عن أسبوع النقاد الدولي في دورتيه الثانية والثالثة

لمياء فتحي 13 مايو 2022 مهرجان القاهرة السينمائي.. نظرة عن قرب

الكاتب : لمياء فتحي
كانت البداية مع الدورة السادسة والثلاثين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2014 برئاسة الناقد الراحل سمير فريد، حيث خصص حصة من كارنيهات المهرجان لطلبة الجامعات المصرية من غير الدارسين للسينما، فأصبح المهرجان الذي نُقِل إلى قاعات دار الأوبرا المصرية ملتقى لمحبي السينما من كل الأعمار والاتجاهات والخلفيات الثقافية. ورغم كونها الدورة الأولى التي يحضرها كلّ هذا الجمع، ظهر الانبهار الكبير بالمهرجان الذي وصل إلى حد الهوس ووصفها الكثيرون بالدورة الاستثنائية، فهي لم تقتصر على تكريم أسماء سينمائية مشهورة أو استضافة عددٍ هائلٍ من الأفلام الهامّة فحسب، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال تكوين جمهورٍ حقيقيٍّ من محبي السينما. كما كان للبرامج الموازية التي أنشأها الناقد سمير فريد في تلك الدورة دورٌ كبيرٌ في جذب قطاع هائل من الشباب لحضور فعالياتها، وتمثلت تلك البرامج في ثلاث مسابقات: أسبوع النقاد، وآفاق السينما العربية، وسينما الغد. ولم يخطر على بال أحد منا حينذاك تولي مهام تلك المسابقات في الدورات اللاحقة.


بعد المشاركة في الدورة الأولى من ورشة أساسيات النقد السينمائي بجمعية نقاد السينما المصريين في عام 2015، وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم أسبوع النقاد بمهرجان القاهرة السينمائي آنذاك، تواصل معي الناقد والمخرج أحمد حسونة، مدير أسبوع النقاد ونائب رئيس الجمعية، من أجل العمل معه في الدورة الثانية من أسبوع النقاد. ورغم اتفاقنا في بادئ الأمر على تولي مهام الأفلام والتواصل الخارجي مع الموزعين، زادت تلك المهام بشكل تدريجي حتى وصلت إلى منصب مساعدة المدير الفني لأسبوع النقاد، الأمر الذي أزعج البعض بالتأكيد، خاصة من أعضاء الجمعية، لصغر السن وقلة الخبرة المهنية، ولكننا لم نبال للأمر كثيرًا وحققنا دورتين حالفهما النجاح في عامي 2015 و2016.

ولكن .. ما أسبوع النقاد ودوره بالمهرجان؟
نشأ أسبوع النقاد الدولي بمهرجان القاهرة السينمائي في عام 2014 على غرار المهرجانات السينمائية الكبرى كبرنامج مستقل تنظمه جمعية نقاد السينما المصريين بدعم من المهرجان، حتى دورته الثالثة وقبل انفصاله عن الجمعية عام 2017، حيث عمل على تشجيع الأفلام الطويلة الأولى أو الثانية لمخرجيها على اختلاف أنواعها الفنية (روائي - تسجيلي - تحريكي - تجريبي..). لم يقتصر دور أسبوع النقاد على عرض 7 أفلام فقط، بل اتجه إلى تنظيم عدة فعاليات ثقافية واستضافة نخبة من السينمائيين والنقاد البارزين خلال دوراته الثلاث، مما أعطاه طابعًا مميزًا منذ البداية.

كانت المهمة الأصعب بالطبع اختيار أفلام المسابقة التي تقوم على أسس فنية بحتة لكنها تهتم في الوقت نفسه بالتنوع الديموغرافي للأفلام والمخرجين، وكذلك تنوع "تيمات" الأفلام خاصةً التسجيلية منها، حيث تتكرر العديد من المواضيع الخاصة بالأحداث الجارية مثل قضايا اللجوء والهجرة والحروب الأهلية. ورغم ابتعاد أسبوع النقاد في اختياراته عن الأفلام التجارية أو التعليمية واهتمامه بأفلام "اﻵرت هاوس" ذات الجمهور الأقل عددًا في العالم أجمع، نجح في جذب جمهور عريض حُرِم من تلك النوعية من الأفلام التي ﻻ تعرض في القاعات السينمائية المصرية عادةً.

كواليس الدورة الثانية من أسبوع النقاد الدولي 2015

بدأ أسبوع النقاد في دورته الثانية يأخذ طابعًا خاصًا بعد أن وضحت معالمه سواء في اختياراته للأفلام أو من خلال الفعاليات المختلفة. فبعد أن اقتصر في دورته الأولى على الندوات الثقافية بجانب المسابقة الرسمية خلال مدة الأسبوع، استحدث في دورته الثانية بعض البرامج الأخرى. كان من أبرزها إنشاء برنامج خاص (بانوراما فيلمية) يستعرض أهم المحطات السينمائية في دولة بعينها أو عدة دول تحكمها فكرة محددة ويناقشها مع الجمهور ناقد بارز من تلك الدولة. فجاءت بانوراما الفيلم البولندي بخمسة أفلام هامة من تاريخ السينما البولندية وهي: "قنال" 1957، و"أرض الميعاد" 1975 للمخرج الشهير أندريه فايدا و"صدفة عمياء" 1987 للمخرج الكبير كريستوف كيشلوفسكي، و"الدين" 1999 للمخرج كريستوف كراوزا، و"في الظلام" 2011 للمخرجة إجنيشكا هولاند. وقد لاقت البانواما إقبالًا كبيرًا من الشباب المتحمس لمناقشة تلك الأفلام لعمالقة المخرجين البولنديين مع الناقد البولندي ووكاش ماتشيفسكي، عضو الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي)، والتي يرونها للمرة الأولى على شاشة السينما. كما استحدث أسبوع النقاد تكريمًا لأبرز النقاد في العالم العربي، وبدأ بتكريم الناقد والمخرج الكبير هاشم النحاس، وكذلك حلقات البحث التي شارك فيها مجموعة من النقاد المصريين والعرب.

أما بالنسبة لأفلام المسابقة الرسمية لأسبوع النقاد في تلك الدورة، فكان نقص الدعم المادي من أهم العقبات التي واجهتنا في استضافة الأفلام، مما اضطرنا في بعض الأحيان إلى استبعاد بعض الأفلام الهامة والجديرة بالعرض بسبب قلة الموارد المتاحة لدينا. وعلى الرغم من ذلك استطعنا تقديم توليفة من الأفلام العالمية الجديدة واستضافة مخرجيها من الشباب للتفاعل مع الجمهور الذي دأب على الحضور بعد تجديد ثقته في البرنامج منذ دورته الأولى. تنوعت الأفلام بين الروائي والتسجيلي والدوكودراما (الأفلام التي تمزج بين العناصر الروائية والتسجيلية معًا) من عدة بلاد وإنتاجات مشتركة من بولندا والتشيك والدنمارك والبرازيل وفرنسا وسنغافورة وقرغيزستان ومصر. فكانت المرة الأولى التي يتم فيها عرض فيلم مصري خلال المسابقة الرسمية للأسبوع، وهو الفيلم التسجيلي "توك توك" للمخرج روماني سعد، والذي تناول فيه قصص سائقي التوك توك من الأطفال والمراهقين ومشاكلهم الاجتماعية مع الأهل من جهة، ومع الحكومة من جهة أخرى. وإن كان الفيلم الوحيد الذي لم يتم اختياره على أساس فني فقط بل ليمثل مصر أيضًا في المسابقة، إلا أنه كان تجربة مهمة لصانعه وفرصة لعرضه على الجمهور المصري الذي أقبل إقبالًا شديدًا على الفيلم وتفاعل معه.
على الجانب اﻵخر قمنا باختيار فيلمين تسجيلين اشتركا معًا في كونهما دراما تسجيلية شعرية لمخرجات نساء، ولم يكن التنوع الجندري الأساس في اختيارهما على غرار الكوتة الأوروبية في بعض المهرجانات بل القيمة الجمالية لهما، وهما: "غريبة، مثيرة وما إلى ذلك" للمخرجة اليونانية إيفانجيليا كرانيوتي و"أولمو والنورس" للمخرجة البرازيلية بترا كوستا والدنماركية ليا جلوب. تناول "غريبة، مثيرة وما إلى ذلك" قصص البحارة على باخرات البضائع التي تجوب العالم، وعندما يصلون إلى الموانئ يقيمون بعض العلاقات الجنسية مقابل مبلغ من المال، لكنهم لا يفقهون شيئًا عن أحاسيس تلك النساء اللاتي يتركونهن في اليوم التالي دون الرجوع إليهن مرة أخرى. عبّر الفيلم عن تلك المشاعر عبر صورة مرئية شاعرية للبحر والعاهرات كبيرات السن ولغة قليلة أقرب للشعر عن تلك العوالم الخفية، مما جعله يقتنص جائزة فتحي فرج لأفضل إسهام فني عن استحقاق. حصل كذلك "أولمو والنورس" على تنويه خاص من لجنة التحكيم المكونة من المخرج الكبير الراحل محمد خان، والناقد اللبناني محمد رُضا والناقد النيجيري شايبو حسيني. والفيلم هو رحلة شعرية وجودية داخل أعماق ممثلة مسرح خلال الأشهر الأولى من الحمل، والتذبذب بين الاحتفاظ بالجنين أو التنازل عنه في سبيل تحقيق حلمها كممثلة، فتحاول تصور فلسفة جديدة للحياة والهوية والحب. رغم كونه فيلمًا نسائيًا بامتياز إلا أنه قدر على تحقيق المعادلة الصعبة في توصيل تلك الانفعالات بصورة فنية معتمدة على لغة السينما لا لغة الحوار.

أما الفيلم الفائز بجائزة شادي عبد السلام لأفضل فيلم ذلك العام، فذهبت إلى الدراما النفسية المركبة "العنكبوت الأحمر" للمخرج البولندي مارتسين كوشاوكا. وتدور أحداثه حول شاب يقوده الفضول إلى البحث عن قاتل متسلسل يجوب شوارع كراكوف في الستينيات حتى يلتقي به وتتبدّل الأدوار بينهما. رغم سيطرة أجواء الغموض على الأحداث منذ البداية، فالفيلم لم يقع في فخ أفلام الرعب الاستهلاكية واتجه إلى الإثارة النفسية سواء على صعيد الأحداث الدرامية أو عن طريق الصورة المرئية للفيلم التي غلب عليها اللون الأحمر تمهيدًا للنهاية غير المتوقعة. فكان اختيار الفيلم لعرضه بأسبوع النقاد متفَقٌ عليه من الجميع لجرأته الفنية التي أثنى عليها الجمهور أيضًا.
لم تضع جهودنا في تحضير تلك الدورة هباءً، فالإقبال الجماهيري كان أكثر مما توقعنا بعد أن تقرر عرض الأفلام بالتزامن مع المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي، ورغم قوة المنافسة بين أفلام الأسبوع وأفلام المسابقة الرسمية للمهرجان التي تعتبر بالطبع أولوية للحاضرين، استطاع أسبوع النقاد أن يصنع قاعدة جماهيرية استمرت معه في الدورات التالية. ورغم تعنت بعض موظفي المهرجان أو دار الأوبرا المصرية في التعامل مع فريق عمل أسبوع النقاد، خرجت تلك الدورة وفق توقعاتنا.

كواليس الدورة الثالثة من أسبوع النقاد الدولي 2016

كان التحضير للدورة الثالثة من أسبوع النقاد عام 2016 هو الأصعب، نظرًا للسمعة الطيبة التي اكتسبها الأسبوع خلال الدورتين السابقتين ومحاولة الحفاظ عليها مرة أخرى وكسب ثقة الجمهور للمرة الثالثة على التوالي، بالإضافة إلى توسع الفعاليات الموازية للمسابقة الرسمية. فبعد استحداث البانوراما الفيلمية وتكريم أبرز النقاد في الدورة الثانية، استضاف أسبوع النقاد في دورته الثالثة ورشة النقد السينمائي مع الناقد الأمريكي كيفن لي، كبير كتاب الفيديو بموقع فاندور، مع مجموعة متميزة من النقاد والصحفيين الشباب وأُسند تنسيق الورشة إلى الناقدة رشا حسني، التي حضرت بالفعل نفس الورشة من خلال مشاركتها في مواهب "البرليناله".

من العقبات الكبيرة التي واجهتنا خلال التحضير لتلك الدورة، ليس فقط قلة الدعم المادي المقدم من مهرجان القاهرة السينمائي (60 ألف جنيهٍ في تلك الدورة) بل انخفاض قيمة العملة وبالتالي ارتفاع أسعار الأفلام بالعملات الأجنبية وكذلك ارتفاع ثمن تذاكر طيران المخرجين، الأمر الذي أثر بالطبع على المهرجان بأكمله. وكان من ضمن العقبات أيضًا في تلك الدورة دور الرقابة في رفض بعض الأفلام التي قمنا باختيارها لمسابقة أسبوع النقاد لاحتوائها على مشاهد جنسية اعترضت عليها الرقابة. ومن جهة أخرى وافقت الرقابة على فيلمين آخرين بعد تعنت بعض الموظفين حيث وافقت على عرض فيلم بشرط تصنيفه بأنه للكبار فقط +18 وفيلم آخر بشرط عرضه مرة واحدة فقط بدون إعادة في اليوم التالي مثل بقية الأفلام في تضارب شديد بين موقفها من الأفلام التي رفضتها في البداية وموافقتها على عرض أفلام أخرى أكثر إثارة للجدل.

زاد عدد الأفلام المقدمة لأسبوع النقاد الدولي في دورته الثالثة مما جعل اختيار 7 أفلام فقط من بينها تحديًا كبيرًا. كما رُفضت رفضًا تامًا في تلك الدورة مشاركة أي فيلم تركي أو إيراني أو قطري مهما كانت جودته الفنية، الأمر الذي جعلنا نعيد حساباتنا مرة أخرى بعد اختيارنا لبعض الأفلام التركية بالفعل. وبعد فترة طويلة من المشاهدات والمناقشات والاختلاف في وجهات النظر أحيانًا، استقرينا في النهاية على اختيار 7 أفلام لاقت صدى جماهيريًا واسعًا وتفاعل معها الجمهور، بل وأصبح بعضها حديث المتفرجين أثناء المهرجان.

كان الفيلم الأكثر إثارة للجدل هو الفيلم التشيكي" أنا، أولجا هيبناروفا" لمخرجيه توماس فاينرب وبيتر كازدا والمرشح لجائزة أفضل فيلم أوروبي لعام 2016، حيث وافقت الرقابة على عرضه لمرة واحدة فقط لجرأة موضوعه واحتوائه على بعض المشاهد التي تراها الرقابة غير ملائمة!، يتخذ الفيلم من أحداث حقيقية منطلقًا له، فأولجا هيبناروفا هي آخر امرأة طُبق عليها حكم الإعدام في التشيك عام 1973 بسبب قيادتها لشاحنة ضخمة دهست بها أكثر من 35 شخصًا في تجمع بمحطة انتظار الترام وهي بكامل قواها العقلية من أجل الانتقام من المسيئين إليها في علاقاتها الاجتماعية طوال الفيلم، الذي جاء بالأبيض والأسود مما ساعد في ظهور قسوة العلاقات وبرودة المشاعر من خلال التكوينات المرئية والتناقض بين الضوء والظلال. ورغم تلك القسوة التي يصورها الفيلم لم يغادر الجمهور قاعة السينما على غير العادة في مثل هذه الأفلام بل أصبح حديث الساعة بين جدران دار الأوبرا ولا يزال جمهور أسبوع النقاد يتذكره حتى هذه اللحظة.

أما الفيلم اﻵخر الذي وافقت عليه الرقابة بعد عدة مفاوضات على شرط تصنيفه للكبار فقط +18 رغم عدم احتوائه على مشاهد تستدعي هذا التصنيف هو الفيلم اللبناني التسجيلي "إمبراطور النمسا" للمخرج سليم مراد. فهو فيلم ذاتي شديد الخصوصية حيث يواجه المخرج والديه بمثليته الجنسية وبالتالي عدم إنجابه في المستقبل، فيرد عليه الأب بسخرية بأنه ليس امبراطور النمسا لكي ينتظر منه الجميع أطفالًا. ورغم جرأة الموضوع والتسليم بالمثلية الجنسية دون ابتزاز للمتلقي، لعب أيضًا العامل البصري دوره في إيصال تلك الأفكار المسيطرة على المخرج طوال الفيلم ويصاحبه شريطٌ صوتيٌّ مميزٌ ينقلنا إلى عالم المخرج الخاص. لذلك استحق الفيلم تلك المفاوضات من أجل خروجه إلى قاعات السينما المصرية ولو لعرضين فقط.

استضاف أسبوع النقاد الدولي في دورته الثالثة بانوراما الفيلم الألماني بالتعاون مع معهد جوته في القاهرة وميونخ من خلال عرض عدة أفلام تحت عنوان "أفلام من خلف حائط برلين"، تتناول الفروقات الاجتماعية والعلاقات المعقدة بين ألمانيا الشرقية والغربية قبل الاتحاد من خلال منظور جديد قدمته الدكتورة الأكاديمية ماكسا تسولر والمخرجة ماريا مور. عرض البرنامج مجموعة من الأفلام الألمانية الكلاسيكية والحديثة تضمنت: "سولو سوني" 1978 للمخرج كونراد فولف، وهو فيلم موسيقيّ تدور أحداثه في ألمانيا الشرقية عن مغنية صاعدة تريد أن تدخل عالم الشهرة من خلال فرقتها الموسيقية ولكن دون أمل. لعبت الموسيقى دورًا عظيمًا خلال أحداث الفيلم حيث أصبحت موسيقى الجاز المعلق الخفي على الأحداث كما ساعدت في اندماج المتلقي مع حياة سوني البائسة. وكذلك الفيلم التسجيلي "وداعًا أيها الشتاء" 1988 للمخرجة هيليكه ميسلفيتس، والتي سافرت قبل عام من سقوط سور برلين من جنوب ألمانيا الشرقية إلى شمالها بالقطار في محاولة لاستكشاف ذلك الجزء المنعزل عن العالم. يظهر تأثر الفيلم بالفيلم الروسي الشهير "الرجل والكاميرا السينمائية" للمخرج دزيغا فيرتوف في تصوير الحياة اليومية للأفراد وانفعالاتهم الحقيقية دون ممارسة الضغط عليهم، وقد اعتمدت ميسلفيتس على التصوير بالأبيض والأسود لتظهر عدم انحيازها لأي فصيل منهما.
كان من بين تلك المجموعة فيلمان جديران حقًا بالمشاهدة للمخرجة سينتيا بيات وهما: "الدوران حول الإطار" 1989 والجزء الثاني لنفس الفيلم "الإطار المخفي" إنتاج عام 2009. فقد انطلقت بيات مع الممثلة الشهيرة تيلدا سوينتن بدراجاتهما في عام 1988 حول سور برلين من الجانب الغربي له في محاولة لاكتشاف الجانب اﻵخر من المدينة المحاصرة بالعساكر وكاميرات المراقبة، ليقوما بتسجيل لحظات نادرة من التاريخ الألماني قبل سقوط الحائط بأشهر قليلة. أما الجزء الثاني للفيلم فجاء بعد 30 عامًا من هذه الرحلة لتقوم تيلدا سوينتن بنفس المغامرة على دراجتها في برلين الحديثة التي تغيرت معالمها بالفعل بل وأصبحت قبلة للّاجئين والمهاجرين من مختلف الجنسيات.

رغم نجاح الفعاليات الأخرى في تلك الدورة، لم يحظ البرنامج الألمانيّ بشعبية واسعة رغم أهميته وقيمة الأفلام المعروضة فنيًا وتاريخيًا، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب صعبت إتاحة مشاهدتها للجمهور. فعلى العكس من البرنامج البولندي في الدورة الثانية من أسبوع النقاد والذي كان حضوره مجانيًا وعرضت أفلامه في الرابعة والنصف عصرًا، لم يوافق المهرجان في الدورة الثالثة من أسبوع النقاد على عرض البرنامج الألماني دون مقابل مادي، فحمّل هذا الجمهور عبئًا إضافيًا لمشاهدة أفلام كلاسيكية، فكان من الطبيعي انصرافه عنها في مقابل مشاهدة الأفلام الجديدة، كما كانت العروض في الثانية عشرة ظهرًا، رغم استهداف البرنامج للطلبة والشباب في الأساس لذلك لم يتمكن العديد من محبي السينما الألمانية من الحضور، خاصة وأن الأفلام ليس لها إعادة في اليوم التالي.

انفصل أسبوع النقاد عن جمعية نقاد السينما المصريين بعد تلك الدورة لأسباب مالية تتمثل في عدم قدرة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على دعمه المادي، وانحصر دوره على عرض 7 أفلام خلال أيام المهرجان دون أي نشاط آخر يذكر، بعد أن ذاع صيته بين مبرمجي الأفلام والموزعين الأوروبيين خلال الدورات الثلاث. وأصبح يرأسه شخصٌ واحدٌ بعد أن كان يتولى مهامه فريق عمل كامل من النقاد والشباب المتطوعين المصريين والأجانب من محبي السينما، والذين ساهموا بشكل هائل في خروجه بتلك الصورة. فكان أسبوع النقاد الدولي من أهم التجارب الملهمة، ربما لكل القائمين عليه، التي ساعدت في عملية بناء حوارٍ ثقافيٍّ خالصٍ بين الشرق والغرب دون شعاراتٍ زائفةٍ أو بروباجندا مبتذلة.
*مساعدة المدير الفني لأسبوع النقاد الدولي خلال (2015 - 2016)


التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات