الكاتب : سامح سامي
من أجل تغيير السينما والنقد السينمائي في مصر، فالتجمعات لا تصنع النقاد أو السينمائيين، وإنما هم الذين يصنعون التجمعات كنتيجة لعملهم
وأفكارهم(*).
جمعية النقاد.. النقد في المدارس والسينما في الشوارع
سامح سامي
من أجل تغيير السينما والنقد السينمائي في مصر، فالتجمعات لا تصنع النقاد أو السينمائيين، وإنما هم الذين يصنعون التجمعات كنتيجة لعملهم
وأفكارهم(*).
(2)
ما مدى تأثير جمعية نقاد السينما المصريين في حركة النقد وصناعة السينما؟ ولماذا تتحمس "مجلة الفيلم" لإصدار عدد خاص عن تلك الجمعية؟
سأبدأ بالسؤال الثاني: تحمست مجلة الفيلم لأكثر من سبب، الأول أننا أمام كيان مهم، وله تاريخ وأدوار متعددة، الثاني أن هذا الكيان يدخل في صلب
اهتمام المجلة الخاص بمجالي النقد السينمائي وصناعة السينما المصرية، الثالث من خلال الحديث عن ذلك الكيان نتعرف على لمحة من تاريخ مصر
الثقافي والفني، الرابع هو دعم لهذه الجمعية التي تتلاقى رؤيتها وأهدافها مع جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة"، ومعها مجلة الفيلم التي
تصدر عن جزويت القاهرة من إشاعة الثقافة السينمائية، وبالتالي نهضة حقيقية للنقد السينمائي الذي يعود بالتبعية على نهضة صناعة السينما.
لكن كما هو معروف أن مجلة الفيلم "مستقلة" فلا يعني إصدار عدد خاص عنها الاحتفاء الأعمى بما نكتب عنه، لذلك ستجدون جل الموضوعات بها
لمحة تقييمية غرضها أن جمعية النقاد تقفز خطوة للأمام، فلا يصيبها الجمود أو الشللية كعادة الجمعيات المصرية الأهلية التي نخرها السوس،
فأصبحت عبئا على النقد والسينما والثقافة والمجتمع.
أما تأثير الجمعية في حركة النقد وصناعة السينما فهي تحتاج إلى نقاش موسع بعضه تجدونه بعد عدة صفحات. وخمسون عاما على التأسيس سبب
للاحتفال بالطبع. لكن هنا هي دعوة ملحة لتقييم ولتطوير جمعية نقاد السينما المصريين إذا أراد المسئولون عن ذلك الكيان المهم فعله، خاصة أنها في
مرحلة انتقالية شديدة التعقيد وبالغة الصعوبة، إذ تريد فيها القفز للأمام، وأن تكون محركا ومحفزا لحركة نقدية فعالة، فلا يجب تقليد طريق سمير فريد
أو طريقة سامي السلاموني، فالعصر مختلف، فنحن لسنا في سبعينيات القرن الماضي، وأدوات الزمن أيضا متغيرة، والظرف السياسي مرتبك.
لكن مع التأكيد أن دور الجمعية ليس خلق تيار في السينما أو إنتاج أفلام، بل الأهم من وجهة نظري كيف لعبت وتلعب الجمعية دورا في تطوير
أعضائها من النقاد، وكيف ترفع من قدراتهم ومهاراتهم، وهل كانت تفتح الباب للقدرات الشابة حتى لو لم تكن مكتملة النضوج.. أم تنتصر للخبرة؟ وما
موقفها من دعم حرية النقاد وصناع السينما، وكيف خلقت وتخلق وعيا ثقافيا وفنيا لدى الجمهور، ومن ثم للمجتمع كله؛ بحيث تصبح الجمعية غير
منغلقة على نفسها وأعضائها داخل الجدران الضيقة، إلى رحاب الشأن العام بكل أزماته وتحدياته وألاعيبه بل ومحاولة تغييره قدر المستطاع.
في حوارنا مع الأستاذ كمال رمزي المنشور في هذا العدد قال نصا:" أحد أهم أسباب بقاء الجمعية طيلة هذه السنوات هو كونها جمعية مفلسة، لم تكن
أبدًا مطمعًا لأحد. يبدو هذا غريبًا لكنها كانت ميزة أتأملها وأقول "الفقر أحسن دواء"، هذا النقص في الموارد حافظ على تماسك الجمعية، وحماها من
طمع المتطفلين".
لكن على جانب آخر مهم قال الأستاذ كمال رمزي نقطة بالغة الأهمية للجمعية، ولنا في الجزويت وهي:"لازلت أؤمن أن أحد أدوار الجمعية إلقاء
الضوء على مناطق مجهولة من السينما، سواء إعادة مناقشة أفلام قديمة أو تقديم سينما دول غير معروفة".
تلك النقطة التي قالها الأستاذ كمال رمزي تنير لديّ حلما رومانسيا ربما جمعية النقاد وغيرها تضغط على الدولة بشكل ما أن تكون السينما في
الشوارع والنقد في المدارس بشكل حر تماما. وجود الحرية الكاملة تدعيم للجمعية وللسينما وللجمهور، وبدون تلك الحرية تصبح الكيانات الأهلية
المهنية، مثل جمعية النقاد وغيرها، فارغة المحتوى يصيبها الجمود والتحجر فتموت إداريا ومهنيا، وكل فعل إنساني لا يستقيم معه "مطلقا".
(3)
"توحيد جهود النقاد من أجل بلورة اتجاهات منهجية في النقد السينمائي وصولًا إلى خلق وعي سينمائي متطور لدى المتفرج وذلك عن طريق الوسائل
التالية:
1) إصدار مطبوعات دورية وغير دورية.
2) تنظيم عروض سينمائية.
3) إقامة مؤتمرات وندوات علمية.
4) الاشتراك في مؤتمرات وندوات علمية.
5) متابعة المهرجانات الدولية.
6) منح جوائز في المهرجانات المصرية والعربية.
7) منح جوائز سنوية لأحسن الأفلام والفنانين والفنيين.
8) الاشتراك في الاتحاد العام لنقاد السينما العرب، والاتحاد الدولي للصحفيين السينمائيين (فيبريسى).
9) توثيق العلاقات مع المؤسسات المماثلة في الداخل والخارج.
10) العمل على إقامة مكتبة سينمائية متخصصة.
تلك فقرة رئيسية في دراسة منشورة من قبل للأستاذ سمير فريد نعرضها في هذا العدد، توضح رؤية وأهداف جمعية نقاد السينما المصريين في 10
نقاط، وعلى القراء والمهتمين معرفة هل تلك النقاط تم تحقيقها أم لا.. وهل تلك النقاط كافية لتخرج الجمعية خارج الأسوار؟
لكن ما المقصود بـ"توحيد جهود النقاد من أجل بلورة اتجاهات منهجية في النقد السينمائي".. وهل هذا تحقق من الأساس؟
في المائدة المستديرة التي أقامتها مجلة الفيلم والمنشورة في هذا العدد، ظللت مشغولا بمستقبل جمعية نقاد السينما المصريين في ظل تحديات كثيرة
تواجه النقد السينمائي نفسه، وكذلك تحديات صناعة السينما المصرية، وفقا لما أتصوره أنه الطريق الصحيح لها ولكل ما يدور حولها من نقد وتعليم:
وهو الحرية الكاملة في الحركة والتفكير وفي طرح الأفكار.
(4)
يعد هذا العدد الخاص عن جمعية النقاد، هو العدد الثاني المكمل لعددنا الثالث والعشرين عن النقد السينمائي، وأرجو من قراء مجلة الفيلم قراءة العددين
معا. وفائدة هذا العدد ليس فقط التعرف عن قرب لجمعية النقاد. لكن هو تفاعل القراء مع ما نطرحه هنا من موضوعات، خاصة التفاعل على أسئلة من
قبيل: أين دور جمعية النقاد في نشر الثقافة السينمائية والنقدية بين النقاد، وكيف تمد جسور التحاور والتواصل بين الأجيال.
قلت من قبل هل كل الكلام المكتوب هنا مفيد؟! هل كل الموضوعات التي تنشرها "مجلة الفيلم" وغيرها من المطبوعات أو المواقع الإلكترونية مؤثرة؟
تؤثر على منْ؟ وأين هذا التأثير؟ وهل كلام النقاد مجتمعين يؤثر على صناع السينما في مصر؟ وهل في الأساس دورهم هو التأثير على الصناع أم
على الجمهور أم على سكان الكواكب الأخرى؟ وما نوع هذا التأثير؟
وهل الناقد فاعل في الحركة الثقافية أم مجرد شخص يحلل أفلاما، ويكتب مقالة هنا ومقالا هناك؟ وهل الناقد يتوهم بأن له دورا؟ ولماذا نرى حولنا
كثيرين "جهلة" يقولون على أنفسهم إنهم نقاد؟ الجهل هنا لا يعني عدم المعرفة بقدر ما ينتجه هؤلاء من كلام فارغ بنبرة تعالٍ تصل إلى السماء. وربما
أسطوانة قديمة أو "فلاشة" حديثة تعوض وجودهم، وتغني عن موسوعيتهم الوهمية/ السطحية.
ومنْ يحتقر منْ؟ الناقد أم المخرج؟ الصحفي أم الناقد؟ والأهم لماذا يحتقر غالبية المجتمع أفرادا ومؤسسات الثقافة والفن؟ أو للدقة لماذا لا يولى كل
المجتمع دولة وحكومة اهتماما بالثقافة والتفكير والحرية والسينما؟
وعلينا معرفة لماذا لا تدعم وزارة الثقافة كيانا مثل جمعية النقاد؟ على الأقل توقف مسألة ضرورة أخذ تصريح من الرقابة لعرض الأفلام التي تقام
بالجمعية.
والدعم هنا لا يعني التبعية، فعمل الناقد وجمعيته مستقل أو يجب أن يكون مستقلا، ولا يجب الافتخار أيضا أن الجمعية فقيرة الموارد؛ لأن هذا بشكل
من الأشكال يعيق محاولات تطوير النقاد أنفسهم، ولا يحقق بشكل جاد ومستديم النقاط العشر التي ذكرها الأستاذ سمير فريد والتي ذكرتها في السطور
السابقة.
(5)
هكذا يقول الأستاذ إبراهيم العريس مدافعا عن النميمة كفعل نقدي: "أليست النميمة في أجمل وجوهها وأشدها هي غربلةٌ لعيوب الآخرين، وربما هي
محاولة لـ"إنقاذهم من العيوب"؟ و"عندما سيقول عنا البعض ونحن في عز ألفتنا وصداقتنا أننا نكاد نمضي معظم وقتنا في المهرجانات والمناسبات في
النميمة على الآخرين وربما على بعضنا بعضًا، سيضحك علي أبوشادي الذي كان يُعتبر عادة زعيم فريقنا من النمامين لا ينافسه في ذلك إلا أنا وقصي
صالح الدرويش، سيضحك ويقول: "وماله؟ ما هو النقد الحقيقي نوع من النميمة.. واللا إيه؟"
النقد السينمائي هنا هل نقدمه بوصفه نميمة خالصة أم بوصفه مسألة جادة؟ أو كيف نقدم قضية شديدة القتامة بكل مرح وخفة ظل؟ ولعل هذه النقطة
خصيصا تصطدم بكلام كبير وكثير قاله من قبل الأستاذ سامي السلاموني حول قلة عدد النقاد، وأن السينما فن محتقر في مصر، وأن ظاهرة احتقار
السينما ينفرد بها المثقف المصري فقط، مع إشارته الواضحة حول تاريخ النقد السينمائي ولماذا لا يوجد لدينا "نقاد جادون"؟!
إذن ما الذى يفعله النقاد سواء أعضاء الجمعية أو غير الأعضاء، غير أنهم مستمرون، مع قلة المقابل المادي، فى كتابة مقالات لا يقرؤها أحد، ولا
يرغب فى وجودها أحد، لا الصناعة السينمائية ولا المؤسسات السياسية والاجتماعية ولا القراء الذين تتوسل إليهم هذه الكتابات؟
أو ما الذى يفعله الناقد السينمائي - حسب أسئلة الأستاذ عصام زكريا التي ذكرها كثيرا - فى بلد نامٍ، تنهار فيه معالم السياسة والاقتصاد والتعليم
والثقافة، حيث يتحول البشر إلى طفيليات تعيش يوما بيوم على فتات ما يصل إليهم من رأسمالية تابعة، معاقة، قابعة أسفل سلم الحضارة، لا تستطيع
النهوض من كبوتها المزمنة؟
الناقد السينمائي فى مثل هذا البلد كائن غير مرغوب فيه، لا من السلطة، ولا من الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها، ولا من القائمين على صناعة
السينما، ولا القراء الذين يتوسل إليهم بكتاباته، إلا إذا كان منافقا أو موهوبا فى العلاقات العامة، يسعى إلى كسب رضاء وودِّ كل هؤلاء.
تلك الجدية التي يسخر منها كثيرون، بحجة أن الجمهور يريد "سيما"، ونقدا يتوافق مع تلك "السيما"، هي في صلب عمل جمعية النقاد لتكوين حركة
نقدية فعالة ومؤثرة لمواجهة احباطات الواقع، ولكل التجريف المعرفي والسطحية التي نعيشها.
(*) تعليق سمير فريد في دراسته عن تحركات جماعة السينما الجديدة