كيف تختار فيلماً قصيراً لتشاهده؟

أحمد ابو الفضل 15 مارس 2022 الفيلم القصير

الكاتب : أحمد ابو الفضل


أحمد أبو الفضل

(1)
في عالم ليس به كورونا في المستقبل القريب، دعوت مجموعة من الأصدقاء إلى ليلة سينمائية في منزلك في عطلة نهاية الأسبوع، اجتمعتم جميعاً أمام شاشة التليفزيون الذكي وقررتم مشاهدة الفيلم مع أطباق الفشار والمشروبات الغازية، لم يبقَ إلا اختيار الفيلم.
كما يقول التعبير الشائع "صداع من كتر الاختيارات"، أفلام أجنبية وعربية من على منصة نتفلكس، أفلام على شاهد، أفلام حسب الطلب من على OSN، أفلام مقرصنة من على إيجي بيست، وإذا أصابتك الحيرة لاختيار الفيلم المناسب، يمكننا دائماً الاستعانة بموقع السينما دوت كوم أو Imdb للبحث عن الترشيحات والقوائم وأفلام ممثلك أو مخرجك المفضل، رحلة صعبة من كثرة اختياراتها وسهولتها، أفلام جديدة وقديمة، مترجمة وغير مترجمة، منصات جاهزة لتعرض على شاشتك في منزلك، خيارات مجانية وأخرى مدفوعة، أفلام فنية وتجارية، أفلام سيئة وأفلام رائعة، رحلة متعبة ولكنها ممكنة ونخوضها كثيراً ولكل منا خبرته الشخصية في اختيار الفيلم الذي يناسبه، وإذا فشلنا في اختيار الفيلم المناسب في المنزل، يمكن أن نرتدي ملابسنا وننزل إلى أقرب دار عرض سينمائي ونختار من بينها فيلما يعرض للمرة الأولى منذ أيام.
لكن ماذا لو فكرنا أن نشاهد مجموعة من الأفلام القصيرة؟ كيف هي رحلتنا نحو تحقيق هذه الليلة السينمائية الممتعة؟
"صوت صرصور الحقل"

(2)
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو قناعتي الشخصية أن تدريب الذوق والحس، هو في علاقة طردية مباشرة مع إتاحة المعلومات وإتاحة الأفلام، وهما احدى المشاكل العميقة للفيلم القصير، عندما بدأت الاهتمام بالسينما البديلة والمغايرة، كان الإنترنت هو الملاذ لمعرفة كل شيء، من هو أنتونيوني وما هي أهم أفلامه وأفضلها وأسوأها من وجهات نظر متعددة، أفلام بيرجمان مترجمة للإنجليزية والعربية لاحقاً من على التورنت، قائمة أفضل 250 فيلما من على موقع IMDB ولاحقاً قوائم أخرى عديدة على نفس الموقع، كنت أذهب إلى السينما وحيداً في النهار لمشاهدة فيلم في نفس يوم عرضه في أمريكا، أتواصل معه ومع جمهوره بعد العرض في نفس اليوم، هذا التفاعل، وهذه الإتاحة من قواعد بيانات ومعلومات عن الأسماء والتواريخ ومشاهدة ما يناسبني بشكل شخصي ومستقل تماماً، هي في اعتقادي من أهم العوامل التي ساعدتني على تطوير ذائقتي السينمائية بشكل فردي ومستقل، أن أفكر وأتأثر بتيار أو حركة أو شخص، ثم لأتمكن لاحقاً من تتبع أعماله لتكوين وجهة نظر مباشرة في أعماله، واختيار كيفية تأثري بها، ومقارنتها مع غيرها، وعقد نقاش شخصي مستمر يزيد من خبرتي كمشاهد، وتكوين روابط عاطفية قوية، يجعلني متحمسا للفيلم القادم، ولتذكرة السينما المقبلة التي سأدفع ثمنها راضياً ومتحمساً.
لكن بالنسبة للأفلام القصيرة، فالصورة مختلفة تماماً، حتى بعد أن عملت في السينما مخرجاً وكاتباً وناقداً ومدرساً، لا زالت تلك التلقائية والسهولة في مشاهدة الأفلام القصيرة غائبة، البحث عن أعمال مخرج أو طاقم عمل فيلم، قد يحتاج في كثير من الأحيان إلى التواصل المباشر مع صانعيه، هذا بخلاف صعوبة مشاهدة الأفلام ذاتها، في الوقت الذي أريد، حتى إذا كان لدي رفاهية دفع المال مقابل هذه المشاهدة.
الأمر ليس لغزاً، فطالما ظلت الأفلام القصيرة – من وجهة نظري - معزولة عن دورة المال والصناعة الطبيعية فلن تحظى بنفس الجهد في الجمع والترجمة والإتاحة، الأفلام الطويلة لديها نظام أكثر وضوحاً ورسوخاً، هذا النظام جعل الانتفاع منها أكثر سهولة، الأفلام الطويلة مشروع ناجح اقتصادياً في كثير من الأحيان، يمكن الاستثمار فيه، لكن الأفلام القصيرة على العكس، في احتياج دائم إلى الدعم، وإلى ساحات مغلقة لتحصل على فرصة عرض، بعيداً عن دورة المال والصناعة التي تسير إلى حد ما بقواعد منطقية مفهومة.

(3)
اختيارات شخص آخر
نادراً ما تشاهد فيلماً قصيراً من محض اختيارك بالكامل، الأفلام المختارة في مهرجان أو عرض ثقافي أو فني، هي في سياق مسابقة أو اختيارات مبرمج أو برنامج عروض معد مسبقاً، وفي موعد محدد لا تتحكم فيه إطلاقاً، ولا يمكنك نقل تجربة المشاهدة إلى منزلك بسهولة، ولا يمكنك في الغالب إعادة مشاهدة الأفلام التي أعجبتك إلا بعد عرضها بوقت طويل.
نتفكلس، OSN، شاهد، Watch it، وغيرها من المنصات، قد تجد عليها أفلاماً قصيرة يمكنك أن تشاهدها وتختارها بمحض اختيارك؟ للأسف فالإجابة لا أيضاً، فهي أفلام مختارة من المنصة، وسط حزمة من الأفلام القصيرة التي قدمها موزع ما، بناءً على "أداء" هذه المجموعة من الأفلام في "المهرجانات"، كما أن توافرها ليس مستمراً طوال الوقت، لذا فالحلقة الجماهيرية التلقائية الطبيعية التي يحظى بها الفيلم الطويل، تكاد تكون منعدمة، إلا إذا كان خلف الفيلم القصير نجم شباك أو مخرج نجم، قد تختلف القاعدة هنا قليلاً، وبعيداً عن بعض الحالات الفردية التي تشق من خلالها الأفلام القصيرة طريقها إلى منصات العرض بطريقة تلقائية نوعاً ما، فتظل القاعدة أنك تشاهد في الغالب اختيارات شخص آخر.
قد تبدو أمنيتي مثالية، وقد أبدو كطفل مزعج يريد أن يسير العالم على هواه، لكن لماذا لا يمكنني أن أحلم، كصانع أفلام وكاتب ومشاهد نهِم، بعالم آخر فيه مساحات أرحب وأسهل وأمتع لاختيار ومشاهدة الأفلام القصيرة، عالم فيه وفرة من الخيارات، وقدرة أسرع وأفضل على التفاعل، وإمكانية اختيار الفيلم المناسب للوقت المناسب، وقواعد بيانات تساعدني في تلك الرحلة.

(4)
حسام وليد أحد محبي السينما، يجري على صفحته على الفيس بوك سؤالاً تلو الآخر، عن أفضل فيلم قصير تسجيلي، أو أفضل فيلم قصير روائي مصري من بطولة نسائية، فيجيب المتابعون على السؤال، وتظل الإجابات تتكاثر على سؤاله حتى يتحول المنشور إلى قاعدة بيانات صغيرة يمكنك الرجوع إليها إذا احتجت يوماً أن تطالع قائمة بالأفلام التسجيلية المصرية القصيرة، ترشيحات واختيارات مصحوبة بعبارات قصيرة تساعدك أحياناً على تحديد موقفك أو إثارة حماسك لفيلم معين، "فيلم رائع على الرغم من إيقاعه البطيء"، "فيلم جميل جداً، لا أدري لماذا لم يصنع مخرجه سواه"، "بص هو فيلم مستفز شوية، بس بحبه"، قائمة أفلام وتعليقات لا تخلو من حس الهواية، بعيدة تماماً عن أي منطق لقواعد البيانات والأرشفة السليمة من حيث قابليتها للحفظ والبحث داخلها بالكلمات المفتاحية وإمكانية الرجوع إليها لاحقاً بسهولة، لكنها على الرغم من كل عيوبها، قد تكون هي القوائم الوحيدة من نوعها التي صادفتها على قدر كبير من التنوع، قائمة بلا سياق أو توقيت تظهر أمامك فجأة فتثير اهتمامك بروابط أفلام قصيرة يمكنك أن تشاهدها الآن، وإذا كان المشهد الافتتاحي لهذا المقال قائماً بالفعل، ودعوت أصدقاءك إلى منزلك لمشاهدة مجموعة من الأفلام القصيرة، فلن أتعجب لو كانت وسيلة البحث هنا هي منشور تلقائي على الفيس بوك من مجموعة عشوائية من محبي السينما، خرج عنها قائمة طويلة متنوعة من اختيارات الأفلام المتاحة للمشاهدة من أناس يشاركونك اللغة والمساحة الجغرافية، لا يبدو حلاً مثالياً، بل ومليء بالعيوب، لكنه موجود وفعّال في مواجهة نقص شديد في وجود قوائم أو قواعد بيانات مماثلة، وليس المثال هنا هو حل في رأيي، وإنما هو دليل على افتقاد الأفلام القصيرة لمساحات المشاركة والأرشفة، وتعطش جمهورها لأي نوع من التنظيم والإتاحة.
في نموذج آخر أكثر تنظيماً، تقدم منصة بسيطة لايف حلاً لنفس المشكلة ولكن بطريقة مختلفة، منصة رقمية لعرض الأفلام القصيرة والأعمال الفنية بشكل عام، لكنها ذات منفعة متبادلة لكل من صانع الفيلم ومشاهده، يرفع صانع الفيلم فيلمه على المنصة، ويضع سعراً لتذكرة الفيلم، كأنه يفتح دار عرض خاصة بفيلمه، وفي المقابل يدخل المتفرج على المنصة ليختار الفيلم القصير الذي يود مشاهدته، ويدفع تذكرة مقابل هذه المشاهدة، كأنها دار عرض سينمائي.
المثير في تجربة بسيطة هو الديناميكية بين صانع الفيلم والجمهور، ما أعتبره توازناً في العرض والطلب والتفاعل ودورة الصناعة والمال، قد لا تكون إيرادات أي فيلم قصير على المنصة كافية لتسديد تكاليف إنتاجه، لكنها بالتأكيد أكثر من أرباح عرض الفيلم بشكل مجاني على اليوتيوب أو فيميو، أو انتظار اختيار الفيلم في مهرجانات السينما ليحظى بفرصة عرض من الأساس، أو أن يحظى بفرصة للبيع وسط حزمة أفلام قصيرة أخرى إلى منصة مثل شاهد أو نتفلكس، هذا المسار في اعتقادي هو أحد أكثر المسارات طبيعية وتلقائية، أن يعرض الفيلم مقابل تذكرة، أن يصبح هناك عرض وطلب وجمهور وصانع يفكر في عائد فيلمه وفي جمهوره، وليس في لجان التحكيم أو استحسان موزع، قد لا تكون علاقة مثالية، أيضاً، لكني أراها علاقة طبيعية ومنطقية بها ما بها من ديناميكيات الاشتباك المعتاد بين الصانع وجمهور السينما.



موقع بسيطة لايف
https://basita.live/

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات