الكاتب : ثناء هاشم
فى عام 1997 بلغ مهرجان القاهرة سن الرشد، وهو نفس العام الذي رحل فيه الكاتب الكبير
سعد الدين وهبة، والذي ترأس المهرجان منذ عام 1985 وحتى وفاته في 1997، والذي
تطور فيه المهرجان تطورًا نوعيًا واحتلّ مكانة مهمة فى المنطقة العربية وتقلّب المهرجان في
هذه الفترة بين شهرة ذائعة الصيت وهجوم وخلافات عنيفة ونجاحات نادرة أيضًا، حتى كادت
هذه الفترة الطويلة الموارة أن تحجب وراءها السبع سنوات الصلبة التى ترأسها كمال الملاخ
المهندس والأثري والمؤرخ الكبير مؤسس الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين
ومؤسس المهرجان في أغسطس عام 1976، أي بعد ثلاث سنوات من حرب أكتوبر العظيمة
1973.
وفى ذلك العام 1997 بدأت علاقتي بالقاهرة أيضًا عندما جئت من الإسماعيلية وتقدمت لامتحان
القبول بالمعهد العالي للسينما ولم يحالفني التوفيق فى القبول هذا العام، ولكنني ظللت أتردد
على القاهرة أثناء انعقاد دورة المهرجان هذا العام لمشاهدة بعض أفلامه كنوع من إزكاء
حماستي وإثراء معرفتي بالسينما الغربية التى كانت علاقتي بها تنحصر فى برنامج نادي
السينما الذى كان يعده الناقد الراحل يوسف شريف رزق الله وتقدمه على شاشة التليفزيون
المصري درّية شرف الدين، وبرنامج أوسكار الذى كان يعدّه الناقد الكبير نفسه والذي كان
يعتبر بحق المسئول الأول عن تعريفنا بالسينما العالمية فى بيوتنا طوال الوقت، فضلًا عن
بعض الأفلام الأمريكية التجارية المستعارة من نوادي شرائط الفيديو التي كانت منتشرة
آنذاك.
كنت ألتهم مايكتب عن الأفلام لإعداد نفسي ووعيي جيدًا استعدادًا لخوض مغامرة التقدم للمعهد
مرة أخرى برغم تأكيد أساتذتي لي أنني لم أرسب، ولكن لائحة القبول الخاصة بنسبة
الخريجين المقبولين للمعهد حالت دون التحاقي بالمعهد هذا العام، ولكنني كنت محمومةً
بالتعرف على السينما من كل صوب وحدب، قرأت لنقاد يتحدثون عن فقد سعد الدين وهبة
والذي كان يقف كصخرة جامدة أمام التطبيع واشتراك إسرائيل بأفلامها فى مهرجان القاهرة،
وعن دوره فى اكتسابه الصفة الدولية عام 1991، وعن معاركه التي خاضها فى مجلس
الشعب ليحمى استقلاله عن الدولة، وعن الأفلام التجارية التى ملأ بها وهبة المهرجان
وألصق على أفيشها عبارة (للكبار فقط) ليصبح المهرجان مستقبلًا أساسيًّا لمن يبحثون عن
المناظر لا القصة، كانت أسعار التذاكر مرتفعة الثمن نسبيًا قياسًا بحالتي المادية آنذاك، ولكن
لا بأس سأحاول أن أنتقي بحدسي الشخصي ما سوف أراه، كنت أودّ أن أشاهد فيلم إيفيتا
الموسيقي للمخرج آلان باركر، كنت قد سمعت أنه فيلم الافتتاح ولكنني لم أستطع وقتها،
ولكنني شاهدت عددًا من الأفلام بعضها أصابني بدهشة بالغة من فرط جرأته، كانت القاعات
مكتظة بجمهور عادي أغلبه لا يعرف اللغات الأجنبية بشكل جيد تمكنه من متابعة الحوار أو
قراءة الترجمة، كانوا بالأحرى يتابعون الصور ويتسلّون بأشياء أخرى، خروشات أكياس
الشيبسي والسندويتشات والضحك والهمهمات وشهقات الاستنكار وصفير الحماسة لمشاهد
العري تملأ القاعات، ربما أفسد هذا الهرج والمرج متعة مشاهدتي الأولى لأنواع غريبة عليّ
من السينما ولكنه جهّز بداخل عقلي وروحي أرضًا لاستقبال أسطورة السينما فيما بعد
وتحولي لأسيرة ذلك السحر حتى الآن.
وفى العام الثاني ولمدة أربع سنوات تالية كان الممثل المصري حسين فهمي قد تبوأ رئاسة
المهرجان، وكاد أن يعقد كشف هيئة لرواده، الندوات غير متاحة لأغلب الناس ولا سيما
الطلاب حتى لو كانوا طلاب معهد السينما، الكيان الوحيد آنذاك الذى كان يخرج صنّاعًا
للأفلام قبل أن تنتشر ورش ومقاعد تعليم السينما كما هو الحال الآن، غالبية عروض الأفلام
المهمة لا نستطيع التحصّل على تذاكر لحضورها، إما لغلوّ ثمنها أو لنفادها، ولم يكن وقتها
مسموحًا لنا استخراج كارنيه للعروض، ولا اقتناء مطبوعات المهرجان الفاخرة والتى كانت
تذهب طواعية لقلة يستفيدون منها وكثر لم يتعدّ اطلاعهم عليها غلافها اللامع الأملس، أو
حتى نشرات المهرجان التى وصفتها وقتها إحدى الناقدات بأنها توزع بسرّية كالمنشورات
السياسية قديمًا برغم تفاهة محتواها .
وقد كان المنقذ لنا هو تلك العروض التى أقامها الدكتور فوزي فهمي رئيس أكاديمية الفنون وقتها فى قاعة سيد درويش الكائنة بالأكاديمية بالتعاون مع أحد أهم الأساتذة الذين مرّوا بنا فى معهد السينما وهو الدكتور رفيق الصبّان، كان أمرًا مبهجًا، إذ أن قلة نادرة تكاد لا يكمل عددها أصابع اليد الواحدة من أساتذة معهد السينما من تتم دعوتهم لحفل الافتتاح والختام أو يُدعون للندوات الهامة وهو سلوكٌ مستمر ومتعمّد حتى وقتنا هذا، فلا نشعر نحن طلابهم فى أروقة المهرجان بدفء وجودهم وشرعية واطمئنان لوجودنا، فكان ذلك الاستحقاق الذى لم يدم لنا طويلًا بعرض بعض الأفلام بالأكاديمية حدثًا جيدًا بل وعظيمًا، ولم نستفد وحدنا من هذه العروض وإنما استفاد منها عددٌ لا بأس به من صغار الصحفيين وباقى أساتذتنا المقطوع صلتهم بالفعاليات المهمة بالمهرجان الذي وُصف وقتها بمهرجان رجال الأعمال، المهم أننا شاهدنا أفلامًا لا تزال تعلق بذاكرتي، تعرفت من جديد على المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد وفيلمه نسيم الروح، صاحب فيلم صعود المطر حيث السخرية فى أسلوب جديد تتدفق احتجاجًا وحنينًا كما عبرت عنه الناقدة لينا ديوب، والمخرج الأسباني الرائع خوان أنطونيو بارديم وتحفته (النتيجة النهائية) وصاحب أفلام عظيمة كـ(السوناتات) و(الأبرياء)، و(لم يحدث شيء أبدًا) و(سبعة أيام من يناير)، حيث صور هذا الفيلم الأخير فى أكثر فترات أسبانيا حُلكةً بعد سقوط فرانكو ومحاولة الفاشية الضارية أن تعود بأشدّ طرقها عنفًا وقسوةً، وكذلك (البؤساء) للمخرج الدانماركي بيل أوجست بطولة الجميلة إيما ثورمان والذى انتبهنا لجمال صنعه الكلاسيكي فيما بعد، وغيرهم، بيد أن الأفلام التى أحببتها لم تفز بأية جائزة، وفازت أفلام هزيلة وباهتة، كان منها الفيلمان المصريان (اختفاء جعفر المصري) للمخرج عادل الأعصر و(كونشرتو درب سعدة) لأسماء البكري، واللذان فازا فى تلك الدورة الثانية والعشرين مناصفة بجائزة نجيب محفوظ، .
ووقتها سألت أحد أساتذتي كيف يفوز فيلمان كهذين الفيلمين وغيرهما بجوائز مهمة فيما تخفق أفلام تملكت روحي وتخرج خالية الوفاض من مهرجاننا الدولي، أجابنى بخبث، أليس فوز فيلمٍ مصريٍّ حتى لو كان ضعيفًا أمر يبهجكِ، أتذكر أننى غضبت وشعرت بغصّة فى حلقى وبلؤم السؤال وقسوته، فانسحبت من أمامه ولم أردّ، وظللت لأيام أتذكر سؤاله وأشعر بالذنب تارة وبالحنق تارة أخرى، أنا أعشق سينمانا المصرية وهى بحق أحد أهم وأعرق سينمات الدنيا، نحن احتفلنا بمئوية السينما المصرية مع العالم 1996، نحن بدأنا مع الدنيا، وكان لدينا أفلام ونجوم يشبهون العالم ويطاولونه، فلم علىَّ إذن أن أتقبلَ فيلمًا خشنًا وثقيلًا على روحي كدرب سعدة الذى حصل على جائزة باسم أحد أهم أدبائنا على الإطلاق بل وأفتخر أيضًا فيما ليس من حقي أن أحزن لإزاحة فيلم لخوان بارديم أو فيلم كنسيم الروح كان بالفعل أثره على نفسي كاسمه
تمامًا، وبعد فترة عدت لأستاذي واستوقفته وقولت له لديّ إجابة عن سؤالك الذي مرّ عليه
أيام، نظر لي نظرةً حانيةً وهزّ رأسه متحمسًا، فقلت له بثبات، لا، لا يبهجني فيلم مصريّ
هزيل وضعيف، ولا ينتمى لسينما من أبنائها كمال سليم ونيازي مصطفى وعز الدين ذو
الفقار وفطين عبد الوهاب وكمال الشيخ وصلاح أبوسيف ويوسف شاهين وداوود عبد السيد
ومحمد خان وغيرهم، كما لن يبهجني أي فيلم رديء فى الدنيا مهما كانت أهمية سينماه التى
ينتمي لها، لن يبهجني من الآن وصاعدًا سوى الفيلم الجيد الذى يمسّ روحي، وأيًّا كانت
جنسيته سأصنع يومًا ما مثله ربما كانت مشاعري طفوليةً وقتذاك ومتحمسةً لكل جميل وجليل، وربما كانت نتيجة ما قلت لأستاذي سيلًا من الأفلام العالمية الأجنبية بكل جنسيات السينما بما فيها العربية وبكل ألوانها
وأساليبها فى مادتي الورشة الإبداعية والتخصص، أتحفني بهم، ولا أعلم هل كانت تحيةً لى أم
عقابًا شديدًا بالإفراط في الجمال كان الدكتور رفيق الصبان السينى فيل الكبير يعبئ مكتبته أيضًا بالأفلام التي لم نرها فى مهرجان القاهرة وكافة مهرجانات العالم ويفرغها أمامنا على الشاشة فى قاعات الدرس ولكن بتأني الأستاذ ونضارة العاشق المولع بالسينما، عرض لنا فيلمين تذكرتهما على الفور، أحدهما
ذلك الذي شاهدته فى أول حضور لي لمهرجان القاهرة، إنه أحد تلك الأفلام الذى صنفه
الأفيش فى آخر دورة لسعد لدين وهبة قبل وفاته "للكبار فقط" فيلم (شمس وقمر)، ذلك الفيلم
الأوروبي الصنع، والذى تعرقت يداي وتجمعت حبّات العرق على جبيني وأعلى شفتي من
ردود أفعال الجمهور الصاخبة حولي، لم أفهم ثلاثة أرباعه وقتها، مشاهد قليلة حادة وصادمة
هي التى علقت منه بذهني منذ شاهدته، ولكن تحت مجهر الفحص فى قاعة الدرس اكتشفت
سيناريو بارعًا ومشاعر إنسانية عبثية ناعمة برغم غرائبيتها على السلوك الإنساني
الاعتيادي، وأداء محكم لأبطاله، يومها أدركت كيف أن غالبية تعاطينا مع الأفلام في عموم
الفعاليات السينمائية فى مصر يمثل نشاطًا مرتبكًا ومشوشًا وعقيمًا وربما يشبه كساحات
المطر يجرف أمامه الكثير من الأعمال القيّمة دون أن يعي جوهرها المتفرجون أو حتى
متذوق السينما العادي وربما نكون نحن هنا (دارسو السينما) أوفر حظًا من هؤلاء، وربما كنا
أوفر حظًا أيضًا بوجود أساتذة كبار فى حياتنا وقتها نتتلمذ على أيديهم ويثرون بعمق نشاطنا
الفكري السينمائي والفلسفي الجمالي.
وفى عام 2002 عام تخرجي، كانت آخر علاقة لي بالمهرجان كطالبة، ولكنني كنت قد امتهنت
الصحافة وقتها ولكن بوجه آخر يتجاوز بمسافات طويلة صحافة الخبر، كان شريف الشوباشي
قد خلف حسين فهمى فى رئاسة المهرجان، ولعل أهم ما يمكن أن يعين أى صحفي فى عمله
فى حدث كهذا بالطبع هو نشرات المهرجان والتى كانت لا تعدو يوميات الضيوف وجولاتهم
السياحية تحت سفح الأهرامات وخلافه، وأخبار سريعة غير مشبعة وحوارات صحفية
مقتضبة باردة، افتتحت هذه الدورة بالفيلم المصري (معالي الوزير) للمخرج سمير سيف
وأحد أساتذتنا المهمين بمعهد السينما وأحد المخرجين القلائل الذين يعنون كثيرًا بقواعد النحو
السينمائي للنوع الفيلمي الذى يقدمه، والذى صرح يومًا ما أن وجوده فى المعهد فى موقع
الأستاذ منعه وحصنه من الوقوع فى فخ الإسفاف والابتذال وأنه من أعاد الاعتبار لأفلام
الأكشن فى السينما المصرية وأخلص لها، فضلًا عن تميز هذه الدورة بوجود دافىء لسينمات
مختلفة على ذائقتنا وقتها كالسينما الإفريقية والبولندية والبرتغالية واليونانية والسويسرية،
فشاهدنا على سبيل المثال، (الكرة الذهبية) من غينيا، و(ودائما مالو) من الكاميرون، و(سفر
التكوين) من مالي، سينما خشنة متجهمة لكنها تقطر صدقًا وألمًا ونضالًا، ثم التحفة البرتغالية
(سرب الطيران المنخفض) للمخرج سوليفج نوردم، و(غدًا متأخر جدًا) الفيلم اليوناني والذي
بدا مختلفًا عن السينما اليونانية التقليدية المفعمة بالفلسفة والتأمل ومن إخراج لايا جورجيو،
وغيرهم وعندما توجهت للسيد شريف الشوباشي لعمل حوار معه حول المهرجان وأفلامه وفعالياته
ورؤيته وما له وما عليه، سألنى إن كنت صحفية أم سينمائية، إذ يبدو أن أسئلتي أثارت حيرته
والتي لم يردّ عليها بتاتًا، وعندما أخبرته أننى نصف صحفية نصف سينمائية، اكتفى بالتجهم
وإشاحة وجهه عني وإخبارى بشكل قاطع أنه لا يتعامل مع هؤلاء ولا هؤلاء، والحق إنني لم
أشأ أن أسأله مع من تفضل أن تتعامل إذن، إذ كنت لحظتها قد قررت ألا أحاور مسئولًا أبدًا
بعد الآن، لاسيما إن كان مسئولًا يدير قطعة من الروح والقلب والخاطر، حتمًا لن يجدى هذا
نفعًا لمن هم مثلي.
لم تنقطع علاقتي أبدًا بمهرجان القاهرة ولا بأي مهرجان فى مصر يفيض بالأفلام وبالرغبة التي
تأبى أن تموت بداخلي مهما ماتت الرغبات، وهى صناعة الأفلام والفرجة عليها والانكباب
على دراستها كأولئك الذين يفحصون الجواهر ويثمّنونها، وأدركت مع الوقت كنه ما كان
يعنيه المخرج سمير سيف حول علاقته بالمعهد وتأثيره عليه لاسيما عندما أصبحت أنا أيضًا
أستاذًا بذات الكيان، نعم وجودنا كأساتذة بالمعهد يحول بيننا وبين أشياء كثيرة خطرة وسيئة
ومسيئة، ومع تجدد كل دورة للمهرجان، والذى أمنح طلابي إجازة كاملة من المحاضرات
طيلة أيامه ليتغذوا وتنمو ذائقتهم وفضيلة الجمال لديهم، وينضج وعيهم أكثر، لكي يتمكنوا من
صنع أفلام تطاول الدنيا، مع كل دورة يتجدد الجرح، كأننا كما قال برجسون فى بدايات
السينما أن الناس والأشياء منقادون دومًا إلى البقاء فى الظل، لكن أنّى للمبدع ذلك وهو ذلك
العازم دومًا على الظهور للوجود؟!
ولكننا منذ ما يقرب من ثلاثة عقود عازمون على التخفي المخجل وسط هذا الصخب السنوي من الإبداع الكونيّ أيًّا كان تحفظنا على مستوى الأفلام التى تصل لمهرجاننا الدولي الذي يعافر من أجل البقاء والصمود، ولكن المسافة بين سينمانا وما نرى كالمسافة بين السماء والأرض، صناعة السينما لدينا ليست بخير، ومايجود به مصنع أحلامنا الذى باتت أطلالًا أيضًا ليس بخير، للحد الذى وصل بنا الأمر لأن تعقد الدورة التاسعة والثلاثون من المهرجان بلا فيلم مصريّ يمثلنا فى المسابقة الرسمية، وليمرّ هذا الحدث الجلل
علينا كسحابة صيف لا تتوقف فوق رؤوسنا كثيرا وفى كل عام وبعد انتهاء دورة المهرجان وبعد أن أتأكد أن طلابي كانوا يغدون ويجيئون فى أروقة المهرجان بحيوية وتفتح داخل فسحة الإبداع تلك، ويتشبعون روحيًا وذهنيًا بالتجارب الجمالية المختلفة، يذوبون فيها كذوبان السكر والماء كما يصف جيل دولوز فيلسوف التجدد لعملية الإبداع وتلقيه.
يعودون لنا فى قاعات الدرس تلمع فى عيونهم مقاطع خفية من الأفلام التى علقت بأرواحهم،
يحكون عنها ويتناقشون ويقتربون بفعل الفرجة الطازجة للأفلام من حلمنا لهم كأساتذة بإعادة
الفكر لصور سينمانا المصرية التي تلفظ أنفاسها أمامهم فيما هم مستمرون فى الحلم
متجاوزون بشغف وحماس سحابة الانكسار التى ألمحهها تعبر وجوههم فى خضم بهجة
الفرجة على الأفلام من شكل أفلامنا ومستواها ووضع سينمانا المصرية الحالي، وضعف
الأمل في أن يتمكنوا يومًا ما أن تمثل بجدارة أفلامهم فى مهرجاننا العريق ومهرجانات
الدنيا، ولكن وبرغم كل شيء ..
آمل أن يظل مهرجان القاهرة بالتحديد والذى يحمل هويتنا وسمعتنا الدولية بلا شك، نضرًا
وواعيًا لدوره الثمين فى إقامة جسر متين مع السينمات الأخرى وأن يعدل مساره طوال الوقت
وأن يحفل بأفلام ثمينة وأنشطة سينمائية حقيقية من كافة أنحاء العالم، وأن يتحلى بالشجاعة
والتجرد إزاء دوره البالغ الأهمية فى قلقله وإزعاج حالة الكمون التى أصابت إبداعنا وحتى لا
يصبح صناع السينما بمصر يومًا ما أشبه بعازف البيانو فى الأفلام الصامتة، سلالة منقرضة،
على حد تعبير ستيوارت أودرمان فى مقاله العذب الشهير، صوت الصمت.