الكاتب : ترجمة: أحمد زغلول الشيطي
أنتوني لين
ترجمة: أحمد زغلول الشيطى
عندما تكون عجوزًا، وأشيب، ويغالبك النوم، ما الذي سوف تتحدث عنه؟ أحفادك، الروائح البعيدة، مذاقات طفولتك؟ حبك الأول؟ أم الوقت الذي سرت فيه داخل مطعم "إمبرتو" للمأكولات البحرية، وأطلقت النار على "جو" المجنون، أنت فقط لم تضربه جيدًا، لذلك هو هرب إلى الخارج، على الأرجح كمن يترنح، أنت تتبعت الرجل، وأجهزت عليه فوق الرصيف، أنت تعلم أن البوب..البوب كان قد أنهى الصفقة. المصير المؤسف " لجو" واحدة من الوقائع العديدة التي أعادها إلى الأذهان فرانك شيران " روبرت دي نيرو" لأجلنا في " الأيرلندي" حيث كان يقيم في دار للمسننين، مستعيدًا من الماضي ذكريات القتل.
مخرج الفيلم مارتن سكورسيزى، يعود إلى التربة الخصبة التي سبق وأن حرثها وزرعها في " شوارع وضيعة" 1973، "كازينو" 1995، " المغادرون" 2006، والحلقة الافتتاحية من " إمبراطورية الممر" 2010. الفيلم الجديد اقتبسه "ستيفن زيليان" عن كتاب "تشارلز براندت" الذي يعتمد جزئيًا على محادثة مع "فرانك شيران " الحقيقي، والذي توفى في 2003. الكتاب معنون "سمعت أنك تطلى المنازل". نحن نرى التعبير على الشاشة مكتوبًا بأحرف كبيرة. على ما يبدو، هذا ما يمكنك قوله للقاتل المأجور حين تود تقديم استفهام مهذب، حول مدى توفره -نصيحة مفيدة، لكن، ليس إذا كنت تريد فعلًا إعادة تزيين منزلك.
تُحكى الحكاية بتقنية الفلاش-باك، إما عبر الصوت، أو الكاميرا، حيث فرانك ينظر إلينا مباشرة –على نحو مقلق – كما لوكان يخضع لمقابلة من أجل فيلم وثائقي، ننزلق جيئة وذهابًا، عبر العقود، نقتفى أثر فرانك، صعودًا وهبوطًا، حتى سقوطه. نحن نراه رفيقًا شابًا صغير السن، يقدم اللحم، ومن ثم يقوم بأعمال الترتيبات القذرة لصالح "البوفالينوز" الذين هم ليسوا كما يوحى الاسم، الملوك المسيطرون في تجارة الموزاريلا، لكنهم عشيرة إجرامية شهيرة في فيلادلفيا.
فرانك المستدعى للمحكمة بتهمة السرقة يدافع عنه بيل بوفالينو "راى رومانو" ويقدمه لراسل " جو بيسكى" ابن عم بيل الذي يصبح رفيقًا للروح مدى الحياة. سرعان ما يتخرج فرانك من أعمال الترتيبات القذرة إلى الأعمال الضخمة، مع سكورسيزى، مثل غالبًا، يتم تجنب البريق لأجل التفاصيل الكئيبة، مسدس يتم تسليمه مخفيًا داخل كيس ورقى بنى اللون، دون ضجة، أكثر مما لوكان سندوتش.
خطوة التصعيد التالية تكشف، عن تقديم فرانك ل "جيمي هوفا" " آل باتشينو" الزعيم المطلق لنقابة سائقي الشاحنات، والذي يحتاج إلى بودي جارد. من المفيد مقارنة هوفا/ آل باتشينو، وجاك نيكلسون في فيلم "هوفا" 1992 الذي جرى الاقلال من شأنه. يظهر باتشينو أصخر حجمًا وأعلى صوتًا. بالتحديق في هذه المدارات المسكونة بالأشباح، نرى جاك نيكلسون أكثر من كلب بلدغ-هو شخصية بطل خارق، ينطق عددا قليلا من الكلمات، وبالتالي، من أجل أموالى، يترك أثرًا أكثر استحواذًا، أيضا فشل باتشينو في تجديد نفسه بالتخلص من التشنج الذي لازمه في النصف الثاني من حياته المهنية. أيًا كان الدور هو يقوم بمط كلمة من مقطع واحد لتكون من مقطعين أو حتى ثلاثة، وينطق كل مقطع بنغمة مختلفة، لذلك ك "هوفا" بدلًا من أن ينطق كلمة "الاحتيال" هكذا من مقطع واحد ونغمة واحدة، يقول " الاح..تي..ال" ويطلق على ذلك متلازمة حرف العلة العصبي. الآن أتركه عند هذا الحد.
الكثير من فيلم "الأيرلندي" قد استُهلك ربما أكثر من اللازم في مراحله المتأخرة بمنطق هوفاHoffalogical الأمر الذي أعطى وزنًا للتخمين. هوفا اختفى في يوليو 1975 ولم يترك أثرًا، انتشرت الشائعات منذ هذا الحين. يدعم الفيلم مزاعم "براندت" الذي وسم فرانك في كتابه بأنه قاتل هوفا، سواء اشتريت هذه الأطروحة أم لا، فإن الهدوء الشديد، والوحشية، هي الوضوح الذي يرسم به سكورسيزى أحداث اليوم، التي تستسلم لها ليس كنزوة، ولكن كإعادة بناء حقيقة راسخة، هذا هو منهج الفيلم: المريض رابط الجأش، هادئ، ومتحفظ. يجرى ذلك لمدة تقل عن ثلاث ساعات ونصف، على الرغم من ذلك ولكي تكون أمينًا، نادرًا ما ينفع هذا. بدلا من ذلك يحافظ على وتيرة كئيبة، مثل المشيع في موكب جنازة، متى كانت سيارة البلدة – وسيلة النقل المفضلة للسفاح-تمر أمام الكاميرا فإنها تبدو كعربة للموتى في الانتظار.
بالنسبة إلى فرانك، عندما لا يكون شاهرًا مسدسه، فإنه يفضل البقاء على الهامش، محتفظا بمحاميه، إنه لمن دواعي سعادتي، رؤية دي نيرو في أشد حالاته يقظة، بعد الكثير من الأفلام التي تضمنت القليل من قوة تركيزه، على الرغم من أنى كنت سأبقى راضيًا دون تلوين عينيه، ما ذهب هو البنى الإيطالي الداكن لقزحية العين، عيون زرقاء جديدة هنا، كسوة هزيلة لفرانك بالأخضر اللامع، من الصعب أن تفكر في شيء أقل توفيقا كإشارة عرقية. يبذل الفيلم جهدا وقحا ليشرح الغرابة من خلال مطالبة راسل بسؤال فرانك "كيف تمكن رجل أيرلندي مثلك من التحدث باللغة الإيطالية؟" ما أجاب به فرانك هو أنه حين كان في الجيش، قاتل في طريقه عبر إيطاليا وأنه التقط اللغة طوال طريقه، نعم تمامًا مثل أولئك الألاف من الجنود الذين عادوا من الحرب ضد النازيين يتطلعون إلى الشقر طوال القامة ويتحدثون الألمانية بطلاقة.
هذه ليست المناسبة الأولى التي يتنحى فيها دي نيرو عن التطابق مع هويته لصالح نفض الغبار عن ماضي رجل عصابات، معقد وطويل زمنيًا. في فيلم "سرجيو ليونى" " ذات مرة في أمريكا" 1984، كان نيرو هو نودلز الذي قاد عصابة من الزملاء اليهود خلال حياة من الندوب والجرائم. أحب مشاهدة هذا الفيلم، عقب كل مشاهدة، يكون قد مسح بي بلاط الأرضية، لا تستطيع إلقاء اللوم على سكورسيزى، لعدم محاولته الاقتراب من قبض ليونى على هذا النوع من الدفء المؤثر، مع الأخذ في الاعتبار أن "للأيرلندي" آفاق أوسع.
لسبب واحد يستمر الفيلم في النظر إلى الخارج، إلى ما وراء شوارع فيلادلفيا. هل ترغب أن تكون جزءًا من هذا التاريخ؟ هوفا يسأل فرانك، كما لو كان يعلم أن الجميع داخل فيلم، وأن هناك لمسة من "زيليج" في موهبة فرانك الغريبة في التواجد أينما وجدت أزمة. هو يقود شاحنة محملة بالأسلحة للرجال المتجهين إلى خليج الخنازير. وضابط اتصاله عند التسليم في "جاكسون فيل" هو رجل ذو أذنين كبيرتين، يدعى هانت-هوارد هانت، الذي يتعرف عليه فرانك لاحقًا على شاشة التليفزيون خلال جلسات استماع وترجيت Watergate، وبعد، لدينا كينيدي، يدعم الفيلم المعتقدات السوداء حول الجريمة المنظمة وعلاقتها بالقتل السياسي، ويكون فرانك حاضرًا حين يأمر هوفا بتنكيس الأعلام المزدانة بالنجوم والخطوط إلى منتصف الصاري بعد وفاة جون ف كينيدي. وكذلك نقلها إلى سارية العلم على سقف مقر نقابة سائقي الشاحنات.
كتآمر، سكورسيزى على أي حال، أقل كثيرًا من، لنقل، بملء الفم أوليفر ستون، اللحظات الخاصة والأكثر هدوءًا في "الأيرلندي" تقدم شعورًا بالارتياح، هوفا وفرانك فيما يشبه بهجة الرفقة، حيث يتشاركان غرفة الفندق، وحيث أقوى رئيس نقابة في البلاد يقف مرتديًا بيجامته، ينظف أسنانه بالفرشاة. يبدو الرجلان بعيدًا عن أن يكونا مصدرًا للخطر والتهديد، وأكثر شبهًا برجلين لطيفين متزوجين. لا تخبر البافلينوز، لكن، عميقا، داخل هذا الفيلم، تختفي مسرحية هزلية، هنا توجد كوميديا، تنطلق من إيقاعات الفئران، رات...تات، ومن حديث الرعاع، تنحرف نحو دايمون رنيون: لقد طلبوا من الرجل العجوز أن يقول لي، لأقول لك، هذا ما هو عليه الأمر" أكثر من مرة تم تحذير فرانك بعبارة "لا، ليس ذلك" الترجمة: لا ينبغي أن تسحقه بعد.
بين الحين والآخر، في "شوارع وضيعة" تومض أسماء الشخصيات على الشاشة-"جوني بوى"، و"تشارلى" وهكذا. يحدث الشيء نفسه في الفيلم الجديد، ولكن مع برودة إضافية، يتجمد التأثير قرين كل اسم، مصحوبًا بتاريخ وأسلوب وفاة كل شخصية في المستقبل. ("فيل تيستا-تم تفجيره بواسطة قنبلة مسمار تحت شرفة منزله") سكورسيزى، مثل الكثيرين من زملاء الماستر، من ويلز إلى المودوفار، أصبح بمرور الوقت أكثر شغفًا بمرور الزمن، بكيفية إبطاء الاختفاء، العبور، وكيف يمكن لقطع بسيط جسر الهوة بين السنين (أراد ليون في الأصل أن يلعب ريتشارد دريفوس دور نودلز، مع وجود جيمس كاجني ليلعب الجزء الأكبر سنًا من الشخصية) في حالة "الأيرلندي" عولجت هذه الضرورة بواسطة التكنولوجيا، بتجديد شباب الممثلين رقميًا، وكذلك في زيادة أعمارهم، هذه الحيل المبهرة الزاحفة، تلفت الانتباه إلى تغيرات الوجه، بينما تهمل جوانب أخرى، ليس أقل من الطريقة التي نتحول بها تدريجيًا. عندما كان فرانك، الذي يفترض أنه لازال شابَا رشيقًا. كان هناك المتسلقون فوق الصخور على الخط الساحلي، وليتمكن فرانك من التخلص من الأسلحة المستعملة، كانت تخونه حركاته، وتشي بصعوبة مبدئية لرجل كبير في السن، إعادة إنتاج الملامح كل ما قد تفضل، فالجسم لا يكذب.
إذا كان علىّ أن أعرف "الأيرلندي" كنت سأقول إنه أساسًا "الفراولة البرية" مع مسدسات، مثل فيلم "برجمان" من العام 1957، يتمحور الفيلم حول رحلة على الطريق، على وجه الدقة، "روسل" ينقل فرانك من كنجستون، بنسلفانيا، إلى ديترويت. كلاهما من كبار السن، ومع توقفهما بالقرب من محطة شاحنات بجانبها علامة Texaco، أدركا أن لقائهما الأول إنما كان هنا، منذ عقود، عندما ساعد روسل فرانك في تشغيل محركه، بهذا تم جرنا إلى الماضي.
ولكن هناك شيء آخر حول الرحلة إلى ديترويت، "إيرين" زوجة فرانك (ستيفاني كورتزوبا) وزوجة راسل، "كارى" (كاثرين ناردوتشى) التي توصف بأنها "نبيلة الرعاع"، كانت وظيفتها الدرامية أثناء الرحلة هي الشكوى من أن تمنع من التدخين، وحين يتوقفون ويخرجون من أجل التدخين والدردشة لا نسمع أكثر من شذرات مما يقولون. الأكثر وضوحًا هو معالجة الفيلم لزوجة فرانك الأولى "ماري" (جنيفر مودج) التي بالكاد نراها قبل أن يتخلى عنها لأجل إيرين، يبدو الأمر كما لو كانت قُدمت من أجل محوها، ويتم تذكيرنا بالنقص الفادح في أدوار النساء في عمل سكورسيزى، وكيف كان نادرا-مع استثناءات قليلة، إيلين بورستين المتقدة في فيلم " لم تعد أليس تعيش هنا بعد الآن" 1974، وشارون استون في فيلم كازينو-من يتم منحهم حرية احتلال مركز الصدارة أكثر الأوقات يتضاءلون إلى أدوار التوبيخ واللوم. هل كان سكورسيزى في البانثينون لا يتأثر بهذا النقص؟ هل يمكنك تخيل برجمان، أوفيلس، كوكور، أو ميزوجوتشى يقبلون مثل هذا الكبت؟
لنكن منصفين، لدينا "بيجي" ابنة فرانك، وكما كانت ضمير "الأيرلندي"، لعبت بشكل رائع مع لوسي جليان كطفلة، وآنا باكين كشخص بالغ، حيث دربتها بشراسة، على أساس نظرة اتهامية للذكور من حولها، وبعد اختفاء هوفا، رفضت الحديث مع فرانك، المشكلة هي مرة أخرى في النوع الواحد: بيجى تأتى وتذهب كشبح، نادرا ما تصوغ أفكارها باستخدام اللغة، لا يوجد مشهد واحد تتلقى فيه اتصالا لنفسها. هي واعية بوضوح أن والدها وحشي، ومجرم كجهنم، ولكن يتركنا الفيلم ونحن نتساءل: هل كانت تحترمه؟ بكل ما يملك من شجاعة كخاسر؟ إذا كان الأمر كذلك فهي ليست مخطئة.
في الحياة الواقعية، "فرانك شيران" كان سفاحًا ومتبجح، ومن المحتمل أن تكون اعترافاته المتعلقة ببراندت منتفخة بفعل الهواء الساخن. في 2005 عندما فحصت الشرطة المنزل الذي تفاخر شيران بإطلاق النار فيه على جيمي هوفا، وجدوا بالفعل بقع دماء، لكن الدم لم يكن لهوفا.
محاولة لطيفة يا فرانك.
في السادسة والسبعين، بعد ما يزيد على خمسين عامًا من العمل، لا يزال سكورسيزى، إلى حد ما، الطفل شديد الذكاء، تربى في اسطبلات السينما، مفقود في رعب الحياة، صارم كثيرًا، قاس أكثر مما هو في حياته الخاصة، غير مثقف بشكل مثير للدهشة-كينونة باعثة للضوء على الشاشة. إذا كان "الأيرلندي" يشعر بالحزن والبطء أكثر من أي شيء قام به من قبل، فقد يكون ذلك لأنه في النهاية، يسعى لأجل انحناءة احترام.
*هذه ترجمة كاملة للمقال الذى نشر لأول مرة بتاريخ 25 أكتوبر2019على الموقع الإلكتروني ل The New Yorker بعنوان Remembrance of kills in “The Irishman” وقد اخترت عنوان الطبعة الورقية There Was Blood التي نوه الموقع بصدورها في 4 نوفمبر 2019 والمقال هو لناقد الموقع والجريدة منذ 1993، أنتوني لين Anthony Lane