الكاتب : بسنت الخطيب
ضيف شرف بمهرجان القاهرة السينمائى العاشر
(ميلينا ميركورى) آخر الآلهة اليونانية
بسينما مترو وسط القاهرة ــ عام 1986 افتتحت وقائع مهرجان القاهرة السينمائى الدولى لدورة الانعقاد العاشرة برئاسة ( سعد الدين وهبة ) وكانت ضيفه الشرف هى أسطورة السينما اليونانية والعالمية ووزيرة الثقافة والعلوم اليونانية ( ميلينا ميركورى ) التى ساهمت في صناعة تاريخ الفنون ونجحت في ترك بصمتها على الثقافة اليونانية حيث أضفت كثيرا من عناصر شخصيتها علي الشخصيات التي جسدتها فى أدوارها واستطاعت أن تدمج أحلام الفن بواقعية السياسة.
هى ( ماريا أماليا ماركورى ) ممثلة مسرحية وسينمائية ومغنية وناشطة سياسية يونانية ولدت فى 18 أكتوبر عام 1920 باثينا لأسرة من السياسيين غــُرسَتْ فيها السياسة من قبل جدها سبيروس ميركوري والذى شغل منصب رئيس بلدية أثينا لعده سنوات ، وكان والدها (ستاماتيس ميركوريس) وزيراً للتنظيم والأشغال العامة ونائبا للبرلمان اليونانى ، ثم اصبح وكيلاً لحزب اليسار الديمقراطى اليوناني ، انتقلت ميلينا للعيش فى منزل الجد بعد انفصال والديها وكانت حفيدته المفضلة .
وفى مذكراتها ( ولدت يونانية ) والتى كتبتها عام 1977 تحكى عن بداياتها مع الفن وولعها بالمسرح (منذ البداية كان المسرح متعة، وبمجرد أن (عضّني ) ميكروب التصفيق .. تأكدتُ بأن لا حياة لي سوى حياة ممثلة ) ثم تحكى عندما دخلت وهى فى سن العاشرة إلى مقهى في جزيره (Spetses «سبيتسيس» ، واستطاعت ان تقدم للحاضرين عرضا ارتجالياً لاقى استحسانهم ولكن الام (ايرينى لابا ) كان لها راى أخر عبرت عنه بصفعة على وجه ميلينا ، وفى سن الرابعة عشر تقريبا ذهبت مع والدها لمشاهدة أحد العروض المسرحية ولكنها وجدت نفسها تعود لمشاهدة المسرحية لمدة خمسة عشر ليله متتالية و تروى ميلينا كيف تغلبت على عقبة ( ثمن التذاكر ) باستجداء المارة فى الطرقات متظاهرة بأنها فقدت نقودها وتريد الذهاب بالقطار مرة ، ومرة أخرى بأنها مريضة وتريد العلاج .
تلتقى ميلينا بالممثل المسرحى المشهور (Giorgos or George Seferis ( يورجوس سيفريس)* فيصبح فارسها وحبها الأول .. يرفض يورجوس هذه المشاعر بسبب سنها الذى لم يتعدى ال14 عاما يصدمها رفضه فتلقى بنفسها أمام سيارة مسرعة فى محاولة منها للانتحار يعاملها يورجوس برقه بعد ان علم بفعلتها .. يقترب منها ويلمس موهبتها .. فيقرأ لها أشعاراً من لغات أخرى لفيرلين ورامبو وابولينيير ..ويعلمها كيف تقــرأ الأعمال المسرحية تقول ميلينا : ” فعل ييورجوس ما في استطاعته لكي يساعدني .. أحببته لكن شيئاً ما قد كُسر .. وفى نفس الوقت لم يكن يورجوس المسكين يعرف ماذا عليه أن يفعل بي فعمري كان مشكلة له ...) تعلق يورجوس بها وارادتها بجواره ولكنها رفضت .
أكملت ميلينا تعليمها الثانوى وتقدمت إلى المسابقة التى أجرتها المدرسة الوطنية للدراما وساعدها صديقها (ديمتيرس خورن ) الذى أصبح فيما بعد واحدا من أعمدة المسرح اليونانى تنجح ميلينا ويتم قبولها ، وكانت فى هذا الوقت تعمل على بحث فى المسرح وكان جزء كبير من بحثها يختص بالدموع فكانت تتدرب بالساعات أمام المرآه حتى تطورت بصورة فائقة وتقول ميلينا ( لقد طبقتُ هذا التكنيك لافراز الدموع لكي أقنع والدتي و أخي بأن يدعاني أصبح ممثلة .. ورغم أن الدموع الكاذبة أصبحت حقيقية إلا أنهما لم يتزحزحا عن موقفهما .. لا مسرح .. لا تمثيل .. تلتحق ميلينا بالمدرسة الوطنية للدراما المسرحية على الرغم من رفض الأسرة .
يظهر فى حياتها بانوس هاروكوبوس والذى كان متزوجا من راقصة يونانية .. اعجب بها على الفور انفصل عن زوجته وعرض عليها الزواج استطاع أن ينزع كل اسلحتها عندما حدثها عن الحرية وانه سيكون فى استطاعتها أن تعمل ما تشاء وأن تصبح ممثلة كبيرة ، وطلب منها أن تنسى المسرح الوطني لأن المسرح الحقيقي هو في فرنسا .. ديلين Dylan، Auguste Renoir رينوار ، جوفيه . يتم الزواج عام 1941 ويستمر حتى عام عام 1962.
وتتخرج ميلينا في عام 1944 وتبدأ مسيرتها الفنية بالمسرح وفى عام 1945 تلعب دور ( الكترا) فى مسرحية Mourning Becomes Electra ل( يوجين اونيل ) ، بالاضافة إلى ادوار صغيرة أخرى.
وفى عام 1949 تخطف الاضواء وتحقق نجاحا كبيرا عندما نظم مسرح الفن الوطنى عرضا لقصة تينيسى ويليامز ( عربة ترام اسمها الرغبة A Streetcar Named ). واسند اليها دور ( بلانش دوريس ) واستمرت حتى عام 1950 فى تقديم مسرحيات أخرى لأرثر ميلر وأندريه روسين فى ذات المسرح ، تننتقل ميلينا فى ذات العام إلى باريس فى رحلة استمرت خمس سنوات وكانت فترة ثرية شديدة الأهمية في تكوين شخصيتها حيث اتاحت لها اقامتها فى باريس فرصة الالتقاء بالكتاب المسرحيين والروائيين الفرنسيين البارزين مثل جان كوكتو وجان بول سارتر وكوليت وفرانسواز ساجان ، وعلى خشبة المسرح الباريسى تظهر موهبتها من خلال مشاركتها فى في مسرحيات (بوليفارد ) لجاك ديفال Jack DuVall ومارسيل آتشارد Marcel Achard . وفى عام 1955 ترحل ميلينا عن باريس عائدة لليونان لتقدم العديد من المسرحيات الكلاسيكية على خشبة مسرح ( كوتوبولى ركس ) حيث لعبت ميركورى دور البطولة فى مسرحية ( شكسبير ) ( ماكبث) ، و (لواليت) لجان أنويه Jean Anouilh ، شهد هذا العام بداية مسيرتها السينمائية بالتعاون مع المخرج