"الصورة تساوي ألف كلمة" السرد عن طريق الصورة

سارة عابدين 24 سبتمبر 2022 السيناريو

الكاتب : سارة عابدين


على مر القرون اجتمع الناس حول النيران أو في ساحات المدن، أو حتى في جلسات الأصدقاء والجلسات العائلية وأصبحت تلك التجمعات مركزا لتشكيل الثقافات والمجتمعات، ومع التقدم التكنولوجي تراجع فن السرد القصصي بسبب صعود التقنيات المختلفة. يمكن القول أن طريقة السرد اختلفت لكن السرد لم يتلاشى تماما، وتعد الصورة أحد أهم وسائل وطرق الحكي في عصر التصوير الرقمي الذي نعيشه.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل المشاهد يرتبط بالصورة من أهم هذه الأسباب كونها قادرة على توصيل الرسالة ونقل الحكاية دون جهد، كما تنقل المشاعر والمزاج والقصص والرسائل والأفكار. بالتفكير في الفوتوغرافيا قد تكون القصة مكونة من صورة أو عدة صور مثل التصوير الفوتوغرافي الصحفي الذي يحاول فيه المصور التقاط جوهر القصة المكتوبة عن طريق الصورة.
يفضل أن تحتوي اللقطات على شيء يجذب انتباه المشاهد، بحيث يكون هناك نقاط محورية وبصرية سردية تقود المشاهد داخل أجواء الحكاية. يمكن أن تكون الصور المصاحبة للقصص القصيرة عبارة عن لقطات تترك المشاهد يتساءل عما ينظر إليه. ليس لأن المصور يتعمد أن يضع صور مبهمة، لكن من أجل إثارة فضول المتلقي ودفعه للتفكير فيما يجري ما وراء الصورة وما هي الصورة التالية التي يمكن أن تكمل المشهد. تستمد الصور المصاحبة للقصص أهميتها من المشاهد التي لا تتضمنها بقدر المشاهد التي تتضمنها تماما.

تقديم علاقة داخل الصورة
عند سرد قصة من خلال صورة واحدة يمكن أن نفكر في تضمين أكثر من شخص في اللقطة، حتى نقدم للمتلقي علاقة داخل الصورة تجعله يستحضر أفكار ومشاعر مختلفة عند مشاهدة الصورة. يمكن تأطير شخص آخر بعناية داخل الصورة دون أن يكون موجود بالفعل عن طريق تقديم إشارات على وجوده مثل صورة لشخص واحد يجلس على طاولة مع فنجانين قهوة، أو لقطة لشخص يبدو متحدثا مع شخص غير مرئي. تضيف تلك الأفكار للصورة أبعاد جديدة وتثير الأسئلة في أذهان المشاهد وتجعله يتخيل سيناريوهات مختلفة للقصة عن طريق التفاصيل التي يمكن أن تكون أي شيء مثل مكتب لشخص ما، كتب متناثرة على الأرض، لقطات مقربة للأيادي أو الوجوه. كل لقطة، تحيل لشيء ما في عقل المصور وقصته التي يفكر بها.
ليس وجود الأشخاص فقط هو ما يثري الصورة المرتبطة بالقصة حيث يفضل أن ينظر المصور بدقة إلى السياق: ما الذي يحدث حول بطل الصورة؟ ماذا تقدم العناصر الأخرى في الصورة عن الحكاية الرئيسية أو البطل الرئيسي وعن حياته؟ لكن في الوقت نفسه يفضل ألا يبالغ المصور في إعداد الخلفية والعناصر المحيطة حتى لا تفقد الصورة مصداقيتها فتصبح مبتذلة.
التقارب العاطفي
التقارب العاطفي ليس فقط القدرة على الاقتراب الجسدي لكنه يعني تصوير التفاصيل التي تمثل معنى كبير للشخص في الصورة. لذلك يجب أن يحاول المصور كسب ثقة الشخص موضوع التصوير حتى يظهر بكامل حريته داخل الصورة.
لا يحتاج المصور دائما لتقريب الصورة من أجل الوصول إلى الجمهور، يمكن أن يكون العكس هو الصحيح، ما يعطي شعورا بأنك بعيد عن موضوعك وتمنحه حرية الحركة ليكون طبيعيا وليس مطاردا من العدسة.
تأتي حرية الموديل حين يكون المصور مستمعا جيدا للناس، و مهتما حقا بأفكارهم حتى لا يصور صورة باهتة بلا روح لشخص ينظر إلى الكاميرا بدون تفاعل حقيقي. كما أن دوافع المصور تصنع فارقا كبيرا في الصورة. إذا كانت الدوافع مادية فقط لن يحصل على لقطة حميمية صادقة. المصور الجيد يستمع ويتحدث أكثر مما يصور.


سلسلة من اللقطات
يعد أحد أشهر أخطاء المصورين محاولتهم تضمين كل عناصر القصة داخل المشهد، ما يجعل الصور مزدحمة وتحتوي العديد من النقاط البؤرية التي تربك المشاهد. يحدث ذلك عندما يرغب المصور في تقديم كافة المعلومات في صورة واحدة. لتجنب ذلك الارتباك يمكن للمصور أن يحكي القصة باستخدام سلسلة من اللقطات بحيث تشبه السلسلة الفيلم المصور، كون الفيلم عبارة عن سلسلة من الصور المتتالية التي تعمل معا على حكي قصة ما. يمكن أن تكون سلسلة اللقطات المستخدمة لسرد القصة مكونة من لقطتين أو ثلاث لقطات وحتى مئات اللقطات المجمعة معا في ألبوم مطبوع أو عبر الإنترنت.
من الأمثلة البسيطة والشائعة عن سلسلة اللقطات التي تحكي قصة هي مجموعة الصور الفوتوغرافية التي نلتقطها في العطلات، سواء كان ذلك مقصودا أو تلقائيا، توثق تلك اللقطات التجارب التي مررنا بها على مدار أيام أو أسابيع أو حتى أشهر. قد تشمل القصص الفوتوغرافية المعتادة حفلات الزفاف وذكريات الطفولة وحفلات التخرج.
يرتبط سرد القصص الفوتوغرافية بالتقاط مجموعة متنوعة من اللقطات. سواء كان المصور يرغب في تصوير سوق شعبي أو ضاحية بعيدة أو مكان للاحتفال فإن التقاط نوع واحد من الصور لن يروي القصة كاملة. نحتاج إلى صور شخصية ولقطات واسعة ولقطات قريبة، ولقطات من أعلى ومن أسفل. باجتماع كل هذه المنظورات المختلفة يحكي المصور القصة بطريقة ممتعة دون أن يشعر المشاهد بالملل من ثبات اللقطات.
عندما يفكر المصور في سرد القصص من خلال الفوتوغرافيا يصبح حكواتي أيضا، لذلك يجب أن يسيطر على الرواية بالكامل ولا يفكر فقط في الموضوع والإضاءة والموقع، لكن يجب أن يقوم بتضمين البيئة بالكامل لتصبح اللقطة نوعا من السرد البصري بالفعل.
ليتمكن المصور من السيطرة على موضوعه بالكامل عليه أن يركز على التفاصيل المهمة ويستخدم الضوء والعدسة المناسبة لإظهار التفاصيل وإعطاء عمق إضافي للقصة الفوتوغرافية. يمكنه أن يخصص بضع ساعات أسبوعيا لدراسة موضوعه سواء كان شخصا أو شارعا أو شيء ما، ليستكشف الموضوع في أوقات مختلفة ومن زوايا متعددة مع أكبر كم من التفاصيل. بعد الانتهاء يلقي المصور نظرة على الصور ليعرف أيهما أقرب لما يريد إذا كان لا يملك خطة محددة بعد. ربما تمنحه الصدفة صورا تصلح لرواية قصة لم يتوقعها هو نفسه.

• البنية القصصية
قبل أن نبدأ في تصوير القصة يفضل أن نفكر في نوع اللقطات التي نحتاجها لسرد القصة التي تشمل المقدمة والحبكة الخاصة بالقصة والخاتمة، حيث يرتبط الحكي الفوتوغرافي بفكرة السياق، بغض النظر عن مدى اكتمال أو شمولية السرد، لكنه سيبقى دائما نتاج تضمين بعض العناصر واستبعاد البعض الآخر، إذ يعتبر التضمين أو الاستبعاد جزء من بناء القصة الفوتوغرافية. لكن تحديد ما يجب تضمينه أو استبعاده يتطلب فهما للسياق الذي يحتاج بحث مستمر وقدرة على تنفيذ الأفكار بشكل دقيق.

• المقدمة
المقدمة هي مجموعة من اللقطات التي تمهد لسياق باقي الصور التي تتبع المقدمة وتعطي معلومات حول المكان الذي تدور فيه القصة، وتضبط نغمة السرد وتقدم المعلومات التي ستعرض لاحقا من خلال القصة. يفضل أن تكون اللقطات التمهيدية مشوقة بحيث تدعو المشاهد إلى متابعة باقي القصة، تماما مثلما يحدث مع الرواية، عندما تكون الفقرات الأولى ممتعة وجيدة تمنح المتلقي سببا للتعمق في الرواية المكتوبة وهكذا تماما الصورة.

• الحبكة
القصة الجيدة أكثر من مجرد صورة، لأنها تستكشف الأفكار والمشاعر والخبرات بشكل عميق. من المحتمل أن تشكل لقطات الحبكة غالبية القصة الفوتوغرافية من خلال بعض السمات المرئية التي تساعد المتلقي على التعمق داخل القصة، منها السمات المرئية وهي تمثل الأشكال والألوان التي تظهر بشكل متكرر في القصة بالكامل. مثل صور البحر والسماء التي تطغى على غالبا على صور العطلات.
هناك أيضا السمات الأسلوبية التي تميز كل قصة وتجعلها متفردة عن باقي القصص الفوتوغرافية، ويظهر الأسلوب عن طريق تكرار تقنيات وأنماط التصوير الفوتوغرافي.على سبيل المثال تكرار تصوير النباتات أو الزهور أو الحيوانات أو أي سمات متكررة تميز القصة الفوتوغرافية بالكامل. بالإضافة إلى تكرار الأماكن أو المواقع المتشابهة التي تؤكد على ترابط السلسلة الفوتوغرافية.
• الخاتمة
تشبه اللقطات الختامية في السرد الفوتوغرافي إلى حد كبير المشاهد الختامية في السرد القصصي. يمكن أن تكون اللقطات الختامية هي نهايات الحدث مثل لقطة إطفاء الشموع في حفلات أعياد الميلاد أو نهايات الرحلة مثل الوصول إلى المكان المنشود أو العودة إلى البيت مجددا، أو حتى نهايات زمنية مثل نهاية اليوم ولحظة غروب الشمس أو لحظة الخلود للنوم. يساعد الضوء والألوان في إعطاء شعور النهايات، لذا يفضل أن تكون اللقطات الختامية أقل صخبا ويمكن أن تكون أيضا أقل سطوعا ما يمنح شعور بالهدوء والسكون واكتمال الحكاية.

• العلاقات داخل السلسلة الفوتوغرافية
يمكن للسلسلة الفوتوغرافية التي تركز على مجموعة أشخاص أن توثق حالة الأشخاص المزاجية والنفسية كما أنها توثق تطور العلاقة بينهم مع مرور الوقت. قد تركز القصة الفوتوغرافية على موضوع واحد وقد تتشابك عدة موضوعات. كما أنه من المحتمل ألا تتشابه اللقطات تماما مع السمات التي اختارها المصور لكن يمكن دمج عدة لقطات معا لصنع قصة مرئية ممتعة بالفعل. وقد تظهر بعض السمات بالمصادفة أثناء الرحلة، يمكن للمصور في هذه الحالة استكشاف تلك الأشياء ومحاولة عمل علاقة بينها بشكل وطريقة تعطي فرادة للقصة الفوتوغرافية.
يكتب بعض المصورين قائمة باللقطات التي يرغبون فيها في يوم معين، بينما يفعل آخرون ذلك بشكل غير مكتوب في أذهانهم فقط، لكن معظم المصورين الجيدين لديهم القدرة على التقاط لقطات مقصودة لكنها تبدو تلقائية وفي الوقت نفسه تناسب خطتهم الموضوعة للقصة الفوتوغرافية.
هذه ليست قواعد جامدة لكنها قواعد السرد الشائعة والتقليدية التي يمكن تغييرها تبعا لتجربة المصور والحكاية التي يفكر في حكيها، سواء كان السرد سيتم بشكل خطي أو عن طريق الفلاش باك وذكريات الماضي أو حتى عن طريق الأفكار المجردة. لكن أيا كانت طريقة السرد البصري غالبا تحتوي أغلب القصص الفوتوغرافية على بعض الأبعاد الشهيرة مثل الوقت، المكان، الدراما، السببية والتجسيد والذي يعد أحد أهم هذه الأبعاد.
هل هناك حاجة فعلية إلى تجسيد شخص ما داخل القصة؟ هل يجب أن نعطي القصة وجها؟ غالبا ما يرجع ذلك إلى جوهر القصة والقضية التي يطرحها المصور والتي يحددها من خلال معرفة الموضوع وأهم اللحظات التي سيعرضها، وسياق التصوير.
في نهاية الأمر يجب ألا ينسينا السرد القصصي أساسيات التصوير الفوتوغرافي وهي التكوين والإضاءة والظل حيث تعمل العناصر البصرية والعناصر الدرامية معا لرواية قصة فوتوغرافية متكاملة

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات