الكاتب : عزة ابراهيم
من قلب الخيال والولع بالسينما جاءت فكرة إقامة مهرجان القاهرة السينمائي ومن نبض أجيال عاشت السينما كحلم ودهشة لا نهائية ، كان ولع الناقد الفني بجريدة الأهرام كمال الملاخ بسحر السينما ومتابعته للمهرجانات الدولية هو ما جعله يفكر مع عدد من النقاد في عمل مهرجان سينمائي دولي في القاهرة ليتعرف الجهمور المصري على نجوم وصناع السينما العالمية ويشاهدون أفلامهم في عروضها الأولى.
ربما بدأت الفكرة بدوافع سياسية تجاه الآخر المحتل لأرضنا العربية في فلسطين ، لكن المؤكد أنها استمرت بدوافع نابعة من رغبة أكيدة في معرفة سينما الآخر المتحضر وإضافته الفنية لعالم السينما الساحر عامًا بعد عام وجيلًا بعد جيل، وكذلك الدخول في حوار سينمائي طويل ومستمر أتاح للجمهور المصري تواصلًا فنيًا مع سينمات الشعوب الأخرى ومبدعيها ورؤاهم الفنية الثرية والمتنوعة.
الفكرة بدأت في برلين
بدأت الفكرة كحلم شخصي للملاخ وعدد من الكتاب والنقاد كانوا في برلين عام 1975 يتابعون مهرجانها الدولي العريق الذى بدأ عام 1951، وعلى مائدة الإفطار في الفندق الذى يقيمون فيه قرأ لهم الناقد "عبد المنعم سعد" خبرًا في مجلة "فارايتي" الأمريكية عن اعتزام "الكيان الصهيوني" تنظيم مهرجان سينمائي في القدس فذهل الحاضرون من هذه الجرأة حيث إن "الكيان الصهيوني" بلا أي تاريخ سينمائي من أي نوع، في الوقت الذي كانت السينما المصرية قد أصبحت فيه صناعةً كبرى وأحد مصادر دخلنا القومي، فمصر رائدة أول صناعة سينمائية في أفريقيا والشرق الأوسط. واشتعلت المناقشات فيما بينهم على مدار يومين واتفقوا على ضرورة أن يكون في مصر مهرجان سينمائي دولي ليس كرد فعل على جرأة الصهاينة، ولكن لتدخل الفكرة التي قضوا سنوات في الحلم بها حيّز التنفيذ .
أدرك "كمال الملاخ" أن السينما هي خلاصة الفنون ومن أجلها ترك منصبه كمدير لمصلحة الآثار، رغم تألقه وإنجازاته في هذا المجال والتي توجت باكتشافه لمراكب الشمس عند قاعدة الهرم الأكبر بالجيزة ،حيث إن شغفه بالسينما كان أكثر إلحاحًا عليه مما جعله يتجه للنقد والكتابة السينمائية ويتابع سينمات ومهرجانات العالم بجانب عمله في كلية الفنون الجميلة .وكما اكتشف مراكب خوفو التي أعدها للسفر إلى الجانب الآخر من الحياة فإن "الملاخ" بإقامته لمهرجان القاهرة حقق قفزة نوعية في علاقتنا بالآخر السينمائي وفتح الباب على مصراعيه للقاء مصر بكل شعوب العالم من خلال هذه التظاهرة السينمائية التي جلبت للمصريين تشكيلة منوعة وزاخرة من إبداعات الفن السابع.
اشتعلت جذوة هذه الشرارة التي اندلعت من لقاء برلين سنة 1975 في فندق إنتركونتننتال بين هذه المجموعة من النقاد والصحفيين وهم : الكاتب الصحفي "كمال الملاخ" والنقاد "فوميل لبيب" و"عبد المنعم سعد" و"ماري غضبان" و"أحمد ماهر"، ولم يتوقفوا عن العمل حتى انطلق مهرجان القاهرة السينمائي لأول مرة في السابع عشر من أغسطس عام 1976 ورفرفت في سماء القاهرة أعلام الدول المشاركة وعددها ثلاث وعشرون دولة شاركت بنحو مئة فيلم ،منها أربعة عشر فيلمًا في المسابقة الرسمية.
الخطوات الأولى نحو الحلم
بعد العودة للقاهرة دعا "كمال الملاخ" نفس المجموعة ومعهم الصحفي "مفيد فوزي" على الغداء في نادى الجزيرة واستكملوا اجتماع برلين وحددوا الخطوات العملية للسير قدمًا في إقامة المهرجان، وكانت أولى هذه الخطوات هي إشهار جمعية فنية تتولى تنظيمه وإقامته .وطلب "الملاخ" من "عبد المنعم سعد" و"مفيد فوزي" عمل الاتصالات اللازمة مع وزارة الشئون الاجتماعية المشرفة على الجمعيات لإشهار "الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما ."وبالفعل أشهرت الجمعية واختير الأديب ووزير الثقافة وقتها "يوسف السباعي" رئيسًا فخريًّا لها بسبب حماسه للفكرة، وليعطى ثقلًا وجديةً للمهرجان الوليد.
وخصص"السباعي" شقة في شارع عرابي بجوار اتحاد النقابات الفنية لتكون مقرًّا للجمعية .وسعى لدى وزير المالية ليخصص ميزانية للمهرجان ولكن كعادة وزراء المالية في كل عصر، ردّ بأن هناك أولويات لوزارة المالية أهم من المهرجان .لم تكن الصعوبات المالية أوغيرها قادرة على أن تطفئ جذوة هذا الأمل والحماس الذى اشتعل في قلب "كمال الملاخ" لإقامة المهرجان والتصدي لأية تحديات وعقبات في طريق هذا الحلم .
وبالفعل بدأوا في تشكيل مجلس إدارة للجمعية برئاسة" كمال الملاخ" واختير "حسن إمام عمر" نائبا للرئيس و"عبد المنعم سعد "السكرتير العام و "أحمد ماهر" أمينًا للصندوق. وضمت الجمعية بين أعضائها" أحمد صالح" و"حسن عبد الرسول " و" عبد المنعم سعد" و"فوميل لبيب "و"ماري غضبان" و"محمد الحيوان "و"مفيد فوزي" و"يوسف جوهر".
وتشكلت هيئة المهرجان الأول من كل من "كمال الملاخ رئيسًا" و "عبد المنعم سعد" مديرًا و"ماري غضبان" للعلاقات الخارجية و"حسن عبد الرسول" أمينا عاما و"أحمد ماهر" أمينًا للصندوق وعضوية كلٍّ من "فوميل لبيب" و"مفيد فوزى" و"أحمد صالح" وانضم اليهم في الدورات التالية "حسن شاة" و"إيريس نظمى" و"عدلى المولد".
المهرجان يحصل على الصفة الدولية ..
انطلق المهرجان دوليًا منذ اللحظة الأولى، وافتتحه رئيس الوزراء وقتها "ممدوح سالم" بحضور الأديب "يوسف السباعي" وزير الثقافة والرئيس الفخري لجمعية كتاب ونقاد السينما المنظمة للمهرجان .ولكي يحصل على الصفة الدولية كان لابد أن يكون عضوًا فى إتحاد المنتجين بباريس الذى يمنح الصفة الدولية وكان يرأسه مسيو "الفونسو بريسون" وقتها، وأهمية الحصول على الصفة الدولية هي أنها تضع المهرجان على خريطة المهرجانات الدولية مما يساعد في التنسيق بين موعده وموعد المهرجانات الأخرى لجلب أفلام عالمية الإنتاج ولم يسبق عرضها تجاريًا لتعرض للمرة الأولى في المسابقة الرسمية .وقد لعب "د. ألفريد باور" رئيس مهرجان برلين الذي كان صديقًا للملاخ دورًا كبيرًا في دعم المهرجان المصري الوليد وفى إقناع رئيس اتحاد المنتجين الدوليين بمنح الصفة الدولية له مما جعله يرحب بالفكرة ويتحمس لها .وبدأت المراسلات بين الاتحاد الدولي للمنتجين بباريس والقاهرة، وتم تحويل مبلغ 1350 دولارًا كرسوم اشتراك.
تمويل المهرجان وعثرات البداية
واجه المهرجان صعوبات في تمويله بعد أن ذكر وزير المالية أن إقامة مهرجان سينمائي ليست أولوية للوزارة، فبدأ المهرجان بدون تمويل من جهة محددة وعمل الجميع كمتطوعين، ولم تكن الجمعية المشرفة على المهرجان تحصل إلا على إعانة بسيطة من وزارة الشئون الاجتماعية، وكان كل ما قدمه المركز القومي للسينما من دعم للمهرجان هو توفير فتاتين للقيام بأعمال السكرتارية والاتصالات الدولية.
لكن كل هذه العقبات لم تكن لتوقف قطار الأحلام الذى انطلق بالفعل، فمن جانبها قامت الناقدة "ماري غضبان" بالسفر إلى إيطاليا لدعوة نجوم السينما العالمية وتمكنت من الحصول على دعوات لتوفير نفقات الفندق، كما سافر عبد المنعم سعد إلى "كان" وأحمد ماهر إلى موسكو للاتفاق على إحضار الأفلام .وتمت المراسلات بين "الملاخ" ونجوم السينما لتنسيق حضورهم إلى القاهرة ووافق ثمانية عشر نجمًا على دعوة الملاخ .وتحقق الحلم وأقيم المهرجان الأول في فندق شيراتون الذى استضاف النجوم الذين حضروا بعد أن وافق مدير الفندق "سامى الزغبى" وقدم تخفيضات كبيرة على الغرف، ومن جانبها قامت شركة مصر للطيران بتخفيض أسعار التذاكر، ودعمت وزارة المالية المهرجان بإقامة الحفل الغنائي في ختام المهرجان الأول معفيًا من الضرائب وفيه غنت "شادية" وعبد الحليم حافظ".
رأى الناقد "أحمد رأفت بهجت" أن سبب تعثر المهرجان في دوراته الأولى كان نتيجة لقلة الإمكانيات في ظل ارتباك اقتصادي كانت تعانيه مصر، وانعكس على البنية الأساسية وخاصة السينمائية المتمثلة في دور العرض وكوادرها والتجهيزات الإدارية القادرة على التواصل مع العالم الخارجي، فقد صادف المهرجان في دوراته الأولى قوى متحكمة سواءً في إطار المجتمع الثقافي أو خارجه، وكان لها تأثيرها السلبي على بعض أنشطته .لعله يقصد بالقوى المتحكمة الرقابة التي لم تفلت أفلام المهرجان من مقصها الجائر على الإبداع والحرية في أحيان كثيرة .
والخلاصة أنه خلال رئاسة "كمال الملاخ" للمهرجان التى امتدت في الفترة من: 1976 1984 واجه فيها العديد من العثرات رغم أن الرئيس "محمد أنور السادات" عبر عن دعمه للمهرجان منذ أول دورة له وأرسل تحياته للقائمين عليه مع رئيس الوزراء في حفل افتتاحه لأول مرة، فمن المعروف أنه كان من عشاق السينما والتمثيل وربما لو لم يكن ضابطًا لصار ممثلًا سينمائيًا .رغم هذا الدعم كانت الظروف معاكسة في معظم الأحيان لكن تم تجاوزها بإصرار الحالمين بفتح شبابيك وأبواب سينمات القاهرة أمام سينما مختلفة وغير تجارية.
أفلام الآخر ونجومه في دورات "كمال الملاخ"
بقراءة سريعة في خريطة الأفلام التي استضافها المهرجان في دوراته الأولى سنلمس الحرص على التنوع والفكاك من سيطرة هوليود القابضة على سوق السينما العالمي ومن سطوة الفيلم الأمريكي .ففي الدورة الأولى شاركت ثلاثة وعشرون دولة بأفلامها وعددها ستة وعشرون فيلمًا، كان من بينها أربعة عشر فيلما داخل المسابقة الرسمية .وحضرت السينما الإيطالية ونجومها بقوة وتنوع حيث بلغ عدد أعضاء الوفد الإيطالي 12 نجمًا وسينمائيًا، و كان لإيطاليا أربعة أفلام داخل المسابقة الرسمية هي "مرح العرائس" و"انتبه من المهرج" و"قلب الكلب" و"السفلة" الذى حضرت بطلته" كلوديا كاردينالي" للقاهرة وأعربت عن حماسها للمهرجان وعدم ترددها في قبول الدعوة وسعادتها لزيارة مصر ورؤية النيل ومراكب الشمس وحضارة الفراعنة العظيمة وبلاد صديقها "عمر الشريف" الذى مثلت معه فى فيلم "جحا" كما صرحت للصحف وقتها .كما كان ضمن الوفد الإيطالي أيضا المخرج الإيطالي "البرتو لاتوادا"، و"ماريا أنجيلا ميلانو".
ومن الهند التي كانت تنتج وقتها أربعمائة فيلم سنويًا حضر نجم السينما الآسيوية وبطل فيلم سانجام " راجندر كومار" وقال إن مهرجان القاهرة هو أول مهرجان يحضره في حياته، وشاهد الجمهور المصري النجم الذي سبقته أفلامه إلى شاشات العرض في القاهرة. وإجمالًا بلغ عدد النجوم الذين حضروا الدورة الأولى ثمانية عشر نجمًا.
وربما تشجيعًا للمهرجان الوليد فقد فاز "عماد حمدي" بجائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم "المذنبون" للمخرج المصري سعيد مرزوق" ، وفازت السوفيتية "لينا كاريسثينز" بجائزة نفرتيتي الذهبية كأفضل ممثلة عن الفيلم السوفيتي "عندما يأتي الخريف"
وفى الدورات التالية ترسخت أقدام المهرجان وبدأ يلفت أنظار العالم إليه، ففى دورته الثانية، شاركت خمس وعشرون دولة بنحو سبعين فيلمًا منها خمسة وعشرون داخل المسابقة الرسمية، وشارك عددٌ من الدول الآسيوية لأول مرة مثل بنجلادش وباكستان وسيريلانكا وماليزيا وكوريا الجنوبية .وشهدت هذه الدورة أفلامًا أكثر تنوعًا وأكثر اهتمامًا بالسينما التي صنعتها مخرجات صاعدات في ذلك الوقت أصبحن ذوات شأن فيما بعد ، ففرنسا وحدها شاركت بستة أفلام كان من بينها فيلم "الأولى تغنى والثانية لا" للمخرجة "أنيس فاردا" التي رحلت عنا هذا العام .ومن ألمانيا الغربية شاركت المخرجة "هيلما سندر" بفيلم عن حياة الشاعر الألماني "كلايست" يحمل اسمه . واشتركت انجلترا بعدة أفلام لعل أبرزها فيلم" جيبروكي" للمخرج "تيرى جليام "الذى قررت إدارة مهرجان القاهرة الحالية في الدورة الحادية والأربعين منحه جائزة "فاتن حمامة" التقديرية عن مجمل أعماله تقديرًا لمسيرته الممتدة لأكثر من أربعة عقود ولإسهاماته البارزة في صناعة السينما. كما شاركت الولايات المتحدة الأمريكية بخمسة أفلام .
وقد كانت مصر موجودة بقوة خلال الدورات الأولى للمهرجان حيث شاركت في الدورة الثانية بثلاثة أفلام هي "أفواه وأرانب" للمخرج هنرى بركات وفيلم "وثالثهم الشيطان" للمخرج كمال الشيخ و"قطة على نار "لسمير سيف، واستنكر الجميع عدم حضور النجمة فاتن حمامة لتسلم جائزة نفرتيتي الفضية التي فازت بها عن دورها في "أفواه وأرانب".
وخلال الدورة الثانية تضاعف عدد النجوم المشاركين وكان من بينهم الممثل البريطاني "تريفور هيوارد" رئيس لجنة التحكيم في ذلك العام، والممثلة الفرنسية "ماري جوزيه نات" التي شاركت في لجنة التحكيم أيضًا واليونانية الكبيرة "إيرين باباس" وكذلك مخرج فيلم" زوربا اليوناني" مايكل كاكويانيس" والأمريكية "أورسولا أندرسن" وفي الافتتاح فوجئ الحاضرون بوجود المغني المصري اليوناني "ديميس روسوس" المولود في الإسكندرية والذى قوبل بعاصفة من المحبة والتصفيق من قبل الحاضرين.
"ألبرتو مورافيا" و"جان لسكير" في الدورة الثالثة للمهرجان
جاءت الدورة الثالثة عقب اغتيال "يوسف السباعي" الرئيس الشرفي للمهرجان، ولأنه كان هناك إصرار على استمرار هذا التواصل مع الآخر، طرق القائمون على المهرجان أبوابًا جديدة، فدعوا شخصيات مهمة للحضور كالأديب الإيطالي "ألبرتو مورافيا" والشاعر والفيلسوف الفرنسى "جان ليسكير" رئيس الجمعية الفرنسية لأفلام الفن والتجريب، والذى ترأس لجنة التحكيم في تلك الدورة، كما شاركت إيران للمرة الأولى بفيلم "رحلة الحجر" للمخرج "مسعود كيمالي" وقد حصل على جائزة نفرتيتي الفضية.
رفع اسم "إليزابيث تايلور" من القائمة السوداء
جاءت الدورة الرابعة عقب معاهدة السادات للسلام مع الكيان الصهيوني والتي لم تعترف بها الشعوب العربية، وتشكلت في مواجهتها حركة مقاطعة لكل ما هو صهيوني ولكل من يتعامل مع الكيان لذلك أصدروا قائمة سوداء ضمت عددًا من نجوم السينما العالمية لعلاقتهم ودعمهم للكيان الصهيوني .وكان ضمن هذه القائمة "إليزابيث تايلور" حيث دعاها "الملاخ" للمهرجان عن طريق توسيط" صلاح خرما" صاحب شركة "أفلام مصر الجديدة للإنتاج والتوزيع "الذىDكان أيضًا يملك شركة برفانات "بروت" وكانت نجمة إعلاناتها هي "إليزابيث تايلور "التي وافقت على الحضور بعد اتصال "خرما" بها والتنسيق معها، فطلبت رفع اسمها من القائمة السوداء أولًا، وبالفعل تدخل "السادات" لدى مكتب المقاطعة في دمشق لتلبية طلبها.
وعلى متن طائرة كونكورد - كانت ضمن شروطها لحضور المهرجان- جاءت "تايلور" من نيويورك إلى لندن في ساعتين ثم استانفت رحلتها إلى القاهرة .وعرض لها فيلم "دورية ليل"، وفى ختام المهرجان أهداها رئيس المهرجان تمثالًا لحتحور.
رغم تسلط كل الضوء في تلك الدورة على "تايلور" فإن هناك أفلامًا قوية لم تأخذ ما تستحقه من الاهتمام كانت قد شاركت في نفس الدورة مثل فيلم "الطبلة" للمخرج الألماني "فولكر شلندروف".
وشهدت تلك الدورة أيضًا عدة أزمات أخرى كبيرة، وهي انسحاب بعض الدول احتجاجًا على مقص الرقيب الذى شوه 12 فيلمًا من الأفلام المشاركة، وهذا ضد لوائح المهرجانات الدولية .وقررت هذه الدول سحب أفلامها والمطالبة بتعويضات مالية كبيرة على هذا التشويه، وفي المؤتمر الصحفي المنعقد عقب الفيلم اليوغسلافي ثار مخرجه وقال إنه لن يتكلم لأن الفيلم الذى شاهدوه مشوهًا ليس فيلمه.
كذلك فإن المهرجان كان عرضه لسحب الصفة الدولية منه أيضا في تلك الدورة بحجة عدم إقامة حفل استقبال لائق لإليزابيث تايلور، والعجيب أن وزير الثقافة وقتها" منصور حسن" طالب بإلغاء المهرجان بدلًا من رعايته.
اغتيال السادات يؤجل الدورة الخامسة وعودة قوية في السادسة
توقف المهرجان في دورته الخامسة لمدة عام بسبب تزامن توقيته مع اغتيال "السادات" ثم أقيم فيما بعد على نطاق ضيق، حيث اعتذر كثير من النجوم عن الحضور، كذلك لم تكن هناك مسابقة دولية أو لجنة تحكيم دولية .ورغم ذلك عرض عددًا من الأفلام الجيدة في إطار أشبه بأسابيع عرض الأفلام .
وبإصرار وعناد "كمال الملاخ" شهدت الدورة السادسة حضور وفود سينمائية من 24 دولة وبلغ عدد الأفلام المشاركة 90 فيلمًا، وكان من بين أبرز الحاضرين في هذه الدورة نجمنا المصري العالمي "عمر الشريف" والمخرج الإيطالي "ماورو بولونينى" الذي عرض له المهرجان تسعة أفلام. كما تم عرض 28 فيلمًا مصريًّا في بانوراما السينما المصرية التي أقيمت في إطار المهرجان وكان من بينها، "سواق الأتوبيس" لعاطف الطيب و"العار" لعلي عبد الخالق و"العذراء والشعر الأبيض" لحسين كمال و"أرزاق يا دنيا" لنادر جلال و "نص أرنب" لمحمد خان.
وفى الدورة السابعة كان من أبرز الأفلام التي عرضت في إطار علاقتنا بالآخر فيلمان من إنتاج الفنانة" فانيسيا ريد جريف" عن القضية الفلسطينة وهما" الفلسطيني" للمخرج "روبير بيتر سباي" وفيلم "حنا ك" للمخرج العالمي "كوستا جافراس" الذي كان حضوره لمهرجان القاهرة في ذلك العام حدثًا شديد الأهمية حيث أثار فيلمه "حنا ك" جدلًا واسعًا بين المهتمين بالسينما وبالقضية الفلسطينية التي يناصرها الفيلم. وكذلك فقد عبر الفيلمانعن الطريقة التي يرانا بها الآخر، وإلى أي مدى يناصر قضيتنا العادلة في فلسطين المحتلة .
ولأن المهرجان كان قد أصبح أشبه بحوار سينمائي مفتوح مع سينما وشعوب العالم كله فقد شهدت تلك الدورة أيضًا حضورًا قويًا لما كان يسمى بسينما العالم الثالث الأفريقية والعربية والآسيوية .كذلك كان هناك تأكيد لدور الأدب في السينما من خلال اللقاء الهام للأديب الكبير "يوسف إدريس" مع جمهور وضيوف المهرجان، وقال فيه إن السينما بالنسبة لدول العالم مسألة حياة أو موت.
مهرجان شيراتون
رغم كل الجهود التي بذلت ليصبح لدينا مهرجانٌ دوليٌّ في القاهرة فإن هناك كثيرًا من الانتقادات التي وجهت له في بداياته وربما استمر بعضها حتى الآن، جاءت هذه الانتقادات من الجمهور ومن النقاد ومن القائمين على المهرجان أنفسهم، فقد وصفه شيخ النقاد الذى كان شابًّا وقتها "سمير فريد" بأنه مهرجان "شيراتون" أي مهرجان النخبة الضيقة ونبّه هو وغيره إلى ضرورة أن تتسع القاعات للجمهور العادي ليحصل على حقه في الثقافة السينمائية التي أصبحت ضرورة وحقًّا ولا غنى عنها لكل إنسان.
والخلاصة أن مهرجان القاهرة السينمائي بات جزءًا من تاريخنا وساهم في تشكيل وعينا السينمائي وعلاقتنا بالآخر، لأنه أتاح لنا رؤيته والتعرف عليه والدخول في تفاصيل حياته وأزماته وتفاعلاته وإبداعاته الإنسانية وصناعاته السينمائية، كما أتاح لنا معرفة أين نحن من كل هذا، وخلق لدينا تساؤلات لابد أن نجيب عليها على رأسها: لماذا أصبحنا غائبين هكذا عن هذا العالم الرحب؟
مراجع
1 - اليوبيل الفضي لمهرجان القاهرة السينمائي للمؤلف أحمد رأفت بهجت
2 – مهرجان القاهرة السينمائى 40 لمؤلفه محب جميل
3 – الأرشيف الصحفي لمهرجان القاهرة السينمائي