شورت الإلكترونية..عندما تجد حلا للكتابة عن الافلام القصيرة وتبتعد عن الحكي

اية طنطاوي 15 مارس 2022 الفيلم القصير

الكاتب : اية طنطاوي


عبر صفحات فيسبوك انتشر اسمها أمامي بشكل مكثف لأول مرة عام 2019 (شورت/ كراسات الفيلم القصير) وتعريفها بأنها مجلةٌ سينمائية إلكترونية متخصصة بالأفلام القصيرة، تٌسلط الضوء على جميع التجارب من كلّ أنحاء العالم. جذب انتباهي تخصصها في سينما الأفلام القصيرة، وأنها إلكترونية يسهل إتاحتها للجميع وأنها مشروع خاص بالمخرج إبراهيم عمر والناقد صلاح سرميني ويشاركهما في تصميمها محمد زبيداي. في أول أعداد المجلة، وعلى أول صفحاتها، يتصدر مقال إبراهيم عمر عن مشروع المجلة وفكرتها التي بدأت من حلم وانتهت إلى حقيقة. قررت أن أتواصل مع إبراهيم، شكرني كثيرًا ورحب باللقاء معي للحديث عن تجربة شورت التي تستعد هذه الأيام لإصدار عددها الرابع عشر.

المخرج إبراهيم عمر

تحدثت في أول مقال بالعدد الأول أن مجلة متخصصة عن السينما القصيرة هي فكرتك بالأساس، اخبرني أكثر عن الفكرة، ولماذا الفيلم القصير بالتحديد؟
جئت من مطبخ صناعة السينما وليس من الكتابة، ودراستي بالمعهد العالي للسينما هي التي جعلتني ألتفت للفيلم القصير تحديدًا لغيابه عن مواد الدراسة في المعهد التي تركز بالأساس على الفيلم الطويل، فعلى مدار سنوات الدراسة بالمعهد لم ندرس مادة عن تقنيات وحرفية صناعة الفيلم القصير، ومن وجهة نظري التي قد تكون مخطئة فإن الكثير من مشاريع التخرج من الأفلام القصيرة تفتقر لأدوات الفيلم القصير نظرًا لتركيز الدراسة فقط ائمًا على الفيلم الطويل.
الأمر لفت نظري، تحدثت مع أساتذتي بالمعهد، وقمت بجهد ذاتي لأعرف بشكل تقريبي عدد الأفلام القصيرة التي تصدر في الوطن العربي سنويًا، ووصلت إلى أنها تصل تقريبًا إلى 1400 فيلم. هذا الرقم كبير جدًا، ورغم ذلك لا توجد كتابة نقدية عن هذه الأفلام، ولا تجرى حوارات مع صناعها، ومن هنا بدأت رحلة بحث أخرى عن مطبوعات سينمائية متخصصة في الفيلم القصير باللغة العربية فلم أجد، شغلتني الفكرة وقلت لنفسي لماذا لا نخطط لإصدار مجلة تهتم فقط بالفيلم القصير؟ عرضت الفكرة على صديقي الناقد صلاح سرميني الذي أبدى حماسا كبيرا بالفكرة وتنفيذها، وأحب أن أشكره على دوره الكبير والأساسي في المجلة.

هل ترى أن النظرة للفيلم القصير تختلف عن الفيلم الطويل؟
طبعًا، وهذا ما لمسته بين الكثيرين، فهناك من ينظر للفيلم القصير باعتباره مشروعا للتجريب والتدريب قبل البدء في العمل على مشروع فيلم طويل، وهناك من يصنعون أفلاما قصيرة فقط بسبب عدم قدرتهم المادية على تمويل فيلم طويل، وفي الحالتين هذا مفهوم خاطئ ويظلم الفيلم القصير.

بعد ما يزيد عن عام ونصف من صدورها، هل ترى أن شورت حققت ولو جزء بسيط من حلمك في نشر ثقافة الفيلم القصير؟
نعم وأشعر بفخر شديد، دعيني مثلاً أخبرك عن الشباب في السودان، من يقرأون المجلة ويتابعون أعدادها، دائمًا ما تصلني منهم رسائل شخصية بأنهم بسبب المجلة عرفوا أفلاما قصيرة لم يسمعوا عنها من قبل. مثلا في إحدى الأعداد كتبنا عن أفلام الأوسكار القصيرة، والكثير من القراء تحدثوا عن فيلم اخوان التونسي وبدأوا في البحث عنه ومشاهدته. ووصلني أيضًا أن شورت تم الاستعانة بها كمرجع في ورش سينمائية بالسودان. هذا بالنسبة لي إنجاز كبير.

كيف تتم آليات العمل في المجلة بالتنسيق بينك وبين أستاذ صلاح سرميني؟
الأمر بسيط، في البداية كنت أستقبل المقالات من النقاد والكتاب وأرسلها تباعًا لأستاذ صلاح الذي بدوره يقوم بتحريرها، وبعدها نرسل المقالات إلى المصمم محمد زبيداي، وفور انتهاؤه من تصميم العدد نبدأ في الترويج له ويتولى أستاذ صلاح مهمة توزيعه إلكترونيًا على الراغبين في اقتناء العدد والاطلاع عليه مجانًا. ثم بعد فترة بدأنا التفكير في توسيع آليات العمل وتكوين هيئة استشارية للمجلة نستشيرهم في الأفكار ونسمع منهم مقترحات جديدة، إنهم أشبه بزاوية جديدة للنظر إلى شورت تساعدنا على التطور في الطرح والأفكار. وبعد اختيار أعضاء اللجنة وبعد التصويت لإختيار مدير للتحرير، سعدنا بانضمام الناقد وائل سعيد لفريق المجلة.

بحكم أنك مخرج بالأساس، هل تحرص على متابعة الأفلام القصيرة في المهرجانات السينمائية؟
طبعًا، أحرص كل عام على مشاهدة الأفلام القصيرة، فمثلا مسابقة سينما الغد بمهرجان القاهرة السينمائي بالنسبة لي واحدة من أهم مسابقات المهرجان والتي عمل فيها المخرج سعد هنداوي وبذل فيها جهدًا ملحوظًا لسنوات، ومع كل دورة أصبحت سينما الغد نافذة لطلاب معهد سينما وحتى الجمهور والصناع، ليشاهدوا تجارب أخرى مختلفة من أنحاء العالم، كما أن المناقشات التي تتم فيها هي تجربة ثرية في ذاتها. لاحظت مثلا أن كل عروض سينما الغد تنفذ تذاكرها أولاً بأول، وهذا نجاح في ذاته ويعكس رغبة حقيقية للجمهور في مشاهدة سينما الأفلام القصيرة.

في النهاية، ما الحلم الذي تتمنى أن تحققه شورت في الفترة القادمة؟
في رأيي ما تحتاجه شورت هو التركيز أكثر على التمويل، الأمر بالتأكيد سيساعدنا في تنفيذ أفكار كثيرة نطمح لتنفيذها، حينها مثلاً سنفكر في تحول المجلة إلى ورقية، ونبدأ في التجهيز لمشروعات مطبوعة مثل كتاب شورت السنوي خاص بالفيلم القصير، ومطبوعة تضم سلسلة حوارات مع صناع الأفلام القصيرة والنقاد أيضًا. في النهاية هذا هو الحلم الذي أتمنى تحقيقه، أن أرى شورت مطبوعة.

بوستر الفيلم التونسي (اخوان)
**




كان حديث المخرج عمر إبراهيم عن المجلة وعن ثقافة الفيلم القصير ملهمًا لي، ولاستكمال النظر للمجلة عن قرب ومن زاوية مختلفة قررت أن أطرق أبواب الناقد صلاح سرميني لأتحدث معه عن شورت، وكيف يرى التجربة من جذورها وبذورها وحتى ثمارها. كان كريمًا معي، أعطاني من وقته واستقبل اسئلتي بصدر رحب، وقلم مستعد للحكي.

صلاح سرميني

انطلقت فكرة مجلة شورت من المخرج إبراهيم عمر ورأيه في غياب ثقافة الفيلم القصير في الأوساط السينمائية النقدية، وكنت أنت الداعم الأول لفكرة تأسيس المجلة.. حدثني عن البدايات، وهل توافقه نفس الرأي؟

نعم، وتبنيّتها على الفور، خشية أن تتلاشى، وتضيع، أو خوفاً من أن يستحوذ على الفكرة شخص غير مُناسب، وخاصةً، أنّ إبراهيم، في الأساس، مخرجٌ سينمائيٌّ، ولم يُمارس الصحافة، أو النقد السينمائيّ، ولكنني كنتُ أقرأ في صفحته الفيس بوكية إضاءاتٍ نقدية قصيرة، وأقول له: لماذا لا تكتب عن السينما يا إبراهيم؟
جاءت الفكرة/المُبادرة بعد أن اقترح عليّ بعض العراقيين المُتحمّسين فكرة تأسيس نشرة، أو مجلة عن "السينما التجريبية"، الجانب الذي يشغلني أكثر في السينما، ولكن، حالما بدأنا، تبخرت تلك المواعيد في الهواء. في الحقيقة، لا أعرف ماذا يعنيه، هو أو غيره، بغياب ثقافة الفيلم القصير، لأنه لا يوجد ثقافة خاصة بالفيلم القصير، وأخرى بالفيلم الطويل، هناك، بالأحرى، "ثقافةٌ سينمائيةٌ" لا ترتكز على المدة الزمنية للفيلم، أو نوعه، أو جنسيته، أو تاريخه، ثقافةُ تجمع كلّ أنواع السينما، وأشكالها، ولكن، رُبما يقصد، ثقافة الفيلم القصير في المشهد النقدي العربيّ، أو بالأحرى، الإهمال المُتعمّد، أو غير المُتعمّد في الكتابة عن الأفلام القصيرة، أو التجاهل المقصود، أو غير المقصود.
ما كان لحماسي أن يكون بنفس القدر لو كانت الفكرة تتعلق بمجلةٍ سينمائيةٍ عامّة، كلّ ناقدٍ سينمائيّ (عربيّ) يحلم بأن يؤسّس مجلةً سينمائيةً عامة، ولكن، لا أحد فكر، أو يفكر بتأسيس مجلة عن أفلام الرعب مثلاً،.. فكرة مجنونة، أليس كذلك؟
وإذا تقدمنا كثيراً في الزمن، أيّ سنواتٍ بعد مشاهدات آلاف الأفلام القصيرة من كلّ الأنواع (هناك حوالي 500 مهرجان في فرنسا وحدها، ماعدا التظاهرات، والتكريمات، وأسابيع الأفلام..)، في عام 2003 أو 2002، منحني السينمائي الإماراتي مسعود أمر الله فرصة أن أكون مستشاراً، ومبرمجاً لـ "مسابقة أفلام من الإمارات" في أبو ظبي (أول مهرجان سينمائي في الإمارات)، ومنذ ذلك التاريخ، بدأتُ بتنفيذ تظاهراتٍ سينمائية تهتمّ بتيماتٍ غير مسبوقة في الثقافة السينمائية العربية (السينما التجريبية، السينما الشعرية، هايكو سينما، سينما التحريك...)، فترةً كان مجرد لفظ مصطلح "سينما تجريبية" يُثير الفزع عند الهواة، والمُتخصصين، وبعدها عملتُ مستشاراً في "مهرجان دبي السينمائيّ"، ومن ثمّ "مهرجان الخليج السينمائي" في دبي، وبعدها "مهرجان السينما العربية" في مالمو (السويد) منذ تأسيسه...وعشرات المهرجانات السينمائية، وكلّ هذا جعلني قريباً جداً من الأفلام القصيرة، حتى جاءت فكرة المجلة، وتخصصها "شُورت/كُراسات الفيلم القصير".

في رأيك ما سبب غياب الاهتمام بثقافة الفيلم القصير؟
أما سبب/أسباب غياب الاهتمام بثقافة الفيلم القصير مع أنّ الناقد السينمائي العربي، وحتى طالب سنة أولى في معهد سينما، عندما يتحدثون عن السينما، سوف ينطلقون من شرائط الأخوين لوميير، وجورج ميلييس، ..ومع ذلك، سوف يتحدثون عنها كتاريخ، وليس كجزءٍ لا يتجزأ من السينما نفسها.
يهتمّ الناقد السينمائي بالسينما السائدة، أيّ ما يُشاهده في المهرجانات الكبرى، وصالات السينما، الأفلام الطويلة تحديداً، وهو بذلك يحقق "أناه الطويلة" من خلالها، أما الدارس السينمائي، فهي بالنسبة له خطوةٌ مؤقتة نحو الأفلام الطويلة، بمعنى، يقدم الناقد السينمائي للمتفرج ما يرغب أن يعرفه عن تلك الأفلام، أو ما يعرفه مسبقاً، وليس ما يجب أن يعرفه، بالضبط، كما فكرة "الجمهور عايز كدا"، وبينما الناقد السينمائي نفسه، يتذمّر، ويحارب، ويقاتل، ويصارع فكرة/ظاهرة هذه المقولة، ولكنه، في المقابل، يعيش، ويمارس "انفصاماً نقدياً" غريباً في علاقته النقدية مع السينما، بغضّ النظر طبعاً عن القيمة النوعية للأفلام الطويلة التي يكتب عنها، وفي جميع الأحوال من مهماته أن يكتب عنها.

هل اختيار أن تكون شورت مجلة إلكترونية وفر لها انتشارًا أوسع ربما لم تكن لتحظى به لو أنها كانت ورقية؟

كانت فكرة إبراهيم عمر (على ما أتذكّر) أن تكون المجلة مطبوعةً ورقيةً، ولكن، كيف يمكن تمويلها، وهي لم تصدر بعد، وهكذا، بدأنا العمل على صيغةٍ إلكترونية (بفضل المُصمّم السوداني الصبور محمد زبيدايّ)، على أمل أن نُصدر بعض الأعداد، ومن ثمّ نبحث عن تمويلٍ خاصّ، أو حكوميّ، أو تبرعاتٍ، واشتراكات (ونحن الاثنان لا نمتك الخبرة في هذا المجال)..
بعد ستة أعدادٍ (أعتقد) حصلنا على وعودٍ إيجابية من مصادر تمويلٍ متعددة، وخاصةً من إحدى المؤسّسات السينمائية في السعودية، ولكن، فجأةً، توقف كلّ شيءٍ مع انتشار فيروس كورونا، وهكذا استمرت المجلة بصيغتها الإلكترونية.
المجلة الورقية هي الأقرب إلى عادات القارئ العربي، وخاصةً الشغوفين الحقيقيين بالسينما، صحيحٌ أن انتشارها يقتصر على بلد الطباعة، ولكنها تنتقل بطريقةٍ، أو بأخرى كما حدث مع مجلاتٍ سابقة (الفن السابع مثلاً).
أما مسألة الانتشار، فقد أثار العدد الأول منها الفضول (مجلة ببلاش)، ومن ثمّ بدأ يخفت تدريجياً، إنها مجلةُ ثقيلة المحتوى، ومن الصعب قراءتها عن طريق التلفون المحمول، أو الكمبيوتر.
كما اكتشفت أشياء أخرى كانت خافية عليّ، ومنها على سبيل المثال:
سيطرة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة السينمائية الشعبية، وحتى النخبوية.
اهتمام القارئ/المتفرج العربي بالأفلام الروائية، السائدة تحديداً، وانشغاله بمتابعة أخبارها، وقصصها، وحكاياتها على لسان المتخصصين، وغير المتخصصين، الحكواتية.
اهتمام النقد السينمائي العربي بالسينما السائدة، ومساهمته المقصودة، أو غير المقصودة، في إشغال القارئ/المتفرج عن الأشكال، والنوعيات الأخرى من السينما، السينما التجريبية مثلاً، الفيديو أرت، الأفلام القصيرة بشكلٍ عام.
السينما السائدة، والأفلام المعروفة، والمشهورة خاصةً تجذب الجميع، وتجمع الجميع حولها مهما اختلفت الآراء، وتباينت حول هذا الفيلم، أو ذاك.
دائماً، تدور فكرة المطبوعة الورقية في أذهاننا، وأحاديثنا، ونقاشاتنا، ولكن، لا أنا، ولا إبراهيم، نمتلك الملايين كي نُصدرها على حسابنا، كما أننا ثلاثة فقط، هو في مصر، وأنا في باريس، والمُصمّم في السودان.

وهل تسعى لأن تتحول المجلة لتكون ورقية أم أن التجربة الإلكترونية تستهويك أكثر؟
الثقافة السينمائية هي التي تستهويني، سواء كانت ورقية، أو إلكترونية، أو شيطانية. انتشار مجلة متخصصة بجانبٍ معينٍ من السينما، الفيلم القصير، مهمشٌ أصلاً، ويُعتبر بمثابة خطوة نحو الأفلام الطويلة، يحتاج إلى جهود وتكاتف كلّ النقاد العرب المُخلصين لمهنتهم، وليس النقاد الذين يدورون حول أنفسهم، وذاتهم، وهمّهم الأساسي "أنا" وهذا يتطلّب وقتاً طويلاً، وعملاً مؤسّساتياً، ولكنني لستُ متفائلاً.

الاهتمام الأوروبي -الأجنبي عمومًا- كبير بالمطبوعات السينمائية سواء كانت عامة أو متخصصة، لماذا الأمر مختلف في الوسط السينمائي العربي؟
لا أعرف الأسباب، ولكن، لاحظتٌ اهتماماً أكبر، وحماساً أعظم من الأجيال السابقة: سمير فريد، أحمد الحضري، سامي السلاموني، أحمد رأفت بهجت، يوسف شريف رزق الله. كان الكثير من هؤلاء يسافرون إلى المهرجانات السينمائية على حسابهم، ويُصدرون مجلاتٍ سينمائية شخصية على نفقتهم الخاصة، ولم يكونوا أثرياء، وينشطّون نوادي السينما، وجمعيات الفيلم، وما كان متوفراً لهم أقلّ بكثيرٍ مما هو متوفرٌ للأجيال الحالية.
بعض الأسئلة البريئة، والتي لا تستهدف أحداً، في الأزمنة الأصعب، من أسّس المهرجانات السينمائية الأهمّ: القاهرة، الإسكندرية، الإسماعيلية؟ ومن أسّس نوادي السينما، والجمعيات؟ ومن كتب كتباً، وترجم، وأصدر مجلاتٍ، وصحف؟
هذا من ناحية البارحة بالمُقارنة مع اليوم، أو بالأحرى، النقاد القدامى بالمُقارنة مع النقاد الجدد.
بالنسبة للقارئ/المتفرج، هناك تفاصيل كثيرة رُبما تكشف عن الأسباب:
ـالفرنسيّ، على سبيل المثال، ومع كلّ ما هو متوفرٌ له من إمكانياتٍ لمُشاهدة الأفلام، ما يزال حريصاً على الذهاب إلى صالات السينما، وعلى الرغم من غلاء المعيشة، وأسعار الكتب، ولكنه ما يزال حريصاً على القراءة/ كما أنه يدفع ضريبة اقتناء التلفزيون، وحتى أصحاب المقاهي، والمطاعم التي يتواجد فيها أجهزة تلفزيون أو راديو، ويحافظ على حقوق الملكية الفكرية، ويتفادى القرصنة، ويقف في طوابير أمام صالات السينما، والمسارح، والمتاحف، والمعارض، وحتى كبار السنّ. إنها منظومةٌ كاملةٌ، تطورّت، وتراكمت عبر السنين، وأصبح البحث عن أسباب هذه الفروقات بيننا، وبينهم، نوعاً من جلد الذات، و"ساديتي النقدية" ترغمني ـ أحياناً ـ على جلد الآخرين.

توليت مسئولية تحرير مقالات المجلة طيلة الأعداد السابقة -عدا العدد الأخير- ما هي آليات عملك أثناء عملية التحرير؟
نعم، بعد الاتفاق على تيمةٍ معينة لعددٍ ما، كانت مهمة إبراهيم الاتصال، والتواصل مع الصحفيين، والنقاد، وجمع المقالات، ومن ثم تحويلها لي.
أبدأ بالقراءة، والتنقيح الشكليّ، واللغوي (وُفق مستوايّ في اللغة العربية)، أهتمّ قدر الإمكان بعلامات الترقيم، والتشكيل، أصحح الأخطاء الكتابية، واللغوية، أحافظ على النصّ كما هو بدون تدّخلٍ، أو صياغةٍ جديدة، لا أحذف أيّ كلمة، أو جملة، أمنح مساحةً كافيةً للمادة الصحفية/النقدية، أختار الصور، أضعها في أماكنها داخل النصّ لتسهيل مهمة المُصمّم، ومن ثمّ أرسلها له، وحالما ينتهي من إنجاز العدد المعنيّ كاملاً، أراجعه بدقة، ولا أهمل الإشارة إلى حقوق الملكية الفكرية للصور، أو المواد المترجمة، ولكن، أحياناً يحدث هفواتٍ لا يُمكن إصلاحها.
لم أفهم ما هو المقصود بـ "ماعدا العدد الأخير"، العدد 14 الخاص بتيمة "موت النقد السينمائي"؟ لا، لقد اخترنا وائل سعيد مديراً للتحرير، ولكن، ما زلتُ أمارس نفس مهامي في الأعداد السابقة، لا أرغب بأن أشغله بمراجعاتٍ تقنية، وتحريرية.

ما هي ملاحظاتك على المقالات النقدية العربية عن الأفلام القصيرة بشكل عام؟ وهل تختلف عن الكتابة عن الأفلام الطويلة مثلا؟

هي نفس الملاحظات عن المقالات النقدية العربية "الأفلام الطويلة".
الناقد العربي، وبشكلٍ عامّ، تعوّد على سردّ الحكاية، واللفّ، والدوران حولها، لأنه، كحال المتفرج العادي، لا يجد في الفيلم أكثر من الحكاية، وهكذا، تعوّد على هذا النمط من النقد، وأصبح بالنسبة للطرفين مقياساً، ودعمَ ذلك الاحتفاء المجاني لهذه الكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي من نوع: تحليلٌ أكثر من رائع، وهكذا أصبحت هذه الكتابة فعلاً "تحليلٌ أكثر من رائع"، هذا هو النقد السينمائي إذاً.
الناقد العربي يمارس مهمة "حكواتي المقاهي الشعبية"، وتمنحه الأفلام الطويلة مساحةً "يحتمي" فيها، و"يحكي" عن الفيلم، وأحداثه، وشخصياته، ولكن، عندما يشاهد فيلماً قصيراً، سوف يقف عاجزاً أمامه، بسبب تكثيف أحداثه، كيف يمكن الكتابة عن فيلمٍ مدته 5 دقائق؟ أو فيلم تحريك، أو تسجيلي، أو تجريبي.. مشكلة.
ولهذا، عموماً، يميل الناقد العربي لمُشاهدة الأفلام الروائية الطويلة، ويشاهد الأفلام القصيرة "تحلية"، أو في المناسبات، أو في إطار عمله (مبرمج)، بالإضافة طبعاً إلى طبيعة الفيلم القصير نفسه التي تحتاج إلى تقنية نقدية مختلفة، كلّ هذه الأسباب، وغيرها، تجعل الناقد العربي يتفادى الكتابة عن الأفلام القصيرة.

فكرتم في تكوين هيئة تحرير استشارية، لماذا جاءت الخطوة متأخرة؟

كانت كلّ الأفكار موجودة منذ البداية، ولكنها تأجلت عمداً، لأننا كنّا في مرحلة التأسيس، من الصعب أن نجمع هيئة تحريرٍ استشارية مع عددٍ واحدٍ، أو إثنين، ولكن، مع 13 عددا وضعنا هذا المشروع على الطريق.
خلال تلك الفترة، لاحظنا نوعاً من التحفظ من طرف بعض الصحفيين، والنقاد في التعامل معي، لكن مع فكرة هيئة التحرير الاستشارية، أردنا توريط أكبر عددٍ من الصحفيين والنقاد، والأكاديميين، وتقريب المشروع نحوهم، وجعلهم جزءاً فاعلاً منه، على الأقلّ، المُساهمة التحريرية بدون أن تكون فرضاً، وعلى الأقلّ، أن لا تُقال الأفكار والآراء والملاحظات من خلف ظهورنا، في الخفاء أو سرّاً، ولكن، تفضلوا، ساهموا في المجلة بشكلٍ، أو بآخر ..
في الحقيقة، كلمة "تطوير" كبيرةٌ جداً، ماذا يمكن أن يفعل أحدنا لتطوير مجلة صدر منها 13 عددا حتى الآن، والـ 14 بصدد التحضير، هل يجعلها مجلةً لأفلام الزومبي مثلاً، أو يُشقلبها، ويجعل القارئ يتصفحها من الشمال إلى اليمين، أم نصدر المجلة بالأبيض، والأسود، أو بدون صور؟
الهدف من تكوين هيئة استشاريٌّ تماماً، مثلاً: آية تقترح أن ننجز ملفاً عن الأفلام القصيرة في باكستان، تفضلي، أمنية تريد أن تُخصّص عدداً عن أفلام الثانية الواحدة، تفضلي، محمد يساهم في التحرير بدون أن نجري خلفه، ونشحذ منه مقالاً، تخصيص مساحاتٍ حرّة يكتب فيها أيّ مشاركٍ في هيئة التحرير عن أيّ موضوعٍ يشاء، حتى عن الجنّ الأزرق.
المُساهمة، هي الكلمة المناسبة أكثر لمهمة/مهمات الهيئة الاستشارية.

ما الدور الذي تتوقعه من الهيئة الاستشارية لتطوير الأعداد القادمة وشكل المجلة؟
التطوير، بالنسبة لي، يمكن أن يحدث عندما يقترح كلّ واحدٍ من الهيئة ترجمة، أو تأليف كتاب، وإصداره باسم المجلة.
التطوير، هو المُساهمة الفعلية في البحث عن مصادر تمويل، وفي الترويج، التطوير، هو خلية نحلٍ تعمل بدون هوادة، أو بالأحرى، نقاد سينما يتبنون المشروع، وكأنه مشروعهم.
هل المجلة غير متطوّرة كي نحتاج إلى من يُطوّرها؟


وهل ساعدت اقتراحاتهم الأخيرة في اتخاذ خطوات جديدة لتطوير المجلة؟
الاقتراحات السابقة، والحالية لا تُطوّر المجلة، كلنا لدينا اقتراحاتٍ وأفكارٍ، ولكن المهم إنجازها.
وبصراحة، أنا شخصياً لا تنقصني الأفكار، والاقتراحات، وكلها أصيلة، ولم يفكر بها أحدٌ سابقاً، ولكن، كان هدفي (مع إبراهيم) تجميع الصحفيين، والنقاد حول المجلة، وتقريبها منهم كي لا يشعر أحدٌ بأنه منسيٌّ، أو مهملٌ، أو متجاهلٌ.
باختصار، لقد أسّسنا مجلةً متخصصةً لا مثيل لها في تاريخ الثقافة السينمائية العربية (غرورٌ في مكانه)، والآن، جاء دوركم في تغذيتها، واستمراريتها بأيّ طريقةٍ تجدونها مناسبة، وبالتشاور مع الجميع.

هل ترى أن شورت وضعت حجرًا في جدار الثقافة السينمائية المكتوبة أم أن الأمر مازال مبكرًا للحكم على تجربة المجلة وتأثيرها على القراء والسينمائيين؟

وضعت حجراً؟ هي، بالأحرى، وضعت 13 حجراً، والـ 14 في الطريق، وقريباً سوف تظهر أختها في سلسلة كتبٍ غير دورية بعنوان "تقاطعات سينمائية".
حاولت شورت، ولاتزال تحاول أن تملأ فراغاً في الثقافة السينمائية العربية يخصّ الأفلام القصيرة. فهي مثلاً شجّعت نقاد قدماء، وجددٍ على مشاهدة الأفلام القصيرة، والكتابة عنها (حتى وإن لم يكتبوا في "شورت"). كما أثارت اهتمام مخرجي الأفلام القصيرة، وطلبة معاهد السينما، وهواة الأفلام. وكما قيل لي، أثارت اهتمام قنوات تلفزيونية بتخصيص برامج للأفلام القصيرة. كما أنها لفتت انتباه واحدة من أكبر الصحف اليومية في السودان (جريدة التيار)، وطلبت من إبراهيم عمر الإشراف على صفحتيّ سينما أسبوعيتيّن (الخميس، والأحد) بالتعاون مع "شُورت/كُراسات الفيلم القصير".
صنعت شورت تأثير بشكلٍ مباشر، أو غير مباشر، فها أنتِ نفسكِ تكتبين عن هذه التجربة/المُبادرة في مجلة "الفيلم" التي خصصت عدداً للفيلم القصير، هل جاء هذا العدد مصادفةً؟
أما عن التأثيرات على القارئ/المتفرج، والسينمائيين، فهذه مسألةُ لا أعرفها، ولا أستطيع تقديرها، أو السيطرة عليها، كلّ ما أعرفه، بأنّ القارئ/المتفرج العربي، وبسبب ما تُوفره التقنيات الجديدة، لم يعدّ يتأثرّ بشيء، إنّه يحصل على ما يريد، وبدون جهدٍ، وببلاش، فلماذا يتعب نفسه.



في رأيك، بمن يهتم صناع الفيلم القصير أكثر.. بالجمهور أم المهرجانات؟

أتحدث هنا عن السينما العربية، يهتمّ مخرجو الأفلام القصيرة بالجمهور حتماً، ولكن، أين هو جمهور هذه النوعية المُختزلة/المُكثفة من الأفلام؟ المهرجانات طبعاً، وفي آخر المطاف، يتحوّل الفيلم إلى الإنترنت، ويصبح قابلاً للمُشاهدة لمن يرغب. المهرجانات هي النافذة الوحيدة ـ تقريباً ـ لمخرجي الأفلام القصيرة، وكلما وصل الفيلم إلى مهرجاناتٍ كُبرى، كلما أصبح الطريق ممهداً أمام المخرج كي يُنحز فيلمه الروائي الأول.
ومع أنّ المهرجانات هي النافذة الوحيدة -تقريباً- إلاّ أنّ كلّ الأفلام العربية القصيرة لا تصل إلى المهرجانات، فقط دزينةٌ منها تحظى بالصعود إلى القمّة، وضعف هذا العدد يصل إلى المهرجانات الأصغر، ويتضاعف كلما أصبح المهرجان أصغر فأصغر، أما الباقي، فلا تصل إلى أيّ مهرجانٍ، ويبقى الإنترنت الوسيلة الوحيدة للعرض، إن عثر عليه أحدنا بالمصادفة من بين آلاف الأفلام المتوافرة في العالم الافتراضي.

وهل ترى المخرجين يلجأون للفيلم الطويل لأن القصير لا جمهور له؟
على الرغم من أننا نكتب، ونقول، بأنّ الفيلم القصير هو "فيلمٌ بحدّ ذاته بغضّ النظر عن مدته الزمنية"، وهذا صحيحٌ تماماً، إلاّ أنّ كلّ المخرجين ينجزون أفلاماً قصيرة تمهيداً لعمل فيلم طويل، إنها خطواتٌ أولية إجبارية ماعدا المحظوظين الذين تخطوا هذه المرحلة.
حالياً، مخرج الأفلام القصيرة، يعرف مسبقاً بأنه سوف يجد الجمهور في المهرجانات، وفكرة إنجاز فيلم طويل تبدأ منذ تفكيره بالسينما، والإخراج، وفي جميع الأحوال، عيونه موجهة نحو الأفلام الطويلة.
ولكنّ تاريخ السينما المصرية أكد لنا بأنّ عدداً قليلاً من المخرجين كان يهمّهم الفيلم بغضّ النظر عن مدته الزمنية، وحتى كانوا يميلون إلى الفيلم القصير، التسجيلي خاصةً، صلاح التهامي، هاشم النحاس، علي الغزولي، عطيات الأبنودي،.. ومنهم من كان يميل للتجريب كما النادر د. مدكور ثابت، بدون إغفال مخرجين تمكنوا من الانتقال بحريةٍ ما بين القصير، والطويل، والتسجيلي، وحتى المُسلسلات، ومنهم الجميل سعد هنداوي.
في السينما العالمية، الوضع مختلفٌ تماماً، صحيحٌ بأنّ الغالبية العُظمى من المبتدئين تجد الفيلم القصير مقدمةً تمهيديةً للفيلم الطويل، ولكن، هناك من يقضي حياته كلها في إخراج الأفلام القصيرة فقط، وهذا ينطبق تحديداً على "السينما التجريبية" بحكم طبيعتها المُغايرة، والتدميرية.

ما هي الصعوبات التي كانت تواجه شورت وتطمح في التغلب عليها؟
الصعوبات هي نفسها، 3 أشخاص من أجل إنجاز مجلة تتكوّن من حوالي 100 صفحة، التباعد الجغرافي بينهم (فرنسا، مصر، السودان)، التمويل، العلاقة مع الصحفيين، والنقاد، القارئ العربي...وهي ليست صعوباتٍ بقدر ماهي عوائق تتطلب وقتاً، وجهودًا للتغلب عليها، أو على بعضها.
بشكلٍ عامّ، أنا متشائمٌ، ومحبطٌ من المناخات العربية، رُبما لأنني أعيش في أجواء مختلفة تماماً، ولأنني تشبّعت بها، وأصبح أيّ خللٍ يُزعجني، أو يُخرجني من طبيعتي الهادئة، والانطوائية، ويُحولني إلى "ناقدٍ شوارعيّ".

ما هي رؤيتك لمستقبل شورت في السنوات/ الأعداد القادمة؟

ليس لدينا، لا أنا، ولا إبراهيم، أيّ فكرةٍ عن مستقبل المجلة، رُبما تتوقف غداً، كما حدث في الشهور الأخيرة بعد العدد 13، ورُبما نُكمل أعداداً أخرى، ونُنجز سلسلة كتب "تقاطعات سينمائية"، ورُبما نصدرها ورقياً، ورُبما أترك الأمر برمته، وأكمل حياتي في مدينة الأنوار، أخرج من بيتي كلّ صباح، وأجلس في المقهى القريب منه، أحتسي قهوتي، وأنظر في "الدليل الأسبوعيّ" أنتقي فيلماً من مئات الأفلام التي تُعرض في باريس، وبعدها، أتوجّه نحو صالةٍ ما، وأشاهد فيلماً، وفي طريقي، أفكر بهذا الزخمّ السينمائي المُقترح على المتفرج من الصباح وحتى آخر الليل، وأبكي على حالي، لأنني لن أتمكن من متابعة كلّ شيء، أبتسم، وأعتبر نفسي محظوظاً، لأنني أعيش في قلب السينما ليس بعيداً عن استوديو جورج ميلييس، ومصنع الأخوين لوميير.
....................................

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات