مواقع التواصل جعلت الصورة جزء من حياة الناس ودفعتهم لحبها

مني يسري 15 مارس 2022 الفيلم القصير

الكاتب : مني يسري



يرى المصور الفوتوغرافي المصري الشاب محمد الكاشف، أنّ التنوع الثقافي والبيئي في مصر، يجعل منها صورة كبيرة جميلة لم تُلتقط بعد، وما زالت في حاجة للمزيد من الاكتشاف والبلورة، غير أنّ ثقافة الشارع المعادية للكاميرا، تمثل عقبة أمام مصورين كثر وتمنعهم من المضي قدمًا واكتشاف كل هذا الجمال.
ويرى المصوّر الشاب، الذي انصب مشروعه الفني على تصوير الشارع والحياة اليومية للمهمشين من أبناء مصر، أنّ ثراء الشارع المصري هو ما بلوَر مشروعه منذ البداية، ودفعه للغوص أكثر في نواحي مصر، لاكتشاف الجمال الكامن فيها.
بدأ محمد الكاشف مسيرته في التصوير الفوتوغرافي بعد أحداث ثورة يناير 2011، اللحظة الفارقة في تحديد مسيرته المهنيّة والتي أمدته بالكثير ليمضي قدمًا نحو امتهان شغفه برغم كل العراقيل المادية واللوجيستية، وليصنع في فترة قصيرة من الزمن أرشيفًا فوتوغرافيًا للأبطال المنسيين، من العمال والفلاحين والحرفيين وكل مهمش تقع عليه عدسته، وينسب الفضل في ذلك الشغف الكبير إلى السينما ملهمته الأولى، والتي حببت الصورة إلى عينه منذ كان طفلًا.
عبر مسيرته قدّم محمد الكاشف، عشرة مشاريع فوتوغرافية متكاملة، تناولت تفاصيل مختلفة من حياة المصري المعاصر، مثل الشقيانين (توثيق حالات الطفل تحت السن العامل في مناطق القاهرة/الجيزة/الفيوم)، الفاعل (العاملون بالأجر اليومي في مصانع الطوب الأحمر)، وأيضًا؛ الآخرون/ هل للصورة فعل؟! (ركاب قطارات الدرجة الثالثة في محطات: الجيزة/الواسطى/الفيوم)، أمّا آخرها فكان مشروع نوت: عن توثيق انتاج الغذاء من المحاصيل الزراعية والخضر والفاكهة والمنتجات المنزلية
- متى بدأ اهتمامك بالتصوير الفوتوغرافي؟ ولماذا؟
بدأ اهتمامي بالتصوير منذ الطفولة، فعائلتي كانت تمتلك كاميرات للتصوير، دائمًا ما كانت حاضرة في كافة المناسبات، لتسجيل اللحظات الخاصة، كان لها تأثير خاص في أهميّة الصورة بالنسبة لي. لكن ما بلوّر اهتمامي بالتصوير كمجال احترافي، كانت أحدث ثورة يناير، اللحظات المليئة بالآف الصور، ما ولّد بداخلي نهمًا لتوثيق كل لحظّة تمر خلال الأحداث، وعشت هذه اللحظات عبر الكاميرا، لكن عبر الهاتف، حتّى بدأ الأمر في التبلوّر لاحقًا، إلى أن جاء عام 2013، حين تعرّفت إلى حركة "توثيق"، التي دشنتها المخرجة الشابّة أسماء نور. استهدفت الحركة انعاش فن التصوير الفوتوغرافي، وتطوير أدوات المصورين وتبادلهم الخبرات مع بعضهم البعض، كنت ضمن هذه المجموعة، واحترفت خلال ذلك التصوير عبر الكاميرات الحديثة.

- إذاً؛ كيف تشكّل مشروعك الفوتوغرافي؟
بعد التعرّف على حركة توثيق، بدأت التصوير يوميًا في الشوارع، بين القاهرة، ومدينتي الأم "الفيوم"، كان القاسم المشترك بين المدينتين بالنسبة لي، الأطفال العاملين والمهمشين والحرفيين، رأيت فيهم وجوهًا جديرة بالتوثيق، وحياتهم المليئة بالكدح والجهد أولى بأن يراها الجميع، من هنا بدأت أول مشروعاتي الفوتوغرافية "الطفل العامل"، وهو الطفل تحت السن، العامل في مهن مرهقة بالنسبة لعمره. انصبّ اهتمامي الأساسي على إبراز هذه الحالات الإنسانية، وكان هؤلاء نجومي بدلًا من نحوم الفن وكرة القدم، فهؤلاء نجوم تختطف الأضواء دومًا، أمّا هؤلاء فهم في أمّس الحاجة لمن يعبّر عنهم ويوثق حياتهم الصعبة. منذ تلك اللحظات قررّت ان يكون مشروعي الفنّي هو تصوير الشارع بكل تفاصيله الساحرة، وأعتقد أنّها أكثر جاذبيّة من حياة النجوم والمشاهير.
- هل شغفك بتصوير الشارع كفيلًا بتحويل الفوتوغرافيا من هواية إلى مهنة؟
نعم؛ بالتأكيد استمرار هذا الشغف، وكثرة الصور التي يمكن انتاجها عبر الشارع، دفعني لاحقًا لامتهان التصوير وحده، قبل أن أترك عملي بأحد الشركات العقارية، بعد حادث تعرضّت له عام 2017، منذ تلك اللحظّة قررت أن يكون التصوير وحده مهنتي وهوايتي. كانت البداية مع بعض المواقع المستقلّة مثل موقع رصيف22، ومع استمرار العمل والنشر الالكتروني، تأكدت أن التصوير وحده هو ما أرغب في ممارسته طوال حياتي، وليست مجرّد نزوة عابرة أو شغف عرضي، وبرغم العقبات الماديّة التي واجهتها، والتي تدفع الكثيرين إلى التصوير التجاري، لم يستهويني الأمر، واستكملت مشروعاتي في تصوير الشارع المصري والحياة اليومية. بدأت بعدها الخروج من العاصمة والفيوم، والانضمام إلى مجموعات من المصورين في رحلات إلى مدن مختلفة في مصر، وتأكدت خلال هذه الرحلات أنّ مصر بكل ما تحويه من تفاصيل بشرية وعمرانية وبيئية، هي صورة جميلة لم تلتقط بعد.
- ممتاز؛ بين كل التفاصيل، ما الذي أعدت اكتشافه من خلال هذه التجربة؟
أعدت اكتشاف نفسي بالأساس، من خلال اكتشاف جديد للشارع عبر عدسة الكاميرا، ولم تكن الممارسة فقط سبب تشكيلي لهذه المعرفة، لكن القراءة وعالم السينما الذي أعدت اكتشافه من جديد أيضًا، هو ما شكّل سلسلة اكتشافاتي بعد دخولي عالم التصوير. ككل المصريين شاهدت في طفولتي وصباي المئات من الأفلام المصرية، والأمريكية، لكن كتابات المصور الكبير سعيد الشيمي، ما شكّل لدي قراءة مختلفة لهذه الأفلام، ومشاهدات لأفلام أمريكية كثيرة لكن أهمهم بالنسبة لي أفلام "ستانلي كوبريك، كوانتين ترانتينو، كريستوفر نولان". مع مرور الوقت، أصبحت الكاميرا عيني الثانية، أشاهد بها كل شيء مختلف عما يشاهده الإنسان العادي، حتى اللحظات الماضية أعدت اكتشافها من خلال الكاميرا، مثل الموالد الدينية التي كانت جزء كبير من تكويني، أصبحت اليوم جزء من مشروعي التوثيقي لحياة الشارع.
بعد اقتنائي لأول كاميرا في حياتي عام 2016، عملت على مشروعي الثاني "توثيق الفلكلور المصري"، ونزلت إلى قرى ونجوع بعيدة، لتوثيق مواسم الحصاد، والموالد الشعبية والتجمعات، كلها لحظات لا تنسى، وإعادة اكتشاف لصور في الذاكرة موجودة بالفعل، لكن الكاميرا لها رأي آخر ربما أكثر جمالًا مما يصورّه العقل، حين تقتنص لحظة من الزمن وتخلدّها من خلال الصورة، أو كما يسميها المصور الفرنسي "هنري كارتييه" بـ "اللحظة الحاسمة"، لكنني أرى أن العنصر الإنساني في الصورة هو الأهم من كل التقنيّات، على الأقل من خلال مشروعي المعني بالإنسان في المقام الأول.
- بعد عقد كامل أمضيته في التصوير الفوتوغرافي، هل ترى أنّ الشارع المصرى بحاجة للمزيد من التوثيق؟
بالتأكيد؛ فالشارع المصري غني بشكل لا يتخيله البعض، عالم لا متناهي من الصور ما زالت بحاجة لمن يلتقطها، وهو أمر بحاجة لجهد كبير، على المستوى التقني في الأساس، وجهد شخصي يبذله المصور، في ظل ما يمكن أن يتعرض له من مضايقات فردية أو أمنية خلال تواجده في الشارع. دعيني أضيف؛ أنّه خلال السنوات الأخيرة تكونّت ثقافة معادية للكاميرا في الشارع، فالإنسان المصري أصبح متوجسًا من الكاميرا، فلا يمكن أن ينزل مصورًا إلى الشارع دون أن يجد العشرات يستجوبونه ويعتبرون أن حمله لكاميرا مثار تهديد لأمنهم، تلك الثقافة هي أكبر المعوقات في طريق أي فنان خاصة لو كان الشارع مسرح عمله، أنا اليوم أحلم بالخروج أكثر وأكثر من المركز (القاهرة)، إلى هوامش مصر البعيدة، مثل النوبة وحلايب وشلاتين والواحات، التقط بعدستي حياة الناس، لكن هذا الخوف الشعبي من الكاميرا والعداء معها، يقوض حركتي، ويعرقل بعض المشاريع وتوسعاتها خارج المدن الكبيرة. فضلًا عن المعوقات اللوجيستية مثل ضرورة الحصول على تصريح أمني لتصوير الناس والشوارع والحارات، وإلّا تعرضت لتهديدات قانونية. وبرغم الثراء الثقافي الموجود في مصر، إلّا أنّه محجوب بفضل بسبب الخصومة الجماهيرية مع الكاميرا.
- إذًا؛ هل ثقافة العداء مع الكاميرا متأصلّة في الشارع المصري، أم دخيلة؟
بالطبع دخيلة؛ فأرشيف مصر الفوتوغرافي من قلب الشارع، نابض بالحيوية منذ اختراع الكاميرا، ولدينا إرث كبير من الصور التي ربما لم نعيد اكتشافها بعد. ربما يتعلق الأمر بطبيعة السلطة الحاكمة أو العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الناس. واعتقد أنّ التعامل مع الكاميرا في الماضي كان أكثر أريحية، ويشهد على ذلك أرشيف أعمدة التصوير في مصر، خاصة من الأرمن مثل ليكيجيان، ووبابازيان وفان ليو، وغيرهم الكثيرين في القاهرة والإسكندرية منذ القرن التاسع عشر، الذين وجدوا في مصر مكانًا ثريًا لصنع أرشيف هائل ربما ما زال بحاجة لإعادة اكتشافه. وحتى وقت قريب، كان التصوير أمر محبب إلى المصريين، ويمكن اكتشاف ذلك عبر برامج الشارع المذاعة على التليفزيون مثل كلام من ذهب وغيرها، حين كانت الجماهير تلتف حول الكاميرا مبتسمة رغبة في الظهور، لكن ما حدث لاحقًا كان ردّة كبيرة في موقف الشارع من الكاميرا، ومما لاشكّ فيه أنّ هذا يؤثر على حركة التصوير في مصر، وعلى المسيرة المهنيّة للمصورين خاصة مصوري الشارع.
على صعيد أكثر اتساعًا، أثر المّد الإسلامي منذ مطلع السعبينيات، على حركة التصوير في مصر، ويتضح ذلك من التغيرات في المناهج التعليمية لطلبة كلية الفنون الجميلة، خاصة بعد إلغاء تدريس Nude Photography ، برغم أهميته في المسيرة الأكاديمية للطلبة، وأثره على تكوينهم الفنّي، امتدّ هذا التأثير المعزز بفضل الصحوة الإسلامية إلى تحريم التصوير، نفسه، فأصبحت الكاميرا وحاملها بالنسبة لشرائح كبيرة من المتدينين في مصر مصدر إثم وربما فسق وفجور.
- يفتح حديثك مجالًا للحديث عن تأثير الصورة على الأفراد من ناحية، وتجلي هذا الأثر في المجتمع بشكل عام؟
يختلف تأثير الصورة على الأفراد، بالنظر إلى خلفياتهم الثقافية والاجتماعية والطبقية، ومن احتكاكي بالشارع وجدت أنّ بعض المهمشين ربما أكثر انفتاحًا وتصالحًا مع الصورة، من أبناء الطبقات الأعلى، وهذا فارق يصنعه المصور بالتواصل المباشر مع موضوع الصورة (الإنسان)، أيضًا لا يمكننا أن نغفل دور وسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف الحديثة بكاميراتها التي جعلت من الصورة أمرًا في متناول الجميع، وهو أمر برغم ما يستنكره البعض بدوافع طبقية، لكنه ذو أثر جيد على صعيد المجتمع وتفاعله مع التصوير كـ"فن يومي" يمكن أن يمارس بأبسط الوسائط وأكثرها ذيوعًا "الهاتف المحمول".

- لكن وجود الكاميرا في متناول الجميع، سلب التصوير جلاله، كما يروّج البعض، هل تتفق معهم في ذلك؟
لا؛ بالطبع لا أتفق مع هؤلاء، لأنّ هذه الرؤية متعالية على الناس، مثل التعالي الممارس من قبل البهض، ضد المصورين المتواجدين بشكل ثابت في مناطق سياحية مثل كوبري قصر النيل أو شارع المعز، فالواقع والتجربة والاكتشاف من سيفرز من هؤلاء أصحاب الموهبة الحقيقية، من يتعلّمون ويطوّرون أدواتهم التقنية، في مقابل من يحمل الكاميرا دون احتراف وتقديم محتوى فوتوغرافي جيّد. أيضًا دعينا لا ننسى، أنّ هناك المئات من مواقع الانترنت الخاصة بالصور، غيّرت بشكل أساسي مفهوم الصورة لدى شرائح عديدة من الجمهور، وأتاحت الفرص أمام الآف لاكتشاف موهبتهم عبر مشاركة ما يقدمون من صور مع الملايين حول العالم.
أيضًا هناك ظاهرة أخرى يجب الحديث عنها بدأت في العقد الأخير، وهو التصوير التشاركي، عبر مجموعات تتواصل مع بعضها البعض الكترونيًا، للخروج في أماكن أثرية أو معالم طبيعية، لتصويرها، هذه المجموعات صنعت فارقًا، في مشهد الصورة المصرية المعاصرة، وأفرزت مواهب جديدة، وإضافة حقيقية لأرشيف الصورة المصري، بعضها ما زال في طور التبلوّر والتطور، لكن وجودها كان ضرورة تطورية لحركة التصوير التي بدأت بعد ثورة يناير 2011.
- جميل حديثك عن هذه المجموعات، لكن هل يرقى نشاطها إلى ما يمكن أن نعتبره حركة فنية في التصوير الفوتوغرافي المعاصر؟
انظري؛ وجود هذه المجموعات وتجمعها للتعلم والممارسة، أو مصوري شارع المعز وقصر النيل، هو في رأيي أمر صحي، وجيد بالمناسبة، لكن أن نطلق عليه حركة فنية مثلًا أو تيار فهو أمر يحتاج للمراجعة والتدقيق، لكن هذه التجارب مع الوقت، لا بد أن تفرز قليل من أصحاب البصمات الخاصة، صحيح أنّ نهجهم في أغلب الوقت تجاري، وأنا لست ضد هذا بالتأكيد، لكن البعض حتى ولو كان قليل منهم، يتعلّم ويتطور ويستكشف نفسه من خلال التواجد في الشارع بالكاميرا، لكن سينحصر هذا بشكل كبير على المجال التجاري، أمّا مشروعات التصوير التجريدي، غالبًا ما تقف خلفها دوافع فنية وذاتية بحتة، متوقفة على التكوين الثقافي والفكري للمصور، تجاربه الشخصية والاجتماعية، وتفاعله مع البيئة المحيطة.
كذلك؛ لا يمكننا أن نحكم بالفشل على هؤلاء المصورين الذين اختاروا الكاميرا مصدر رزق لهم، في نفس الوقت، هناك جيل كامل نشأ على وجود مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت الصورة جزء أساسي من تكوينه، هؤلاء الشباب في غاية النشاط على شبكة الإنترنت، يلتقطون صورًا في غاية الجمال، يشاركونها مع الجميع، ويتدربون بشكل واعي أو غير واعي كل يوم على اكتشاف الجمال، وتخليده عبر عدسة الكاميرا، مهما كانت بسيطة الإمكانيات، لكنّها في نهاية الأمر تصنع فارقًا على المدى البعيد.

- إذًا، هل ترى أنّ كل شخص يمكن أن يصبح مصور؟
بالطبع لا، ولكن وجود الكاميرا في يد الجميع أمر صحي، يساعد في كسر ثقافة العداء للكاميرا، أمّا المصور الحقيقي، ومن يقدم منتج فني ذو قيمة، هو من يستمر في النهاية، وهذا هو الفرز، فصاحب الموهبة الحقيقية هو من يبقى ويترك بصمته. وأنا مع أن يصوّر الجميع، حتى وإن كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، فما دام يملك عيونًا ترى الجمال، وعدسة تستطيع التقاته فلما لا؟.
- كيف ترى من يتذمرون من التكنولوجيا التي أتاحت الكاميرا والانترنت في أيادي الجميع؟
هو تعالي طبقي وثقافي، من شريحة معينّة تريد احتكار المميزات لطبقة دون أخرى، بالمناسبة نفس الكلام يقال بحق السينمائيين والصحفيين والأدباء والمبدعين، لكن ما دام الجميع قادر على أن يدلو بدلوه، ويعرض منتجه الإبداعي، فلما لا...التصوير كغيره من الفنون وسيلة لأن يعبر هؤلاء المهمشين عن أنفسهم، ونحن حين نتعالى ما يقدمه البعض لا لرداءته، بل لأسباب طبقية، نمارس قمع اجتماعي لن يصب في صالح أحد، بل سيقتل مواهب حقيقية تدفن وتتحوّل إلى قنابل موقوتة.

- أليس بالأحرى أن تخصص الدولة أكاديميات للتصوير الفوتوغرافي لصقل المواهب الحقيقية؟
لا أتفق مع هذا الرأي، لأن التصوير من وجهة نظري موهبة وحب وممارسة وقدرة على التقاط لحظات خاصة، تصل بالتدريب اليومي والمشاهدة والتدقيق، وقتها يكتسب المصور أو الفنان عيونًا حساسة للجمال، تعرف كيف تشاهده وتخلّده، لكن أن يتّم ذلك عبر أكاديميات لا أعتقد أنّه سيساهم بجديد، نعم يمكن أن يكون جيدًا للبعض في دراسة التقنيّات، لكن الموهبة نفسها لا تقدّمها الأكاديميا مهما صنعت. والحقيقة أنّ مصر مليئة بالمواهب الحقيقية، ليس في الفوتوغرافيا فحسب، بل في كل المجالات، كلها تحتاج إلى فرص لإبراز مواهبها والتعبير عن نفسها، فإذا استطاعت الأكاديميات تقديم ذلك، فمرحبًا بها على أي حال.
- برأيك ما هي المعايير الفنيّة الواجب توفرها في الصورة حتى نحكم على موهبة صاحبها؟
الصورة ليست كتابًا أو مقالًا، لكنها كاللوحة، نستشعر فيها الجمال، ينطلق جمالها من الضؤ، وهنا تبرز موهبة المصوّر، حين يستشعر الضؤ ويصير أكثر حساسية له، يعرف كيف يقتنص الصورة المناسبة في اللحظة المناسبة، ويستشعر المشاهد مكامن الجمال، هنا نعرف أننّا أمام فنان صاحب موهبة.
قبل أن ننهي حديثنا؛ كيف تشرح تأثير بيئتك الأم على تكوينك كمصور؟ وهل يمكن أن تترك تصوير الشارع بسبب ما تعانيه من صعوبات؟
ولدت في اطسا بالفيوم، محاط بالطبيعة، حياتي البسيطة الخالية من التكنولوجيا والانترنت وصخب الحياة المدنية، جعلت التأمل جزء أساسي في تكويني، والتأمل وإدراك التفاصيل بعمق، هما أول طريق التذوق الفني، في ذلك الجو نشأت وتربيت، لم تكن بلدتي وقتها تكره الكاميرا كما هي الآن، لكن مدرك تمامًا لأبعاد هذه الكراهية، سواء كانت ذات بعدًا ثقافيًا أو دينيًا، لكن أضيف أنّ وجوه البسطاء ومعاناتهم، تفاصيل الحياة اليومية بكل راتبتها وروتينيتها هي عالمي المفضل، عالم أحببته وأحبته عدستي، وأعتقد أنّ هذا الحب أكثر من كافي لتحمل أيّة صعوبات بل وتجاوزها، في سبيل الحصول على ما أحب.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات