مالك خوري: الفيلم القصير يستحق أن يكون تجربة وليس مجرد جسر

أمنية عادل 15 مارس 2022 الفيلم القصير

الكاتب : أمنية عادل


حوار: أمنية عادل

المشهد الأكاديمي المصري في تطور ملحوظ على صعيد الدراسات السينمائية، فلم يعد المعهد العالي للسينما هو الصرح التعليمي الوحيد الذي يتوجه له دارسو، محبو و متذوقو الفنون، إذ بات هناك العديد من الجهات الأكاديمية التي تحتوي على أقسام للدراسات السينمائية وصناعة الأفلام ومن بينها "برنامج السينما بالجامعة الأمريكية" الذي لا يكتفي بالتدريس وإنما يهتم بالتجربة الفيلمية القصيرة، لاسيما الطلابية من خلال مهرجان "القاهرة للفيلم المصري القصير - رؤى".
وفي ضوء عددنا الحالي عن الفيلم القصير ووضعه ووجوده داخل الصناعة السينمائية كان لنا لقاء مع دكتور مالك خوري مدير برنامج السينما بالجامعة الأمريكية، ورئيس مهرجان القاهرة للفيلم المصري القصير “رؤى”، لمناقشة أوضاع الفيلم المصري القصير حاليا وملامح المشهد الفيلمي وحصلنا على هذه الأجوبة.
- كباحث وأستاذ لسنوات في السينما هل ترى الجانب الأكاديمي مهما لصناع الأفلام والمخرجين على وجه خاص لصناعة الفيلم القصير، مع الأخذ في الاعتبار أن التعليم يضيف أكثر من التقنية؟
برأيي.. الدراسة الأكاديمية تضيف الكثير للدارس وصانع الأفلام أكثر من مجرد التقنية، سواء لفنان الفيلم القصير أو الفنان بشكل عام، إن لم يكن هناك سعة أفق فني ومعرفي واجتماعي وسياسي وجمالي لدى فنان الفيلم القصير سينحصر في النهاية داخل أفق ضيق لغاية سواء بالثيمات التي يعمل عليها أو الأسلوب الفني الذي يتبعه، بالتالي ما تقدمه الدراسات الأكاديمية للفنان السينمائي يتجاوز بكثير نقطة تعلم التقنيات، جميعنا نعرف الآن أن التعامل مع التقنيات أصبح أسهل من الماضي ولا يحتاج إلى 4 سنوات لتعلم كيفية استخدام الكاميرات أو برامج المونتاج وغيرها.
ما يجب التركيز عليه خلال الدراسة الأكاديمية، ولابد أن يكون أساسيا لدى الفنانين الجدد هو العمل على تنمية قدراتها لاستيعاب تاريخ السينما وتاريخ النظريات السينما والفنون البصرية والسمعية والتشكيلية في العالم وهو ما يخلق الشخصية السينمائية والعقلية السينمائية.
- ما هي رؤيتك لصناعة السينما القصيرة في مصر والعالم العربي ومصر على وجه خاص؟
خلال تجربتنا في مهرجان "رؤى" نلاحظ تقدم العديد من الأفلام التي تفتقر إلى أساسيات صناعة الفيلم القصير أو أساسيات صناعة السينما بوجه عام، حتى إن بعضها لا يتمتع بالحد الأدنى من الثقافة السينمائية، والخطوات التقنية والتنفيذية كالمونتاج وحركة الكاميرا وغيرها، وكذلك تفتقر إلى تقديم معالجة وسيناريو سينمائي يلائم هذا النوع الفيلمي.
مع هذا هناك أفلام تتمتع بالكثير من الفنيات المتقنة وهو ما نحاول حصره للوصول إلى المشاهد، تلك الأفلام التي تتمتع حتى بالحد الأدنى مع العمق والحرفية الفنية المطلوبة لتجربة المشاهدة.
- هناك أفلام تفتقر إلى شاعرية الفيلم القصير، إذا جاز التعبير، هل ترى أن التجارب الفيلمية القصيرة باتت أكثر تجريبا أم أكثر تركيزا على "نسخ" نماذج سينمائية وسمات من سينمات أخرى مثل سينما شرق أوروبا وغيرها، هل يفتقر الفيلم المساحة الخاصة أصالته وبيئته؟
هذا صحيح بصورة كبيرة، وألاحظه بقوة في الكثير من الأفلام التي تتقدم لمهرجان "رؤى"، حيث التقليد أو النسخ من أفلام عرضت مسبقا في مهرجانات كبرى مثل كان أو روتردام اجتذبت بثيماتها صناع الأفلام وقرروا صنع أفلام على شاكلتها دون الانتباه إلى ملاءمة الفيلم وفكرته لذاته وبيئته.
في رأيي الفيلم الذي لا يخرج من داخل الإنسان وشغفه الخاص بما يقدمه سواء كان على صعيد الفكرة أو الأسلوب الفني الذي ارتآه لرواية هذه الفكرة فإنه يخلق فجوة داخل الفيلم ويجعله غير صادق ومصطنعا، والاصطناع هو المقتل الأساسي لأي فيلم وأي فنان.
إذ لابد أن ينطلق الفنان من ذاته أولا ومن ثم بيئته المحيطة حيث المدينة وأخيرا إلى عالمه الأكبر حيث بلده والعالم من بعدها، هذا المثلث المتصاعد لابد أن يحافظ عليه الفنان حتى يُخرج عملا عميقا بعيدا عن تقليد التجارب أو محاولة إرضاء جمهور لا يرتبط به سواء كان جمهور "كان" أو "باريس" أو غيرها.
- من خلال مهرجان رؤى تقدم كل عام عدد من الأفلام المتاحة للجمهور، حدثنا أكثر عن هذه التجربة وسبب التفكير فيها وتخصيصها للفيلم القصير؟
خلال 2017 عرضنا بعض الأفلام المصرية القصيرة والطويلة غير المتداولة، وكانت تجربة ناجحة وبعد نجاح التجربة تناقشنا داخل قسم السينما بالجامعة الأمريكية عن كيفية المساهمة في تنشيط الشباب وتثقيفهم سينمائى ودعم مشاريعهم السينمائية، ومنه درسنا واقع المهرجانات السينمائية في مصر ولاحظنا أن الفيلم المصري عادة ما يأتي على هامش المشاركات بالمهرجانات وأن الأولوية لا تكون للفيلم المصري، أما الفيلم القصير فهو على هامش الهامش من اهتمامات المهرجانات بصورة عامة، ومن هنا جاء القرار بالتركيز على هذا الهامش المهمش وفتح المجال له وإتاحة المجال للراغبين في الدخول إلى الحياة السينمائية في مصر والمشهد الفيلمي وعرض أكبر قدر من الأفلام القصيرة المصرية، خاصة في ضوء تخصيص نسبة ضئيلة للغاية ومحبطة بصورة كبيرة للأفلام المصرية القصيرة بالمهرجانات الكبرى وحتى المهرجان القومي للسينما.
في 2018 كانت الدورة الأولى لمهرجان رؤى بشكله الحالي، وحققنا نجاحا ملحوظا، حيث استقبلنا 110 أفلام وتم اختيار 50 فيلما للعرض، ولاحظنا كثرة الحضور حيث وصل متوسط حضور الجمهور إلى 60 فردا في البرنامج الواحد يوميا.
عام 2019 زاد الحماس حيث وسعنا نطاق الدعاية للمهرجان واستقبلنا عددا أكبر من الأفلام سواء من صناع أفلام مستقلين أو من مدارس سينمائية مهتمة بعرض أفلامها للمهرجان، حيث تلقينا حوالي 200 فيلم وهو ما يقارب ضعف عدد الأفلام التي وصلتنا في 2018، وتم عرض من 70 إلى 75 فيلما، كما زاد عدد الحضور ووصل من 90:80 فردا وهذا تطور نوعي بالنسبة لنا كمهرجان.
تشجعنا للسنة الثالثة لكنها كانت سنة الكورونا حيث 2020، وبدأت الكورونا في نفس توقيت المهرجان، وهو ما أربكنا كإدارة للمهرجان، وتحدثنا طويلا عن مصير المهرجان هل نكمل أم نتوقف وكان الحل هو التوجه إلى العروض الرقمية، وكان مهرجان "رؤى" هو الأول تقريبا في الوطن العربي الذي يقدم فعالياته وعروضه "أون لاين".
تقدم للمهرجان في هذا العام 230 فيلما، وتم برمجة 100 فيلم للعرض، وتم عرض 90 فيلما بعد تحفظ بعض صناع الأفلام والمنتجين عرض أفلامهم أون لاين، لكن مع الأسف لم نستطع حصر نسب المشاهدة.
أما العام الحالي 2021، خرج المهرجان أيضا أون لاين لصعوبة تنفيذه بالقاعات، استقبلنا هذا العام حوالي 300 فيلم، وتم اختيار 135 وتم عرض 123 فيلما.
في ضوء نجاح تجربة العرض الإلكتروني نفكر جديا وسندرس جعل نشاط المهرجان مزدوجا حيث قسم لعروض الأون لاين وقسم آخر للعروض بالقاعات السينمائية، لمواكبة اهتمام الجمهور بالفيلم القصير وتوفير مساهمة لهم لمشاهدته.
- في ضوء تجربة العروض الأون لاين هل يسهل من برمجة الأفلام؟
لم تختلف البرمجة بصورة كبيرة، حيث اعتمدنا برنامجنا نفسه الذي كان من المقرر عرضه بالقاعات، المختلف أن الأفلام باتت متاحة لساعات أطول من 12 ظهرا وحتى التاسعة صباحا في اليوم التالي، وهو ما يزيد من قاعدة المشاهدة، أعتبر اللجوء إلى الأون لاين سهل كثيرا المشاهدة وأتاح لنا توصيل الأفلام إلى عدد أكبر من المشاهدين وصل إلى حد الآلاف في كل يوم، كما أن فريق المهرجان "الشباب والطلاب المنظمين" قاموا بعمل رائع وأتاحوا الأفلام إلكترونيا في وقتا قياسيا حيث استغرق العمل حوالي 15 يوما على أقصى حد.
لابد أن أحييهم على ما فعلوا لأنهم يتمتعون بالحيوية والحرفية المطلوبة والشغف بالسينما، وأعتقد أنهم قاموا بعملهم أفضل من أي محترف قد يكون لديه حسابات أخرى غير الشغف بالسينما.
- ذكرت أن الإقبال على مشاهدة أفلام المهرجان كبير ويصل إلى الآلاف في كل يوم، هذا يعني أن الفيلم القصير ليس فيلما نخبويا، ويتابعه مجموعة من المهتمين بهذا النوع السينمائي فحسب؟
تجربة الأون لاين منحت الفيلم القصير فرصة وكذلك المهتمين بهذا النوع والراغبين في مشاهدة الأفلام بصورة عامة، الفيلم القصير لا يعتبر فيلما نخبويا ولكن الطريقة السهلة التي وفرها الأون لاين هي التي أتاحت له الفرصة، الجمهور يريد توفير الفيلم القصير وأن يراه سواء في القاعات أو المشاهدة الإلكترونية.
- الإنتاج أو التوزيع هو ما ينقص الفيلم القصير؟
أرى أن أزمة الفيلم القصير من الممكن تقسيمها، حيث 20% للإنتاج، 20% للتوزيع بينما تعود 60% إلى تعامل صناع الأفلام\المنتجين مع الفيلم القصير، غالبية الصناع يتجهون إلى الفيلم القصير لعدم قدرتهم تنفيذ فيلما طويلا، أو ينتظرون المنتج الفلاني أو نوع الكاميرا المعينة باهظة الثمن وقد يحلم بوصول ميزانية فيلمه إلى 100 ألف أو 200 ألف أو حتى 500 ألف جنيه، كل هذه الأموال لن تصنع فيلما جيدا إذا لم يتمتع الفنان نفسه بالشغف والفكرة المناسبة.
في قسم السينما لدينا بالجامعة نوفر للطلاب أقل الإمكانيات لتنفيذ أفلامهم ومشاريعهم، حيث أقل نوع من الكاميرات وأقل نوع من الإضاءة وأقل برامج المونتاج والسبب هو التركيز على الإبداع وليس الأدوات بل كيفية استخدامها وتوظيفها فنيا.
في تقديري أن تنفيذ فيلم قصير جيد فنيا سواء كان وثائقيا أو روائيا يمكن تنفيذه في حدود 10 آلاف جنيه مصري، فيلم جيد قد يحوز على جوائز مع الوضع في الاعتبار أن الفنان نفسه يقدم أفكارا والدراسة المتمكنة لكل خطوات الإنتاج، وأن يعلم أن كل دقيقة في الفيلم في مقابلها "فلوس" وليس مجرد دقيقة، التخطيط الجيد هو الأساس في صناعة الفيلم القصير.
- هناك دول مثل فرنسا تخصص جزءا من ميزانيتها للسينما ومشاريع السينما القصيرة، هل تدخل الدولة قد يساهم في زيادة العملية الانتاجية وكذلك الضغط على دور العرض لتقديم الأفلام القصيرة وعدم تجاهلها؟
هذا صحيح، مساهمة الدولة لا تقف عند حد المساهمة المادية لإنتاج الأفلام، تدخل الدولة كشريك في الإنتاج أو التوزيع يساهم بصورة أساسية في انتشار الأفلام على نطاق محلي وإقليمي وعالمي أوسع، ما ننويه في مهرجان "رؤى" هو اتباع التجربة التي تم تنفيذها في مصر خلال فترة الستينيات، حيث عرض الأفلام بقصور الثقافة، وأن ندعم صناعة الفيلم القصير بتوسيع القاعدة الجماهيرية له في المحافظات المصرية.
- هناك مخرجون مثل المودوفار قدموا تجارب روائية قصيرة، في حين يتعامل أغلب صناع الأفلام في مصر على أن صناعة الفيلم القصير هو مجرد خطوة لصناعة الفيلم الطويل، مع الأخذ في الاعتبار أن الفيلم القصير يختلف عن الفيلم الطويل في صياغته وسماته، ما تعليقك على ذلك؟
هناك الكثير من صناع الأفلام الجدد يتخذون من الفيلم القصير مجالا للتمرين واكتساب الخبرات بالعمل السينمائي وهو أمر طبيعي، حاليا أصبحت التقنيات متوافرة وغير مكلفة، الفيلم القصير لا يعتبر جسرا للفيلم الطويل، حتى وإن كان الهدف منه هو التمرين، على الفنان أن يلجأ إلى الفيلم القصير إذا ما لاءمت فكرته الفيلم القصير، حيث يختار الفيلم القصير لأنه الأكثر انسجاما مع فكرته وأن يكون مرتبطا ارتباطا عضويا بالفكرة نفسها ومعالجتها.
- كيف ترى ورش تطوير النصوص أو نوافذ الدعم التي توفرها مهرجانات مثل القاهرة أو الجونة وكذلك مؤسسات مثل آفاق وصندوق الدوحة، على صناعة السينما القصيرة في مصر والعالم العربي بشكل عام؟
في ضوء نوعية الورش التي يتم تقديمها، يتصور الفنان\صانع الأفلام أن مجرد التحاقه بواحدة من تلك الورش هو هدف في حد ذاته، بالتأكيد هذه الورش مفيدة لكن لابد أن يعي الفنان أن التحاقه بهذا هو جزء من تطوره وتطور مشروعه وليس هدفا في ذاته أو يجعله صاحب مشاريع فنية ناجحة في المطلق.
هناك خطة في مهرجان "رؤى" بإقامة ورش خلال مدة المهرجان وكان من المقرر إقامة ورشة عن التصوير السينمائي خلال أيام المهرجان في حالة إقامته في الواقع، على أن تكون تلك الورش مجانية لتوفير فرص تعلم للجميع.
إلى جانب عقد ورش على مدار العام بعائد رمزي للثقافة السينمائية والنظريات السينمائية لدراسة تجارب المخرجين والسينمائيين بشكل عام، وهو ما يوسع دائرة المهتمين بصناعة السينما والفيلم القصير بالتبعية وتوسيع أفق الراغبين في خوض تلك التجربة وإثراء وعي متذوقي السينما.
- غالبا ما يلجأ صناع الأفلام القصيرة إلى قصص ذاتية دون الخروج عن العالم الذاتي، مع الوضع في الاعتبار أن السينما القصيرة هي سينما السياق ولها لغة شاعرية وسمات خاصة..
برأيي الفيلم القصير قابل أن يعبر ويقدم رؤى مختلفة، روحية تجريبية او الشغف بالروائية السينمائية وكذلك الاهتمام بموضوع وثائقي، الفيلم القصير مثل الفيلم الطويل قادر أن يستوعب كل الاهتمامات وكذلك يمتاز عن الفيلم الطويل أنه يجب أن يكون لدى الفنان قدرة على الاقتصاد من خلال التعبير البصري، كل دقيقة في الفيلم القصير محكومة بأطر معينة، وهو ما نلحظه في الأفلام القصيرة الجيدة التي تنافس في المهرجانات هو القدرة على التعبير عن ما يريد الفيلم الحديث عنه بأقل عدد من الدقائق والثواني حيث القدرة على التكثيف.
- مؤخرا توجه العديد من "النجوم" للمشاركة في تجارب فيلمية قصيرة، هل ترى السبب الاهتمام بالفيلم القصير أم أن هذه التجارب الفيلمية تجد طريقها للخارج في مهرجانات عالمية وتوسيع مساحة النجومية؟
صحيح هناك توجه ملحوظ أو مشاركات "نجوم" في أفلام قصيرة، من الصعب التكهن بالدوافع وراء ذلك، ولكن هذا توجه في العالم الغربي الذي يشهد مشاركات من قبل ممثلين ومخرجين وصناع بشكل عام، عن نفسي غير متفائل بدخول النجوم هذا المعترك وإن كان سيفيد الأفلام، حيث إن معظم الفنانين لدينا في مصر يتمتعون بشعور بالذات كبير وقد يكون مسيطرا عليهم.
أرى أن ما ينجح الفيلم المصري القصير ويوسع دائرته هو حضوره واحترامه بالمهرجانات وتقديم مستوى متقدم فنيا، وكذلك دعم الدولة ومؤسساتها لهذا النوع الفيلمي، وإتاحة عرضه في دور العرض والسينمات وحصول الفيلم القصير على مكانته الثابتة والقوية على الساحة الفنية، هو ما سيحسم اهتمام الفنانين والنجوم به.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات