير الجمعية
صفاء الليثي تقريرها عن المشاركة في الجمعية العمومية للاتحاد الدولي في باري بإيطاليا، والتي كانت قد ترشحت خلالها
للانتخابات على منصب نائب الرئيس لكنها انسحبت بعدها وجدت هناك شبه اتفاق داخلي على تحديد الفائزين، وعلى أن يقتصر
دورها حال فوزها على العمل بموقع الاتحاد الإلكتروني، مما جعلها تقرر التراجع عن الترشح لمنح فرصة للشباب.
شغلت محسن ويفي فكرة تنظيم مهرجان للسينما العربية، وطرحها للنقاش ثلاث مرات مختلفة خلال فترة رئاسته، لكن الأمر لم
يتجاوز أبدًا حيز طرح الفكرة واتخاذ قرار بعرضها على بعض الجهات الرسمية، دون أن يتطور النقاش لأكثر من ذلك في أي
مرة. وإن توقف طرح الفكرة بعدما تولى سمير فريد رئاسة مهرجان القاهرة في 2013، لتناقش الجمعية في أغسطس من
نفس العام اقتراحه بتأجيل دورة العام للاستعداد، قبل أن يعرض فريد في نهاية نوفمبر على الجمعية تنظيم أول أسبوع للنقاد
ينظمه المهرجان، لتقرر الجمعية في 1 ديسمبر 2013 قبول المهمة، وتنظم بالفعل ثلاثة نسخ من الأسبوع أعوام 14
و15 و16 كان رئيس الأسبوع خلالها هو محسن ويفي ومديره هو أحمد حسونة، قبل أن يقرر المهرجان استعادة تنظيم
برامجه الموازية في 2017 مكتفيًا بمشاركة أعضاء الجمعية في لجان اختيار الأفلام، القرار الذي نبع من عجز الجهات
المستقلة (جمعية النقاد ونقابة السينمائيين ومعهد السينما) على مدار ثلاث سنوات أن توفر التمويل الكافي لتحقيق الاستقلال
المادي والفني، واستمرار اعتمادها على تمويل المهرجان مما يتعارض مع فكرة الاستقلالية ويمثل عبئًا إضافيًا على ميزانية
المهرجان.
تضمن برنامج أسبوع النقاد الثاني 2015 حلقة بحثية حول مئوية كامل التلمساني وصلاح أبو سيف، بينما تضمن الأسبوع
الثالث 2016 حلقة حول فيلم حال النقد في العالم العربي، تم تنظيم الحلقتين بالتعاون مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
سحب المهرجان حق التنظيم من الجمعية في 2017 كان له رد فعل عاصف خاطبت فيه الجمعية المهرجان بعدم جواز
استخدام اسم "أسبوع النقاد" طالما لا ينظمه النقاد بأنفسهم، لكن المهرجان تجاهل المخاطبة واستمر البرنامج بنفس الاسم حتى
يومنا هذا.
جيل الشباب والتوسع الدولي
بالتوازي ومع انتخاب كاتب هذه السطور أمينًا للصندوق في 2014، اقترح فكرة ورشة النقد للشباب، ليُكلف بإدارة نسختها
الأولى في نفس العام، والتي أسفرت عن انضمام أعضاء شباب جدد للجمعية، منهم رشا حسني التي تولت إدارة الورشة في
نسخها الثلاث التالية بعدما انضمت لمجلس الإدارة. وشهدت نفس الفترة عودة العلاقات مع مهرجان الإسكندرية بتشكيل لجنة

تحكيم في دورة 2015 من المهرجان هي الأولى منذ اللجنة التي استقال بسببها حسن عطية من رئاسة الجمعية. توسعت
علاقة الجمعية بالفيدرالية الأفريقية للنقاد بحيث أصبحت الجمعية خلال اتفاق أبرمه أحمد شوقي بمهرجان قرطاج 2016
هي المنسقة المشرفة على القسم الناطق بالإنجليزية من القارة، قبل أن يتم انتخابه نائبًا أول لرئيس الفيدرالية على هامش مهرجان
فيسباكو في بوركينا فاسو عام 2019.
نجاح تجربة لجنة تحكيم الإسكندرية دفعت للمزيد من التوسع في تأسيس لجان تحكيم محلية في المهرجانات المصرية، كان منها
لجنة تحكيم مهرجان أسوان من عام 17 (مستمرة لليوم)، مهرجان شرم الشيخ من 2017 (توقفت بتوقف
المهرجان)، مهرجان الجونة في 2017 (استمرت عامين ثم تحولت لجنة دولية)، مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية من
2018 (استمرت حتى تحويلها لجنة دولية)، لجنة مهرجان الإسكندرية للأفلام القصيرة من عام 2019. وتم
الاستقرار على إطلاق اسم جائزة سمير فريد على أي جائزة تمنحها لجنة تحكيم مشكلة من أعضاء الجمعية في مهرجان
مصري.
نشاط الفترة شهد أيضًا الاشتراك في تنظيم ملتقى "نقاد بلا حدود"، والذي استضافه مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد
خلال شهر أكتوبر 2017، واجتمع فيه ستة نقاد مصريين مع نظائرهم من نقاد الدول الاسكندنافية لمناقشة أهم قضايا النقد
والثقافة السينمائية في العالم المعاصر. بينما كانت المشكلة الأكبر في الفترة هي الاشتراكات المتأخرة للاتحاد الدولي والتي بلغت
1350 يورو متراكمة خلال سنوات من عدم السداد، وهو المبلغ التي تقاعست عن سداده كل الجهات الرسمية وعلى
رأسها صندوق التنمية الثقافية المنوط بمثل هذه التكاليف، وكاد أن يتسبب في إيقاف عضوية الجمعية في فيبريسي، حتى تطوع
نقيب السينمائيين مسعد فودة بناء على اجتماع مع رئيس الجمعية محسن ويفي وسكرتيرها أحمد شوقي بالتبرع بالمبلغ من صندوق
النقابة، لتصدر الجمعية خطاب شكر له على الدعم بتاريخ 17 سبتمبر 2017.
باقتراح من محسن ويفي تم الاتفاق مع مهرجان الإسماعيلية لتنظيم حلقتين بحثيتين في عامين متتاليين، الأولى في 2018
بعنوان "سمير فريد" والثانية عام 2019 بعنوان "النقد السينمائي المصري في السبعينيات"، ثم أقيمت حلقة بحثية
ثالثة بالتعاون مع مهرجان القاهرة في نوفمبر 2019 بعنوان "الجدل في الحدث التاريخي في السينما المصرية" قامت
الجمعية بنشرها في كتاب إلكتروني كان الأول من نوعه من إصدارات الجمعية.
خلال 2018 ينضم أحمد شوقي إلى مجلس إدارة الاتحاد الدولي للنقاد فيبريسي مسؤولًا عن الشؤون العربية في الاتحاد،
ليسفر ذلك عن توسع وجود الاتحاد في المهرجانات المصرية فبعد أن كان يقتصر على تنظيم لجنة تحكيم دولية في مهرجان
القاهرة فقط، أصبحت هناك لجان دولية من الاتحاد في كل من مهرجانات الجونة والأقصر والإسماعيلية. قبل أن يتم انتخاب
شوقي في سبتمبر 2021 كنائب رئيس الاتحاد الدولي، ليكون أول مصري وعربي وأفريقي يشغل المنصب، وتوجه له
الجمعية التهنئة في اجتماع بتاريخ 4 نوفمبر 2021.
في ديسمبر 2017 تخاطب الجمعية وزارة التضامن لإجراء انتخابات في موعدها الطبيعي خلال 2018، فترد إدارة
عابدين بضرورة التوقف عن عمل أي انتخابات حتى صدور اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الجديد، وهو الأمر الذي طال

انتظاره طويلًا بما جعل المجلس يستمر منذ انتخابه في 2016 وحتى استكمال إجراءات توفيق أوضاع الجمعية وفق
القانون الجديد والسماح بعمل انتخابات في نهاية عام 2022.
مع نهاية 2019 تتدهور صحة رئيس الجمعية محسن ويفي بشكل سريع، جعلت البنك يرفض توقيعه على شيك أجور
العمال في بداية يناير 2020، ليجتمع المجلس ويقرر عرض الموقف على الشئون الاجتماعية للاستشارة بشأن استبدال
توقيع الرئيس في البنك مؤقتًا لتوفي الجمعية بمسؤولياتها المالية، ليأتي الرد بتوصية باختيار نائب للرئيس فيتم اختيار رشا حسني
بتاريخ 9 فبراير، وقبل أن تنفذ مهام المنصب تنطلق جائحة كورونا لتعطل نشاط الجمعية، ويتوفى خلالها محسن ويفي فلا يقام
له تكريم يستحقه بسبب القواعد الصحية الصارمة ومنع التجمعات آنذاك.
لا يعود المجلس للاجتماع إلا في 15 يوليو 2020 للتعامل مع أزمات عديدة على رأسها وفاة الرئيس بينما لا تسمح
الجهات الإدارية ولا الصحية بعقد انتخابات جديدة، ليتقرر اختيار رشا حسني لتكون الرئيس الحادي عشر وأول امرأة ترأس
الجمعية منذ تأسيسها، لتستمر حتى يومنا هذا في إدارة الجمعية في فترة اتسمت باستمرار سمات المجلس السابق لا سيما مع
تناقص عدد أعضائه الناشطين، فمالت الجهود للتواصل مع العالم الخارجي والمشاركة أنشطة الاتحاد الدولي حتى بلغ عدد
المشاركات لجان تحكيم فيبريسي حول العالم رقمًا قياسيًا يتزايد باستمرار (9 مشاركات في 2019 ثم 12 مشاركة
قابلة للزيادة في 2022)، وذلك نتيجة لتسديد التزامات الجمعية أولًا بأول ووجود سكرتير الجمعية داخل الإدارة العليا
للاتحاد، وهو امتياز بالتأكيد يسمح بحضور أكبر للنقاد المصريين.
إلا أن النشاط الداخلي عانى كثيرًا من تأثير الجائحة على كافة التجمعات، ثم من وصول قرار من رئيس المركز القومي للسينما
محمد الباسوسي يفيد بضرورة عرض أي فيلم تعرضه الجمعية على الرقابة، ولما كان هذا مخالفًا لتراث يمتد لنصف قرن من
العروض الثقافية المجانية التي لم تتعرض لأي رقابة، أرسلت الجمعية في 14 مارس 2021 خطابًا لرئيس المجلس
تستفسر منه عن السند القانوني للخطاب فلم تتلق أي رد، وعليه قرر المجلس ألا يكون أول مجلس في تاريخ الجمعية يعرض
أفلاما على الرقابة، وأعلن توقف عروض الأفلام لحين عقد جمعية عمومية وانتخاب مجلس جديد، مع اقتصار النشاط على
الندوات واللقاءات المفتوحة والمشاركات المحلية والدولية والإقليمية في المهرجانات السينمائية ولجان التحكيم.
واليوم تقف الجمعية على أعتاب انتخابات مقررة خلال نوفمبر 2022 لانتخاب مجلس إدارة جديد، قد يأتي برئيس ثاني
عشر للجمعية، مع طموحات كبيرة في أن تستعيد الجمعية حضورها المحلي كما نجحت في ترسيخ حضورها الدولي، لتحقق ولو
قليلًا من الأهداف التي تأسست من أجلها قبل نصف قرن.

 
 
 

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات