الكاتب : أمنية عادل
"في فترة من عملي كمخرج كنت أحب أن أصنع أفلامًا تتناول موقفا واحدا مليئًا بالتفاصيل مشحونا بالتوتر، يتعقد لحين حله في النهاية" هذه كلمات المخرج المصري كمال الشيخ في أحد البرامج بفترة الستينيات من القرن الماضي، والذي شهد توهجه الإبداعي .. لم يكن الشيخ كغيره من أقران جيله وصناع السينما في وقته، الذين امتازوا بأعمالهم الغزيرة مقارنة به، لكنه حقق لنفسه بصمة خاصة صُبغت على الأفلام التي قدمها، هذه البصمة التي شكلت الصورة السينمائية لديه وجعلتها غنية بالعناصر الفنية المتقنة، بحسب الشيخ نفسه، فهو لم يقدم سينما تحاكي السينما "الأمريكية" أو غيرها من السينمات الأوروبية في هذا الوقت .. مع هذا فالمتأمل بأعمال الشيخ، لاسيما الأولى، سيجد ملامح تأثر بالسينما العالمية، سواء على صعيد الشكل أو المضمون، اللذين يظهران بطريقة تتلاءم مع رؤيته.
سينما "كمال الشيخ" والتماس مع السينما العالمية
في هذا المقال نفتح الباب أمام منابع تأثر الشيخ في أفلامه ونقاط التماس بينه وبين السينما العالمية، من خلال إلقاء الضوء على اثنين من أفلامه، ويعتبران من أفضل الأفلام المصرية بحسب قائمة أفضل 100 فيلم التي أعلنت عام 1997 ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهما فيلم "المنزل رقم 13 إنتاج عام 1952" وفيلم "حياة أو موت إنتاج عام1954".. الفيلمان صنعا في فترة زمنية قريبة، وكانا وغيرهما من أفلامه في هذه الفترة، نتاجًا لمخزون سينمائي ضخم، اكتسبه الشيخ من عمله في غرفة المونتاج وأمام الشاشة الكبيرة مشاهدا لأفلام من سينمات مختلفة.
لم يستهل كمال الشيخ مهنته كمخرج بشكل فوري، فقد سعى في بادئ الأمر ليكون ممثلا واستقر بعد ذلك في غرفة المونتاج باستوديو مصر، وهو ما لم يتحمس له كثيرا في البداية، مع هذا فتح المونتاج الباب لظهور مخرج من أهم مخرجي السينما المصرية وهو "كمال الشيخ"، مساعي كمال الشيخ لإخراج فيلمه الأول "المنزل رقم 13" لم تكن سهلة، حيث واجهته الكثير من العقبات، الإنتاجية على وجه الخصوص واستمر حلم تنفيذ الفيلم يراوده ما يقارب 4 سنوات، حتى قرر أن يغامر وينتجه بنفسه، ليقدم صورة جديدة لم تعتدها عين المشاهد المصري.
الشيخ وكاليجاري
قدم فيلم المنزل رقم 13 إنتاج 1952، تجربة جديدة سينمائية جمعت بين التجاري والفني في مزج احترافي، ربط بين الواقع والخيال والحلم والحقيقة، من خلال قصة حبكة ذات تراتبية حدثية، مكنت الفيلم من الحفاظ على إيقاعه طوال تتابع مشاهده، وخلقت روحا جديدة للفيلم السينمائي، رغم قصر مدة الفيلم، فالفيلم لا يجاوز في مدته الساعة ونصف الساعة، تستهل مع مشهد جاذب للغاية، يحوي تنفيذ جريمة قتل لشخص لا ندري من هو وما هي دوافع القاتل، ما يعزز التأثر، لنكتشف فيما بعد أن "شريف" مرتكب الجريمة، لم يعلم بأنه "قاتل"، حيث تم استغلاله لتنفيذ الجريمة عن طريق التنويم المغناطيسي!.
التنويم المغناطيسي، حيلة نفسية للسيطرة على الآخرين وجهت سبيلها لعقل الإنسان منذ عقود وقرون مضت، وكان لها عظيم الأثر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تأثرت السينما بها وجذبت صناعها، حيث قدمت السينما المصرية فيلم "أحمر شفايف إنتاج 1946" وفيلم "في الهوا سوا إنتاج 1951"، ولم تكن السينما الوحيدة لتوظيف "التنويم المغناطيسي" في الأفلام، سيما أن التنويم المغناطيسي نمى كسبيل لعلاج الهستيريا وتلف الأعصاب الناجم عن التوتر لدى العديد من الأطباء النفسيين ومنهم "الطبيب النفسي الفرنسي جين شاركوه، والنمساوي سيجموند فرويد" حتى أشيعت أنباء عن سوء استخدام لهذا السبيل العلاجي.
فقد نشر في جريدة المصري عام 1948، أن هناك طبيبا نفسيا هولنديا أجرى تجربة على مريض، قام بتنويمه مغناطيسيا وأعطاه مسدسا وأمره بقتل أحدهم، لقياس مدى طاعة المريض له، هذه القصة المثيرة لفتت انتباه كمال الشيخ، وقرر أن تكون قصة أولى أفلامه الروائية، وتم خروج فيلم "المنزل رقم 13" للنور، بتيماته المختلفة عن أفلام المونودراما التي كانت تمثل أغلبية الإنتاج السينمائي المصري في ذلك الوقت، لكنه تماس مع أفلام عالمية.
عين "الشيخ" التي جعلته مختلفا عن غيره من أقرانه في هذا الوقت نقشت له اسما خاصا وبصمة على الأفلام التي يقدمها للمشاهد، فعمله في المونتاج وسعة اطلاعه السينمائي وإثراء عينيه، أثرت في أسلوبه في أفلامه والذي اتضحت معالمه منذ فيلمه الأول "المنزل رقم 13"، الذي نحن بصدده الآن، فالقصة التي بنى الشيخ فيلمه عليها، تماست كما تماس أسلوبه الإخراجي مع فيلم "عيادة الدكتور كاليجاري إنتاج عام 1920" من إخراج الألماني "روبرت فاين" وكذلك فيلم "نوسفيراتو إنتاج عام 1922" من إخراج الألماني "فريدريك مورناو" أحد أهم مخرجي السينما الصامتة، والذي أثر في العديد من المخرجين فيما بعد وأبرزهم "ألفريد هتشكوك" وهو ما يفسر التشبيه الملصق بالشيخ في شبه حبكات أفلامه مع أفلام هتشكوك.
لم "ينقل" الشيخ حبكة فيلم "عيادة الدكتور كاليجاري" بل تأثر بتقنيات السينما التعبيرية الألمانية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى والتي كان لها حضور في الأدب والمسرح قبل أن تدخل عالم الفن السابع، أبرز نقاط التماس بين فيلمي "المنزل رقم 13 وعيادة الدكتور كاليجاري"، "كياروسكورو" وهو اصطلاح إيطالي يشير إلى الاستخدام الأمثل لتناسب الظل والضوء في الصورة\اللقطة السينمائية واستخدام الطلاء لإعطاء التأثيرات الشعورية بديلا عن الإضاءة الطبيعية، والتي أشرف عليها "هيرمان فارم" و"ميزانيسين" إخراج الصورة، وهي بصمات رسختها السينما التعبيرية ولقيت أصداءها في السينمات الأخرى، سيما السينما الأمريكية نتيجة هجرة الكثير من فناني السينما الألمانية نظرا للظروف السياسية والاقتصادية.
الحبكة والتعقيد السياسي
فيلم "عيادة الدكتور كاليجاري" تدور أحداثه في بلدة متخيلة تحمل اسم "هولستنفال"، يقطن بها مدير مصح عقلي (كاليجاري) يرضخ رجلا (سيزار) عن طريق التنويم المغناطيسي، ويشارك به في مهرجان، ويقدمه كمتنبئ بمصائر الحاضرين، ومن ثم يقتلهم، ومن الضحايا صديق "فرانتسيس" الذي يلقى حتفه بعد أن يتنبأ له سيزار بالموت عند الفجر، يتعقب "فرانتسيس" "كاليجاري"، مشتبها به وبـ"سيزار" المنوم مغناطيسيا، والذي يجاوره "كاليجاري" ولا يكاد يفارقه، وفي تغير سريع للأحداث، نكتشف أن "فرانتسيس" ما هو إلا مريض بمصح عقلي و"كاليجاري" مدير هذا المصح ويتعهد بالعناية ب"فرانتسيس"، هذه الحبكة رغم بساطتها لكن بها من التعقيد ما يكفي ليجعل عقل المشاهد مليئا بالتساؤلات، فهل "كاليجاري" طبيب صالح ولا يستغل سلطته كمدير للمصح، وأن ما شهدناه من أحداث نتاج عقل "فرانتسيس" لا أكثر، وهل "فرانتسيس" في أمان الآن بعد أن عادت السلطة لهذا "الكاليجاري" الذي بإمكانه القيام بما يحلو له، سيما أنهم وجدوا الكتاب نفسه الذي يعود للقرن السادس عشر لطبيب إيطالي يدعى "كاليجاري" يقوم بالممارسات نفسها وينوّم أحد مرضاه مغناطيسيا لارتكاب أفعال شنعاء.
هذه الأفكار جعلت من فيلم "عيادة الدكتور كاليجاري"، رغم أنه فيلم صامت ويعود إلى بداية القرن العشرين، أيقونة وسبيلا لتأويل وضع الفيلم في سياق تاريخي، فألمانيا في هذا الوقت كانت تعاني من نتيجة ويلات الحرب العالمية الأولى والأصوات القومية عبرت للعقل الألماني، دون التميز بنتيجة هذا، حتى وصل هتلر إلى سدة الحكم في ألمانيا وانهارت الديمقراطية، وخضعت للسلطة "الكاليجارية" بحسب المؤرخ وعالم الاجتماع والمنظر السينمائي" زيغفريد كراكاور " 1889 – 1966"في كتابه" من كاليجاري إلى هتلر" الصادر عام 1948م، إذا يرى أن السينما الألمانية في الفترة من1910م، حتى 1930م، أنّ الميول القومية التي وصلت إلى ذروتها لدى هتلر يمكن تقصي أثرها في السينما الألمانية خلال الفترة التي سبقت وصوله للحكم مباشرة، حيث إن هذه الأفلام التي ظهرت خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى ماهي إلا مونولوج داخلي فريد ذو طبيعة تنبؤية تماما تعكس حالة من القلق الداخلي العميق لدي الشعب الألماني.
لا أظن أن فيلم "المنزل رقم 13" للمخرج المصري كمال الشيخ، يحمل أيدولوجية فيلم "عيادة الدكتور كاليجاري" على الإطلاق، فالدوافع في الفليمين للقتل أو ارتكاب الجرائم مختلفة، فالدكتور كاليجاري تنطوي نيته على السيطرة واختبار العلم، فيما "دكتور عاصم\محمود المليجي" يهدف للمنفعة الشخصية والحصول على مبلغ مادي يتقاسمه مع عشيقته، ويستغل انهيار أعصاب مريضه "شريف" ليكون منفذ الجريمة، بالتأمل في الفيلمين نجد تأثر الشيخ بإضاءة السينما التعبيرية، لاسيما في مشهد القتل الأول والذي يعد براعة استهلال مضافة للشيخ وفيلمه، فاستخدام التكوينات الهندسية والتشكيل الضوئي، والظل والإضاءة رسم ملامح تأثر الشيخ بالسينما التعبيرية، ونتذكر مشهد صعود "دراكولا" في فيلم "نوسفيراتو إنتاج 1922" للإجهاز على ضحيته، في مشهد القتل الأول، فضلا عن حركة "عماد حمدي\شريف" القاتل التي تتسم بالجمود والآلية، التي لاحظا مثيلتها في فيملي "كاليجاري، نوسفيراتو".
كما حضرت التكوينات الهندسية الموظفة بفعل الإضاءة في مشاهد تصوير عيادة الطبيب "عاصم\محمود المليجي" وكذلك أداء المليجي بعيونه الحادة، ونظراته، كـ"شرير الفيلم". كاليجاري يدور في مواقع لا تشابه الواقع بل نشعر أننا داخل أزقة عقل مريض نفسي، فالعالم المحيط غير متناسب، بفعل الديكوارات والتكوينات غير المريحة للعين، في فيلم "المنزل رقم 13" نحن نتأرجح بين الحلم والواقع والوعي واللاوعي، فلا نعيش طويلا في حالة الأحلام، ولم يفرط "الشيخ" في توظيف منابع إلهامه، وهو ما جعل الفيلم متزنا وأكثر واقعية.
"حياة أو موت" على الطريقة الإيطالية
لم تكن السينما التعبيرية الألمانية منبع التأثير الوحيد لكمال الشيخ، حيث واكب بسينماه الحركات والموجات السينمائية التي ظهرت على مدار العقود، ومن أبرزها "الواقعية الإيطالية"، التي تجلت أصداؤها في السينما المصرية وغيرها من السينمات وكانت أحد عوامل ظهور الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، أما عن نقاط تماس سينما كمال الشيخ والسينما الإيطالية فسنراها بوضوح من خلال تركيزنا على فيلم "سارق الدراجات 1948 للمخرج الإيطالي الشهير فيتوريو دي سيكا" وفيلم "حياة أوموت إنتاج عام 1954"، الفيلمان يحملان ملامح تشابه، ليس على صعيد الحبكة وأحداثها وإنما من خلال سمة الواقعية الإيطالية وهي "الواقعية والشارع" والتعامل مع فضاء المدينة الرحب، وتصوير بمشاهد أقرب إلى التسجيل، يستهل "كمال الشيخ" فيلمه "حياة أو موت" مع تعليق صوتي رخيم، يصف حال مدينة القاهرة الكبيرة وامتلائها بالحكايات والحواديت، مع اقتراب العيد، فنحن في اليوم السابق لعيد الأضحى المبارك، ونستمع إلى حكمة تنير عقلنا بطريقة أو بأخرى حول فحوى الفيلم وقصته، وهي: "ما أقصر اللحظة في عمر الزمن وما أطولها في عمر الإنسان"، قدم علي الزرقاني، مشارك الشيخ في الكثير من سيناريوهات أفلامه ومنها فيلم "حياة أو موت" وكذلك "المنزل رقم 13" رؤية واقعية لحياة الفرد التي يمكن تعميمها على المجموع، فـ"أحمد إبراهيم\عماد حمدي" رجل من الطبقة المتوسطة متزوج ولديه فتاة تنتظر أن تفرح بالعيد من خلال هدايا والدها لها، لكنها لا تنعم إلا بالقليل نظرا لاستغناء الشركة التي كان يعمل بها والدها عنه، فضلا عن صعوبات حصوله على راتبه الأخير وما له من أموال لدى الشركة، لا تتوقف الأمور عند هذا الحد فهذا الرجل يعاني من أزمة قلبية والدواء الذي يخفف من ألمه قد نفد، ما يدفع الفتاة الصغيرة، التي تقود مسار الأحداث، للذهاب وشراء دواء لوالدها.
قصة "حياة أو موت" تحتم على طاقم العمل الاحتكاك بالشارع والتصوير به أغلب الفيلم، وهو ما يعد مغامرة كبيرة في هذا الوقت، إذا ما نسينا سبل التصوير "المريحة" والكاميرات المحمولة في وقتنا الراهن، فحركة الكاميرا في شوارع القاهرة لم تكن سهلة للغاية مع كاميرا تزن الكيلوجرامات، رغم الصعوبات لم يكن الشيخ وحده من يتخذ من الشارع مكانا له، فهناك مخرجون مصريون آخرون فعلوها وأجانب أيضا، فإيطاليا التي عانت من ويلات الحرب العالمية الثانية وهزيمة ساحقة، قررت تحويل واجهتها من الاستوديوهات إلى الشوارع لتكون محل أحداثها، وهو ما عرف بالواقعية الإيطالية.
في "سارق الدراجات" نجد حبكة بسيطة ومؤثرة، رب أسرة عاطل عن العمل نتيجة لصعوبة الظروف الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية، ويتعاون هو وزوجته على بيع بعض الأغراض من بيتهم حتى يتسنى له شراء دراجة، حتى يتوظف بها في وظيفة لاصق إعلانات، ويتمكن بالفعل من الحصول على الوظيفة بفضل الدراجة، ولكن يحدث ما لا يحمد عقباه وهو سرقة الدراجة منه أثناء انغماسه في تأدية عمله.
"أنطونيو\لامبيرتو ماجيوراني" لا يعتبر رجلا ذكيا كثيرا فهو ساذج بعض الشيء، لهذا يضيع حينما تسرق دراجته ويحاول استعادتها، يعينه على صعوبة المدينة وملاحقة السارق بها ولده الصغير "برونو\إينزو ستايولا" طفل صغير لم يتجاوز الثامنة يحرك الأحداث بل ويساهم في إنقاذ والده في النهاية من السجن، بعد أن يجد دراجته ويحاول استعادتها عن طريق "السرقة" أيضا، فهي السبيل الوحيد للحصول على دراجته.
الإنسان والمدينة
"برونو" يعادله في فيلم "حياة أو موت"، "سميرة\ضحى أمير" ابنه "أحمد إبراهيم" التي تحاول مساعدة والدها عن طريق الحصول على دوائه حتى لو ذهبت من العتبة إلى دير النحاس سيرا على الأقدام، وخلال هذه المسيرة نرى ملامح المدينة وكأننا أمام توصيف تسجيلي كامل لحياة المدينة في هذه الفترة، تسير "سميرة" في القاهرة الخديوية العتيقة، هذه الفتاة الضئيلة في مواجهة مباني وطرقات المدينة الكبيرة، وكذلك "أنطونيو وبرونو" يسيرون وسط روما القديمة وحضارتها التي لا يستطيعون مجابهتها، فما أجمل المدن وأضعف الإنسان.
استعان "الشيخ" بمدير التصوير ذي الإبداعات "أحمد خورشيد"، الذي شاركه في تصوير فيلمه الثاني "مؤامرة"، كما برع خورشيد في تصوير الأفلام خارج الاستوديوهات، مشاهد فيلم "حياة أو موت" يشعر بسلاسة اللقطات والزوايا التي تم التقاطها، التي تصعد حالة التوتر القائمة، فهناك أب ينتظر دواء ويعاني وفتاة صغيرة تتحرك في المدينة وحدها وتسير في الطريق وتحمل في يدها زجاجة دواء سام لا تعرف عنها شيئا، ونحن كمشاهدين نتابع بشغف وعيون مفتوحة ماذا ينتظر هؤلاء، وهو الحال نفسه في فيلم "سارق الدراجات"، فـ"أنطونيو وبرونو" يسيرون في المدينة وتزيد حالة التوتر فيما بينهم، حتى بعد أن يجدوا الدراجة لا يستطيعون الحصول عليها، وهو ما يبشر باستمرار صعوبة الحياة، وهي تيمة الواقعية الإيطالية، حيث اكتفت بعرض أزمة الإنسان الفرد\المجتمع، دون إضافة حل سحري.
في فيلم "حياة أو موت" من الطبيعي أن تكون هناك نهاية، فالفتاة لن تستمر في السير طوال حياتها وستصل بطريقة أو بأخرى إلى المنزل، والأب سيحصل على الدواء وإما أن يعيش أو يلقى حتفه مع نزول الدواء إلى جوفه، احتفظ "الزرقاني والشيخ" بهذه اللحظة المنتظرة إلى آخر دقيقة في الفيلم، فالفتاة تصل وتعطي الدواء للأب لكنه لا يتناوله، ويعيش ورغم نجاحه في تجاوز الموت إلا أن أزمته في الحياة مازالت مستمرة، فقد نجا من موت وسيستمر في مواجهة ما يحمل له الغد من صعوبات، وهو الحال نفسه لـ"أنطونيو وبرونو".
المراجع:
السينما التعبيرية الألمانية عالم الضوء والظلام، تأليف إيان روبرتس، ترجمة يزن الحاج، المؤسسة العامة للسينما، 2013.
فنون السينما، ترجمة عبد القادر التلمساني، المجلس الأعلى للثقافة، 2001.
من كاليجاري إلى هتلر، تأليف زيغفريد كراكاور، ترجمة كامل إسماعيل، مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، 2013.
تاريخ التصوير السينمائي في مصر من 1897:1996، تأليف مدير التصوير سعيد شيمي، المركز القومي للسينما، 1997.
الصورة السينمائية من السينما الصامتة إلى الرقمية، تأليف مدير التصوير سعيد شيمي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2003.