القبرصى اليونانى ( مايكل كوكيانيس ) Michalis Kakogianni بفيلم ( ستيلا ) الفيلم مأخوذ عن نص مسرحى بعنوان Stella with the Red Gloves اثار الفيلم جدلا كبيرا ورغم أنه تم رفضه في البداية من قبل النقاد اليونانيين ، إلا أنه يعتبر الآن واحد من أعظم خمسة أفلام يونانية ، وتدور أحداثة حول ( ستيلا ) المغنية الشابة التى تعمل فى ملهى ليلى ستيلا شخصية مستقلة متمردة يجرفها تمردها لحياة عاطفية مضطربة تقع فى حب Aleko ، نجل العائلة الثرية ، ثم تقرر كعادتها الانسحاب قبل أن يزيد تعلقها به ،. بمجرد أن تقابل ميلتوس ، تقاومة فى البداية ولكنها ، فيما بعد ، تستسلم له ولكن بشروطها فهى تقدر حريتها وترفض مقترحات الزواج لكن ميلتوس أخيرًا يجبرها على قبول فكرة الزواج ، وأثناء العرس لا تظهر ستيلا في الكنيسة ، على الرغم من تحذير ميلتوس لها مرارًا وتكرارًا من أنه سيقتلها إذا لم تتزوج منه وفى نهاية الفيلم ينفذ تهديده ويطعنها بخنجر. وقد قيل أن الفيلم يحمل اسقاطا سياسيا فقصة زواج ستيلا القسري ترمز إلى القوى التي تحاول باستمرار فرض إرادتها على اليونان . عرض الفيلم فى مهرجان كان السينمائى عام 1956وحقق نجاحا كبيرا ورشح لجائزة أفضل ممثلة وتقول ميلينا فى مذكراتها (انه على الرغم من النجاح الذى حققة فيلمها الا أنها لم تحصل على جائزة وعادت إلى اليونان فى رحلة صامته فوجدتُ جمهوراً كئيباً ينتظرها خارج المسرح يَندبُ هزيمتها ..).
تنضم ميلينا إلى حركات نقابات التمثيل وتلتقى بالمخرج الاميركى جول داسين * .. الذى كان قد تم ادراج اسمة ضمن القائمة السوداء في عهد مكارثي فى عام1950 بعد أن ذكر اسمة كشيوعى فى شهادة أحد زملائة .. قدم داسان وميركوري اللذين تزوجا عام 1966 ما مجموعه تسعة أفلام متميزة واستمر زواجها حتى عام 1994 وكان أول تعاون لهما فى عام 1957 فى فيلم He Who Must Die ( هو الذى يجب أن يموت ) وهو مأخوذ عن قصة ( المسيح يصلب من جديد ) (لنيكوس كازانتزاكس الروائيّ اليونانيّ المشهور وتدور احداث الفيلم في قرية يونانية احتلتها تركيا بعد الحرب العالمية الأولى بفترة وجيزة ، يقوم القرويون بتقديم مسرحية بعنوان ( العاصفة) ، وفيها يلعب ابناء القرية دور ابطال المسرحية . يؤدي عرض المسرحية إلى تمردهم على حكامهم الأتراك والتي تنتهي بإعادة تفعيل أحداث محاكمة يسوع المسيح ومعاناته وموته ، لاقى الفيلم استحسانا من النقاد ، وحصل على جوائز في أوروبا الشرقية ، وحتى أن بعض الكاثوليك الليبراليين امتدحوه .
وفى عام 1958 تقوم ميلينا بدور (حسناء) فى فيلم The Gypsy and the Gentleman ( الغجر والسيد ) ودور(دونا لوكريزيا) فى فيلم ( القانون ) عام1959
ساهم دورها فى فيلم Never on Sunday ((ابداً يوم الأحد )) الذي اخرجه داسان في عام 1960، فى انطلاقها لعالم النجومية ، الفيلم يتناول الفيلم قصه البطله «اليا» (ميلينا)، وهي غانيه في مرفا «بيريه» ترفض استقبال زبائنها فى يوم الاحد ففى هذا اليوم هى امرأه اخرى بلا اثم أو خطيئة تتمنى ان تذهب إلى الكنيسة كما تفعل الاخريات تتقابل (إيليا ) مع الأميركى (هوميروس ترافيا ) (داسين ) الذى يولع بها ويستشعر طيبة قلبها فيحاول تقويمها .. تتعلم ايليا الأدب والموسيقى والغناء اليونانى ...تدعو زميلاتها إلى الثورة على اسلوبهم فى الحياة حصل الفيلم على جائزة بجائزة مهرجان كان السينمائي لأفضل ممثلة ورشح لأربع جوائز أوسكار منها الأوسكار لأفضل ممثلة وجائزة الأوسكار لأفضل أغنية والتى تحمل الفيلم ولكنها معروفة فى اليونان باسم ( أطفال بيرايوس ) .. الاغنية بصوت ميركورى وكلمات الشاعر والموسيقار (مانوس خاتزيزاكس ) وتعد الأغنية اليونانية الوحيدة التى حصلت على جائزة أوسكار ، كما رشح الفيلم ايضا - جائزة "بافتا" لأفضل ممثلة أجنبية ، وفى ذات العام اشتركت فى عدة أعمال حيث شاركت مع جان مورو فى فيلم Seven Days ... Seven Nights وقامت بدور ( السيدة الأجنبية ) فى فيلم The Last Judgment ( الحكم الاخير ) ودور ( مارى دى ميديسيس ) فى فيلم Vive Henri IV... vive l'amour! (عاش هنرى الرابع ..عاش الحب )، شاركت عام 1962 فى فيلم Phaedra ( فيدرا ) المأخوذ عن الاسطورة اليونانية القديمة وهو التعاون الرابع بينها وبين زوجها المخرج (جول داسين ) حيث رشحت لجائزة "الجولدن جلوب" لأفضل ممثلة عام 1963 كما حصلت على جائزة الأكاديمية البريطانية لافضل ممثلة أجنبية . وفى عام1964 تلعب دور (اليزابيث ليب ) فى فيلم Topkapi) ) توبكابى وترشح لجائزة جولدن جلوب لأحسن ممثلة وهو فيلم بوليسي فى إطار كوميدى يدور حول قصة سرقة ، وتدور احداثة في اسطنبول ( مع ميركوري و بيتر اوستينوف)، فاز عنه اوستينوف جائزة أوسكار لأفضل ممثّل مساعد. وفى عام 1966 تقوم بدور فجـــــر فى فيلم ( رجل يمكن أن يقتل ) من إخراج رونالد نايم وكليف أوين كما تقوم بدور ( ماريا ) فى فيلم العاشرة والنص مساء من اخراج (داسين ) ، وفى عام 1969 تتعاون مع المخرج نورمان جيوسون فى فيلم Gaily, Gaily (جيلى جيلى ) وفى عام 1970 ترشح لجائزة جولدن جلوب لأفضل ممثلة عن دورها فى فيلم Promise at Dawn (( وعد فى الفجر )) من اخراج (داسين ) والفيلم مأخوذ عن رواية (لرومان جارى) تحمل نفس الاسم .
الإعلانات
الإعلانات
وفى 21 من ابريل عام 1967 وقبل الموعد المحدد للانتخابات البرلمانية اليونانية بأسبوع قام المجلس العسكرى بزعامة ( جورج بابادوبلوس، ستيليانوس باتاكوس ، ونيكولاس ماركاريزوس بانقلاب ضد حكومة ( كينلوبولوس ) بحجة حماية البلاد والقيم الهيلينية من الخطر الشيوعى ... صادرالإنقلابيون الحريات والحقوق المدنية .. ومنعوا الفنون والآداب التى لا تتماش مع آراءهم كانت (ميلينا ) خارج اليونان فى الولايات المتحدة تلعب دورها فى فيلم ( أيليا دارلنج) .. لم تعرف ميلينا النوم و اتخذتْ بعدها قراراً مصيرياً في حياتها تقول ميلينا ( ليالينا كانت أرقاً وكان عليّ أن أتكلم .. كان يجب أن أدينهم .. كان عليّ أن أفعل ما استطعت ....) طلبت من منتج الفيلم أن يتركها تلقى كلمة للجمهورتقول فيها بأن صورة اليونان الحر التى رأوها فى الفيلم لم تعد موجود بعد الآن ...ولكن المنتج رفض واكتفت بحديث روتينى فى الاذاعة .. كل الأسئلة كانت تدور حول فيلم (ايليا حبيبتى ) واستغلت ميلينا سؤالا عن مدى اعجابها بدور (ايليا) لتحويل مسار الحديث حول استيلاء العسكريين على السلطة فى اليونان فردت بأنها تشمئز منه لأنه كذب فلاتوجد حرية فى اليونان الآن وهكذا بدأت ميلينا حربها ضد الانقلاب ، أذيع اللقاء فى ( إن بى سى ) وأصبحت ميلينا موضوعا فى جميع صفحات الجرائد ووسائل الإعلام التى رأت فى ميلينا فتاة (ابدا يوم الأحد) التى تتصدى للعسكر .
انضمت ميلينا للفنانيين اليونانيين المعارضين وتعرفت على ( أندرياس باباندريو ) والذى أصبح رئيسا لوزراء اليونان فيما بعد ، وبمشاركة الجد ( سبيروس ) شاركت فى العديد من الاحتفالات والاعتصامات وقادة التظاهرات ضد الانقلاب ، وفى لندن قادت مظاهرة من اربعة آلاف يونانى واستطاعت أن تلفت أنظار العالم للوضع فى اليونان ، تقول ميلينا فى مذكراتها إن سؤالا واحدا كان يٌطرح عليها وهو : ماذا في استطاعتي أن أفعل لكي أساعد ؟ وفى كثير من المرات كانت تجد بداخل الرسائل أوراقا نقدية بقيمة دولار أو خمسة دولارات لإيصالها لأسر المعتقلين .
وفى عام 1967 ، أعلن وزير الداخلية اليوناني ميلينا عدو للدولة ، وصادر ممتلكاتها وحرمها من جنسيتها اليونانية . وتحكى ميلينا ... (( دق التليفون .. صوت صحفي يكلمني من إنجلتــــرا .. (سيدة ميركورى السيد باتكوس أعلنك غير يونانيّـــة هل لديك أى تعليق ؟.. الكلمات صعدت إلى شفتى : (ولدتُ يونانيّة وسأموت يونانيّة .. السيد باتكوس فاشيا وسيموت فاشيا ).. صودرت أموال ميلينا فى اليونان ومنعت أغانيها .
يتوفى والد ميلينا وهى خارج البلاد بعد أن أسقطت عنها هويتها اليونانية وأصبحت بلا جواز سفر وبعد محاولات تسمح لها السلطات بساعات معدودة على أرض اليونان لتشييع جنازة والدها .. عادت إلى بلادها لتودع والدها تحت حماية مكتب التحقيقات الفيدرالى خوفا من الاغتيال ...
بعد سقوط الحكم العسكرى عام 1974 عادت ميلينا إلى أحضان اليونان التي استقبلتها استقبالاً حافلا بعد أن اصبحت فى قلب كل مواطن يونانى باعتبارها أول سياسية ناضلت من أجل الحرية المطلقة للشعب اليوناني ، و يبدأ فى اليونان المسار الطويل نحو metapolitefsi ( أو مرحلة تغيير النظام ) يعترض السياسيين على خطة التغيير التى وضعها بابادوبولوس .
استقرت ميلينا فى اليونان وكانت أحد المؤسسين للحركة الاشتراكية الهيلينية (باسوك)* ((PASOK) وعضوا للجنة المركزية للحزب ، كما انضمت إلى فى هذه الفترة للحركة النسائية .
خاضت ميلينا أولى معاركها الاتخابية كمرشح عن حزب (PASOK ) ولكنها كانت تحتاج إلى 33 صوتا إضافيا لتحصل على مقعد فى البرلمان ، و تدخل ميلينا تجربة الانتخاب مرة اخرى عام 1977 وتحصل على مقعد البرلمان بسهولة حيث حصدت أكبر عدد من الأصوات فى الدائرة الثانية لمدينة ( بيروس) Piraeus الساحلية والتى كانت الميناء التابع لمدينة أثينا القديمة .
وتقدم فى ذات العام فيلم ( إعادة ) ويعد الفيلم بمثابة لائحة اتهام للحكم العسكرى ، اخرج الفيلم وكتب السيناريو جو ل داسين وانتجه هو وزوجته .
وفى عام 1978تقدم آخر أفلامها A Dream of Passion ( حلم الرغبة ) والذى أطلق عليه (صرخة نساء ) وهو مأخوذ عن أسطورة مأساوية قدمها الشاعر اليونانى (أوريبيديس) فى القرن الخامس عشر قبل الميلاد والذى قدمت فيه ميلينا دور الممثلة (مايا) التى تجد صعوبة فى تقمص شخصية (ميديا) على خشبة المسرح فتقرر مايا أن تذهب إلى السجن حيث توجد وراء القضبان امرأة انجليزية تدعى (برندا) ( قامت بالدور ايلين بيرستين ) ، اطلقت الصحف على براندا لقب ( ميديا جلانيادا ) لأنها متهمة بقتل اطفالها بعد أن غدر بها زوجها ثم حاولت الانتحار .. توافق ( برندا ) على المقابلة .. تنشا بين المرأتين علاقة أقرب للصداقة فبرندا تشعر بالخوف والوحدة و ترغب فى التعبير عن نفسها .. أما ( مايا ) فقد أثير بداخلها مزيجا من الرعب والشفقة تجاه تلك المرأة ووجدت فى ( برندا ) ما ساعدها على فهم المأساة وتقمص الشخصية بسهولة على خشبة المسرح، كما وجـــد المخرج داسين فى مأساة (ميديا ) فرصة لعــــرض بعــضاً مما يواجه المرأة المعاصرة من مشاكل .
تم عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى عام 1986 وفوجئ الحاضرين بعدم وجود ترجمة على الحوار المنطوق بالانجليزية والاكتفاء بترجمة الحوار المنطوق باليونانية .
علاوة على التمثيل والنشاط السياسى قامت ميركورى بتقديم سلسلة من البرامج التلفزيونية تحت عنوان "حوارات" طرحت فيها وناقشت قضايا اجتماعية هامة منعت هيئة الرقابة البرنامج ، بعد إذاعة حلقتين منه .. رفعت ميلينا الأمر إلى البرلمان اليوناني، لكن هذا لم يثنى هيئة الرقابة عن وقف البرنامج .
وبعد انقطاع دام خمسة عشر عاما تعود ميلينا عام1975 إلى خشبة المسرح بصحبة زوجها (داسين ) بمسرحة بريخت ( أوبرا الثلاث بنسات ) ، و إنتاج مسرحية"ميديا" عام 1976 ، ويمنع هذا الانتاج من المهرجان الوطني للمسرح، فيطلق على ميركوري لقب"ميديا المنفية" كما قدمت ميركورى فيلمين تسجيليين بعنوان"ضواحي أثينا" ، وGynaikes stin exoria "ممتلكات أحمد آغا فى القمة السوداء" فى عام 1981 اخراج فانجيليس ديميتريو .
يفوز حزب ( الباسوك ) بالانتخابات فى عام 1981 ويتم تعيين ميركورى وزيرا للثقافة لتكون أول إمراة يونانية تشغل هذا المنصب .. ولمدة ثمانى سنوات تغير فيها وجه الحياة الثقافية فى البلاد ، ، وكان من أهم مشروعاتها مشروع استرداد المنحوتات التابعة لهيكل ( البارثيون مالبلز) (أو رخام الجن كما هو معروف فى المملكة المتحدة ) .. المعروضه فى المتحف البريطانى والتى تم الاستيلاء عليها بواسطة ( توماس بروسى ) أحد الضباط الإنجليز خلال الفترة من 1799 وحتى 1806 إثناء الاحتلال العثمانى وقالت ميلينا عبارتها الشهيرة (ليس فى المتحف البريطانى شئ بريطانى سوى الاسم فقط ) ، والمنحوتات عبارة عن 56 قطعة من الإفريز و19 تمثالاً ووصفتها ميلينا بانها ( روحنا التى يجب ان نعود بها ) قائلة : ( أتمنى أن أرى الرخام يعودلأثينا قبل أن اموت ولكن إن حدث ذلك فى وقت لاحق سأولد من جديد ) ، آمنت ميركورى بأن الثقافة هى صناعة اليونان الثقيلة فشرعت فى إنشاء المسارح ، وعقدت مسابقة دولية لبناء متحف الأكروبوليس الجديد ، وسنت قوانين تسمح للمواطنين اليونانيين بزيارة المتاحف والآثار مجانا .
تدعو ميلينا فى عام 1983 ميلينا وزراء الثقافة فى أوروبا إلى مبادرة لإنشاء مؤسسة ( عاصمة الثقافة الأوروبية) فى إطار التعاون الثقافى بين الإتحاد الأوروبى حيث التقت بـ (جاك لانج ) وزير الثقافة الفرنسى فى هذا الوقت في أحد المطارات الأوربية أثناء تبديلها لطائرتها وبعد نقاش طويل استطاعت ميركوري أن تبلور فكرتها التي تقضي بتتويج مدينة كل عام لتكون عاصمة الثقافة الأوربية. وكانت الوزيرة اليونانية تسعى من خلال ذلك إلى التأسيس لمشروع أوروبي دائم ومميز خلال فترة الرئاسة الدورية لبلادها للاتحاد الأوربي.
ويتحقق حلم ملينا فى عام 1985 وتننتخب اليونان عاصمة للثقافه الأوروبية ويدخل العالم فى عملية تغيير شاملة للمبادرات والمشاريع الثقافية ، يتبنى وزراء الثقافة العرب هذا المشروع عام 1988 ويتم اختيار القاهرة عاصمة للثقافة العربية عام 1996 .
وفى السادس من مارس عام 1994 ترحل ميلينا بمستشفى ( ميموربال ) بمدينة نيويورك عن عمر يناهز 74 عاما ... ليعود جثمانها إلى أثينا فى 10 مارس وتقام لها مراسم دفن رسمية .. تخرج اليونان بأكملها لتودع آخر الألهة اليونانية .. يلف الجسد بعلم اليونان ويوضع على عربة تجرها الأحصنة .. يسبقها طوابير الشرف من العسكريين وكبار الدولة ... يرتفع صوت المودعين بأغانى ميلينا ... لقد رحلت ولكن ذكراها ستظل حية فى عقول وقلوب اليونانيين ، لقد أحبت ميلينا اليونان وأصبحت سفيرها فى جميع أنحاء العالم .. وقادتنا شخصيتها فى دروب وثقافة اليونان وحضارتها لأن السينما والمسرح بدون ميلينا يفقدان شيئا من سحرهما فهى امرأة ذات رؤى ... حملت أمانة عامة.. وبلغت القمم التى اختارتها هى بنفسها ..
هــــوامش
*(يورجوس سيفريس ( ولد فى 13 مارس 1900 وتوفى فى 20 سبتمبر 1971 ، كان شاعرًا ودبلوماسيًا يونانيًا ويعد واحداً من أهم الشعراء اليونانيين في القرن العشرين واول يونانى يحصل على جائزة نوبل عن أشعارةالغنائية .
** هى حركة اشتراكية يونانية تنتمى إلى يسار الوسط وهو واحد من أكبر حزبين فى اليونان تأسس فى 1974 على يد أندرياس باباندريو.
مراجع
1ـ مذكرات ميلينا ميركورى ( ولدت يونانية )
2ـ Internet Movie Database
3ـ Allmovie
4 ـ ويكيبيديا
5ـ مجلة سيدتي العدد 163، في شهر إبريل عام 1984
6 ـ ميديا لكل العصور ــ مجلة روزليوسف ديسمبر 1986 خوار فوزيةمهران
7ـ مجلةحواء العدد 1577 سنة1986