العالم أصبح قبيحاً وليس لدينا رفاهية إستعارة حكايات الآخرين

ثناء هاشم 25 سبتمبر 2022 السيناريو

الكاتب : ثناء هاشم


العالم أصبح قبيحاً وليس لدينا رفاهية إستعارة حكايات الآخرين
ثلاث طرق لعمل فيلم جيد هى السيناريو ثم السيناريو ثم السيناريو
السيناريو عمود الفيلم ولا يجب أن يثرثر بالأدب
سيناريو قوى مع مخرج قوى يساوى عمل خلاق
السينما فن البلاتوه والإعتماد على الشارع أفقدها خيالها الجامح
باب الحديد أفضل فيلم مصرى ورد قلبى الأسوأ
على الزرقانى أعظم كتاب السيناريو فى مصر ويليه عبد الحى أديب
أدب نجيب محفوظ تطور للأجود بعد كتابته للسينما
حوار حسن شعراوى وعزة إبراهيم
نحن نحكى حكايات، والسيناريو هو العمود الفقرى لفن الحكاية السينمائية التى تشبه الموسيقى التى تجرى فى نهر من الزمن، وتنضج على نار الشعر والخيال بهدوء. بهذة الصورة بدأت د. ثناء هاشم أستاذ السيناريو فى المعهد العالى للسينما حوارها مع مجلة الفيلم عن السيناريو وتكنيكه وفلسفته وجمالياته.
كتبت أدب وكتبت سينما، ما الفرق بين الكتابة للأدب والكتابة للسينما؟
كتبت شعر، ولى مجموعة قصصية منشورة، ونشرت قصص قصيرة فى الأهرام والدوحة. وبالفعل الكتابة للأدب مختلفة عن السينما، فالكتابة للأدب تعتمد على الكلمة المجردة وفيها يتسع الخيال. وهناك علم يعرف بعلم العلامات، وهما نوعان، العلامة الإتفاقية والعلامة الأيقونية، العلامة الإتفاقية هى الكلمة أى أن جماعة بشرية تتفق على مجموعة من الألفاظ تؤدى معنى معين والأدب يعتمد على هذا الإتفاق. أما السينما فهى كونية تعتمد على العلامة الأيقونية التى يتواصل بها العالم كله. المشكلة أن العلامة الأيقونية عقلانية عن الأدب فالأديب الذى يمارس الكتابة للأدب ثم يفكر فى الكتابة للسينما لا يعرف بسهولة العودة لكتابة الأدب مرة أخرى. وسيكون الرجوع فيه معاناة، إذ كيف سيتعامل مع الكلمة المجردة التى تحوى الخيال المقروء والمتوجهه لقارىء يتعامل مع هذا الخيال بشكل مختلف عن السينما، التى هى فن غير ديمقراطى، أى أن هذه الصورة لا تحمل إلا هذا المعنى، والمتفرج لا يرى إلا ما يحدده المخرج، والتقنيات تختلف، فعقلنة الكتابة للسينما تعوق الأديب عن الإستمرار فى الكتابة الأدبية أو العودة إليها. صحيح هو أسلوب مختلف لكنه يتسبب فى عقم تجاه الرجوع للإبداع المجرد.
هل ترين أن الكتابة السينما جنس أدبى مختلف؟ أم أنها تشبه النوتة الموسيقية؟
السيناريو هو كتابة لم تعد للقراءة وهو مختلف عن الأدب، وأى كاتب سيناريو يقاوم ذلك فإنه يقدم كتابة معيقة للدخول فى عالم الصناعة. هناك بعض الكتاب مثل محسن زايد كانوا يكتبون قطعاً أدبية، فالسيناريو عنده قطعة أدبية، ودائماً وأبداً هناك خناقات لا تنتهى عن أن هذا الفيلم ليس فيلمه. لم يكتب محسن زايد عملاً وأقر أن هذا العمل هو عمله الذى كتبه، لأنه فى الحقيقة كان يكتب بتكنيك مختلف عن نسيج السيناريو نفسه وحدوده. فالكتابة للسيناريو هى كتابة لعمل لم يعد لمتعة القراءة، وهذه مشكلة أى أديب يكتب سيناريو، أو يكتب سيناريو بشكل أدبى، لذلك نجيب محفوظ تعلم السيناريو قبل أن يقتحم مجال السينما على يد صلاح أبو سيف وشارك فى كتابة سيناريوهات مباشرة للسينما، واعتبر أن هذا علم مختلف وجديد، والمدهش أن نجيب محفوظ ما قبل العمل فى السينما يختلف عن نجيب محفوظ بعد العمل فى السينما. سنجد أن الروايات التى كتبها أونقلت له للسينما بعد الثلاث سنوات التى عمل فيها مع صلاح أبو سيف مختلفة تماماً ونقلت بجودة اقتربت من تكنيك السينما. فكل الروايات العظيمة التى كتبها قبل تلك المرحلة نقلت بجودة أقل كثيراً من رواياته التي تلت عمله بالسينما لأنها كتبت بتكنيك بعيد عن تقنية السينما.
ما الذى يفعله كاتب السيناريو حتى لا يصبح مغترباً؟
كاتب السيناريو هو الشخص الوحيد الذى لا علاقة له بموقع التصوير، فهناك ثمان فرق تعمل فى موقع التصوير ليس من بينها كاتب السيناريو. لذلك دائماً وأبداً هناك إغتراب بين كاتب السيناريو وبقية المهن التى تعمل داخل الصناعة وهى: المخرج ومهندس المناظر ومدير التصوير ومدير الإنتاج ومهندس الصوت والمونتير. ولو ظل السيناريست مغترباً فلن يكون ذلك فى صالح العمل. ولذلك فورش الكتابة التى تعطى خارج مؤسسة شاملة المناهج مثل معهد السينما تخرج دارسين ينقصهم أشياء كثيرة. فورش الكتابة خارج المعهد تدرس تقنيات الكتابة فقط ، فتجد الكاتب يتعامل مع النص مثل الصنايعى أو الترزى، يفتقد لمعارف كثيرة مكملة بالغة الأهمية، وهى التى يتم تدريسها فى المعاهد النظامية مثل معهد السينما.
ما هى المعارف المكملة التى لا تجعل كاتب السيناريو مغترباً وتجعله قادراً على كتابة نص قابل للتنفيذ وليس نص يقرأ للمتعة الشخصية؟
أن يدرس ما يعرف بالتكوين الدرامى أى يدرس المونتاج وهو ما الح عليه سيرجى ايزنشتاين فى كتابه "الإحساس الفيلمى" ، التزامن ما بين الحواس والعناصر اللونية وكيفية دراسة العناصر اللونية وفلسفتها، ولغة الفيلم، وفلسفة الزمان والمكان، وأن يكون ملما بمبادىء الفن التشكيلى والموسيقى، وعلى دراية بعلم النفس والفلسفة إلخ ، لو لم يدرس كاتب السيناريو هذه المعارف سيصبح مجرد تقنى محدود الأفق، غير ناضج، ولن تعيش موهبته طويلا أو تتنامى، ببساطة لن يصبح مفكر بالسينما، و ولو لم يعى ماهية باقى عناصر السينما وطبيعتها قد يكتب سيناريو غير قابل للتنفيذ من الأساس.
إذن المطلوب من المخرج أن يفهم جماليات الوسيط السينمائى ويتعامل معها ويدرك أنها تختلف عن جماليات الوسيط الأدبى؟
ليس فقط الجماليات إنما أيضاً فلسفة الوسيط نفسه ونسيجه المختلف. هناك سيناريوهات مكتوبة كتابة بديعة لكنها تحتاج لإعادة بناء للسينما، لأن الذى كتبها غير واع بفلسفة الوسيط وتقنياته وجمالياته ومعنى وتشكيل الزمان والمكان فى الفيلم، فالزمان والمكان ليس معناهما (نهار داخلى وليل خارجى) وفقط، وما يقال عن أن السينما فن زمانى مكانى غير دقيق، فالسينما فن زمانى لكنها إستخدمت فنون الفضاء والفنون التشكيلية فى كيفية تأسيس فضاءها. بينما الفنون التشكيلية لم تستخدم شيىء من السينما كوسيط. السينما فى جوهرها تشبه الموسيقى، حكاية تجرى فى نهر من الزمن، لكنها تستعير بعض خصائص الفنون التشكيلية،. لكن فعلياً هى ليست فن تشكيلى ولا وسيط مكانى ولا فن مكانى زمانى. فبشكل دقيق هى أنها فن زمانى، ظهرت وتمددت وتطورت ونضجت ليس واستفادت من فنون المكان لتوحى وتقترب من الواقع، لكنها تسيل في الزمن، والإحساس بالسينما وفلسفتها الجمالية السينما تميل لإحاسيس وجماليات الموسيقى أكثر من أى فن أخر.
كيف ترين علاقة الزمن بإيقاع الفيلم؟
الإيقاع وعلاقة المتفرج بالزمن فى السينما علاقة مركبة جداً، ونحن استعرنا مفهوم الإيقاع من الموسيقى، وأهمية السينما تكمن فى أنها الفن الوحيد الذى علب الزمن. الزمن لغز لا أحد استطاع حله، السينما هى فن الخلود وتحتوى أنواع مركبة من الزمن، الزمن الفيلمى (زمن العرض ساعتين) ،ثم الزمن الذى تجرى فيه الأحداث، ثم الزمن النفسى وهو شيء فى منتهى الخطورة والحساسية لصلته المباشرة بإحساس المتفرج، فكيف يتم بناء هذه الأزمنة المركبة الخارجية والأزمنة الداخلية فى العمل، ومتى نستخدم الفلاش باك والفلاش فورورد ولماذا، وكيف نقنع المتلقى المعتاد على دورة الزمن العادية أننا سنحكى حكاية مبنية زمنيا بشكل غير مرتب وغير تراتبى وعليه أن يقوم هو ببناء الزمن والحكاية في عقله.، إنه عمل غاية في التعقيد ويحتاج لتفكير وتركيز شديدين، ولو لم يستطع المتفرج التواصل مع صانع الفيلم وتتبع خطواته في الحكاية، فقد المبدع سيطرته على فيلمه وعلى المتلقى، وعندها سيفسد كل شىء.
التشكيل فى الفيلم يتم فى المكان فلابد أن للمكان أهمية أيضاً؟
أفضل أن أسميه تأسيس الفضاء في الفيلم، فمنظرين السينما الجدد الحداثيون يسمونه الفضاء وليس المكان، ويسمونه كذلك لأننا نعيد تأسيس المكان فى الفيلم حتى لو كان موجودا وجاهزا، فنفترض أنه مكان سيعاد تنظيمه وتأثيثه حتى وإن كان به أشياء موجودة، لأنه لو تم تصوير مكان جاهزوإعتمد المخرج على ما هو موجود فيه فقط سيفقد حيوية تشكيل الفضاء، وسيتحكم المكان في صانع الفيلم ويفرض شروطه على المشهد والمفروض العكس، أن يطوع المكان ليخدم الحدث، فضلا عن أن المكان يؤثر في الشخوص مثلما يؤثرون هم فيه، ونحن معتادون عندما نقدم فيلم وثائقى فإننا ننزل للشارع، فالناس لا تفهمالفرق بين الفيلم الوثائقى والفيلم الروائى سوى في مسألة حقيقية أو طبيعية الأماكن ربما أكثر من الشخصيات التي تظهر في الفيلم، أحيانا يكون هدف المخرج من ذلك أن يوحى للمتفرج بأنه يصور فى المكان الذى هو معتاد على أن يذهب إليه. وقد حدث ذلك بكثرة وبشكل مبالغ فيه فى المدرسة الواقعية الجديدة التى نزلت بالكاميرا إلى الشارع، فالسينما هى فن البلاتوه والأماكن الحقيقية والشوارع هي الإستثناء، فالإعتماد على الشارع بشكل مطلق أفقد السينما خيالها الجامح. وتأسيس الفضاء وتشكيله حتى لو له وجود ونظير حقيقى، فلابد أن نعرف كيف نتعامل معه جيولوجياً وسيميوطيقيا ونفسيا، فالمكان ليس مجرد إحداثيات، وكل مخرج سيراه بعين مختلفة، ومن الخطأ التعامل مع المكان بخشونة والإيحاء بأنه إختار هذا المكان بعين تسجيلية، وهى إحد جوانب ضعف المدرسة الطبيعية التي تتماس مع الواقعية في جوانب كثيرة ملتبسة
مدرسة محمد خان وعاطف الطيب رأت المكان بعين تسجيلية فهل هذا قلل من أهمية أفلامهم؟
فى أفلام خان والطيب إشتغلوا فعلاً بعين تسجيلية ربما لظروف التمويل وتهالك البلاتوهات، تماما مثلما اضطر الإيطاليين للنزول للشوارع وتصوير أفلامهم بعد تدمير الإستديوهات بعد الحربى العالميتين الأولى والثانية، ولقد جعلت المشاهد يرى الشوارع واليفط والمحلات التى يعرفها، وقد ابتهج المشاهدون في البداية بهذا التوثيق ثم سرعان ما بدأوا يتململون وينزعجون ويهربون من الدخول للأفلام بعمق ولا يتحمل مشاهدتها كثيراً لأنها تحكى عن جراحه وحياته بشكل مباشر وصادم ومواجه وحقيقى، ولعل جمال وبهاء السينما هو قدرتها على فتح الجراح برفق وبجماليات السينما كفن يحكى حكايات جذابة وملونة ومراوغة ومشوقة
هل ممكن تعطينا أمثلة لذلك؟
لو نظرنا لأفلام مثل الحريف، وأحلام هند وكاميليا، أو سواق الأتوبيس سنجدها تختلف عن آيس كريم فى جليم للمخرج خيرى بشارة، هنا المكان موجود وهناك أيضاً المكان موجود لكن لكى تشاهدى الحريف لابد أن تكون على درجة قصوى من الإستعداد العقلى والنفسى لتلقى الفيلم لأنه فيلم خشن رغم أنه مهم وعظيم. إذ يجب أن نكون حذرين من الخشونة، لأنه ليس كل الناس على أهبة الإستعداد لتلقى هذا النوع من السينما الجارحة جداً، وفى ظروف مجتمعية بعينها، والحل السحرى أن ندرك السينما عبقريتها في مدى استخدامها للخيال والبناء الشعرى مرحلة ناضجة جدا من مراحل السينما. الوعى بالفن بدأ مع ظهور الشعر. الناس تعتقد أن السينما الشعرية فكرة أو Style أتى لبعض الناس المرفهين عقلياً، لكن الحقيقة هى أن شعرية السينما هى الأصل وليس العكس. لأن وعى البشر بالفن تطور مع ظهور الشعر والإرتقاء بالكلمة المجردة ووضعها فى سياق عاطفى وإنسانى محبب فتطورت الأحاسيس من إنسان الكهف للإنسان المعاصر بظهور الشعر.
إذن أنت تتفقين مع آندريه بازان فى مقولته "السينما شعر"؟
طبعاً حتى لو كانت سينما واقعية ومن يعمل عكس ذلك لا يدرك جوهر السينما، بناء الفيلم في حقيقته أقرب للقصيدة وليس الرواية
لنحدد إذن مفهوم السينما الشعرية والإرتباط بين الشعر وهذا الوسيط القابل للتجريب طوال الوقت؟
هنا أريد أن أقول لماذا يكون البناء القصائدى "القصيدة" أصعب من الرواية، لأن فى القصيدة العلاقة بين الشاعر والمتفرج نديه، بمعنى أن كاتب القصيدة لا يحكى لك حكاية ويقدم فيها المشاعر جاهزة والحلول جاهزة، لكنه يعتمد على حساسية المتلقى وشراكته فى الخلوص إلى المعنى الذى يريد قوله، وربط الأجزاء التى تبدو ظاهرياً غير مترابطة معتمداً على جدارة المتلقى فى أن يصل معه إلى ما يريد.
إلى أى مدى هناك تماس بين السينما الشعرية والسيريالية؟
السينما الشعرية ظهرت أصلاً من رحم السيريالية عندما تألقت. لأن الفن السيريالى ليس تقليدياً، وحينما نراجع فيلم كلب أندلسى سنجد أن لويس بونويل بذل جهداً عظيماً ليصل إلى ما يريده، فالسينما الشعرية إستفادت من تدريب الناس على تلقى الفن السيريالى فبدأ يظهر هذا المفهوم فى روسيا وفرنسا وقوبل بالمقاومة فى البداية لأن مصدره غير واضح، هل مصدره البناء الرومانتيكى أم هو بناء قصائدى يشبه البناء القصائدى الكلاسيكى الذى كتب به شكسبير والشعراء القدماء أم ماذا بالضبط؟ فهذا المصطلح إلى الآن لم يدشن لأنه مصطلح مراوغ وغير معروف طريقة لحصر الأفلام التى تنتمى إليه. هل أعمال الموجة الفرنسية الجديدة شعرية؟ هل أعمال أمريكا اللاتينية فى الواقعية السحرية شعرية؟ لا يعرفون حتى الآن تفصيل فورم لها، وأعتقد أنه هنا تكمن أهمية هذا النوع من السينما. لكن نحن مغرمين بالمصطلحات، أول ما نتلمس ملامح مدرسة نقوم بتستيفها فى عناصر، وهذا ضد طبيعة الفن لأن المدرسة الفنية وقت ما تستقر تكون قاربت على الإنتهاء بشكلها القديم وبدأت في التطور. والمدهش فى السينما الشعرية أنه إلى الآن لا يعرف أحد وضع كتالوج لها، هل هى بناء شعرى خالص؟ ومن أين يأتي هذا البناء؟ من الكلمة أم من الصورة؟ وماذا إذن عن الأفلام الواقعية التى تنساب كقصيدة مثل سينما براديسيو؟ من يجرؤ على أن يقول أن سينما براديسيو ليس فيلما يحكى كقصيدة وينساب كالحلم؟ الخلاصة أنه لم يعد هناك نوع فيلمى بعينه لأن الأنواع تتداخل. يتداخل الواقعى مع الشعرى مع الإيروتيكى مع الموسيقى حتى يبدو الفيلم كنهر من الأحاسيس.
ما هو فهمك الخاص للسينما؟
السينما وسيط خلاق يمكننا من أن نحكى حكاية جيدة قادرة على البقاء تهم الناس بإمكانيات جديدة مستحدثه، وبشكل مشوق، العالم كله يتسابق فى تطويرالوسائط التى تحكى حكايات جذابة.، السينما قادرة على ابتلاع كل الأنواع وهضمها، لذلك فمن يعمل بالسينما ليستعرض جماليات فهو يدخل من الباب الخطأ. والذى يدخل السينما لكى يكون أديب فهو أيضاً دخل من الباب الخطأ. ومن يدخل السينما لكى يقدم إبهار تقنى فقط فهو قاصر الرؤية أيضا، السينما وظيفتها الأساسية رواية حواديت تعيش ويستطيع الناس أن يسحبوها على تجاربهم وحياتهم، أن تحملهم على التفكير والتغيير، فلب أي فن هو مايقوله عن الحياة، أن تنقل الإنسانية نقلة مختلفة لما هو أرحب وأفضل، تلك هي المتعة، وذلك هو المدخل الصحيح، والجماليات والتقنيات أدوات لكى نحكى حكاياتنا بأروع شكل ممكن، وليست هدفا في حد ذاتها
جابريل جارسيا ماركيز فى ورشته (كيف تحكى حكاية؟) التى قدمها فى كتاب (نزوة القص المباركة) قال: نحن عبارة عن حكايات وهذا هو أصل الوجود. نحن طوال الوقت ننسج حكاية أو نستشرف حكاية أو نستحضرها، جوهر الحياة هو الحكايات المتصلة،
وما هى أهمية السيناريو فى علاقته بالحكاية؟ وكيف كان تأثير نطق السينما على فن السيناريو؟
السيناريو هو العمود الفقرى الذى يعتمد عليه الفن القصصى ولو لم يوجد سيناريو لما كانت هناك حكاية. السيناريو لم يظهر كعلم عندما ظهرت السينما، دوره هو أن تحكى حكاية بوسيط قوامه الصور المتحركة، تحكى الحكاية بالصور، بشكل ناضج ومركب ومليىء بالدلالات البصرية والسمعية. فالسينما عندما بدأت لم يكن السيناريو معروف أو موجود أصلاً. كانوا يعتمدون على عمل ملخص وحدوتة قصيرة يتم تقطيعها بصرياً، ولما دخل الصوت على من قيمة الكلمة. عندما دخل الصوت للسينما ظهرت الحاجة لتعلم الكتابة للسينما التى كانت صامتة حتى الثلاثينات، وظل المخرجون الأوائل يقاومون دخول الصوت ومن بينهم تشارلى تشابلن نفسه وقال: نحن لا نريد أن نثرثر بالأدب، وقال إن الصوت حول السينما إلى وسيط مليىء بالثرثرة. الخلاصة أن دخول الصوت هو الذى ولد الحاجة لعمل السيناريو، لأن السينما أصبحت تتعامل مع وسيطين هما الكلمة والصورة. وكان من المستحيل التعامل مع الكلمة بسطحية لأن لها باع وتاريخ والمستحدث هو الصورة المتحركة، وكان السؤال هو كيف سأقرب وسيط قديم جداً له تقاليده وجذوره مع وسيط وليد لا يعرف أحد مستقبله بعد؟ ومن هنا ظهرت الحاجة إلى الإستعانة بمن يعرف تقنيات الكتابة وبدأ ظهور علم ومهنة السيناريو. ومع تطور السينما ونضجها وتحولها إلى علم من علوم الإنسانية العليا أصبح السيناريو بناء مركب جداً وله نظريات فى الكتابة إختلطت بنظريات السينما نفسها.
لكن البعض يفصل السيناريو عن نظريات السينما كجماليات وكإبداع، ما رأيك فى هذا الفصل؟
هذا خطأ شائع للأسف لكن فى رأيى أن كل شيىء يبدأ عند الكتابة، المونتاج يبدأ عند الكتابة، وفلسفة الفيلم تبدأ عند الكتابة ، ووصف وتأسيس الفضاء يبدأ عند الكتابة، والصوت والزمن وتركيبه ونوع فى الفيلم يتحدد عند الكتابة، والصياغة اللونية وتصميم شروط الصوت توحى به الكتابة، إذن السيناريو ليس مجرد وثيقة أو درافت لموضوع. الفريد هيتشكوك كان يقول هناك ثلاثة طرق لعمل فيلم عظيم هى السيناريو ثم السيناريو ثم السيناريو. وهناك معادلة شائعة ترى أن سيناريو ضعيف مع مخرج قوى يساوى فيلم متوسط، وسيناريو متوسط مع مخرج متوسط يساوى فيلم جيد، وسيناريو قوى مع مخرج ضعيف يساوى فيلم جيد لكن سيناريو قوى مع مخرج قوى يساوى عمل خلاق، فدائما لا يمكن أن يكون السيناريو ضعيف والفيلم يخرج بشكل جيد.
ما هى مواصفات السيناريو الجيد؟
هناك مراحل لكتابة السيناريو تبدأ بالفكرة وماركيز يقول: إذا لم تسطع أن تحكى حكايتك فى دقيقة ونصف فأنت لا تملك فيلمك، هو يقصد بلورة الفكرة في عقل الكاتب ووضوحها، فحينما تسأل شخص عن فيلمه ثم يقول لك أن فيلمه لا يمكن حكيه، تأكد أنه لا يملك فيلمه. والفكرة عادةتكتب فى ثلاثة أسطر ثم يأتى الملخص ويتضمن تطوير للفكرة فنحن نعمل فى صناعة ونتحرك بالكتابة على مستويات مختلفة ، ولا يوجد منتج فى العالم يقرأ السيناريو ولا حتى فى أمريكا. فمن يقرأ السيناريو هم المسئولون عن قراءة السيناريو لتفريغه وتنفيذه، لكن المنتج يقرأ الملخص الذى ينبغى أن توضع فيه الشخصيات الرئيسية والبداية والعقدة والحل، ولا يزيد الملخص عن صفحة واحدة. وبعد الملخص تأتى المعالجة الأولى، وهى سرد الشخصيات الرئيسية والثانوية، وسرد الأماكن التى يحتويها الفيلم والتعامل بشكل أكثر تفصيلاً مع الحكاية ومع تشابك العلاقات وتطور الشخصيات. والمعالجة الأولى تبدأ من خمس صفحات وقد تصل إلى 30 صفحة. هذة المعالجة هى خميرة الفيلم وغير ملزمة لكاتب السيناريو بشكل نهائي، لكنها تعطى مقترح شبه أولى لهكذا سيسير الفيلم. ثم تبدأ المعالجة الثانية التى هى تقريباً السيناريو منثور على الورق وقد تحتوى المعالجة الثانية بعض جمل الحوار المهمة. هذه المعالجة هامة وحساسة وهى التي عادة قد تسرق من الكاتب لو لم يوثقها لأنها خصوصية البناء، فالأفكار ملك للجميع لكن البناء هو الذى يخص إبداعية الكاتب، وإذا لم يوثقه، وحدث سطو عليه يمكنه أن يقول الكاتب لقد سرق فيلمى. ولا تذهب لأى منتج إلا إذا سجلها الكاتب بإسمه، فنحن نسجل الحبكة والبناء لا الأفكار. الفكرة ملك للجميع لكن البناء ملك الذى أنشأه وصممه. بعد ذلك يأتى السيناريو بشكله الإحترافى المكتوب بالشكل العمودى حافلا بالوصف بتقنية الوصف الدقيق للمكان وظهور الشخصيات ورسمها. والمعالجة عادة يقرأها الجميع قبل السيناريو النهائي، وينبغى أن يتحلى الكاتب بالمرونة الكافية ليدرك مناطق القصور أو الغموض من المناقشات ماقبل الكتابة النهائية مع المحافظة على روح عمله وأصليته، ويدرك أنه قد يظل طوال الوقت قابل لتطوير الأفكار والشخصيات تبعا لظروف صناعة معقدة بم لا يخل بجوهر فيلمه بالطبع، كما ينبغى أن يدرك السيناريست حدوده فى الكتابة، بحيث لا يتغول على ابداع الأخرين، ثم يبدأ رسمه للشخصيات بدقة والتأسيس للمكان وملابس الممثلين وإكسسواراتهم التى تكون الشكل المادى للشخصية. ويعطى نبذات عن التاريخ الإجتماعى والنفسى للشخصيات داخل السيناريو لأن السيناريو يصبح أشبه بالوثيقة التفصيلية، وعندما يقرأه أي من فريق العمل يتشبع بالحكاية وتفاصيلها ويتمكن من العمل بشكل صحيح وخلاق ، إذ يجب أن تكون المعلومات المكتوبة دقيقة بجانب البناء الفكرى والجمالى ولا يضطر أحدهم لأن يسأل مثلاً عن سن البطل أو تركيبته النفسية أو الاجتماعية أو ماهية المكان مثلا ،أو أى تفصيلة أخرى غائبة قد تضلل أو تشكل غموضا معيبا في الحكاية، بقدر الإمكان العالم بشخوصه وتفاصيله يجب أن تكون متضمنة فى السيناريو. وينبغى أن ينفصل كاتب السيناريو عن السيناريو عند تسليمه فيلمه وبدأ التصوير، سينفصل نظرياً، لكن عملياً سيستدعى إذا كان هناك شيىء غير واضح. لكن عند بدء التصوير يبدأ إبداع جديد على إبداع سابق
هل من حق المخرج عدم الإلتزام بالسيناريو؟
المخرج من حقه أن يفعل ما يشاء فى حدود الحفاظ على جوهر الحكاية، وفلسفة الفيلم ، المخرج هو "رب" العمل الحقيقى والمسؤول مسؤولية نهائية عن الفيلم، الذى يحمل جنسية مخرجه أيضا، وكاتب السيناريو رغم أهمية عمله عليه أن يدرك أن الإخراج إبداع ثان على إبداع أول، فالمخرج هو المسئول عن نقل هذة الحكاية المنثورة على الورق لهذا الوسيط المعقد. وهو الذى يقرر كيف ستظهر الشخصيات وكيف سيبث فيها الحياة، وكيف سيؤسس للمكان مرتكزا على ما أوحى به الكاتب، وكيف سيصمم الباليت اللونى للفيلم مع مدير التصوير ومهندس الديكور، ولو المخرج وكاتب السيناريو على درجة عالية من التقارب سيكون العمل أكثر تماسكا والقراءة والفهم سيكونان أفضل وأعمق وسيخرج السيناريو بشكل خلاق. والمخرج الواعى بتقنيات الكتابة يمكنه أن يكتشف نقاط ضعيفة فى الورق وليس بالضرورة أن يكون كاتبا ولكنه يصبح قادر على أن يشير لمناطق الضعف وقد يقترح اقتراحات مهمة تطور وتجود، وهذا الوعى مهم جدا، وقد ينحى المخرج أحيانا بالفيلم منحى بعيد عن روح الكاتب، مثلما حدث في فيلم Shining للمخرج ستانلى كوبريك المأخوذ عن رواية "البريق" لستيفن كينج الذى شارك فى كتابة السيناريو مع ستانلى كوبريك وكاتب السيناريو المعروف ديانى جونسون، وقتها قال كينج: هذا ليس فيلمى والبناء الذى أضافه كوبريك أساء للفيلم، سبب ذلك أن كوبريك عمل بمعايير مختلفة جراء علاقة بين المؤلف والمخرج لم تكن توافقية دائماً، فأحياناً يكون هناك بعض التناقض في المنهجية والرؤى، الكاتب يسير فى إتجاه والمخرج قد يكون له رأى أخر. وعادة ما يكون كتاب السيناريو حالمين، فى حين يكون المخرج تكون له حسابات أخرى، وليس بالضرورة أن تكون جمالية أو فلسفية، قد تكون تجارية، وقد تكون مقصودة أو غير مقصودة تعود لفكر المخرج وأسلوبه، والحقيقة أن كل من شاهدوا الفيلم شعروا أن به شيئاً مزعجاً، لأن البنية النفسية توارت كثيراً أمام شكل الجريمة الذى خرج فيه الفيلم، فكوبريك عمل توليفة أخذت الفيلم إلى منطقة أخرى وهذا وارد ولكنه حق للمخرج. ففى النهاية المخرج هو المسئول مسئولية مطلقة عن هذا المنتج وهناك تعبير يقول: "إذا ما عرض الفيلم مات السيناريو" ،وأصبح ما يعرض هو السيناريو الحقيقى والباقى سواء رضى الكاتب أم لم يرضى فهذه بروتوكولات وتقاليد المهنة.
ما رأيك فى إن عباس كياروستامى لم يكن يكتب من أفلامه سوى عشر صفحات ثم يبدأ فى التصوير وأندريه تاركوفسكى كان يرى أن السيناريو حتى فى أثناء تصويره هو مجرد مسودة قابلة للتعديل أثناء التصوير؟
جان لوك جودار قال أن السينما بدأت عند جريفيث وإنتهت عند كياروستامى، كياروستامى لغز كبير فى خريطة المخرجين، فأفلامه تصنف ضمن سينما المؤلف التى اجتاحت السينما نتيجة أن الكاتب والمخرج إتحدوا فى كيان واحد وقرر بعض المخرجين أنهم سيكتبوا أفلامهم، وسيحكوا ضمنياً للمتفرج المتلصص الذى يحاول معرفة شخصية المبدع فى الفيلم. فالمخرج يقول له أنا سأعلن لك عن شخصيتى لأن لدى ما أقوله لك بنفسى ولن أستعين بحكايات الآخرين: العالم أصبح قبيحاً وليس لدينا رفاهية إستعارة حكايات الآخرين، ومن هنا ظهرت فكرة سينما المؤلف، وهى لا تعنى بالضرورة أن المخرج هو الذى كتب السيناريو ولكنه قد يعلن عن أن هذا هو أنا، مثل أفلام أسامة فوزى التى تصنف نظرياً فى إطار سينما المؤلف، فهو دائماً يحكى عن ذاته ولكنه يستعير قلم مؤلف أخر يشاركه ذات التجربة. وكياروستامى استفاد من المدرسة الطبيعية فى أفلامه والتى كان لها مفهوم تقليدى مستقر فى فترة من الفترات. والمدرسة الطبيعية هى التى عمل فى إطارها صلاح أبو سيف في أغلب أفلامه ومحمد خان وهى تختلف عن المدرسة الواقعية، في قصدية البناء الواضحة للواقع في ذهن المبدع، أما كياروستامى فقد عمل توليفة من البنية الشعرية، وفى إطار جنس أدبى إسمه الرحلة، أو كما يسمى في السينما فيلم الطريق، والرحلة هى أم الحكايات العربية وعميقة جداً فى ثقافتنا الشرقية عن الغرب ولها تقاليد وهى تعتمد على شيئين هما المجهول ثم التواصل ثم الكشف، أنا أخوض رحلة لكى أكتشف حقيقة ما، فلو كتب سيناريو محكم سيفقد بكارة الرحلة وسيفقد مصداقيته مع ذاته. كيف يمكنه أن يكتب سيناريو لفيلم "أين منزل صديقى" لو كتب سيناريو بشكل تقليدى فى رحلة كشف سيفقد مصداقيته مع نفسه ومع من يعمل معه ومع أفكاره. لذلك هو يكتب جوهر الحكاية ثم يدع الرحلة تخطط الفيلم وهذا فعل مراوغ وذكى وليس بناء اعتباطي، هى خطة فى عقل كياروستامى فيظن البعض أن الفيلم مرتجل وهذا غير صحيح. تابع أى حوار فى أفلامه وستجد أن له تقنيات منها أنه يعتمد على البناء الصحفى فى الصورة بمعنى أن معظم لقطاته متوسطة كأن البطل فى لقاء صحفى، ويعتمد على الفعل ورد الفعل، وفى لقطاته الطويلة يتدخل المونتاج بشكل نادر، وهذة التقنية لا تتفق مع السيناريو المكتوب بإحكام. وهو بذلك يعطى نفسه مساحة للكشف وهذا فعل إستثنائى والسينما مليئة بالتجارب، فالنظريات خلقت للكسر وليس للإتباع المطلق، هو لديه مخطط ذكى ولئيم فيعطيك إحساس بالكشف والبكارة وقد نظن أنه يترك الفيلم بلا حل لكن الحل يكمن فى جوهر الرحلة فتتشكل النهاية، إنه يجعل المتفرج يفكر لأنه بالفعل لا يقصد نهاية بعينها، إنه يضع المتفرج على الطريق ويفتح أمامه الأفق، هو لا يقصد أن يجد الطفل بيت صديقه بالضبط، إنما يقصد أن يستعرض الحياة فى معرض الرحلة، فيوهم المتفرج أنه إنطلق للبحث عن الطفل، لكنه فى الحقيقة سحبنا بهدوء لطريق أخر ومسار مختلف، يسير وراءه المتفرج مسحورا ثم يتركه على رأس طريق وقد يتركه على مفترق طرق، ويحمله على أن يقرر هو مساره، بعد أن يكون سلحه طوال الفيلم بما يعينه على اختيار ماهو صحيح، إنها لعبة خطرة لا يجيدها إلا من هم في وعى كيروستامى وصنعته، سيدرك المتفرج وحده أن التساؤل الأول في الفيلم هل سيجد الطفل بيت صديقه ليعيد له كراسته ليس هو المهم؟ القيمة في الرحلة، فى الطريقة التي حكى بها الحكاية، وليس فى النهاية لذلك فهو من أذكى المخرجين الذين شهدتهم السينما منذ نشأتها وأكثرهم تركيباً فى العقل، فهو غير بسيط على الإطلاق، إنه يؤمن أن أغلب الأمانى خادعة ومراوغة. أغلب أفلامه تبدأ بتفصيلة بسيطة لكنها تتطور لأمر مرعب فى التأثير فلا نعلم أين نحن من هذا الفيلم أو ذاك، إننا طوال الوقت نرى أنفسنا في كل أبطاله ، حتى الأطفال منهم، يظل يلح ويلح برقة إلى أن يصل إلى ما يريده. وتتعجبى من كل هذه البساطة في سينماه، إنه بسيط لحد الإعجاز، فجدارة المخرج العظيم فى بساطة طرحه، وكلما كان الفيلم مركباً غامضا كلما فقد المخرج الكثير من تأججه وقدرته على النفاذ للناس، السينما تختلف عن الرواية ففى السينما نحن نتوجه لقاعة فيها بشر لا نعلم أى نوع من الثقافة والفن تلقوه، بل بالعكس هى أبسط وسيلة للتلقى لأن هذا المتلقى ليس من المفترض أنه يجيد القراءة والكتابة، حتى دوبلاج الأفلام يتم لأن هناك أناس لا تستطيع القراءة ولأن السينما فن شعبى أى أنه من الخطر جداً فصل المتفرج المثقف عن المتفرج غير المثقف، يجب أن يصمم الفيلم بمستويات من التلقى بقدر الإمكان
د. سلمى مبارك قالت ملاحظة غريبة جداً وهى أن دبلومات النقد خلقت من أجل المتلقى، حتى أخلق متلقى مثقف يكون قادر على فهم الأفلام المثقفة، وفى الحقيقة هذا خطر جداً وهذا الطرح أزعجنى لأن التعامل بهذا الشكل فى منتهى الخطورة. فالمخرج الذى لا يستطيع الوصول للعالم فى القاعة وللشخص بسيط التعلم والفكر بنفس الجدارة هو مخرج قاصر. فأنا لا أنتقى المتفرج، لكن فى الرواية أنتقى القارىء، ومخرج الفيلم عليه أن يردد دائماً: المتفرجون كلهم أطفال.
ما هو السيناريو الذى تعتبريه الأسوأ؟
فى أى مرحلة إن لدينا الكثير من الأفلام السيئة. فى السينما المصرية بدون تردد هو "رد قلبى" أعتبره أسوأ سيناريو على الإطلاق، لأنه حمل من السذاجة والمباشرة والتعنت العاطفى والمجتمعى ما جعل المتفرج يبتلع كم من الترهات فى إطار عظيم، وهو الترويج لحدث جلل هو ثورة يوليو التى غيرت شكل الحكم فى مصر. بمعنى أنه إذا كانت ثورة 1919 غيرت شكل الهوية من تابعين للدولة العثمانية إلى مواطنين مصريين لديهم هوية، فإن ثورة يوليو برغم كل تحفظاتنا عليها غيرت شكل الحكم. فكيف تصنع فيلماً بهذة السذاجة والمباشرة. أنت لا تدرى ماذا فعلت بالثورة لقد إختصرت الأمر فى أن الثورة قامت بتزويج الطبقات، وكأن كل عمل الثورة هو أن تزوج الضباط من الأميرات "إشتغلت مأذون" . السينما تبنت الثورة فى أكثر أشكالها تخلفاً ولم يسىء فيلم لفكرة كبيرة فى تاريخ السينما مثل رد قلبى.
وما هو أفضل سيناريو فيلم فى السينما المصرية من وجهة نظرك؟
باب الحديد هو درة السينما المصرية ويقف على قمة هرمها وهو أهم من المومياء على مستويات كثيرة من وجهة نظرى
ومن أعظم وأهم كتاب السيناريو؟
على الزرقانى هو شيخ كتاب السينما وهناك مصطلح إسمه "كاتب مخضرم" والمخضرم فى اللغة ليس معناه العظيم لكن الذى عاش فترات، وعلى الزرقانى هو كاتب مخضرم وعظيم ومن أذكى الكتاب وأكثرهم جدارة فى تاريخ السينما، ويليه عبد الحى أديب الذى كتب باب الحديد. ومن المعاصرين داوود عبد السيد فهو النموذج المثالى لكاتب السيناريو، يليه محسن زايد الذى يعتبر الأكثر موهبة، ووحيد حامد الذى امتلك الحرفة من أوسع أبوابها، وبالنسبة للشباب فإن منتجهم مراوغ لأنهم يدخلون ورش جماعية، وهنا أريد أن أفرق بين الكاتب الحقيقى والكاتب النجم، لأن النجومية شيىء والأهمية شيىء، فعلى مستوى الأهمية هناك أحمد عبد الله وهالة خليل رغم ما يوجه لهما من إنتقادات.
لازالت الدراما تشوه صورة المرأة لماذا لا توجد كاتبات كثيرات يقدمن الصورة بشكل متوازن؟
فى وسام سليمان، لكن كتابتها تتسم بشيىء من الطفولة المفرطة والسينما لا يجب كتابتها بقلم الطفل. أتألم كثيراً من تناول قضايا مهمة بعقل طفل ساذج يلهو، فذلك يفقدها معنى الطرح ويفقد الفيلم قدرته على البقاء، الطفل يكبر لكن الفيلم لا يكبر. ينبغى أن يكون الكاتب جرئ فى الطرح والبناء ورسم الشخصيات وعمق الفكرة وليس لديه عقل طفل. وهناك فرق بين الروح والعقل فالكاتب الذى يفقد روح الطفل يكتب سينما قميئة ومزعجة، المقصود أن يحتفظ بروح الطفل لكن يدع عقله ينمو ويلمع. فعندما نتفرج على فيلم مثل "أحلام هند وكامليليا" رغم أنه نسوى وخلاق وطرح القضية بشكل ناضج يستحيل أن نصنفه كفيلم نسوى لأن النساء جزء من العالم وليسوا كل العالم، فعندما نقتطع قضاياهم سيفقد العالم إهتمامه بها. خان وضعهم فى سياق ناضج وجعلهم أبطال رغم المخاطرة فى وضع شخصيات مهمشة كأبطال، أحمد ذكى فى الفيلم كومبارس تقريباً دوره مساعد. خاطر خان ونجح بنضج الطرح وحساسيته التى جعلت الفيلم باق. وجعل عايدة رياض ونجلاء فتحى فى مباراة رائعة رغم أن هاتين الشخصيتين إستقرتا عند المتفرج بشكل آخر في أفلامهم السابقة، لكنه قدمهما بشكل متناقض، خان هو الذى كتب السيناريو فوضعهما على موقد الصهر لحد أنه جعل المتفرج ينسى تاريخ نجلاء فتحى. صناعة النجم خطر جداً فالمتفرج يتدرب على تلقيه بشكل معين، فعندما يقدم بشكل جديد تمثل هذا مخاطرة حقيقية للممثل والمخرج والفيلم برمته، والمخرج الذى يقوم بذلك لابد أن يكون عنده جدارة وشجاعة، ويجد منتج شجاع أيضا، المتفرج قاسى ويقوم أحيانا بذبح الفيلم تماما كالمتفرج القديم بدائى التلقى برغم مرور كل هذه السنوات من الصناعة والفرجة، فالمتفرج ذبح فيلم عظيم وأعرض عن باب الحديد لأنه لم يجد فريد شوقى الذى يحبه وإعتاد عليه، هذا المتفرج البدائى أعتقد أنه تغير لأسباب عديدة أهمها الإنفتاح على العالم عن طريق الإنترنت واتساع نطاق الفرجة، والمخرج يراهن على خبرة التلقى الجديدة. انتبه أيزنشتين بشكل مبكر جداً لسيكلوجية التلقى وهو المنظر الذى وضع نظريات مستفيضه في السينما، وليست جدارته فى انه منظر وواضع لنظريات عظيمة فحسب، إنما لأنه أول من إنتبه لفلسفة ومخططات التلقى، وكيفية التلاعب بها والتأثير عن طريقها ليصبح المتفرج شريك فى الإستنتاج والتوقع وتكوين الرؤى، لا مجرد تلميذ أمام المخرج المعلم، فيصبح فى الفيلم شيىء تفاعلى ما بين المتفرج الخامل والمخرج. وكلما كان الفيلم خلاقا كلما خاطب متفرج منتبه يفكر وليس خاملا بليدا والمتفرج الفاعل يكون فى منتهى الأهمية بالنسبة للفيلم ونجاحه، والكتابة الجيدة تعتمدت على المتفرج الإيجابى وتحترم ذكاءه، وهذه التبادلية الفعالة جزء من بناء التشويق، كأن يعلم المتفرج معلومة لا يعلمها البطل فيظل شريك يريد أن يقفز على الشاشة لينبه البطل. هناك مساحة لتقدير خبرة المتلقى التى ربما تفوق خبرة صانع الفيلم، فهو قد شاهد عشرات الأفلام وربما يكون صانع الفيلم شاهد أفلام أقل منه. المشاهد عنده مخزون يلعب عليه صانع الفيلم، فنحن نعلم قاعدة أن المتفرج يسبق الأبطال للأماكن وإذا لم يأتى البطل يحاكمه لأنه لابد أن يبرر عدم مجيئه فهو يسبق البطل ويجلس فى إنتظاره. وهذة هى فكرة إختزال الأزمنة الضعيفة التى يقفز عليها المتفرج فكيف يوقف المخرج الزمن القوى فى الطريق. إذا البطل حمل الحقيبة وقال أنه ذاهب للعمل فالمتفرج يذهب للعمل قبله وينتظره. فالمتفرج يتوقع الأشياء ولو لم تحدث لابد أن تعطيه مبرر. هناك كتاب ومخرجين يخلفون توقعات المتفرجين ذلك كنوع من الإثارة المجانية ، لكنها تجعل المتفرج يفقد الثقة في الفيلم وصانعه، فهذه الألاعيب المجانية أخطر شيىء يمكن أن يحدث بين صانع العمل والمتلقى فهناك عقد بينهما نصه: أننى سأصدقك ولا مجال هنا للكذب.
كيف تقييمين طرق تعليم السيناريو فى مصر فى المعهد والورش المتخصصة؟
فى حالة فوضى فى تعليم السيناريو حدثت مع سهولة التعامل مع التقنيات السينمائية لأنه حينما كانت السينما تتعامل مع تقنيات معقدة كان الإجتراء على صناعة الأفلام أقل وليس سهلاً الإنضمام إلى قافلة صناعها. لكن التكنولوجيا كما سهلت أشياء فإنها أفسدت أشياء وهذا تطور حتمى فى تعليم السينما، فالتعليم تطور بتطور الصناعة والسينما أصبحت علم يحمل فى طياته علوم أخرى، ولم تعد هى الوسيط القديم الذى كان يتعامل مع حكاية بسيطة لها علاقة بحكى الصور. هذا التطور كان لابد أن يصحبه تطور فى تعليم السينما. والحقيقة أن مناهج معهد السينما فى مصر صممت على غرار معهد السينما السوفيتى بسبب أن معظم أساتذته سافروا لروسيا. وطبيعة المعهد بهذا النظام لا يخلق صانع أفلام تقنى فقط لكنه يخلق صانع أفلام مثقف وموسوعى ونموذجى ولديه فلسفة وموقف واسع من الحياة. فالطالب يدرس فلسفة وعلم نفس وجمال وفن تشكيلى وموسيقى ونظريات فيلم ومناهج بحث وفولكلور وأساطير. هذة الأنواع من المعارف شديدة الأهمية لتكوين صانع أفلام مهم وليس مجرد تقنى. ولأن السينما موضة إجتاحت العالم ففى بعض الأماكن هناك راغبين كثر يريدون أن يلتحقوا بقافلة صناع الأفلام سواء من باب الوجاهة أو تزجية أوقات الفراغ أو من باب الرغبة فى أن لديهم حكايات يريدون أن يحكوها للبشر. أعتقد أن أهم شيىء فى الإقبال على صناعة الأفلام هو أن الناس تعرف أن لديها حكايات كثيرة وتشعر بالوحدة والسينما وسيلة للحكى والتقارب بين الغرباء بشكل لا مثيل له وهذة الرغبة تجعل كثيرون يقولون: سأصنع فيلماً بأى كاميرا وأحكى لكم حكاياتى، وهذا فى رأيى هو ما جعل طوفان من الناس يتجه لصناعة الأفلام.
وبالنسبة للورش الخاصة كيف تقيمينها؟
السبب فيها هو أنه خرجت كتب عن السينما أشبه بكتب الطهى الموجهه لربات البيوت وملأت الأسواق العربية، كذلك التيسيرات التى اتاحتها كاميرات الديجيتال سهلت أمر الصناعة لكثيرين. أعتقد أنها ظاهرة صحية أن تنتشر أماكن تعليم السينما بعيداً عن الأكاديمية. هذة ظاهرة صحية لأنه لا يوجد فى العالم مكان يحتكر علم إلا فى مصر، هذا الإحتكار فى منتهى الخطورة لأن المعهد لن يستوعب كل هؤلاء الراغبين فى أن يحكوا حكاياتهم ويصنعون أفلامهم. المشكلة فقط فى طريقة إدارة هذة الورش التى ينبغى أن تضم بعض المعارف التى تقوى عضم صانع الفيلم لأن الموهبة وحدها لا تكفى، لدينا موهوبين كثيرين والسؤال كيف تضع هذا الموهوب في بيئة تمكنه من نمو غير محدود، لتكون لديه القدرة على إستكمال التعلم الذاتى لأن السينما فن لا يتوقف لأنه مرتبط بالتكنولوجيا التى لا تتوقف عن النمو. والمعاهد التى تعطى هذا الكم الغزير من المعارف قد تجعل الطالب يصاب بتخمة معرفية فيتوقف عن التعلم. كم من العلوم تصبح فى وقت ما عبء على نموه كصانع للأفلام فيصاب بتخمه لفترة تعوقه عن مواصلة التعلم. وهذا ما يفعله الأمريكان بجدارة أن يعطيك فقط مفاتيح الأشياء فتظل خفيف وتواصل التعلم. المعاهد المصرية والروسية تجعل الطالب يصاب بتخمة برغم أهمية مايدرس وإلى أن يقوم بهضمها وتمثيلها يكون مر عمر، وفاته أشياء كثيرة فيتراجع. لأنه يصبح مثقلا لا يعرف كيف يتحرك فى السوق ولا قادر على مواصلة التعلم. فلابد أن يحدث توازن بين طبيعة الورش السيارة التى تدرس التقنيات الخفيفة التى تجعل المتعلم مكتفيا بالصنعة وقادر على العمل بسرعة وبين مناهج الأكاديميات النظامية المثقلة البعيدة عن السوق، حتى لا نصل لمرحلة ان يتجاوز من درس شهرين من ظل يتعلم لأربع سنوات داخل التعليم النظامى، فيفقد التثقيف والتكوين الأكاديمى جدارته، وتجعل الأكاديمى نفسه قادر على التطور، وليس مجرد دارس يظل يبتلع النظريات ويتحوصل حولها ويكتفى بالنظر للعالم بتعال وتأفف
ملك الترسو فريد شوقى كان يسأل عن كاتب سيناريو الفيلم قبل أن يوافق عليه، هل هو أكاديمى أم من قهوة بعرة ويرفض أن يتعامل مع الأكاديمين كيف ترين ذلك؟
طبعاً يرفضه لأنه لن يكون قادر على النقاش مع الأكاديمى لأنه يعتبره شخص متكلف. أحياناً الطلبة بعد تخرجهم ينظرون لأى شخص يعمل فى السوق بأنه غير جدير بالتعاون معهم أو مناقشتهم وهذا خطر. فدراسة أربعة سنوات فى عمر قد يتسع لثمانين عاماً لا يجب أن تجعل نظرتك متعاليه وتصنع هذة المشكلة بين الهواة والأكاديمين. بعض الدارسين يتكلسون لأنهم لا يعتبرون الثقافة عتبة لأشياء أخرى بل يعتبرونها كل شيىء. إن ما ندرسه مجرد مفاتيح ومن الممكن أن تاتى نظريات أخرى تضحد كل ما عرفناه. ومن يقول للطالب أن كلامه هو أخر كلام فإنه يضلله وهذا ما يحدث فى المعاهد الأكاديمية القديمة، لكنه لا يحدث فى الأكاديميات الجديدة لأن فيها مساحة للتطور وتبادل الخبرات والنقاش الحر. فهناك دائماً باب مفتوح وطرق جديدة لا نعلم مداها، نحن فى المعاهد القديمة لا نفتح هذا الباب فنخيفهم من العالم وهذا سبب عدم قدرتهم على التعامل مع العاملين فى السوق.العالم مليىء بالتنوع وبكل أنواع السينما لكننا فى مصر لا نعرف كيف نكون فكرة طبيعية عن السينما لأن الوضع غير طبيعى فهل معايير السوق هى الحقيقة أم تحكمنا أشياء أخرى؟
السينما الأمريكية غزت العالم بينما الأوروبية ظلت للصفوة؟ كيف تفسرين ذلك؟
السينما الأمريكية صناعة ضخمة وجزء من الرأسمالية. الأمريكان لا يتعاملون مع السينما فقط على أنها مجرد صناعة انها إحدى طرق الغزو والسيطرة، بعد الحرب العالمية الثانية تغيرت خريطة العالم وأصبحت أمريكا تتعامل على أنها منتصرة وسيدة العالم فى كل شيىء. السينما إختراع فرنسى لكن الذى حولها لصناعة هم الأمريكان فبعد 12 سنة من ظهروها إنتقلت هويتها إلى أمريكا وصنع الأمريكان شكلها الحالى فهم أسياد هذا الفن شئنا أم أبينا. ومع دخولها فى الرأسمالية الضخمة كان الأوروبيون حالمين أكثر فوجدنا شاعراً مثل بودلير يرفض هذا النظام الرأسمالى الذى فرضته أمريكا على العالم، ووزع دواوينه بيده لكى لا يبيعها، وإعتبر أن توزيع كتبه وفقاً لشروط السوق إهانة لما يكتب، وقال: هذا الشعر تنزفه روحى فكيف أتقاضى عنه مال؟ ويحكمه البيع والشراء والسوق والمستهلك؟ وظلت السينما الأوروبية محتفظة بهذا الفكر الرومانتيكى نحو ترويج الفن وتسويقه. بينما السينما الأمريكية ليست لديها هذة المشاعر فهى تخص أصحاب الحضارات القديمة فقط، لكن الأمريكان لديهم شيىء مهم هو المنظومة، فليست كل أفلامهم تجارية، بل إن أفلامهم التجارية تنفق على أفلامهم غير التجارية. ثم أن العالم كله يتعاطى الأفلام الأمريكية لأن لديهم توليفة سهلة التعاطى بينما الأوروبيون فلاسفة والفلسفة تحتاج لوقت للهضم، ولكى تشاهد أفلاماً أوروبية لابد أن تكون لديك الحدود الدنيا من القدرة على تلقى جماليات اللغة ومنتوج الحضارة الفكرى، لكن الأمريكان تخلصوا من ذلك وصنعوا سينما تروق للعالم كله وسهلة التلقى مثل الهامبورجر لا يحتاج إلى طقس ولا فلسفة ولا معرفة تعوق المشاهد، كما أنه يعطيه مفاتيح التلقى حتى لو يعرض نمط مغاير مثل نمط الكاوبوى ستجد نفسك تفهمه دون أن يوحى بثقافته فهى سهلة والإنسان مفطور على السهولة، وبرغم هذا السينما الأوروبية أقرب لنا فهى توارب لنا الباب لكى نتمكن من الإقتراب منها عكس السينما الأمريكية بعيدة المنال
هل ممكن تعطينا أمثلة على ذلك؟
عندما عالج الأمريكان رواية البؤساء لفيكتور هوجو، وهى ليست مجرد رواية لكنها تعبير عن حضارة فى فترة معينة إبتعدت السينما عن كل ما هو عميق ومركب. ويظهر ذكاء الأمريكان أيضاً فى أفلام الويسترن المليئة بالقيم المطلقة التى جعلت الناس تتعلق بهذا النوع من السينما وهى قيم لا تخص ثقافة معينة لكن جميعها ضمن الأربعة عشرة فكرة الكونية التى تخص العالم كله مثل الصداقة والأمومة والحب والخيانة .. إلخ. عملوا على هذه الأفكار على عكس الأوروبيين الذين تناولوا أفكاراً فريدة كما فى فيلم "زوج الحلاقة" الذى إذا لم تكن على مستوى معين من الليبرالية والعمق والفلسفى فلن تحبه أو لن تفهم مغزاه العميق لأنه فكر متفتح حر، ما هذة المرأة التى قررت أن تنتحر فى أوج لحظات الحب قبل أن يخفت وهج الوجود داخلها وتدخل إلى العوالم الرمادية ، يحتاج الفيلم لمستوى تلقى مختلف. بينما العمل على الأفكار الكونية الكبرى العامة لا يحتاج لتأمل وهذا ذكاء مفرط وعقلية تجارية لا يجيدها سوى الأمريكان ولا عجب من إنتشار السينما الأمريكية بهذا الشكل وقضائها على السينمات النوعية الأخرى كاللاتينية والأوروبية وغيرهما. فالسينمات الأخرى تحتاج لمشاهد غير عادى قادر على تلقيها. الأمريكان يعتمدون كما قلنا نظرية كلهم أبنائى ويخلصون لها.
فى رأيك ما الفرق بين كاتبى سيناريو مثل وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة؟
وحيد حامد سيناريست مهم جداً وربما أهم من أسامة أنور عكاشة الذى أعتبره ذاتى وتعوقه الأيدولوجية المفرطة، وفى تعليم الفن لابد أن تعطى براح للطالب لكى يتعلم ويبدع. عكاشة أيدولوجى والسينما ليست مجالاً مفرطاً للأيدولوجيات المتعسفة، ولا يجب أن تقحم عليها الفلسفة، الفلسفة يجب أن تنمو من داخلها وهذا ذكاء وحيد حامد الذى أعتبره من كتاب السيناريو المهمين وهو من دشن لمفهوم الفيلم السياسى بشكل واضح وحديث، لكن طبيعة الجدل الذى دار بشكل شعبوى حول أفلامه السياسية وأهدافها وطريقة طرحه لأفكاره أساءت لموهبته لكنه سيظل أسطى ومعلم كتابة، والفيلم يتشكل فى رأسه مشهد بعد مشهد ثم يبدأ فى الكتابة فينتظم الفيلم. كانت لديه مهارات وكان متصعلقاً رغم أنه عاش عمرا طويلا نجم . أسامة أنور عكاشة كان العكس يبدو متصعلقاً لكن رأسه وتركيبة عقله لا تقبل التماهى سوى مع الصفوة أو من يتطابقون معه فكريا، وحيد حامد كان متسكع حقيقى وشخص عطاء وحى الروح وكذلك شخوصه نسجها بهذه الحيوية وخفة الروح، لقد كان وحيد خفيف الظل بشكل عفوى لا يصدق وكاتب السيناريو لابد أن يكون خفيف الظل حتى لو كان يكتب التراجيديا. عكاشة كاتب كبير لكنه كان متجهما حادا وذاتيا، وهو ما كان منعكسا في شخوصه التي كان يصيغها نسخا منه تتحدث بلسان واحد وهو لسانه هو مهما كانت مرجعيتها وكينونتها وهو عيب خطير في الكتابة، عدم القدرة على فصل ذات المبدع عن شخوصه

 
 
 

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات