كيف تحولت السينما السويسرية إلى ساحة "بروباجندا" للحرب؟

بسمة شرين 15 مارس 2022 الفيلم القصير

الكاتب : بسمة شرين


ترجمة- بسمة شيرين*
في الحرب العالمية الأولى كانت السينما السويسرية على صفيح ساخن:
ظلت السينما السويسرية ماجنة في نظر الشعب ومنبوذة من قبل المثقفين وأخيرا ممنهجة؛ حيث اكتشفت قوى الحرب الفيلم كبروباجندا وتحولت السينما السويسرية إلى ساحة بروباجندا للحرب.
كان هاري جراف كيسلر وهو الرجل الذي أوكلت إليه مهمة جلب أفلام الدعاية الألمانية إلى سويسرا، وبخلاف ذلك كان كيسلر ايضا جامعًا للتحف ودبلوماسيًا، وقد أخذ وظيفته على محمل الجد: فبحلول نهاية عام 1917، أي قبل عام واحد من نهاية الحرب، استحوذ على 11 دارًا للسينما السويسرية الناطقة بالألمانية، والتي فيما بعد كانت تدار من قبل شركات انتاج ورجال أعمال تعمل كواجهة للرايخ الثالث، بما في ذلك دور السينما في زيورخ ولوسرن وبازل وسانت غالن.

الألماني هاري جراف كيسلر الذي كان مسئولا عن حركة البروباجندا في سويسرا

يقول الباحث السينمائي أدريان جربر، الذي تناول الأنشطة الدعائية في دور السينما السويسرية: "في الواقع، امتلكت جميع الدول المتحاربة الرئيسية مكاتب دعائية في سويسرا وكان هدفهم التأثير على الرأي العام السياسي حتى يظهروا أنفسهم أقوياء ويظهر الخصم ضعيفًا".

مركز الدعاية في سويسرا
صرح المؤرخ ألكسندر إلسيج، الذي أجرى بحثًا حول هذا الموضوع بالمعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا لوزان - ETH Lausanne: "أصبحت سويسرا بسرعة مهمة جدًا بالنسبة إلى الدعاة؛ حيث أن سويسرا محايدة، وجغرافيًا في قلب أوروبا المتنازع عليها، ومتعددة اللغات. فكانت تأمل الأطراف المتحاربة في أن يكون لدعائهم تأثير خارج سويسرا وفي الدول المعادية".
في البداية تم إضفاء الطابع المؤسسي على الدعاية خلال الحرب العالمية الأولى. فأقامت كل من دول المركز (ألمانيا والنمسا والمجر) ودول الحلفاء (فرنسا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الحرب في عام 1917) مكاتب دعائية في الداخل والخارج واستخدمت كل وسيلة من الراديو إلى الصحف إلى البطاقات البريدية لنشر رسائلهم السياسية.

من الصحافة إلى الدعاية السينمائية
وسرعان ما اكتشفوا قوة وفاعلية تأثير السينما أيضًا. فبالرغم من أن دور السينما كانت موجودة فقط لبضع سنوات عندما بدأت الحرب في عام 1914، ولكن الذهاب إلى السينما كان بالفعل جزءًا من الحياة اليومية. كانت السينما متاحة أكثر من قراءة الكتب، وأقل فخامة من الذهاب للأوبرا أو للمسرح، علاوة على ذلك، كانت في متناول الجميع.
مدي التأثير العاطفي للسينما على الجمهور وضعها في محل للكثير من الانتقادات من قبل الطبقة الوسطى المتعلمة. فوصفها القساوسة والمعلمون والمحامون بالسينما الهابطة التي كان لها تأثير ملتوي على العاطفة.
وبسبب هذه الشعبية للسينما بين الجماهير، فتوقع المروجون الكثير من السينما. لقد سئم الجمهور بشكل واضح من الدعاية الفكرية المكتوبة. لذلك بدأت الدول المتحاربة في إنتاج أفلام تظهر فيها قوتها العسكرية وضعف العدو وفي نفس الوقت وجب على تلك الأفلام أن تكون مسلية وآسرة للجمهور.
أشار الباحث السينمائي غيربر إلى إن كان هناك منبع نموذجي محدد لنوعية الموضوعات والدلالات التي تم طرحها مرارا وتكرارًا في أفلام الحرب، فعلى سبيل المثال تم تناول لفكرة الأسلحة القوية الحديثة أو في كثير من الأحيان أسرى الحرب.
وكان يتم التخطيط في الأغلب لمشاهد القتال فقط بسبب محدودية إمكانيات معدات التصوير آن ذاك. وفي دول الحلفاء ظهر نوع جديد من الأفلام يدعي ب "أفلام الهون" 1، التي عززت صورة "الألماني السيئ" وكان الهدف منها إهانة العدو الألماني وتصويرهم على أنهم برابرة وغير آدميين.
جاء العديد من هذه الأفلام إلى سويسرا بالطريقة العادية، وتم استعارتها من قبل دور السينما وعرضها للترفيه. ولكن الدعاة الأجانب في سويسرا لم يرغبوا في ترك أي شيء للصدفة. فكان توزيع أفلامهم الخاصة على أوسع نطاق ممكن للحد من انتشار أفلام الدعاة الخصوم.





خندق حول سويسرا
ذهب الألمان إلى أبعد ما يكون في شراء دور السينما السويسرية، ويعتقد المؤرخ إلسيج أنه وبرغم ذلك كان كلا طرفي الحرب ناشطين بنفس القدر في سويسرا عبر جميع وسائل الدعاية. عُرضت جميع الأفلام الدعائية الفرنسية والبريطانية والأمريكية تقريبًا في دور السينما السويسرية – وخصوصا في غرب سويسرا الناطقة بالفرنسية، لأن السكان لم يجيدوا التحدث إلى الألمان أو فهم الأفلام الألمانية.
وكانت سويسرا اللاتينية معادية للألمان بشكل ملحوظ، وبالتالي لم يتم عرض أي أفلام دعائية ألمانية أو نمساوية-مجرية في دور السينما بغرب وجنوب سويسرا، فاستغلت ذلك فرنسا لعرض أفلامها الدعائية.

صور من الفيلم الحربي «The 10th Isonzo Battle»
(لقطات من الأرشيف النمساوي)

غالبًا ما كانت تلون الأفلام وكذلك حدث مع فيلم البروباجندا النمساوي -المجري "The 10th Isonzo Battle" 1917.

وكثيرا ما كانت تلون مشاهد ساحات القتال باللون الوردي.

وفي كثير من الأحيان استخدمت تغييرات الألوان كتأثير درامي في الفيلم ولذلك لجئوا لاستعمال اللون الأخضر أو ​​الأحمر الغامق.

بشكل عام كانت مدة عرض فيلم "The 10th Isonzo Battle" حوالي ساعة.

علي الصعيد الآخر في سويسرا الناطقة بالألمانية والتي كانت معروفة بحبها لألمانيا، كان الاستقبال أكثر تفاوتًا، كما يقول أدريان جربر. فتم عرض أفلام من جميع الأطراف المتحاربة تقريبًا. وكان ينظر إلى تلك الأفلام على أنها أعمال معرفية ترفيهية أكثر من كونها لأغراض دعائية سياسية، وهكذا، ساهمت الأفلام الدعائية الأجنبية مرة أخرى في الانقسام داخل سويسرا.
استفادة الدعاية والسينما على المدى الطويل.
أضاف جربر أيضا أنه وبالمناسبة لم تكن السلطات الألمانية راضية قط عن رجل البروباجندا الخاص بها كيسلر؛ لأنه بمقابل الكثير من المال اشترى فقط "دور السينما الصغيرة" التي لم تكن مربحة. ويقتبس جربر من تقرير في كتابه بين الدعاية والترفيه: "ومن ناحية أخرى صرح مندوبا ألمانيًا أنه وعلى أي حال بمجرد أن يسود السلام، ستغرق سويسرا - بعد ما كانت مركزًا للدعاية بالنسبة لهم - في عدم الاهمية ".
وقد ثبت صحة هذا أيضًا: فبعد نهاية الحرب عام 1918، تم تفكيك الهياكل الدعائية في سويسرا وتحولت صناعة الأفلام من السياسية إلى الاقتصادية. وكل ما تبقي هو فهم جديد لكيفية عمل وصنع البروباجندا، إلي أن تم اعادة تنشيط هذا الفكر بعد ذلك بقليل في الحرب العالمية الثانية.
ويتابع جربر بأنه كان للحرب العالمية الأولى تأثير إيجابي مدهش على صناعة الأفلام السويسرية: فقد خلق النقاش حول التأثير الأجنبي حركة مضادة. فاكتسبت السينما وفكرة صناعة أفلام سويسرية إقبالاً كبيراً. علي الأقل بين أوساط المثقفين الذين كانوا في السابق ينتقدون السينما بشدة.



كتب المقالMaj-Britt Horlacher
نشر في مجلة SRF السويسرية
بتاريخ 07.06.2021

طالبة بمدرسة سينما الجزويت بالقاهرة

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات