كمال الملاخ.. متعدد المواهب

عادل موسي 18 مايو 2022 مهرجان القاهرة السينمائي.. نظرة عن قرب

الكاتب : عادل موسي
عاش الملاخ كاتبًا وأثريًّا وأستاذًا جامعيًا ومهندسًا معماريًّا وناقدًا فنيًّا، وبدأ مشواره رسامًا، كل الطرق تؤدي الى روما هذه المقولة التي قالها الرومان بعد أن مهّدوا طرق المدن التي فتحوها لتصل بها الى روما، والتي أصبحت مثلًا يقصد به أن أي هدف يمكن الوصول به من طرق متعددة، هذه المقولة تنطبق على كمال الملاخ الذي كان يهدف الثقافة ولم يكفه طريق واحد لبلوغ قمتها، ففضل أن يسلك طرقًا عدة، لم يهتم كثيرًا بتصنيف موهبته، كما لم يهتم من قبله ابن سيناء الذي ألَّف ما يقارب مائتين وخمسين مؤلفًا، بين كتاب ورسالة ومقالة، في كل من: الرياضيات، المنطق، الأخلاق، الطبيعيات، الطب، ونجد أيضًا ابن اسحاق الكنديّ الفيلسوف العربي الذي له مؤلفات في الطب والفلك والفيزياء والرياضيات والموسيقى، هكذا كان كمال الملاخ .. متنوعٌ ولديه القدرة والرغبة أن يكون مبدعًا بدون تصنيف محدد، ونستطيع ان نربط هذه الرغبة بالعنوان الذي اختاره لمقالته الدورية بجريدة الأهرام حيث تقبع في الصفحة الأخيرة تحت عنوان (من غير عنوان).


أن تتعرف على السينما العالمية قبل أن يؤسس كمال الملاخ مهرجاني السينما بالقاهرة والإسكندرية يختلف عن التعرف على هذه السينما بعد أن أسس الملاخ هذه المهرجانات، فقبل ذلك كان الأمر لا يتعدى أن تتفق الدولة مع إحدى الدول التي تمتلك صناعة سينما وذلك لتنظم معها اسبوعًا لأفلام هذه الدولة وينتهي الأمر على ذلك، أما ما فكر فيه الملاخ هو الشكل الذي نراه اليوم، العالم كله يحضر ويعرض إنتاجه السينمائي الذي أفاد النقاد والمهتمين وصناع السينما المصرية بشكل كبير، أسس جمعية نقاد السينما مع الأديب الكبير يوسف السباعي التي تولت تأسيس وإدارة مهرجان القاهرة السينمائي ثم مهرجان الإسكندرية السينمائي. في الصحافة كتب حتى وصل إلى رئيس القسم الفني بجريدة الأخبار ثم انتقل إلى جريدة الأهرام، وفي الرسم فهو خريج كلية فنون جميلة وعمل أستاذًا بها وكان يرسم منذ أن كان في المرحلة الثانوية ويقيم المعارض المتعددة، وفي الآثار حصل على ماجستير الآثار المصرية وفقه اللغة من معهد الآثار، فمن هذا الرجل الذي لم يكتب بطريق واحد يصل به إلى روما بل جرّب طرقًا متعددة؟
هو كمال وليم يونان الملاخ من مواليد أسيوط في 26 أكتوبر 1918م، انتقل والده للعمل بالقاهرة والتحق كمال الملاخ بالمدرسة السعيدية، انجذب مبكرًا لهواية الرسم وبالفعل شارك في معرض المدرسة وكان في عمر 14 عاماً، وقد افتتح هذا المعرض الكاتب الصحفي أحمد الصاوي الذي أصبح بعد ذلك أول رئيس تحرير مصري لجريدة الأهرام، وأعجب الصاوي برسم الفتي الصغير وطلب منه أن يمر عليه في مكتبه ولم تنقطع صلته به بعد ذلك، حتى إنه كان سببًا في عمله بعد تخرجه في كلية فنون جميلة كرسام بجريدة الأخبار، في نفس الوقت الذي عين فيه صديقه أنيس منصور مترجمًا بنفس الجريدة وفي نفس اليوم، وارتبطا سويًا بعلاقة صداقة طوال الحياة، وكان للملاخ سمتٌ خاصٌ به ومظهر فريد جعل زميله في الجريدة الكاتب أحمد رجب يطلق عليه لقب (الإله رع)، بعد ذلك انتقل الملاخ من الأخبار إلى جريدة الأهرام وبدأ العمل فيها عام 1958 بطلب من الصحفي محمد حسنين هيكل، وفي الأهرام كان هو صاحب عمود من غير عنوان بالصفحة الأخيرة بالجريدة، وجذب العمود العديد من القراء للدرجة التي جعلت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يصف هذا الأمر قائلًا (كمال الملاخ جعل الناس تقرأ جريدة الأهرام بالعكس من الصفحة الأخيرة إلى الصفحة الأولى).
الملاخ ونجوم عصره
عندما سألت الإعلامية الكبيرة أماني ناشد ضيفها كمال الملاخ عن رأيه في عبد الحليم حافظ في برنامجها الشهير كاميرا 9 في فترة السبعينيات، قال إنه لا يزال يتذكره منذ خمسة وعشرين عامًا عندما كان شاباً يجلس بينهم ويقدم نفسه ويستطيع بمهارة أن يكتسب الصداقات التي تساعده في التقدم في مشواره الفني، وقال نصًّا (أنا عايز اتكلم عن ذكاء عبد الحليم بل أضع مربع احمر حوالين اسم حليم مع الذكاء، الموهبة وحدها قد تضل الطريق .. الحظ ييجي ويروح .. لكن بذكاء عبد الحليم أبقاها صاحبه .. وخده المشوار إلى قمة ما حلم بها)، الحقيقة أننا يجب أن نضع اسم كمال الملاخ أيضًا داخل مربع أحمر مع الذكاء، فقد كان الرجل يستطيع أن يكتسب الأصدقاء والمعارف بسلاسة غريبة، أثناء دراسته الجامعية بكلية فنون جميلة، أقام معرضه الثاني بالقاهرة في قاعة جولدتبرج في شارع قصر النيل، وكان الملاخ أصغر من اشترك في هذا المعرض، فقد ضم المعرض أعمال الفنانين كامل التلمساني، والشاعر الإيطالي المصري المولد جان مورسكايتللي، وفكر الملاخ سريعًا في فكرة غريبة وهي أن يذهب إلى الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي ويدعوه لحضور المعرض وافتتاحه، وكان الأمر أشبه بالطرفة، فالدكتور طه حسين كما هو معروف كفيف لا يرى، ولكن الأكثر غرابةً أن طه حسين وافق على الذهاب واصطحبه الشاب كمال الملاخ وظل معه يصف اللوحات الموجودة بالمعرض لوحةً لوحة، ونشأت علاقة بينهم بالطبع، فعندما تخرج الملّاخ عين أستاذاً بالكلية لمهارته الفائقة، وحدث أمرٌ ذكره في كتابه (قاهر الظلام) الذي كتبه عن الدكتور طه حسين، أن عميد كلية الفنون الجميلة وقتها قد أوقفه فجأة عن التدريس وألغى جدول المحاضرات الخاص به، فتوجه كمال الملاخ إلى المستشار الفني لوزير المعارف وقتها وكان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فقال له الدكتور طه حسين "لماذا لا تتجه لدراسة الآثار؟!" فرد عليه كمال الملاخ "مالي أنا والآثار وقد عقدت العزم أن أكون أستاذ عمارة" فرد عليه الدكتور طه حسين" وهل الآثار إلا عمارة، وأنا أريد تمصير الآثار المصرية بحيث لا تبقى مدى الدهر في أيدي الأجانب أنت أولى بحضارة بلدك" وفعلًا وجهه لمقابلة عالم الآثار المصرية الكبير إيتيندريتون، وبالفعل درس كمال الملاخ الآثار بجانب العمارة حتى عشقها وحصل علي ماجستير الآثار المصرية.
ولم يكن الملاخ مكتفيًا بنجوم بلده فقط بل تخطى حدود وطنه ليصل إلى النجوم العالميين، وهذا ما ساعده أن يرتبط بعلاقة قوية ساهمت في نجاح مولوده الفني بعد ذلك (مهرجان القاهرة السينمائي)، ويذكر عالم الآثار الدكتور زاهي حواس الذي ارتبط بعلاقة صداقة مع كمال الملاخ والذي اعتبره حواس أستاذاً له تعلم منه الكثير، أنه كان يقوم بالعمل في منطقة الهرم فإذا بكمال الملاخ يزوره ومعه الفنانة العالمية (إليزابيث تايلور) وقد كان فيلمها كليوباترا حديث الناس وكان الملاخ يشرح لها بطريقة أسطورية ما تراه أمامها في هذه المنطقة الأثرية، وأطلق عليه زاهي حواس من حينها لقب (الهرم الرابع).
وفي بلاد الغرب نجد كمال الملاخ ضيفًا على الملك جورج الخامس ومتجولًا في شوارع أوروبا كأي متسكع بسيط، التقى هناك بالرسام سلفادور دالي في افتتاح فيلم صديقه عمر الشريف (دكتور زيفاجو) بدار سينما لويس كابيتول بنيويورك وتعارفا والتقيا بعد ذلك بمعرض لدالي، وهناك أخبره دالي أنه أعظم رسام في الكون وأنه أعظم من بيكاسو وأذكى منه وأكثر صدقًا، كل هذا نقله لنا كمال الملاخ في كتاباته التي عشقها الناس وصاحبوه من خلال كلماته في أسفاره تمامًا كما فعلوا مع صديقه المقرب أنيس منصور.
وفي زيارة للجامع الأزهر التقى بالشيخ أحمد حسن الباقوري وجاء هذا الحوار الذي سجله في كتابه صالون من ورق (وفي الطريق إلى ساحة الأزهر الشريف وزمن يطلّ من ألف سنة منه وإليه ..التقى بالشيخ أحمد حسن الباقوري، وحمام أبيض يرفرف في زرقة السماء وابتهالات تسمع همهمتها بالقرب من الجدران، وطرقات هامسة تصلي بها حبات عددها 99 بعدد أسماء الله الحسنى .. تهمس بها سبحة الشيخ الباقوري، ومن الطبيعي أن يبدأ الحديث حول الصيام عند أهل محمد وأهل المسيح، بعد أن جمع الزمن بين الصيامين، بشرى لوحدة دامت على أرض النيل 12 قرنًا ويزيد).
الملاخ المثقف الواعي المنغمس في كل تفاصيل بلده دون النظر إلى الدين والعرق، كان يتحدث بهذا المفهوم، حتى إن الصداقة القوية التي جمعته بالكاتب الكبير أنيس منصور جعلتهما يظهران سويًا في مناسبات عدة وفي غير المناسبات وكان الناس يعتقدون أن كمال الملاخ مسلم وأنيس منصور هو المسيحي فمارس الملاخ هذه الوحدة التي وصلت إلى حد الاندماج الفعلي.
الملاخ الاثري
في ظهيرة يوم 26 مايو عام 1954م كان كمال الملاخ يتناول طعام الغداء مع صديقه المقرب أنيس منصور بمطعم الاكسليسور، في الوقت الذي كان يشرف فيه على تنظيف الجانب الجنوبي من الهرم الأكبر، وأثناء عملية التنظيف اكتشف العمال مصادفةً وجود فتحة بجانب الهرم والتي كان بها مركب خوفو، واتصلوا على الفور بكمال الملاخ الذي صاح فيهم (إنها مراكب الشمس)، وترك الملاخ وأنيس منصور المطعم سريعًا واستقلا سيارة أنيس منصور التي احترق محركها في شارع الهرم وهما ذاهبان، واعتقد منصور وقتها أنها لعنة الفراعنة، واستطاع الملاخ الوصول رغم ذلك الحادث إلى منطقة الحفر، وزحف داخل الحفرة على بطنه ليرى مراكب الشمس، ثم خرج وأعلن من هناك اكتشافه مراكب الشمس التي كان يبحث عنها منذ فترة طويلة، وقد وجدت حفرة مراكب الشمس جنوب هرم خوفو في حالة جيدة ومغلقة، وأُعيد تركيب مركب الشمس الأولى فبلغ طولها 42 مترًا، و سُميت بمركب الشمس وسُميت أيضا سفينة خوفو، ومعروف أن السفن الجنائزية كانت تستخدم في مصر القديمة للذهاب لاستعادة الحياة من الأماكن المقدسة سفن روح الآلهة.
في ذلك الوقت كانت علاقات كمال الملاخ بالصحف العالمية والمحلية وطيدة، فاستطاع أن يلفت انظار العالم كله تجاه هذا الكشف الكبير، وقد بدأ الأمر من جريدة النيويورك تايمز حيث أرسل الخبر الكاتب الصحفي ورئيس القسم الدبلوماسي بجريدة الأهرام حمدي فؤاد بتكليفٍ من كمال الملاخ، وسلطت الاضواء على الشاب المصري الذي اكتشف أهم اكتشاف أثري بعد مقبرة توت عنخ آمون، وسافر الملاخ إلى الخارج ليعطي محاضرات عن هذا الكشف الكبير، واستقبلته جامعات وعواصم الدول الغربية بحفاوة شديدة وظهرت صورته على غلاف مجلة التايمز الأمريكية، وفي مصر كان أنيس منصور يرد على أسئلة الصحافة نيابة عن صديقه، وعندما يتعذر عليه الرد بسبب معلومة علمية كان يستعين سريعًا بالعالم الأثري المصري الكبير سليم حسن، وبسبب هذا الاكتشاف الكبير نال كمال الملاخ وسامًا رفيعًا من أوسمة الدولة أهداه له الرئيس جمال عبد الناصر تكريمًا له لاكتشاف مراكب الشمس.
ولم يكن هذا الاكتشاف هو العمل المميز الوحيد لهذا الرجل العبقريّ، فقد عمل على ترميم آثار جزيرة فيله بأسوان وكشف عن حمام سباحة يوناني قديم في الأشمونين ورمم هيكله كما قام بترميم قلعة برج العرب وكذلك ترميم أهرامات الجيزة من الداخل والخارج.
بعد اكتشاف مراكب الشمس بسنوات قليلة وتحديدًا فى صيف عام 1957م تلقى مكالمة من الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي سأله: لماذا لا تتفرغ للصحافة وهل تعود للأهرام لو ذهبت أنا إليه؟ لم يتردد كمال الملاخ لحظة واحدة، وركب سيارته متجهًا إلى مصلحة الآثار وقدم استقالته في الساعة العاشرة صباحًا، وبعد نصف ساعة كان في جريدة أخبار اليوم يقدم استقالته، وتوجه بعد ذلك إلى الأستاذ هيكل ليستقر في صحيفة الأهرام متفرغًا للعمل الصحفي.
بعد ذلك سخّر كمال الملاخ قلمه لتعريف المجتمع المصري بآثار بلده والاكتشافات الأثرية المتلاحقة في ذلك الوقت، فنقل هذا العمل والعلم إلى الشارع المصري وقدم بذلك خدمة جليلة أعتقد أنها لا تقل أهمية عن اكتشافه (مراكب الشمس).
الملاخ أديبًا وناقدًا
من سمات الناقد أن يكون مواكبًا لعصره ويتحدث عن شخوصه بحيادية شديدة، وأن يكون متمتعًا بسلامة الذوق ودقة الحس وسعة الاطلاع، وعليه أن يعرف لغة واحدة على الأقل إلى جانب لغته الأصلية، هذه هي تحديدًا صفات الناقد كمال الملاخ الذي أثرى المكتبة العربية بكتابات نقدية وعلمية هامة، فبالإضافة إلى عموده اليوم (من غير عنوان) اهتم بإصدار الكتب الثقافية والفنية ومن كتبه: أغاخان - خمسون سنة من الفن - حكايات صيفية - صالون من ورق- بيكاسو المليونير الصعلوك - سويسرا - الحكيم بخيلًا، عن توفيق الحكيم والذي ربطته به صداقة كبيرة ممتدة - صقر الحرية - التيه - خمسون سنة من الفن - حول الفن الحديث - هؤلاء دخلوا التاريخ - جمال السجيني - كنوز النيل - النار والبحر - البساط السحري - ثم كتابه (ذهب توت عنخ آمون) الذي تصدر المبيعات في أمريكا وفاز عام 1979 بلقب الكتاب الأول المباع في أمريكا وصدرت منه ثلاث طبعات، كما أنه قام بعمل كتاب قاهر الظلام عن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والذي حوله إلى سيناريو وتم تصويره كفيلم سينمائي من بطولة الفنان محمود ياسين إنتاج 1978م.
أصدر الملاخ أيضًا مجموعة من الكتب للأطفال منها:
عروس النيل - أحمس قاهر الهكسوس - تحتمس الرابع - الناصر صلاح الدين - أم كلثوم - حديقة الحيوان.
كما ترجم العديد من الكتب إلى العربية منها كتاب (الإخوان سيف وأدهم وانلي) وهما شقيقان من أبناء الإسكندرية ومن أشهر الفنانين التشكيليين في مصر والعالم.
كان الملاخ يجيد رصد وتوثيق الأحداث والشخصيات بقلمه حتى إن بعض أصدقائه من النجوم كانوا يرغبون في أن يكتب الملاخ عنهم كتابًا، وقد حكى كمال الملاخ نفسه حوارًا دار بينه وبين عبد الحليم حافظ ليدل به على اهتمام حليم بالكتاب، حيث طلب منه عبد الحليم أن يكتب الملاخ عنه كتابًا فلما ذكره الملاخ أنه عبد الحليم الذي يملأ الدنيا طربًا وصيتًا، ليرد عليه عبد الحليم (بل الكتاب .. الكتاب) في إشارة أن أهم من كل ذلك هو أن يكتب عنه كتابًا، حتى إن الملاخ حاول إثناءه عن ذلك فرفض حليم وقال له الملاخ لن تتحمل الاسم الذي سأختاره لكتابك وهو (اليتيم) ولكن عبد الحليم وافق وقام بالفعل كمال الملاخ بإصدار كتاب عن عبد الحليم حافظ ولكن باسم مختلف وهو ( عبد الحليم حافظ والسينما).
جمعية كتاب ونقاد السينما
في أكتوبر عام 1973م أسس كمال الملاخ ونتيجة لحاجة نقاد السينما المتخصصين إلى كيان منظم (جمعية نقاد السينما المصريين)، ومن خلالها شارك الكاتب يوسف السباعي في تأسيس مهرجان القاهرة السينمائي عام 1976م والذي نجح في ترأسه لسبع سنوات بعد ذلك حتى عام 1983م، وبعد ذلك تولت الدولة ممثلة في وزارة الثقافة رعاية وإدارة المهرجان السينمائي الكبير وعملت إلى جانب المؤسسات المختصة إلى استمراره كمهرجان عالمي ضخم، وكذلك الأمر لمهرجان الإسكندرية السينمائي الذي أسسه كمال الملاخ عام 1979م وترأسه أيضًا بصفته مؤسس جمعية نقاد السينما.
جوائز كمال الملاخ
نال كمال الملاخ تقديرًا محليًا ودوليًّا، فبعد وسام الرئيس جمال عبد الناصر فاز بجائزة الدولة التشجيعية في أدب الرحلات عام 1972 سلمها له الرئيس أنور السادات، كما سلّمه الرئيس حسني مبارك جائزة الدولة التقديرية، كما نال تقديرًا عالميًا من أكثر من دولة، فقد وافق مركز دراسات أبحاث الفضاء، بناءً علي طلب جامعة كلورادو الأمريكية، على إطلاق اسمه علي أحد النجوم، وذلك في مناسبة مرور أربعين عامًا علي بدء اشتغاله في الحفائر والدراسات الأثرية، كما اختاره علماء الآثار الألمان عضوًا فخريًّا في رابطتهم عام1982، ومنحته جامعة واسيدا اليابانية شهادة تقدير في مناسبة عرض مجموعة من الآثار المصرية هناك، وفي عام1985 منحه علماء المصريات التشيكوسلوفاك، الزمالة الفخرية لرابطتهم، كما منحته فرنسا وسام فارس.
مراكب الشمس تعود من جديد!
أصاب كمال الملاخ حزنٌ شديدٌ بعد معرفته أن الجمعية الجغرافية قررت مع الدكتور أحمد قدري رئيس هيئة الاثار في ذلك الوقت استكمال الحفر في الحفرة الثانية التي بجانب مراكب الشمس والتي تحتوي على بقية المراكب وذلك من خلال فريق عمل قاموا بتكوينه دون أن يضعوا فيه كمال الملاخ، كان سبب الخلاف بين كمال الملاخ وهيئة الآثار يعود منذ اكتشافه الحفرة الأولى حيث قام بإبلاغ النيويورك تايمز والصحف دون الرجوع للهيئة الأمر الذي جعلهم يكذبون هذا الخبر بشكل علني ويقولون إنها ليست مراكب الشمس وأنها تسمية خاطئة ولهم وجهة نظر علمية في هذا الأمر، ولكن قام محمد حسنين هيكل الذي تربطه علاقة صداقة بالملاخ بزيارة الرئيس جمال عبد الناصر وإقناعه بزيارة الكشف الأثري، ومرّ الأمر في البداية وسافر الملاخ الى الخارج للتعريف بهذا الأثر وعندما عاد وجد هيئة الآثار قد خصمت من راتبه ونقلته من منطقة الهرم وتزامن ذلك مع اتصال محمد حسنين هيكل من أجل إقناعه بالعمل في جريدة الأهرام فتقدم حينها بالاستقالة، هذا الأمر بالطبع كان سببًا في عدم تواجد الملاخ ضمن فريق عمل الجمعية الجغرافية وهيئة الآثار، وقد شكا كمال الملاخ ذلك التصرف إلى العديد من المسئولين.
الوصول إلى خط النهاية!
في عصر يوم الخميس التاسع والعشرين من أكتوبر 1987م، عاد كمال الملاخ من مدينة الإسكندرية حيث كان هناك يعطي بعض المحاضرات، وكان صحيح الجسد في منتهى القوة حسبما ذكرت عائلته، وفجاءة شعر بلحظاته الأخيرة، فاعتلى سريره وأسلم الروح .. وفي جنازته التي أقيمت يوم السبت 31 اكتوبر 1987م وقد ودعت مصر واحدًا من أهم مثقفيها، رجل لم يؤمن بالتصنيف وأبدع في العديد من المجالات فقد كان أكبر من أن يحصر في مجال واحد.
في العام 2019 قرر جهاز التنسيق الحضاري من خلال مشروع (عاش هنا) الذى يخلد رموز مصر للأجيال القادمة من خلال وضع لافتة تحمل أسماءهم في الأماكن التي كانوا يعيشون فيها، وبالفعل أُدرج اسم كمال الملاخ في المشروع ووُضعت لافتة تحمل اسمه وعنوانه الذي يقع في شارع 26 يوليو بالزمالك، القاهرة.
*خبير التراث المحلي منظمة اليونسكو
مصادر:
• مقال الاستاذ فايز فرح – موقع الأقباط متحدون، المصريين متحدون
• كتاب صالون من ورق - الأستاذ كمال الملاخ – مؤسسة الأهرام
• حكايات صيفية - الاستاذ كمال الملاخ - مؤسسة الأهرام
• مقال د.زاهي حواس - جريدة الشرق الأوسط
• مقال اروا الشوربجي - جريدة الوطن
• لقاءات تليفزيونية
• برنامج كاميرا 9 – أماني ناشد - التليفزيون المصري
• برنامج اثنين على الهوا – طارق حبيب، منى جبر – التليفزيون المصري

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات