الكاتب : أماني صالح
في استبيان جديد لــ«الفيلم» نبحث:
بين نقاد السينما وجمهورها.. هل الجسر موصول؟
كتبت : أماني صالح
في عدد جديد تخصصه مجلة الفيلم للحديث عن حركة النقد، وتكريم شيخ النقاد الراحل سمير فريد، كان لابد أن نبحث مرة أخرى وجديدة عن علاقة الجمهور بموضوع العدد.. هذه المرة النقد السينمائي، فأبسط تعريف يعتبره الجسر بين العمل الفني والمشاهد يساعده لكي يراه ويتلقاه، وبالتالي يدركه بشكل أفضل.. يتأمل جمالياته وينبه لعوراته وهدفه - في كل الأحوال - النهوض بالفن السينمائي.
لأول وهلة يبدو هذا التعريف إقرارا لما هو معروف ولكن استطلاعه أمر آخر.. للجمهور تجارب مختلفة مع النقد ووسائط متنوعة للوصول إليه و مشاعر وانفعالات تتحرك بين الفضول لمعرفة كيف رأى ناقد ما فيلمًا معينًا وحتى الثقة في آراء ناقد بعينه.. إذن قد يأخذك الفيلم إلى عالم النقد أو يجذبك الناقد إلى عالم السينما .. أيا كانت البداية فالتأثير موجود: يستثير مقال نقدي حماسك لمشاهدة فيلم أو ينفرك منه.. يغير رأيك في فيلم للجهة الأخرى، كما يؤكد صدق حدسك كمشاهد متذوق.
وهذا التفاعل - على تناقضه - هو بالتحديد ما أردنا كشفه أو على الأقل الاقتراب منه عبر هذا الاستبيان.. كان السؤال المحرك: كيف يتفاعل الجمهور مع النقد السينمائي؟ وعبر ١٨ سؤالا مختلفا قدم لنا ٦٨ مشاركا إجاباتهم، منهم لم يكتب مقالا نقديا من قبل لكنه يقرأ أو يشاهد النقد، وكذلك بينهم النقاد المتمرسون شبابا وكبارا.. نستطيع القول إننا أمام عينة وإن كانت صغيرة إلا أنها تمثل جمهورا يحب السينما ويهتم بالنقد٬لا تخلو إجابات بعضهم من الملاحظات حول واقع النقد وتحمل أطيب الأمنيات حول مستقبله.
التعامل مع هذا الاستبيان في صياغة الأسئلة وتحليلها كان شائكا، فمن جهة عند رصد تفاعل الجمهور مع النقد٬من حق الجمهور ذكر أسماء للنقاد والحديث عن تجاربهم مع النقد سلبا وإيجابا.. قد تحمل أحيانا لهجة الجمهور أحيانا نبرة انتقادية لاذعة، كما تعكس في أحيان أخرى تقديرا واضحا للنقاد ومن الوارد ذكر أسماء، بينما تغيب أسماء معروفة ذات رصيد نقدي
ولأن الحرص أن يجد الجمهور نفسه بطلا لهذا الموضوع٬كان التعامل مع كلماته "بنصها باستخدام علامات التنصيص" أو بدونها بعد تعديلات طفيفة مع الاحترام للنقاد - البطل المشارك - لذلك كانت الاستعانة ببعض الكتب النقدية والاقتباسات لنقاد أجانب ومصريين حرصا على إظهار الوجه الآخر من العملة.. وبعد هذا التوضيح دعونا نقدم قراءة تحليلية للاستبيان ونتائجه.. آملين في رحابة صدر القراء نقادا وجمهورا.
أرقام ومؤشرات
بلغ عدد المشاركين في استبيان (الجمهور والنقد السينمائي) ٦٨ فردا وكانت نسبة الإناث ٥٦،٧٪ في مقابل ٤٣،٣٪ للذكور، كما احتل الشباب (تحت الأربعين) الأغلبية بنحو ثلثي المشاركين (٤٧ فردا من أصل ٦٨).
وتنوعت المهن والمؤهلات: أكثر من الثلث (٢٦) لهم علاقة بالنقد أو السينما أو الإعلام أو الآداب سواء بالدراسة أو الممارسة (ولعل تأثير هذا العامل يتضح على عمق الإجابات).
تواجد الطلاب الجامعيون (٥) والدارسون للسينما (بالجامعة البريطانية و الجيزويت ) وللدراما والمسرح (المعهد العالي للفنون المسرحية - آداب قسم مسرح - آداب قسم دراما ونقد) والعاملون بالسينما (مونتير /صانع أفلام /مساعد مخرج) أو بالقرب منها (مصنفة أفلام أجنبية) والنقاد (سينما /مسرح ) والشعراء (٣ ) وقاصة (١) ومؤلف مسرحي (١) ومترجم (٣)، بالإضافة للكتاب والصحفيين والمذيعين.
ظهرت المؤهلات فوق العليا (٥) وخصوصا دراسة الدبلومات المتخصصة (نقد أدبي - إبداع وتنمية ثقافية)، كما تواجد أعضاء هيئة التدريس الجامعي (من مدرس مساعد إلى أستاذ).
مع طيف من المهن المختلفة: مدرس - كيميائي - طباخ - مهندس زراعي - مهندس - إخصائي تغذية - مبرمج - مسئول موارد بشرية - خبير تسويق - محاسب - ليسانس حقوق - بكالوريوس سياحة.
ولا ننسي الإشارة إلى أن البعض يجمع أكثر من تخصص أو حاصل على أكثر من مؤهل .
نحن إذن أمام عينة متنوعة من المهتمين بالسينما طلابا و عاملين ونقادا وجمهورا٬ من أصغر مشارك طالب الثانوي (١٧ سنة) للأكبر (٥٧ سنة)، جاءت الإجابات تحمل محبة للسينما ورأيا ورؤية نحو النقد.
السؤال الأول: تجربة الكتابة
أول سؤال عن تجربة كتابة النقد السينمائي وتوجه السؤال للمشاركين مباشرة: هل سبق لك كتابة مقال نقد سينمائي ؟
فأجاب ٤٥،٥٪ بـ"نعم" و ٥٤،٥٪ بـ "لا"، فكان تقريبا النصف موزعا بين الكتابة، وبالتالي خوض التجربة سواء مرة أو أكثر ٬بانتظام أو على فترات أو عدم التجربة مطلقا والاكتفاء بالمتابعة بالقراءة أو المشاهدة.
ولعل سبب تزايد نسبة (فريق نعم ) ارتفاع عدد المهتمين بالسينما ودارسي الإعلام والآداب بين أفراد العينة ونزعم أن ممارسة الكتابة سيكون لها تأثير مختلف في إجابة الأسئلة، وبالتالي التفاعل مع النقد السينمائي٬باعتبار أن من هو داخل الصورة كاتبا وممارسا ومؤثرا (أقل من نصف العينة) يختلف عمن خارجها (أكثر من النصف )، وسيكون الفيصل هو السؤال التالي عن تعريف النقد السينمائي.
----------------------------------------------------
"النقد السينمائي هو كرسي متفرج يحمل نجمة بطل وسلطة رقيب وانبهار طفل.. مزيج هذه العناصر يصنع قراءة موازية للفيلم السينمائي في شكل نقدي"
مروة أحمد شاعرة وقاصة ومنسقة ثقافية
السؤال الثاني: تعريف النقد
في هذا السؤال طلبنا من الجمهور تعريفا مبسطا للنقد السينمائي بنص كلماتهم التي تعكس رؤيتهم لعملية النقد. وكان اللافت أن ما قدمه الجمهور لم يختلف كثيرا عن التعريفات الأكاديمية أو تعريف كبار النقاد.. فقد لمس جمهورنا روح النقد السينمائي:
بدءا من التحليل "للعناصر الفنية أو أدوات الفيلم "، بغرض قراءة الفيلم وكأنه "إخراج مواز للفيلم" أو" للوصول لأسباب ما تم عرضه من الأساس كـــفك شفرة او حل لغز"
وأشار الجمهور إلى وظيفة هامة للنقد وهي التقييم "لتحديد مستوى الفيلم " وهنا لفت الجمهور نظرنا لعنصري الذاتية والموضوعية :
تظهر الذاتية في وجهة النظر "يوضح وجهة نظر الناقد الخاصة لإيجابيات وسلبيات فيلم سينمائي ولا يشترط فيه التطابق مع رأي الجمهور أو مدى نجاح العمل بمقاييس الشباك والإيرادات" مع تغليب الموضوعية "ليس لهوى شخصي" بالاحتكام إلى " منهج معين" و "معرفة لقواعد فنية" "بدلالات أو أفكار موجودة في الفيلم " تحقيقا لهدف أسمى "الرقي بالفن بصفة عامة وزيادة الوعي لدى المتلقي"
هذه الإشارة الذكية للنقد بين الموضوعية والذاتية نوه بها د. وليد سيف في كتابه (أسرار النقد السينمائي.. أصول وكواليس) عندما تحدث عن شرط وصول متذوق الفنون للمستوى النقدي إلغاء استجاباته الانفعالية والاعتماد على استجاباته الفكرية والذهنية (هذا الحرص على إلغاء الاستجابة الانفعالية لا يعني أن يفقد الناقد ذاتيته, بل ان ذاتيته وإحساسه المباشر قد يكون دليله للوصول إلى النتائج السليمة ،ولكن بشرط أن يختبر هذه النتائج والاستجابات من منظور علمي وألا يدعها تؤثر في حكمه لو وجد أنها تتعارض مع المنطق الفني السليم أو إنها نابعة من أسباب بعيدة كل البعد عن الموضوعية ). (١)
والنقد يبحث عن الجمال ويتذوقه بـ "استعراض مواطن الجمال والتأثير فى العمل الفنى والكشف عن جمالياته" بقدر ما يكشف "أهم نقاط الضعف أو القوة" في العمل السينمائي.
وهذا التعريف قريب من اعتقاد الناقدة الأمريكية بولين كايل عن رسالة النقد ووظيفة الناقد التي تشرحها قائلة (إن وظيفة الناقد هي مساعدة الناس أن يروا ما في العمل، ما فيه وما كان من الواجب ألا يكون فيه، ما ليس فيه وكان من الواجب أن يكون فيه ٬ ويكون الناقد جيدا لو ساعد الآخرين على فهم ما لا يستطيعون فهمه بأنفسهم ويكون الناقد عظيما إذا أمكنه بفهمه وإحساسه بالعمل وبعاطفته أن يثير الناس حتى تتولد لديهم الرغبة في أن يمروا بتجربة فنية تنتظرهم ليمروا بها.. إنه ليس بالضرورة ناقدا سيئا إذا اخطأ في أحكامه (لا يمكن تصور ذوق غير قابل للخطأ) يكون الناقد سيئا إذا لم يوقظ حب الاستطلاع عند الجمهور ، يوسع اهتمامهم وفهمهم .. يمثل فن الناقد في نقل ما يعرفه عن الفن ويتحمس له الآخرون) (٢)
وتوصل الجمهور أن النقد ليس مجرد حصيلة مشاهدة فيلم ما بل هو تراكم ثقافي " الربط بين ثقافة القارئ / المشاهد وثقافة الناقد.. مزج من الثقافة العامة وثقافة السينما، بل إن العمل نفسه حصيلة ثقافة صانعه بما يؤكد تأثره بمن سبقه وتفرده في الوقت نفسه و تحليل ما في العمل من أصالة عبر خصوصية الطرح و المعالجة، و كيف استثمر عوالم إبداعية سابقة لخلق عالم ذي خصوصية."
ولعل التعليق الأمثل على هذا التعريف نستعيره من صانع سينما كبير هو المخرج محمد خان وأثبتت خطاباته لصديقه مدير التصوير سعيد شيمي أن له كتابات ورؤى نقدية ويكتب في أحد خطاباته "الناقد لا يولد في يوم واحد ..لابد للناقد أن يتعلم أولا بخبرة الرؤية ثم خبرة القراءة ثم بخبرة السينما كفن عملي ونظري" (٣) فهذا الناقد المثقف قادر على قراءة العمل كمنتج ثقافي مثل صاحب الرأى السابق .
(تفنيد- دراسة - رصد) تعريفات مترادفة للنقد استخدمها المشاركون وأضافوا لها صفات (شارحة - دقيقة - بها تفاصيل -معلومات جديدة).
كما ظهرت تعبيرات (الرؤية - الإضاءة - زاوية قراءة)، ولأن الصحافة نافذة النقد السينمائي أشار البعض إلى أهمية "تبسيط المحتوى للوصول للجمهور".
ونلاحظ ظهور لوصف "العدالة" ولعل ذلك نتيجة لوجود صناع سينما ضمن المشاركين يؤمنون بدور النقد ولكنهم يخشون من قسوته أو تحامله فيريدون منه باختصار "هو إعطاء الصناع حقهم وإرشادهم إلى نقاط ضعفهم من أجل التحسن في المستقبل".
وكان هناك نوع من الحيرة حول صحة النقد "لا يمكن الجزم بصوابه أو خطئه".
وهي مسألة مطروحة دوما للنقاش وتثير تساؤلات حول ظروف المشاهدة الأولى وهل من إمكانية لمشاهدة ثانية أو ثالثة وصولا لإمكانية تغير الرؤية عند مشاهدة العمل بعد سنوات، فضلا عن اختلاف الأذواق أو التفضيلات الشخصية التي لا يمكن استبعادها تماما عند النقد وللناقد الأمريكي دوايت ماكدونالد رأى مهم في مسألة صحة النقد (ينتهي بنا المطاف إلى ضرورة تقدير الأحكام النقدية (مثل الأحكام المرتبة بالذوق والرأى) التي لا يمكن أن نقطع فيها برأى حاسم.. وهذا لا يعني القول بأن جميع الآراء متساوية في قيمتها.. قبل أن يصل الناقد لرأيه النهائي، عليه أن يخوض تجربة شاقة تتمثل في التعريف والوصف والتعليل والإقناع، مستعينا بخبراته الخاصة ومعرفته، وذلك حتى يستطيع إقناع القارئ أو لا يقنعه - بأن أحكامه النقدية "دقيقة" و "صحيحة" و "صادقة" ولا تنس آراء القراء أيضا ٬ إذا استحقت الكتابة عنها).(٤)
ومن المهم الإشارة لرأي أحد المشاركين الذي اعتبر النقد هو "الهبد بمصطلحات عربية بليغة ومحسنات بديعية كثيفة"، يمثل هذا الرأي "غير المألوف" ضمن الاستبيان فعل سخرية أو صيحة احتجاج، لأسباب تخص صاحب الرأي ولعله يذكرنا بهجوم شنه السيناريست مصطفى محرم على النقاد في الصحافة وسجل مثله في كتابه (السينما والفنون) قائلا: (وظيفة الناقد السينمائي من أشق الوظائف في عالم الفنون وعليه أن يسلح نفسه بالأسلحة الكافية قبل أن يخوض معركة النقد السينمائي حتى لا تنجلي هذه المعركة عن ضحايا أبرياء من أصحاب العمل السينمائي ومن بين المتفرجين القراء وحتى لا يتحول نقده إلى مجرد نقد أدبي أو انطباعات شخصية أو مجرد هراء نحن في غنى عنه." (٥)!!
ونختتم بدورنا هذا السؤال بإجابة دانيال سامح ١٧ سنة (أصغر المشاركين في الاستبيان)، وجاءت إجابته - وهو الطالب بالمرحلة الثانوية - تحمل كثيرا من التبصر والتقدير للنقد "هو كتابة كل نقاط القوة والضعف للفيلم في كل شىء كالسيناريو والتمثيل والإخراج والموسيقى والمونتاج وعرض كل ما يجعل من هذا الفيلم فاشلاً أو ناجحاً بشكل مهني ومنظم وعادل. "
-----------------------------
السؤال الثالث : وظائف النقد واحتياجات الجمهور
في امتداد للسؤال السابق ونحو تحديد أكثر لوظائف النقد أو احتياجات الجمهور منه كان السؤال عما يبحث عنه القارئ في مقال النقد السينمائي مع إمكانية اختيار أكثر من إجابة وكانت الوظيفة الأولى (تقييم العمل وعناصره) بنسبة ٨٥٬١٪
والثانية (تعليق على القصة والأحداث) بنسبة ٥٣،٧٪
والثالثة (متابعة الحركة السينمائية من اتجاهات ومدارس فنية) بنسبة ٣٥٬٨٪
والرابعة (معلومات عن الفيلم وكواليسه وجوائزه ) بنسبة ٣٢٬٨٪
وأخيرا وليس آخرا (ردود أفعال عند المشاهدة ) بنسبة ٢٣٬٩٪
وتتفق اختيارات المشاركين مع وظائف المقالات والمراجعات (التعليقات )النقدية كما يسردها جوزيف .م.بوجز في كتابه (فن الفرجة على الأفلام )، إذ تساعدنا على اتخاذ القرار واختيار الفيلم الذي سنشاهده بناء على معلومات حقيقية بدءا من اسم الفيلم ومخرجه وأبطاله وملخص لموضوعه وحبكته كما تبرز أهم عناصره الفنية وتضعه في سياق الأفلام المماثلة في النوع قديما وحاليا أو أعمال المخرج السابقة.. ويمتد دورها إلى التحليل وتفكيك الفيلم إلى أجزاء وفحصها وتوضيح العلاقات بينها ومدى ترابطها أو تنافرها كما تشتمل على تقييم لجودة الفيلم النهائية في مجموعه وأجزائه سلبا وإيجابا (٦)
وبينما تتقدم وظيفتا التقييم والتعليق أولويات الجمهور تبدو وظيفتا المتابعة والمعلوماتية أقل أهمية ولعل تفسير ذلك أن وظيفة المتابعة للمهرجانات والاتجاهات هي اهتمام يحرك متذوق سينمائي أكثر تخصصا أو انشغالا بالصناعة واتجاهاتها وروافدها وهو بالطبع ليس بالأمر الذي يشغل الجمهور العادي الذي يبحث عن فيلم جيد أو ممتع أيا كان تعريفه للجودة أو تذوقه للمتعة بينما وظيفة المعلوماتية أصبحت أكثر إتاحة بوجود المواقع المختلفة ولاسيما الموقع العالمي الشهير imdb أو قاعدة معلومات الأفلام العالمية وكذلك نظيره باللغة العربية elcinema حيث يمكن للمشاهد إيجاد المعلومات الأولية عن الأفلام وصناعها وتفاصيلها بل ويقرأ تقييمات الزوار أيضا.
ماذا عن تراجع الاهتمام بردود الأفعال مقارنة بوظائف النقد الأخرى ؟
ربما نجد التفسير لدى بوجز في نفس المرجع الهام (فن الفرجة على الأفلام)؛ إذ يرى أن الانشغال بالانفعالات أو الاستجابات الذاتية للناقد قد يؤثر على استجابة المشاهد لدرجة التقييد أو إعاقة الفرجة فينشغل برأي الناقد عن الفيلم وقد يرى فقط ما رآه الناقد ويصل الأمر إلى تدمير استقلال حكم المشاهد وإضعاف عملية نمو إدراكه النقدي الشخصي. (٧)
----------------------------------------------------
السؤال الرابع : الوسيط المفضل
لكي يصلك النقد السينمائي تحتاج إلى وسيط أو - بلغة الإعلام - وسيلة اتصال لتوصيل الرسالة وفي هذا السؤال طرحنا على المشاركين عددا من الوسائط أو الوسائل المتنوعة على أن يختاروا وسيلة واحدة الأكثر تعرضا أو الوسيط الأكثر تفضيلا، ولم تكن المفاجأة في احتلال المواقع الالكترونية المركز الأول وبفارق كبير وأنما ظهرت المفاجأة في ارتفاع النسبة ( ٥٣،٧٪) وزادت بحصول قنوات اليوتيوب على المركز الثاني بنسبة ٢٢٬٤٪ ومجموعهما معا يجعل من الانترنت (مواقع ويوتيوب )أهم مصدر للثقافة السينمائية لجمهور العينة وبنسبة ٧٦٬١٪ وعندما يكون ثلثا العينة من الشباب تحت الأربعين تقل أصداء المفاجأة وتؤكد حقيقة مفادها أن ساحة النقد السينمائي الأهم الكترونية بامتياز سواء من خلال المدونات أو المواقع الالكترونية المتخصصة أو جروبات السوشيال ميديا التي ينشر فيها عشاق السينما من نقاد وهواة تعليقاتهم على الأفلام، والملاحظ أن هذا الوسيط أتاح قدرا من الحرية في الكتابة السينمائية النقدية وتحرك بين السطحية في بعض (البوستات) ومتابعة التريند والتعمق في مقالات تحليلية طويلة قد لا تسمح مساحة الصحيفة بنشرها كاملة وأتاح وسائل تفاعلية كتقديم مشاهد من الأفلام مثلا مما يزيد أثرها على المشاهد القارئ، كما يتيح "الهاشتاج" سرعة وسهولة العثور على المقالات المشابهة .
وفرضت اليوتيوب نفسها باعتبارها الوسيط القادم بالرهان على الربح المادي الذي يحل واحدة من مشكلات الكتابة العويصة وإن ظلت القنوات النقدية الجادة أقل جماهيرية (وبالتالي عائدا)من قنوات الطبخ و فيديوهات "شاهد قبل الحذف" وما على شاكلتها..
وتبقى ميزة اليوتيوب السيطرة الكاملة لصاحب التعليق النقدي على محتوى الفيديو من النص (الاسكريبت) إلى الشكل النهائي واعتماده على عناصر سينمائية كالمونتاج جعله وسيلة أسرع في الوصول للمشاهدين ويستعير من الصحافة العنوان الجذاب (وأحيانا الغريب ).
لكنها تضع الناقد في تحدي امتلاك "مقومات الاتصال الناجح" حضور وخفة ظل و أداء سليم.. إلخ، بجانب أدوات النقد.
الوسيط الثالث كان المقالات المجمعة في الكتب بنسبة ١١،٩٪ وهذا مصدر يستحق الإشارة؛ لأنه من جهة يحفظ أعمال كبار النقاد كما يوثق للأفلام التي سبق إنتاجها .
ولكل شيخ طريقة في هذه المقالات.. فمن النقاد من يختار أن يجمع كتابات عام بأكمله كما كان يفعل الناقد الكبير سمير فريد في كتب مثل "سينما ٦٥ "و العالم في عين الكاميرا الذي تضمن "سينما ٦٦ "، و"سينما ٦٧" و"سينما ٦٩" الذي شمل أيضا "سينما ٦٨" إلخ وكان الهدف مركزا في جملة واحدة "المساهمة في بناء النقد السينمائي المصري" لا سيما في ظل قلة الكتب النقدية السينمائية في ذلك الوقت (فقط في ذلك الوقت ؟!)، واللافت أن كتابات سمير فريد الأولية شملت أفلام العام عربية وأجنبية وحصاد السنة من أحداث وشخصيات بل وإنتاجات وأخبار عام صدور الكتاب.
وقد يختار الناقد للمقالات المجمعة عنوان عموده مثل الراحل سعيد عبد الغني في كتاب (حكايات سينمائية).
وعند نشر المقالات المجمعة ينتصر رفيق الصبان للرومانسية فيضع عنوانا رقيقا كأسلوبه النقدي وداخله المقالات مثل كتاب ( الظلال الحية- أضواء على الماضي.. إلخ).
ويميل الناقد الكبير رؤوف توفيق إلى تناول نوع بعينه في الكتاب واختيار مجموعة من الأفلام العربية والأجنبية المعبرة عن النوع لذلك تحمل كتبه عناوينا مثل سينما الحب ــ سينما المرأة.. إلخ.
وبالطبع تتعدد الأسماء وتبقى الإسهامات حاضرة في هذه المقالات التي يمثل تجميعها في أحيان كثيرة إعادة الاعتبار لنقاد كبار غادرونا تاركين الساحة متعطشة لأفكارهم ويكفي الإشارة للمقالات المجمعة للراحل سامي السلاموني على سبيل المثال.
ولا تقتصر المقالات المجمعة على إعادة نشر ما سبق طرحه بالصحف بل هناك من النقاد من يقدم خلاصة تجربته النقدية كمرشد لمحبي الفن السابع دون أن تخلو من نماذج من كتاباته مثل تجربة محمود عبد الشكور في كتابه (كيف تشاهد فيلما سينمائيا؟) الذي أتاح له نوعا من التجديد في الكتابة بالجمع بين تحليل مشاهد كما يفعل على صفحته على الفيس بوك مع مقالات عن أفلام كاملة.
والمفاجأة الأكبر في إجابة هذا السؤال كان احتلال الصحف من جرائد ومجلات المركز الأخير ضمن الوسيط المفضل عند قراءة المقالات النقدية بالنسبة لجمهور العينة.
٩٪ فقط يفضلون الصحف ويعانقون أوراقها حتى الآن ويتابعون النقاد عبر النوافذ الصحفية لا سيما المجلات المتخصصة.. اختيار يهيل التراب على مشوار طويل خاضته السينما بحثا عن اعتراف الصحافة بها وانتصارات تحققت على مدى زمني طويل بدءا من أول متابعة خبرية عن العرض السينمائي الأول بورصة طوسون بالإسكندرية في ٥ نوفمبر ١٨٩٦ ثم صدور أول مطبوعة سينمائية متخصصة (كوكب السينما عام ١٩٢٦ )، يليها تخصيص الأهرام العريقة صفحة للسينما عنوانها (السينما والملاهي) في ٤ سبتمبر ١٩٣٣ حتى تحققت النقلة الكبيرة في النصف الثاني من القرن العشرين بتنامي عدد ودور الجمعيات السينمائية وظهور نوادي السينما ولعبت جمعية الفيلم ومن بعدها نادي سينما القاهرة بنشرته المتخصصة دورا مهما في تطوير الثقافة السينمائية وتقديم أجيالا من النقاد (٨)، نستطيع القول إن هذا الاختيار يضع النقاد البعيدين عن الساحة الالكترونية في اختبار يلخصه سؤال هل تسعى للتواجد أم الوصول للجمهور؟ فإن كانت الأخيرة لا يمكنك إغفال الانترنت.. البعض يَعْبر الاختبار ببساطة بإعادة نشر مقالاته الصحفية على حساباته على السوشيال ميديا والبعض يستثمر طاقات المواقع الالكترونية للتجديد أو يشعر بمزيد من الراحة في مدونته الخاصة.
ومع ذلك نستطيع النظر إلى النصف المملوء من الكوب عندما نرصد تجربة مجلة الفيلم في تقديم الأرشيف الإلكتروني لأعداد المجلة جنبا إلى جنب مع المطبوعة الورقية مما يحافظ على شخصية المجلة ويتواصل مع القارئ الذي يفضلها الكترونية.
---------------------------------------------------------
السؤال الخامس : النقد ووجهة النظر:
في هذا السؤال نقيس الأثر المباشر للنقد.. هل يغير النقد وجهة نظر المتفرج نحو فيلم ما ؟ فتتحرك من النفور إلى الإعجاب أو من الغموض إلى الفهم؟
أجاب ٥٢٬٢٪ "نعم" و ٣٢٬٨٪ "ربما" بينما تمسك ١٤٬٩ ٪ بـ"لا".
وبذلك يكون نحو ٨٥٪ من جمهور العينة تأثر إيجابا بالنقد، فاختلفت رؤيته للفيلم بعد قراءة النقد وهذه النتيجة بقدر تأكيدها لأهمية النقد وفعالية تأثيره، تعكس في الوقت نفسه مرونة من المشاهد ورغبة في المعرفة وقدرة على قبول الاختلاف.
وهو الأمر الذي يعبر عنه محمود عبد الشكور في كتابه "كيف تشاهد فيلما سينمائيا؟"مانحا القراء عددا من القواعد الذهبية للتعامل مع الأفلام أولها (الفيلم - سواء كان روائيا أو تسجيليا - إنما يعبر عن وجهة نظر من صنعه. وعن ثقافته، ورؤيته للحياة والناس، وبالتالي يجب ألا ينتظر المتفرج أن يتفق حرفيا مع الأفلام، لا شكلا ولا مضمونا)، ويضيف (الفيلم السينمائي مهما كانت درجة استقبالك له أو تفضيلك لنوعه، هو منتج فني معقد؛ لأنه ببساطة مكون من عناصر ممتزجة ومتداخلة)، (والمشكلة التي يواجهها معظم المشاهدين هي اعتقادهم أن أفكار الأفلام ودلالاتها تنقلها جمل الحوار فحسب وهذا غير صحيح ؛ لأن كل عنصر من عناصر الفيلم السينمائي-من تصوير ومونتاج وديكور وموسيقى ..إلخ - يسهم بدوره في بناء الفيلم) (وليس بالضرورة أن ينجح كل متفرج في تفكيك كل عنصر بمفرده٬ أو ينجح في أن يكتشف الطريقة التي تعمل بها هذه العناصر في انسجام أو تنافر)(٩)
--------------------------------------------------
"الناقد لديه لديه أدوات أكثر جدية في التعامل مع العمل ولا يعتمد فقط على ذائقته"
أسماء جمال عبد الناصر
ماچستير في الترجمة الأدبية / مصنفة أفلام أجنبية ومدرس مساعد للغة الإسبانية
السؤال السادس : بين الناقد والمتفرج
هنا نصل لمحطة مواصفات الناقد ويهمنا بالتحديد التفرقة بينه وبين المتفرج العادي حتى لا تتحول الإجابة لإعادة تعريف للنقد ووظائفه ..
وإليكم حصيلة إجابات المشاركين :
-الناقد يصل لأبعاد أعمق من المتفرج مثل الكادرات والألوان والموسيقى.. إلخ.
-المتفرج يبحث عن الترفيه وهو أكثر تأثرا بالميول والانفعالات عن الناقد الذي يتمسك بالحياد والموضوعية ويبتعد عن الأحكام المسبقة.
-المتفرج يشاهد العمل بينما الناقد لديه من الخبرة أن يفهم كيف تم تنفيذ العمل وأدوار عناصره ويستطيع تحديد نوعه كما يلتقط الأخطاء التي يغفل عنها المشاهد.
-الناقد أكثر ترحيبا بالاختلاف واستيعابا لحال المشاهد ولا يحكمه ذوقا معينا وكأنه متفرج محترف قرأ كثيرا وشاهد أكثر ويشارك المشاهد في البحث عن المتعة ولكنه قادر على تفسير إعجابنا بالعمل أو نفورنا منه.
-الناقد يمتلك أدواته ولديه دراية بمناهج النقد ويدرك خصائص الوسيط الذي يقدم النقد من خلاله وقادر على الكتابة السلسلة الجاذبة لقارئه كما يقرأ ما بين سطور العمل الفني ويحلل ما فيه دلالات وتقاربات وإسقاطات بوضعه بين الأعمال المشابهة أو المختلفة.
-الناقد أكثر صبرا وكأنه يذاكر الفيلم فقد يشاهد عملا مملا حتى النهاية وهو سريع البديهة٬دقيق الملاحظة ٬كثير السؤال ٬شديد الحساسية للجمال.
-التخصص والدراسة..الثقافة والإطلاع ..الإلمام بتاريخ السينما ومدارسها واتجاهاتها و الدراية بأصول الصناعة - متابعة مجريات الأمور على الشاشة وخارجها .
ومن الكلمات التي تكررت بشكل أو بأخر في مواصفات الناقد "العين" وكان الوصف المصاحب ( الخبيرة - المدربة - العميقة ذات القدرة على التحليل والتقاط التفاصيل دون إغفال الصورة الكلية).
ولعل إجابات الجمهور عكست تقديرا لدور الناقد ووضعته في مكان ومكانة تجعل منه "متفرج فوق العادة" وحملت إجاباتهم الأسباب وحدود التفرقة بين المشاهد والناقد وللأستاذ سمير فريد رأي في تهميش دور النقاد وعدم اعتبارهم معبرين عن ذوق الجمهور "الناقد عندما يمارس النقد لا يقوم بدور النيابة عن أحد. إنه يتوجه بعمله إلى القراء من جمهور المخرج، وليس إلى المخرج أو أي من صناع الفيلم.. الناقد لا يستهدف إرضاء أو إغضاب الفنان.. إنه يساعد المتلقي على التلقي الصحيح من وجهة نظر الناقد إذا اقتنع بها المتفرج. تعريف جان بول سارتر هو الأفضل في نظري عندما قال النقد لقاء بين ثلاث حريات: حرية الناقد وحرية المتلقي وحرية الفنان. (١٠) وفي هذا الرأي يتحدث عن الناقد كمرشد للمشاهد بشرط اقتناعه لا نائب عنه أو وصي عليه.
--------------------------------------------------------
"الناقد هو ضمير الصانع السينمائي"
بسام جلال صابر حجازى - ليسانس اداب لغة عربية
السؤال السابع : الناقد بين المشاهد والصانع
لاستكمال رسم العلاقة بين الناقد والمتفرج والصانع السينمائي.. نتساءل أين يقف الناقد بينهما ؟ فكانت صياغة السؤال في عبارة(الناقد مشاهد متطلب وصديق فاهم للصانع السينمائي ..مارأيك في هذه العبارة ؟) تلقاها الجمهور بشكل مختلف بين القبول والرفض وكان القصد منها أن الناقد يبحث عما هو أكثر وأفضل في العمل السينمائي (وبالتالي هو مشاهد متطلب) كما يتعامل مع الصانع السينمائي بمنطق فهم الصنعة وبالتالي يتحرك من منطلق الصداقة (صديق فاهم للصانع السينمائي ) لا العداوة أو التحفز .
نحو نصف العينة (٣٥ ) اتفقوا مع العبارة واعتبروها "صحيحة" ٬"سليمة" ٬" مختصرة وحقيقية " أو على الأقل "نسبيا " أو "مجازيا" والبعض أضاف الأسباب بينما وقف (١٥) أى ربع العينة تقريبا بين الرفض أو عدم الاقتناع التام وتطوع (٤) بتقديم عبارات أدق في رأيهم ونلاحظ أن هناك رأيا تكرر - أكثر من مرة - يوافق أن الناقد متفرج متطلب، مؤكدين على ارتفاع سقف توقعاته و تراكم خبراته لكنه ليس بالضرورة فاهم للعمل السينمائي ! وإن كان صديقا فهو صديق لدود، ولعل هذا الرأى يعكس اللوم لبعض النقاد على تحاملهم أو رفضهم لعمل ما دون إبداء أسباب خصوصا وأن في العينة عدد من العاملين في الحقل السينمائي أو يعبر عن الغضب من ازدحام الساحة بكثير من غير الدارسين أو الفاهمين .
الموافقون على العبارة قدموا الشرح الآتي : الناقد مشاهد متطلب لكنه صديق فاهم للصانع ما يقدمه من رأى بمثابة "نص مواز" " يحفز الصانع على الاستمرار والتطور بتلاشي نقاط الضعف" وهو أيضا "باحث عن الجمال ولا ينتقد من أجل التشويه" باعتباره "الضلع الثالث لمثلث (الإبداع والنقد والتلقي) والجسر الذي يصل بين المبدع والمتلقي "وكأن العبارة تقول إن الناقد له"رؤية شخصية وحساسية ذوقية ".
أما الرافضون فينتصرون لحيادية الناقد وموضوعيته ومن هنا لا يتحمسون لتعبير "صديق الصانع " لأن "الناقد ناقد.. الناقد يفصص العمل من بداية المشهد حتى النهاية." ٬ "لا يحابي المتلقي ولا لصانع العمل الفني" ونلاحظ هنا الخلط في مفهوم الصداقة بمعنى المحاباة والمجاملة ففي الواقع لا يمكن استبعاد قيام الصداقة بين الناقد والفنان ولعل خطابات الصداقة المتبادلة التي نشرها مدير التصوير سعيد شيمي في كتابه "صديقي سامي السلاموني" تنفي احتمال المجاملة بل صداقة الدعم والهدف المشترك وهناك صداقة كبرى جمعت بين المخرج توفيق صالح والناقد سمير فريد ونشرها في كتاب "رسائل توفيق صالح" كما أن الناقد أحيانا يتحرك من خلفية سينمائية مباشرة تجعله صانعا وليس مجرد مراقب (هاشم النحاس ٬مدكور ثابت، صفاء الليثي و غيرهم).
الناقد د.وليد سيف وهو أيضا صاحب تجارب سينمائية (مثل سيناريو وحوار فيلم الجراج) يطرح هذه الإشكالية (وقد تدفعنا عوامل غير موضوعية مدركة أو مجهولة أحيانا في أن نقسو على العمل الفني أو امتداحه بقدر من المبالغة ..عزائي الوحيد أنني في مثل هذه الحالات النادرة كنت لا أتورع عن أن أقول رأيي في كل ما أراه من إيجابيات وسلبيات في العمل..ولكن ربما بأسلوب من الترفق مع صديق أو بقدر من الحدة مع من أكره شخصهم أو أفكارهم ) (١١) ودعونا نستعين برأي سينمائي "المفروض آه ، موافق عليها لأننا كسينمائيين محتاجين ناس تبص على أفلامنا وتكتب عنها وتفكر فيها أبعد من مجرد التحليلات الانطباعية. عشان كمان أفلامنا دي توصل لكذا مستوى فكري متنحصرش على فئة معينة." وهذا الرأي السينمائي ركز على عنصر الفهم باعتباره يصل إلى أعمق من الانطباعات واعتبر أن المشاهد المتطلب (أي الناقد) يظل قريب للمشاهدين ويقرب لهم العمل .
ومن النقاد جاء رأي أمنية عادل ( صحيح نسبيا، لأن الناقد حتى وإن كان ذلك دون قصد منه يرى الفيلم بعينه لخاصة التي ترصد النواقص والتفوق، مثلا حدث موقف معي حينما كنت أشاهد فيلم يوم وليلة (٢٠٢٠) في قاعة عرض جماهيرية و كنت متأثرة ببعض المشاهد وبالنسبة لي الأمور كلها واضحة، ولكن استمعت إلى تعليق أحد المشاهدين عن عدم فهمه لما يحدث، في هذه اللحظة فكرت لماذا فهمت بينما غيري من المشاهدين لم يفهموا؟هذه هي النقطة أن الناقد يكون لديه أفق توقع خاص قد يتحقق في الفيلم أو لا ٬ لهذا دائما ما يجنح النقاد إلى الأفلام الفنية أكثر من الجماهيرية لأنها تتسق مع هذا الجانب المتطلب) وهنا تطرح الناقدة الشابة مفهوم المشاهد المتطلب بما يملكه من أفق توقعات تختلف عن المشاهد العادي (أعلى وربما أكثر مرونة) كما أن عنصر فهم العمل السينمائي كمنتج معقد متعدد العناصر يحقق نوعا مختلفا من التفاعل أثناء المشاهدة.
------------------------------------------------------------------
النقد جزء أساسي من السينما لتحسين مستواها و تقديم الأفضل في كل مرة عن طريق الاشارة لمميزات و عيوب الفيلم، لكن إذا كان مجرد استهزاء بالعمل وصُناعه فإنه يضر.
على طارق - ليسانس حقوق
السؤال الثامن : النقد وصناعة السينما
ماذا عن تأثير النقد على الصناعة : كيف يمكن أن يفيد أو يضر صناعة السينما؟
لكي يتحقق التأثير الإيجابي لابد من عدة صفات : أن يكون جادا "ويحتفي بالعمل بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى" وبنّاءا "مبني على أسس وقواعد ومنطق" "ينقد بمنهجية" "مفيش حاجة اسمها عمل وحش أو عمل حلو لكن فيه حاجة اسمها تقنية و قياس قوة "، وبالتالي عندما يسلط الضوء على " عناصر النجاح والفشل " صاحب "عين خبيرة" ينبه " للأخطاء لتلافيها ويدعم نقاط القوة " "ويقدم الاقتراحات"، مما يؤدي إلى "تحسين شروط العمل الفني الجيد"، وبالتالي "يكون سببا فى ارتقاء الانتاج الفنى"، و للأسف حاليا العبرة بـ " وجود وقوة السوشيال الميديا إما يرفع العمل أو ينزل به".
ومن المهم أن يكون الناقد حياديا وموضوعيا وصادقا "يفصل قناعته أو خلافاته الشخصية عشان يقدر يتكلم صح " "النقد الموضوعي يمكنه تعديل بعض التوجهات الفنية".
الصدق وجودة النقد "بعيدا عن المجاملات " جزء هام لنجاح العمل الفني "وليس لترويج أو لتعظيم العمل بل هو فن في حد ذاته يجعل المشاهد أكثر عمقا ودراية لتصنيف واختيار الفن الجيد ورفض الاسفاف والأعمال الهابطة" وفي حالة الأعمال الوطنية والتاريخية " يكون سببا في التنشئة والوعي".
يكون النقد مؤثرا ومفيدا بـ "بإدراكه لأهمية عمله و الاستزادة من أدواته ومواكبة العالم مع قراءة المجتمع واحتياجاته " و"يدرك أبعاد الصناعة"ويقوم بـ "تسليط الضوء على الأعمال المستقلة" و"تفاصيله الخافية عن المشاهد " "لجعل الجمهور يقبل عليها و يكتشفها" مع "دعمه للأفلام جيدة الصنع و الخارجة عن المألوف" ٬ "التي لا تحوي نجوم كبيرة" ، "يشجع التجارب و المواهب "و" يعطيها حقها بدلا من النسيان في غمار الأفلام التجارية " وهكذا يقدم "دروس وعبر حتى يتطور العمل السينمائي" و"يستفيد منها الجميع" من خلال " توجيه صناع العمل بالشكل البناء وحيادية لتقديم أفضل الأعمال وبالتالي الرقي والتميز" وضرب أحد المشاركين المثل بأقلام "تضيء الطريق وتضع يدها على مواطن الخلل ومواطن الإجادة داخل الصناعة بالإضافة إلى التقييم المستمر للحركة الإبداعية للأفلام مثل محمد مندور ورجاء النقاش وسامى السلامونى ويوسف شريف رزق الله وسمير فريد وأحمد الحضرى وكمال رمزي ومحمود قاسم ورؤوف توفيق و خيرية البشلاوى وآخرين".
وبالتالي يكون مضرا بل "ويؤذي الصناعة "عندما "يتحول إلى أداة دعاية لأفلام بلا قيمة مضافة" و "ينظر للفيلم نظرة تجارية بحتة " "بناء على الأهواء الشخصية " و"يرفع من بعض الأعمال المسفة التى تلقى رواجا عند بعض الفئات والشرائح المجتمعية"مما "يزعزع ثقة الجمهور بالنقاد عمومًا".ويستمر الضرر في حالة النقد "السطحي وغير الموضوعي أو العلمي " الذي يتحرك من "أجندة خاصة"٬ مضيفا "للفيلم ما ليس فيه"و "يظلم العمل بسبب اعتراضه على بعض الأفكار " أو "عدم قدراته هو على تحليله" ويقود "حملات ضده" لمجرد "اختلافه عن المعتاد " فارضا "وصاية معرفية على الصناعة تحد من خيال أطرافها"
وعموما سواء كان النقد "شخصيا" "سطحيا أو استعلائيا" مادام يصدر من شخص "غير فاهم لدوره " ولا مؤهل أو منصف تحركه" الايديولوجيا " فقط و"يغفل الجودة ويجنح للمحسوبية " وتتدخل "المصالح والأهواء" فيدعم "عملا سينمائيا فاشلا" بدلا من نقده فيكون "مصطنعا مغرضا" "ينافق ويراوغ"
ولفت البعض أن حتى النقد السلبي لا يضر الصناعة إلا إذا "اختار الصناع أن يسمعوا للي يكتبوا أكثر من اللازم " وعلى العكس "قد يستخدم في الترويج ".
ونوه أحد الآراء أن "البحث عن التكامل بين العناصر الفنية يفيد بينما البحث عن الكمال يضر "، ورغم اعتقاد البعض بعدم جدوى النقد " زي اللي بيدبدب ع الارض و الناس بتتفرج عليه" كان الرأي الغالب أنه "بوصلة تساعد فى تحديد الاتجاه الصحيح".
ويربط البعض تأثير النقد على الصناعة ب "وزنه عند الجمهور" لأن "الأصل هو علاقة الناقد بالجمهور فإذا كانت كتاباته مؤثرة فى الجمهور سوف يكون له دور فى خدمة صناعة السينما" عندها "سيهتم الصناع و يحاولون التطوير " وإلا كان "مجرد جهد فردى" لأن "النقد رأي، والرأي قد يكون مفيد أو ضار، وذلك حسب مستواه وكيف يتم توجيهه ولمن، أظن أن من أهم أهداف النقد أن يرتقي بالذائقة العامة للمشاهدين، إن كان النقد متعاليا ونخبويا قد يخلق فجوة بين القاريء والمقال" مما يتطلب "دراسة الجمهور" أو على الأقل "أخذ رأي المشاهد العادي في الاعتبار" واعتبر أحد الآراء أن التأثير على الجمهور أهم من الصناع لأن " لهم رؤية صعب أن يحيدوا عليها أو تتغير".
ونفس السؤال الذي سألناه للجمهور أجاب عنه من قبل الناقد الفرنسي الكبير (جان ميشيل فرودون) في حوار صحفي قائلا: (بالتأكيد للناقد السينمائي دور هام وتأثير كبير إلا أنه ليس واضحا مثلما كان واضحا من عشرين أو ثلاثين سنة مضت٬ وذلك بسبب المتغيرات الجديدة مثل الإنترنت حيث يعلق مرتادو الانترنت بحرية على الأفلام التي شاهدوها وأيضا يلاقون رد فعل من أناس آخرين على الإنترنت، إلا أن هذه التعليقات لها تأثير قصير المدى بينما كتابات النقاد السينمائيين لها تأثير بعيد المدى وذلك لأنهم يعملون على بناء جسر من الاهتمام بين الجمهور والأفلام، مخرجيها وأيضا عبر ربطهم بين السينما ومجالات أخرى مثل السياسة والاقتصاد والفن...إلخ .
إن أهمية الناقد تعتبر جزءا لا يتجزأ من أهمية السينما بالنسبة للمجتمع؛ لأن وجود الناقد يبني علاقة ما بين الجمهور والسينما لتأكيد أهميتها المنفصلة تماما عن أهميتها كصناعة سينما أو كوسيلة من وسائل الترفيه أو كأداة سياسية .. فمهمة الناقد هي إيضاح أن السينما تعكس كيفية رؤية البشر لأنفسهم وحياتهم وهو ما يؤثر بدوره في العقل الجمعي للمجتمع ولهذا أؤكد على أهمية وجود الناقد حتى لو شَاب هذا الوجود نوع من الخلاف الدائم بين النقاد والجمهور حول تقبل نوع من الأفلام مثل سلسلة أفلام (حرب النجوم) وغيرها من الأفلام التي يهتم بها الجمهور ويتجاهلها النقاد، ومن ناحية أخرى أعتقد أن للناقد دورا هاما اليوم وهو طرح أفلام بديلة للجمهور.. أفلام تختلف عن الأفلام التي يقدمها لهم التسويق والدعاية التي تقوم بها الشركات الكبرى" (١٢)
-----------------------------------------------------------------
"للنقد تأثير بالغ على ثقافة الجمهور خاصة إن كان المقصود منه رفع مستوى الوعي لدى المتفرج وليس استعراض المعرفة"
دينا عباس عبد اللطيف - بكالوريوس سياحة وفنادق
السؤال التاسع : تأثير النقد على ثقافة الجمهور
يعد هذا السؤال استكمالا لسؤال سابق عن تأثير النقد في صناعة السينما.. هذه المرة السؤال عن تأثيره على الجمهور وبالتحديد هل يؤثر في ثقافتهم السينمائية؟
كان الرأى السائد بالإيجاب (٤٠) بين التأثير الشديد والمتوسط و ٤ آراء استبعدت تأثيره و٤ أخرى اعتبرته محدودا (أو أقل من المتوسط /مش كتير).
أصحاب الرأى بتأثير النقد على ثقافة الجمهور لديهم أسبابهم الوجيهة بداية من التحفيز على المشاهدة والمقارنة بأعمال أخرى "إلقاء الضوء على عناصر مهمة للعمل "أو" أفكار " أو "فنيات خفية" قد لا يلاحظها أو يعيها المتفرج مما يساعد في توصيل رسالة العمل بشكل أفضل عندما يراه " بعين اكثر وعيا و احترافا" وكأنه يساعده "كيف يشاهد الفيلم " بوضع يده على مفاتيح العمل وأسراره ويصقل قدرته على الفهم والتحليل ".
وكذلك "إظهار مواطن الجمال ومواقع الخلل في العمل السينمائي بشكل تفصيلي يحفز شهية المشاهد المثقف نحو الاستزادة" ويجعله "يفرق بين العمل الجيد والهابط" و"يتوجه للأعمال الجيدة"وبالتالي "يرتقي بالذائقة الفنية للمشاهدين "فضلا عن "تعريفهم بمدارس وتيارات فنية مختلفة" وبالمواظبة "يُكوّن رأيا " ويساعد على "تنشيط أو تشكيل" " الوعي السينمائي للمتفرج وإكسابه معان ومفردات جديدة تخص السينما " كما تقوده مراجعات السوشيال ميديا إلى "الانفتاح على ثقافات فنية عالمية" ويعزز النقد أيضا "تقدير رسالة الفن " ويحرك العقل الواعي " أما غير ذلك فتستحوذ العاطفة ويصبح الشخص متلقي لا أكثر" باختصار النقد "كشاف نور" وجاءت إشارة أن النقد ساعد على تلقي أفضل لأفلام يوسف شاهين على سبيل المثال.
آراء كثيرة أشارت إلى التأثير المشروط للنقد "في حالة الإتاحة بوسائط متعددة ..في حال اهتمام طرفي العلاقة (الناقد والمتفرج) بجودتها" أو "عند توافر نقاد حقيقيين وأيضا متفرجين جادين ويسعون إلى الثقافة والمتعة وليس التسلية فقط " أو بتعبير آخر "مع المتفرج الشغوف بالسينما، مش متفرج البوب كورن".
وهناك من يعتقد بعدم تأثير النقد أو محدوديته " باستثناء من يكتبون مراجعات أفلام بشكل تشويقي لأنها تصبح بمثابة دعوة للمشاهدة وليس هذا غرض النقد " وكأن عدم الشعور بالجدوى يعود في جزء منه لأهمية رسالة النقد وأنها أكثر من مجرد (هذا الفيلم أحبه) أو (هذا الفيلم لم يعجبني )، وبالتالي قرار بالمشاهدة أو عدمه يأخذه المشاهد على خطى الناقد أو على الرغم منه.
ولاحظنا تذبذب في الآراء بين "نعم " و "لا" في الرأي نفسه مثل من ربط النقد بمرونة المتلقي كشرط لتأثيره مثلا "يؤثر فيمن لديه استعداد للمتابعة والفهم والنضج والتثقيف الفنى.. ولا يؤثر فيمن يصر على ان يظل أسير مزاجه الشخصي وميوله وثقافة بيئته" و آخر ربطه بجوهر النقد "النقد الحقيقي القادر على طرح أسئلة يؤثر إيجابا، بينما يؤثر سلبا النقد الذي يقدم إجابات جاهزة" مراهنا على اختيار المتفرج لوجهته النقدية..هل يذهب لناقد يطرح الأسئلة ليشاركه التفكير أم لآخر يقدم كل الإجابات نيابة عن المتفرج ؟ وهو النوع الذي وجده البعض بعيدا عن التأثر لأن "النسبة الأكبر من المشاهدين يبحثون عن المتعة التي يقدمها الفيلم فقط، و القلة هم من يبحثون عن سداد ثغرات العمل أو تغطية كل جوانبه بعد فعل المشاهدة لأن هذا يتمم المتعة التي بدأوها بالمشاهدة".
إذًا الرهان على هؤلاء القلة في مقابل الكثرة التي تتصف بالاعتمادية والكسل في هذا الرأي.. وقد يكون الاعتماد على "السوشيال ميديا أكثر من النقد"، وبالتالي أحيانا "نقاد بدون احترافية" فيتحقق عكس التأثير المرجو من النقد وبدلا من الثقافة والإضافة تنتشر المعلومات الخاطئة ولهذا السبب تبني البعض رأيا مفاده أن "كل واحد لازم يخلق ثقافته بنفسه و لازم يسعى لده".
وآخر يقول إن " النقد يؤثر على الصناع اكتر من المتفرجين ، و بجزء صغير على المتفرج (المهتم)" ويأخذنا هذا الافتراض لمواقف بعض صناع السينما العالميين من النقد ٬بين مستفيد من ملاحظات الناقد مثل جان رينوار شاعر السينما الفرنسية الذي يقول (أحاول أن أضع نفسي مكان الناقد)(١٣) في مقابل فيتوريو دي سيكا رائد الواقعية الايطالية (لا اتأثر أبدا بالنقاد ولا احترمهم وأنا أسير في طريقي سواء أكنت مصيبا أو مخطئا .لا أثق إلا في ضميري وأحاسيسي (١٤) وفي محاولة لحسم الجدل لعل فكرة المخرج أوتو بريمنجر صاحب فيلم (تشريح جريمة قتل ) (ندوة يجتمع فيها المنتجون والمخرجون والممثلون بالناقد بعد أن ينشر نقده ويسود الحوار المتمدن جو الندوة ويستمع الناقد لآراء القائمين على الفيلم ويناقش معهم مقاله ويقدم لهم تفسيراته النقدية ويسمح لهم بنقده )(١٥)
أعتقد أن هذه الفكرة - على مثاليتها - قد تكون مصدرا جذابا لثقافة المشاهدين السينمائية بالجمع بين وجهتي نظر الصانع والناقد.
------------------------------------------------
" زمان عندما تقرأ نقدا عن فيلم تشعر أنك تراه كأنه شريط سينما أمامك "
عصام جمعة - محاسب
السؤال العاشر : النقد زمان والآن
هل اختلف النقد السينمائي عبر الأجيال ؟ أو بعبارة أخرى : كمتابع هل تجد فارقا بين النقد السينمائي زمان والآن ؟ في هذا السؤال نقترب من أجيال النقاد بسؤال يلتمس الفروق قبل أن يُفصّل الاختلافات في سؤالين مستقلين عن بصمة جيل الكبار وإضافة النقاد الشباب.
٣ فقط لم يجدوا فارقا بين النقد السينمائي على مر الأجيال لأن السينما لم تختلف وربما يرجع ذلك لقناعة هؤلاء أن وظائف النقد لم تتغير مع الوقت مازال البحث عن التقييم والتفسير والارتقاء بالأذواق ونتذكر قول الناقد بلاكمير (١٩٠٤-١٩٦٥) الصالح حتى اليوم ( العبء الملقى على عاتق النقاد صنع جسور بين المجتمع والفنون ٬ فمن الواجب أن يشرح الناقد ما تنطوي عليه الفنون أي تلك القوى التي تعمل في الفنون والتي هي أعظم منا وتأتي من مصادر خارجة عنا أو من ورائنا) (١٦)
بينما رفض ٨ التعليق لعدم متابعة النقاد الكبار أو للارتباط بالجيل الأقدم دون الجديد والبعض لم يسبق لهم عقد المقارنات وبالتالي تبين الاختلاف وأجمع الباقي على الفروق موجودة ومؤكدة وواضحة ..ركزها مجموعة في اختلاف الوسيط مع اختلاف العصر وزيادة وسائل مخاطبة الجمهور حيث المعارف أصبحت أكثر إتاحة وأدوات الوصول للمتلقى أكثر وأسهل وقنوات اليوتيوب سحبت البساط من المقالات المكتوبة والمنصات الالكترونية تفوقت على الصحف وأصبح الاختصار هو سيد الموقف بعكس المقالات المطولة كما ارتفع سقف الحرية وتنوع النقد.
وأشارت مجموعة إلى تطور صناعة السينما وارتفاع توقعات المتلقي فأفلام الكوميكس لم تعد للمراهقين وهناك موضوعات شائكة تتطلب من النقد الوضوح مع المشاهد خصوصا وأن المقارنة أصبحت مفتوحة في ظل الانفتاح الثقافي وتزايد الأفلام المستوحاة من أعمال أخرى مما يتطلب من النقد المزيد من اليقظة ويزيد المأزق بالاعتماد على النقد "السريع" على طريقة "التيك أواي"
والتفتت مجموعة أن تطور الصناعة لا ينفي تراجع القيمة بعد أن تحول الفن لوسيلة تسلية وليس سلاحا لتشكيل الوعي والوجدان مما أصاب حركة النقد الفني والأدبي بالانتكاس وصارت الساحة نهبا لأصحاب المصالح بدلا من أهل العلم والإبداع.
وكانت هناك إشارة واضحة لثنائية الكم والكيف في النقد السينمائي بين جيلين :
تنوع تشكيلة النقاد في الماضي ولكل أسلوب المتفرد وزاويته في رؤية العمل وكان أغلبهم من الدارسين المتحمسين الذين يسافرون وراء الأفلام في المهرجانات بينما حاليا السوشيال ميديا أتاحت لكل محبي السينما عرض آرائهم حول الأفلام في مدونة وبوست وقناة يوتيوب فأصبح العدد كبيرا ولكن دون تأثير حقيقي لأن في السابق كان النقد داعما لتطوير الأداء ويحترم عقلية المشاهد أما الآن ف"صوت الجمهور القادر على شراء التذكرة هو الأعلى" ووصف البعض نقد الكبار ب"القسوة واللغة اللاذعة والاهتمام بالمضمون على حساب التقنيات التي تجذب انتباه نقاد اليوم مقارنة بالأمس خصوصا وأن هناك فرصة للتعرف على كواليس الأفلام لم تكن متاحة من قبل" .
وتحدث البعض بنوستالجيا عن حيادية زمان والتخصص والجودة واحترام القارئ والتركيز على تفاصيل العمل نفسه في مقابل غلبة الآراء الشخصية وتعدد المجاملات وتصيد الأخطاء الآن وأحيانا مغازلة الجمهور بحثا عن مشاهدات أعلى .
وأظهرت بعض العبارات أزمة ثقة في النقد لم تكن موجودة بهذا الشكل من قبل مثل " ليس كل من يكتب ناقد حقيقي، والمشاهد الجيد يجيد التمييز " ٬"نحن بحاجة أن نعرف من هو الناقد قبل أن نعرف ماذا ينقد؟" ووصل الأمر لاتهام نقاد اليوم بالابتعاد عن المشاهد والتركيز على نظريات تزيد الفجوة بينهما "مما يمثل عبء على المشاهد ويتحول الى تنافر بين الناقد والمشاهد فاما يكون المشاهد سطحي لا يمكنه إدراك عمق ما يقدمه الناقد أو أن الناقد بعيد عما يفكر فيه المشاهد أو غير مهتم به لصالح النظريات والمعايير النقدية "
بامتنان رأى البعض أن الاختلاف للأفضل الآن بفضل تطور الخبرة والدراسة والاستفادة من الأجيال السابقة وبنفس الايجابية رأي البعض أن تعدد ساحات النقد خدم النقاد الشباب ومنحهم فرصة لتقديم أنفسهم دون نجم أوحد مثل الماضي .
اللافت أن إجابات الجمهور جاءت متنوعة ومقنعة حتى على اختلافها فمن جهة اعترفت بالفضل لجيل الكبار الذين وضعوا الأساس فكتبوا المقالات ودعموا الصناعة وألفوا الكتب وترجموا المراجع وتستمر مساهماتهم حتى الآن .
كما عبرت آراء المشاركين عن قناعتهم أن السينما وإن تطورت التقنيات لكن الرؤية موجودة في كل الأجيال.. هي التي تجعل ناقدا شابا يعيد اكتشاف فيلم كلاسيكي قديم - ربما لم يكن مولودا وقت عرضه - وهي نفس الرؤية التي تجعل ناقدا كبيرا يتحمس لفيلم شبابي تجريبي.
وبالتالي الاختلاف موجود (في تقنيات السينما و اهتمامات الجمهور ووسائل العصر إلخ)، وكذلك التشابه في حرص النقاد (أيا كان جيلهم ) على مواكبة هذا كله وعدم الانفصال عن الجمهور.. ولعل الانتقادات التي توجه لجيل الشباب سمع الكبار مثلها أو بعضها من قبل سواء السطحية أو التعقيد.. التعالي على الذوق السائد أو محاولة فهمه وتفسيره.. الافتنان بالغرب أو الإغراق في المحلية وتبقى الساحة تتسع للجميع وتفرز بينهم والحكم دائما للجمهور والفيصل اختبار الزمن.
-------------------------------------------------------------------
السؤال الحادي عشر : نقاد يتابعهم المشاركون
بعد أن تجاوزنا نقطة المنتصف في الاستبيان وبينما حملت آراء جمهور العينة الكثير من التقدير أو اللوم للنقاد بقيت هناك دائرة مفضلة من نقاد يتابعهم المشاركون (دون ترتيب).
(من الراحلين ) أحمد رأفت بهجت - سمير فريد - رفيق الصبان - سامي السلاموني - يوسف شريف رزق الله -على أبو شادي -مصطفى درويش.
من المعاصرين : كمال رمزي - هاشم النحاس - صلاح هاشم - صفاء الليثي - ماجدة خير الله - ماجدة موريس - إيريس نظمي -أمير العمري - د. وليد سيف - عصام زكريا - عماد النويري - مجدي الطيب - أسامة عبد الفتاح - ضياء حسني - نادر عدلي -محمد حبوشة - محمد قناوي.
ونلاحظ اسمين ترددا أكثر من غيرهما أولهما طارق الشناوي ويثير الجدل - كعادته - ما بين الإعجاب به أو الإشارة لتواجده الدائم ضيفا على الشاشات ووصفه رأي بـ "التذبذب في النقد "، وثانيهما محمود عبد الشكور الذي أضافت له السوشيال ميديا وأضاف هو إليها في بوستاته "ماركة مسجلة" من قراءة المشاهد والكادرات والخواطر الانسانية.
ونستكمل الأسماء : رامي عبد الرازق-أندرو محسن-أحمد شوقي -أمجد جمال-أمل الجمل -أمل ممدوح - أمنية عادل حسن - آية طنطاوي - محمد عوض (أنيس أفندي) - أحمد عزت - رامي المتولي - رشا حسني - محمود راضي - عماد العذري
وتميزت كتابات أريج جمال - نرمين يسر، كما ظهرت أسماء عمرو شاهين - هويدا حمدي - انتصار الدردير - أحمد الخطيب - باسم عبد الحكيم.
ومن النقاد العرب : محمد رضا - مالك خوري - إبراهيم العريس - عبد الله حبيب - صلاح سرميني - جمال فياض.
ومن اليوتيوب: فرض محمود مهدي (صاحب قناة فيلم جامد) اسمه والسبب "دمه خفيف "، وكذلك كريم طه وكانت هناك إشارة عامة لمتابعة المراجعات بناء على اسم الفيلم لا الناقد (أشوف أنا وأحكم)
وجاءت أسماء من خارج عالم السينما مثل الناقدة المسرحية د.نهاد صليحة ومن الموسيقى أمجد إبراهيم وأحمد السماحي
ومن التليفزيون تحتفظ درية شرف الدين ببرنامجها نادي السينما ملتقى النقاد بمكان داخل القائمة، ومن الصحافة إبراهيم عيسى وخالد كساب و "ناس عادية مش مشاهير بس آراؤهم حلوة "، وأشار البعض إلى مواقع الكترونية أجنبية :
IMDB وبالتحديد آراء المشاهدين المتنوعة التي نركز على جوانب مختلفة في الأفلام وموقع cinefile.info
وموقع الناقد Roger Ebert
Mubi.com
sight and sound مجلة
---------------------------------
"تعلمت من الكبار كيفية الكتابة عن الأفلام بذوق وحرفية وقراءة سليمة للفيلم من داخله بدون تحيز والابتعاد عن المبالغات غير النقدية"
حسام حافظ٬ ناقد سينمائي
السؤال الثاني عشر : دروس من الكبار
أجيال من النقاد تحمسوا للسينما وحولوها من استمتاع أمام الشاشة إلى استبصار على الورق
قد تختلف الأساليب وتتعدد الآراء لكنهم بالتأكيد قدموا دروسا للأجيال التالية وهذا ما سألنا عنه المشاركين عما تعملوه من كبار النقاد وتركزت الإجابات عدة دروس أساسية :
١-في الثقافة والكتابة
-"الثقافة الموسوعية مع قراءة الواقع المعاش " و"المتابعة الدقيقة لكل ما يمكن الوصول إليه من أفلام مع التركيز على البعد الاجتماعي والسياسي في النقد (وإن كان هذا الجانب قد يطغى على اهتمام بعضهم بجماليات الفيلم)"
-"معرفة المدارس الفنية وتحليل عناصر الفيلم وتأثيرها من الإخراج والمونتاج والإضاءة.. إلخ".
-"إدخال لغة الأدب في النقد " و "المنهج الفكري في الكتابة".
- "الحفاظ على العرض المختصر مع الحديث عن عناصر القوة و الضعف و ما تأثر به من أعمال سابقة أو تفرد به و جعل له نوعا من الخصوصية".
٢- في شخصية الناقد
-الدقة والصدق والموضوعية
-البساطة مع العمق و"الاحتفاء بالقيمة"
-"الرأي الحر "و"رؤية بعيدة للعمل وعدم التقيد بتأويل واحد "
-"تعلمت من سامي السلاموني أن الناقد الحقيقي يشتري تذكرة السينما"
٣-في القراءة والفرجة :
-"المواظبة "و "مشاهدة الفيلم من البداية إلى النهاية" و "الاهتمام بالتفاصيل.".
-" العمل الفني الجيد تحكمه قوانينه الخاصة".
-"عدم الانبهار السريع بعناصر دون غيرها في الفيلم أو الإعجاب بنجم سينمائى لدرجة غض الطرف عن أخطائه وضعف أدائه أحيانا".
٤- في حب السينما
- " كانوا أكثر حرصًا على رؤية الصورة الكاملة وكانوا فعلًا مهتمين بالصناعة وإنهم يزقوها حد زي سمير فريد مثلا. وكانوا كمان أصحاب المخرجين".
- " تقديم رؤية بها عمق تعكس خبرتهم و خلفيتهم الواسعة عن صناعة السينما".
-"الاهتمام بالجنود المجهولين في العمل ".
وفي إجابة موجزة "اتعلمت اتفرج على حاجات حلوة ازاي" وفي أخرى "تعلمت منهم أن الفيلم عليه أن يغيرك إلى الأفضل ويفتح عينيك ".
والملاحظ في هذا السؤال أن البعض (٩ من أصل ٥٢ ) أجاب بأنه لم يتعلم شيئا لأنه لم يقرأ للكبار أو أنه يقرأ بدافع الفضول.. ولعل هذا يفسر انخفاض عدد الاستجابات لهذا السؤال مقارنة بباقي أسئلة الاستبيان، لا سيما إن ربطنا ذلك بنوع الوسيط المفضل (المواقع الإلكترونية)، مما يجعل القراءة للكبار نادرة ويمكننا التخمين أن من تعمق في إجابة هذا السؤال قد يكون ممن اختاروا الكتب والمقالات المجمعة كوسيط مفضل لمتابعة النقد السينمائي، ونذكر في نفس الصدد إلى إجابتين (لسه بتعلم ) كمؤشر إيجابي لاستمرار تأثير الكبار مادامت رغبة التعلم موجودة.
-----------------------------------------------
"تعلمت من الكبار التحليل الجيد للعناصر والرأي الحر وإضافة الشباب رؤية وأدوات جديدة ومواكبة للنقد عن طريق الصورة"
آية طنطاوي - ناقدة سينمائية
السؤال الثالث عشر : إضافات الشباب
في سؤال سابق عن الفرق في النقد السينمائي زمان والآن.. كانت الاتجاه الغالب ينحاز ضد الجيل الحالي وينتصر للأجيال السابقة وفي السؤال السابق عدّد جمهور الاستبيان دروس تعلموها من الكبار وحتى ندعم النقاد الشباب أو على الأقل ننصفهم جاء السؤال عن الإضافة التي قدموها لأنهم موجودون على الساحة، فيهم من يجتهد وبينهم من يستسهل وهو في العموم يصيبون ويخطئون، ولكن المقارنة حاضرة والذاكرة قاصرة مما يجعلهم هم أنفسهم عرضة لسهام النقد رغم أنهم مجرد جزء من المعادلة السينمائية.. تأثروا بصناعة متعثرة ولم يعاصروا عصر السينما الذهبي ولديهم أدوات عصرية تضيف لهم لكنها تسحب الجمهور منهم على الورق المطبوع فيذهبون إليهم على شاشة الكمبيوتر.. وهذه أهم إضافات الشباب التي سجلها المشاركون في الاستبيان .
١-"الحيوية " و"المرونة" والتركيز على "أهمية الصورة وتكوين المشهد" مع الاهتمام بـ "تاريخ وقيمة الفن السابع ومساعدة المشاهد على التقييم الصحيح "، "لكن للأسف الأغلبية العظمى خصوصا على اليوتيوب تركز على الأفلام التجارية التي تجذب المشاهدين و لا يقومون بتغطية الأفلام الوثائقية أو التى تعرض فى المهرجانات المرموقة".
٢-"النقاد الشباب أكثر حيوية و متابعة للأفلام "يعلمون كيف يخاطبون جيلهم ويبرزون له النقاط السريعة والمهمة للعمل الفني"
"روح /قراءة /رؤى جديدة - وجهة نظر متجددة"عبارات ومترادفات تكررت في الإجابات باعتبار النقاد الشباب "يعبرون عن جيلهم" مع "تنوع الأدوات والأساليب " "جعلوا النقد أكثر شهرة عبر السوشيال ميديا وأدخلوا الفيديوهات كوسيط جديد وأثروا في الشباب" لأن "اختلاف الآراء تجعل مشاهدة الفيلم أكثر متعة" وفي الوقت نفسه "يتابعون الاتجاه السائد" (التريند) وبذلك حققوا "مراجعات أكثر عددا ومشاهدة أكثر وبالتالى قاعدة أعرض للثقافة السينمائية".
٣-جمعوا بين البساطة والتعمق خصوصا للدارسين منهم وتميزت إضافات أصحاب الثقافة
" في العلوم الإنسانية والاجتماعية من خارج عالم السينما ذاته، مثل النظريات النسوية والفلسفة التي تثري النقد" وفي الوقت نفسه قدموا "رؤية مختلفة مهمة بعيدا عن المصطلح الأكاديمي الطاغي على الخيال" مع التحرر من "فوقية المصطلح النقدي واهتموا أكتر بالأفلام الجاذبة لشرائح الشباب. هما خارجين من رحم تجارب كسر المألوف وبالتالي اختياراتهم تحمل فكرة الاكتشاف والبحث عن المختلف" كل ذلك قدموه بعيدا عن"القوالب المعلبة فى التحليل والنقد" لذلك يحتاجون " محتاجين مساحات ومجلات سينمائية متخصصة".
وأحيانا حملت الآراء الصفة ونقيضها، فهناك من يقول "كلها مجاملات " في مقابل من يقول إنهم لا يخضعون "لغير الحسابات الفنية".
ومع الإعجاب بـ "كتابات الدارسين منهم بتخصص وعمق أضافوا الكثير للقارئ" هناك من اعتبرها "أعمالا انطباعية غير تحليلية"
ومع الاعتراف بتعبيرهم عن "آراء و رؤية الجيل الجديد"، كان هناك رأي يشير إلى "فجوة كبيرة بين النقاد والشباب "
١٦ من ٥٤ لا يتابعونهم أو لم يجدوا إضافة أو "ليس الكثير " أو رأى "لسه بيضيفوا" أو رد متهكما "فلوروز"
هذه التناقضات تعكس تنوع النقاد الشباب بين الجاد والسطحي ٬ المحلل والانطباعي وهي نوعيات موجودة على الدوام لكن السوشيال ميديا تظهر على السطح أحيانا الاسوأ فيقع خطأ التعميم وتظل السوشيال ميديا تبهرنا بالجديد فمن بعد اليوتيوب ظهر كلوب هاوس حيث غرف المحادثات الصوتية التي شملت الأفلام ونقدها أيضا.
---------------------------------------------------------
"كل متفرج هو ناقد بطبيعة الحال و لكن بسبب السوشيال ميديا أصبح الكل يستطيع نشر نقده"
يوسف مصطفى محمد صديق - طالب بقسم الدراما والنقد آداب عين شمس
السؤال الرابع عشر : نقاد و متفرجون
في هذا السؤال نرصد ظاهرة تزايد عدد النقاد على السوشيال ميديا ..هل أصبح عدد النقاد أكبر من المتفرجين ؟
وافق على العبارة (٣٧) واعترض عليها (٢٥) وتعبر هذه النسبة المتقاربة أن هناك ظاهرة نقدية ورواج سينمائي بسبب السوشيال ميديا ولكن هل هذا التوصيف سليم ؟
الموافقون يرون أن " مساحة الرأي متاحة للجميع وأصبح من الممكن وجود نقاد سينمائيين ونقاد رياضيين وغيرهم دون أي خلفية خاصة بهذا النقد غير تجربة المشاهدة" بل "أصبح النقد يُعرف ب"مراجعة" وهي كلمة أقل في المعنى " بينما "الناقد الشغوف هو من يملك العين والذوق و المعرفة الفنية "
واتخذ البعض موقفا وسطا أن "كفتي الميزان متوازنتان "بين النقاد والمتفرجين "بغض النظر عمن ينقد دون مشاهدة لمجرد ركوب الموجة"
أما المعترضون رفضوا وصف بعض من يكتب على السوشيال ميديا بالنقاد "هم مهتمون بالشأن السينمائي ويملكون بعض الثقافة السينمائية فيقومون بإعطاء آرائهم التلقائية (العشوائية) دون منهج تناول أو دقة تحليل او حتى أسلوب"، وبالتالي "ليس كل تعليق على عمل فني يمكن اعتباره نقدا" وبهذا المعنى تكون مهنة الناقد الحقيقي ليست بهذا الانتشار والوفرة مادام "من يكتب عن السينما بوعي ليس عددا كبيرا"بل "النقد السينمائي فن أصبح قليلا جدا بالمقارنة بعدد النقاد زمان حيث كانت مقالات النقاد تحتل مكانا بارزا في الصحف"، و وصف الناقد " له من القيمة ما لا يصح معها إطلاقه على أي شخص.. كل مشاهد له معايير نقد خاصة به لكن الناقد المتخصص لا يزال عملة نادرة.. فالعبرة ليست بكثرة العدد على الساحة"ووضعوا الفروق بين "الناقد الفني وكاتب الرأي والصحفي في مجال السينما ومشاهد عادي يعلق من وجهة نظره" مستدركين في الوقت نفسه أنه "قد يقدم شخص هاوي نقدا هاما يعبر عن رؤيته للعمل بشكل جيد ودقيق"، ويظل الاختلاف (وليس بالضرورة الخلاف)، قائما بين "النقاد ونبض الشارع" والناقد والمشاهد لأن الناقد "مشاهد ليس عاديا هدفه التحليل العلمي للعمل"، وبالتالي هناك "فرق بين بوستات الفيسبوك والسوشيال ميديا والمقالات النقدية التي تحتوي على عناصر المقال".
وبينما نظر البعض إلى هذه الظاهرة بشكل سلبي "أصبح النقد سهلا للغاية"وكأنه "هوس" وضربوا أمثلة "جروبات الفيس بوك (masterpieces) او (what to watch) عليه الآلاف وكل خمس دقائق شخص يرشح فيلم ويكتب رأيه وتقيمه عن الفيلم بكل سهولة فأصبح الناقد الحقيقي مختفي وسط المتفرجين النقاد".
بعض من وافقوا اعتبروه أمرا ايجابيا لأن" الأعمال السينمائية هذه الأيام تحتاج الكثير من النقاد" و "من حق كل شخص أن يعطي رأيه على الأقل"، "لا بأس من الحراك، لكن القيمة متفاوتة" و"الموهوبون نادرون" و"التمييز بين الجادين وغير الجادين أصبح سهلا".
ومن الآراء الحاسمة "يمكن أن نقول بسبب السوشيال ميديا أصبح عدد المتفرجين أكبر".
ونميل لهذا الرأي لأن السوشيال ميديا أضافت انتعاشة للسينما من خلال النقاش والترشيحات التي ليست بالضرورة أن يكون مصدرها ناقد ..ربما متفرج صاحب ذائقة مشابهة يقدم ترشيحا يحقق لمشاهده متعة أكبر ومن هنا ظهر المتفرج في ثوب الناقد لا يحل محله ولا يغني عنه ولكنه يشجع آخرين على المشاهدة وإبداء الرأي علانية..قد لا يعكس الصوت العالي ذوقا عاليا وقد يرفع التوقعات الاحتفاء "المبالغ به" على السوشيال ميديا بعمل معين لدرجة تنفر من المشاهدة أو تصدم عند المشاهدة أو تجعل أصحاب الآراء المخالفة منبوذين لكنها في النهاية علامة صحة ودليل جماهيرية تبقي الشغف بالسينما حيا .
-----------------------------
"مراجعة الافلام الدور الأساسي للناقد السينمائي"
حميد بن سعيد العامري - باحث دراسات عليا
السؤال الخامس عشر.. عن النقد ومراجعة الأفلام
مؤخرا صَدّرت لنا السوشيال ميديا (لاسيَّما فيديوهات اليوتيوب) مسمى (مراجعات الأفلام) فأصبح هناك خلطا بين المقال النقدي كما تعودنا عليه - أسما وخصائص والمراجعات (ترجمة كلمة review) التي تحولت بلغة السوشيال ميديا إلى "ريفيوهات"و تقتصر على الفيديوهات إنما تمتد للبوستات.. لذا سألنا جمهورنا عن مصطلح "مراجعة الأفلام "ومدى اختلافه عن المقال النقدي الذي تعودناه.
أجمع أكثر من ثلثي العينة أن هناك اختلافا واضحا (٤١ من ٥٨ أجابوا عن السؤال) بينما رأى (١٠) أن الكلمتين تشيران لنفس المعنى ولكن الوسيلة اختلفت من مقالات لفيديوهات و لم يسمع (٦) عن المصطلح الجديد نوعا على الآذان.
تعالوا نتعرف على الاختلافات بين المراجعة والمقال وفقا لأصحاب (نعم).
-المراجعة "رأي لمشاهد عادي " "مش متخصص" "محب للسينما" لعلها "مسمى جديد عصري للنقد" ارتبطت بالسوشيال ميديا والفضائيات ك"أكثر الأشكال شيوعا" ولعله "مصطلح تجاري لجذب المشاهدين".
-"المراجعة هي قراءة سريعة للفيلم دون تعمق أما المقال النقدي فيعتمد على "تفسير وتحليل وكذلك تأويل" للعمل الفني وهناك مراحل متقدمة مثل المقارنة والمقاربة بين الفيلم المذكور وأعمال أخرى للمخرج أو المؤلف أو الممثل ذاته أو مقارنة بين الفيلم وأفلام أخرى تشابهه في التيمة" "وينطلق المقال النقدي من منهج.. هناك من يفضل المنهج البنيوي وآخرون القراءة الاجتماعية أو السياسية والفلسفية وهكذا، المقال ينطلق من وجهة نظر وهو ما يختلف عن المراجعة." كما أن المراجعة تركز على قصة الفيلم "دون تفاصيل عشان متحرقش على المشاهد ". "تركز على الانطباعات العامة " وتتوجه لجمهور كبير لتقدم له "التعريف بالفيلم وصناعه وأهميته وظروف عرضه وكواليسه "، و كذلك التقييم والإيرادات دون شرح أو تحليل وتركز على الجديد الذي يقدمه الفيلم . وتتبني أحيانا "أسلوبا سطحيا لعرض وإلقاء الضوء على مواطن القوة والضعف بالأفلام، قد تفيد في الاطلاع السريع على أفلام الموسم لكنها تختلف عن المقال النقدى المكتوب الذي يعد وثيقة علمية وفنية تتعرض بالاستعراض والتحليل والتفنيد للعمل الفنى من كافة جوانبه الفكرية والشكلية وبدقة أكبر ."، باختصار "مراجعة الأفلام تقدم معلومات لا تحليلات بعكس النقد" أو "ترشيح لمشاهدة أو عدم مشاهدة الفيلم".
لذا تكون المراجعات "أقصر وأقل حدة"، "أكثر بساطة"، "وأقل منهجية من المقال النقدي وكأنها تهتم بـ"تلخيص العمل أكثر من نقده" "وتجعل الأمر يبدو سهلا "، أي حد ممكن يراجع الفيلم " لأنها تعتمد "على ذائقة المتفرج".
حملت كثير من آراء أصحاب "نعم" بعض الانحياز أو الانتصار للمقال في مواجهة المراجعة لدرجة وصفها "رغي كتير وفائدة قليلة" و"لا ترقي إلى المقال" "ولا تغني عنه".
بينما جاءت بعض الأراء أكثر إنصافا تنظر للمراجعات بشكل أكثر تقديرا وأقل استعلاء "مراجعة الأفلام معتمدة أكتر على فكرة "كتابة المحتوى" إزاي أكتب محتوى يكون مقروء ومقروء وله عوامل الجذب.بينما ما اعتدناه قديما في النقد إنه بلغة رصينة أقرب للنخبوية، مما جعل المقال النقدي نادرا ما يلفت انتباه غير متخصصين"وربطها رأى آخر بالفيديوهات معدّدا من أنواعها مثل "المراجعة الساخرة و المراجعة التحليلية. ممكن أن تختص المراجعة بعنصر في فيلم معين، أو في عدد من الأفلام. او مراجعة عمل مخرج أو مدرسة سينمائية.. إلخ".
أما من يتحمسون للمراجعات مثلها مثل النقد لهم أسباب : "تنقد الفيلم من جميع الجوانب "ولكن أكثر اختصارا"؛ لأن "الناقد على اليوتيوب أو الشاشة يتكلم من خلال الفيديو المصور ويقدم مراجعة للفيلم أما الناقد الصحفي يكتب المقال في الجريدة أو المجلة ولعل الفيديو أسهل عند الشباب "وكأنها "الأمر اختلاف مسميات ووسائل "وفي النهاية "كلها آراء عن الأفلام ، فيه إللي بيتكتب بشكل احترافي ، وفيه إللي بيتقال بشكل عشوائي ، فيه التحليلي بخصوص المونتاج أو الصورة وفيه إللي بيهتم بالقصة. كلها آراء".
ولكن هناك لبسا واضحا بين تعريف "ريفيو" و "مقال" و "رأي" و "مراجعة" وهو أمر لمسه السؤال وأكدته الإجابات ولنحسم الجدل نعود لأحد مراجع السينما (دليل موجز للكتابة عن الأفلام) وفيه يشرح تيموثي كوريغان للمهتمين بالكتابة النقدية الفرق بين المراجعات والمقالات النقدية ونلاحظ أنه يتحدث عن المقالات المنشورة بالصحف باعتبارها مراجعات في أغلبها:
(مراجعة الفيلم هي نوع من تحليل الفيلم مألوف لدى معظمنا باعتبارها تنشر في معظم الصحف. وفي الحالة الطبيعية٬ تتوجه المراجعة إلى أوسع جمهور ممكن : عامة الناس الذين ليس لديهم معرفة خاصة بالفيلم .. بناء على ذلك ٬فإن وظيفتها هي التعريف بأفلام غير معروفة وتزكيتها أو عدم تزكيتها ولأن هذا النوع من المقالة يفترض وجود جمهور لم ير الفيلم الذي تجري مناقشته٬ فإن قسما كبيرا من المقالة يخصص لتلخيص الحبكة أو وضع الفيلم في سياق آخر (أعمال المخرج الأخرى أو الأفلام التي تنتمي إلى الجنس الفيلمي نفسه وما إلي ذلك) قد يساعد القاريء على فهمه لذلك الفيلم ) (١٧)
وبذلك تكون المراجعة - حسب تعريفه - مادة أكثر عمومية يتوجه لجمهور أكثر اتساعا (لم يشاهد الفيلم بعد) أما ما يسميه المقالة النظرية فهي (ذات الطابع النظري الأكبر - على سبيل المثال مقالة عن العلاقة بين الفيلم والواقع، أو الأسس السياسية أو الأيدلوجية لصناعة السينما، أو عن كيفية اخلاف الحكايات السينمائية عن الحكايات الأدبية - هي في الطرف الآخر من الطيف، في كثير من الأحيان تفترض المقالات من هذا النوع أن القارئ يمتلك مقدارا كبيرا من المعرفة حول أفلام معينة وتاريخ السينما والكتابات الأخرى عن الفيلم.. ويكون جمهورها المستهدف، الذي غالبا ما يكون طلابا في مرحلة متقدمة أو أشخاصا يدرسون دراسات الأفلام، واسع الإطلاع عادة على الأفلام. وهدفها هو شرح بعض التراكيب السينمائية الأكبر والأكثر تعقيدا وطريقة فهمنا لها(١٨).
وكأنه يتحدث هنا عن دراسة سينمائية أو مقالة أكثر تخصصا لجمهور متخصص.
وأخيرا يصل بنا إلى المقالة النقدية (تقع بين المقالة النظرية ومراجعة الأفلام و يفترض كاتب هذا النوع من المقالة أن قارئه قد شاهد الفيلم موضوع المناقشة أو على الأقل لديه فكرة واضحة عنه، رغم أنه من المحتمل ألا يكون القارئ قد فكر فيه بإمعان.. لذلك قد يذكر هذا الكاتب قارئه بمواضيع وعناصر في الحبكة أساسية، لكن رواية جديدة مطولة لقصة الفيلم ليست ضرورية ولا مقبولة وتركيز المقالة هو اكثر تحديدا من تركيز المراجعة؛ لأن الكاتب يأمل في كشف تفاصيل صغيرة مهمة أو تعقيدات من المحتمل انها فاتت المشاهدين في المشاهدة الأولى بل وربما الثانية(١٩)
وبذلك تكون المقالة النقدية أكثر عمقا من المراجعة وأكثر تركيزا على التفاصيل ووجهة النظر، ويتفق هذا مع ما وصل إليه جمهور العينة ماعدا استبعادهم أن تكون بعض المقالات في الصحف أقرب للمراجعات (الشكل الأكثر انتشارا في الصحافة الأمريكية) أو إمكانية أن تتناول الفيديوهات ما هو أبعد من المراجعة أو أن يقدمها ناقد وليس فقط متفرج أو محب للسينما، ومن المهم في هذا الصدد أن نقول إن الخلاف يجب أن يتجاوز المسميات إلى تقديم محتوى (مراجعة أو مقال )، يضيف لقارئه أو مشاهده ويوقظ تفكيره النقدي .
-----------------------------------
"نوادي السينما لا تستبدل لأن متعة المشاهدة تكون أكبر"
سلوى الخطيب - ليسانس اللغات والترجمة - كبير مذيعين - مدير عام
السؤال السادس عشر : نوادي السينما بيوت النقد
نادي السينما هو تجمع دوري لعرض الأفلام ومناقشتها في مؤسسة ثقافية .. بيت مهم من بيوت النقد وتنمية التذوق السينمائي .. مؤسسات لعبت دورا هاما في الستينيات والسبعينيات، ويدين لها الكثيرون بالفضل في مشاهدة أفلام نادرة أو متابعة اتجاهات سينمائية معاصرة، والتعريف بنقاد جدد بل وتقديم صناع سينما شباب، ولا ننسى تجربة نادي سينما القاهرة الذي تأسس عام ١٩٦٨ وتقدم لعضويته أكثر من ٣ آلاف عضو، وتم قبول منهم ٣٠٠ فقط حتى وصلوا لألفين في النهاية، وفقا للباحث أحمد رفعت (ألفان عضو على الورق ومئات تحضر العروض وعشرات من الأعضاء المنتظمين)، متسائلا : هل من الممكن تخيل نشاط سينمائي نقدي بهذا الحجم الآن؟)(٢٠)
كما أصدر دورية مطبوعة تضم نشاط النادي ومقالات نقدية و ترجمات سينمائية يصفها الناقد أمير العمري (كانت مجلة سينمائية حقيقية، أسبوعية، عميقة، ومتخصصة، كانت مقالات ودراسات سمير فريد عن تاركوفسكي وجودار وبرتولوتشي وغيرهم، ومقالات فتحي فرج عن جوزيف لوزي وأعلام السينما البريطانية الجديدة مثل كاريل رايز وتوني ريتشاردسون وليندساي أندرسون وبيتر واتكنز وسيناريوهات العبقري الراحل هارولد بنتر، والتغطيات الدورية الحافلة لسمير فريد ورفيق الصبان ويوسف شريف وأحمد الحضري ثم سامي السلاموني في مرحلة لاحقة، لمهرجان كان، مرجعا رئيسيا لنا، نستمد منه معارفنا حول أبرز الاتجاهات في السينما العالمية) (٢١)
وتشير الباحثة مروة عبد الله السيد إلى (تأثير هذه المساحات السينمائية البديلة في خلق كوادر جديدة سواء على مستوى صناع الأفلام، أو على مستوى الكتاب والنقاد المتخصصين، حيث مثّلت نوادي السينما المدرسة الأولى والاحتكاك العملي الأول للمشاهدة والنقاش حول الأفلام بصورة متعمِّقة وثرية )(٢٢)
اختلفت الصورة الآن مع الأسف إذ تقلص عدد هذه النوادي و توقف نشاط أغلبها ورغم مؤشرات الأمل بظهور هذه النوادي بقوة في الجامعات إلا أن موجات كورونا والتحذير من التجمعات في مزيد من الصمت السينمائي وفي الجيزويت نعتز بتجربة نادي سينما الجيزويت التي أثمرت هذه المطبوعة (مجلة الفيلم) وسؤالنا للمشاركين عن جروبات الأفلام وما تقدمه من نقاش سينمائي هل أصبحت بديل نوادي السينما؟
أجاب النصف بـ "نعم" (٣٢ من ٦٤) والربع بـ "لا" (١٢) و الباقي قال: (لا أعلم).
فرضت الجروبات على السوشيال ميديا نفسها بعد أن تعددت العناوين.. ما بين الجروبات التي تتبنى (وتنتقي) النقد الجاد مع التصويت على جلسات المشاهدة ثم النقاش (تذكرة سينما).. جروبات أخرى تفتح الباب للجميع لنشر انطباعاتهم حول الأفلام والنجوم مثل (هو ده الجروب اللي بنتكلم فيه عن الأفلام) بجانب الجروبات الثقافية التي توسع دائرة النقد إلى الكتب والموسيقى وغيرها بجانب الأفلام (The Cultural Talk ,Around The Corner
هذه المجموعات (الجروبات) تضم الآفا من الجمهور و تتحول المشاهدة (ثم المراجعة /النقد في مقال (بوست) أو فيديو إلى سباق فور نزول الأفلام الجديدة.
الموافقون على ازدهار الجروبات كبديل لنوادي السينما لهم أسباب : "سهولة الوصول ومجانيتها.. نوادى السينما من النشاطات التي أدى التطور التكنولوجي لانقراضها".
إذ "تتطلب الوجود الفعلي للأشخاص في أماكن معينة،بينما التواصل عن طريق الانترنت أسهل و أسرع"، ولعله وضع مؤقت "لحد ما نعدي من الأزمة.. الوباء"،ولكنها على الجانب الآخر "عملت على التسطيح"؛ لذلك اشترطوا ثقافة القائمين على الجروب "وإلى أى مدى يحب السينما وأنواعها ومبدعيها وتاريخهم"، كشرط للعب دور البديل
الرافضون للجروبات إما مقترحون بدائل أخرى ( المنصات هي البديل)، أو متمسكون بمتعة نوادي السينما "نوادي السينما تتيح تجربة مشاهدة جماعية وتعتبر أصل التجربة السينمائية، الجروبات تكفل النقاش وتداول الافلام وتعريف الجمهور على انواع افلام جديدة ومختلفة"، لذلك اعتبروا أن الجروبات "تؤدي دورا شبيها بدور نوادي السينما، لكن لا تحل محلها. نادي السينما يعتمد على تجربة جماعية وحية والتلقي فيها يختلف عن التلقي الفردي والتفاعل الإلكتروني الموجود في جروبات الأفلام".
وفسر البعض انتشار الجروبات كنتاج لـ" تراجع طال كل مفردات الحركة السينمائية للأسف"و جزء من "تغير سلوكي كبير وخصوصا بين الشباب في تفضيلاتهم بشكل مستمر" دون حسم أمر "شبيه "أم "بديل"؟
ورفض آخرون الحكم على تجربة "ما زالت في طور التشكيل" قاصدين جروبات الأفلام.
وآراء الجماهير تأخذنا لاعتقاد أن هناك حاجة لكل منافذ الثقافة السينمائية وأن اختلافها لا يعني تناقض أدوارها بل اكتمالها، فتكون جروبات الأفلام منفذا تكنولوجيا يحتاج إلى مزيد من التفاعل والتطوير، ليقترب ولو قليلا من شكل نادي السينما كمنتدى للفرجة والرأي والثقافة، وتظل هناك حاجة نفسية واجتماعية واقتصادية وفكرية (٢٣) لنوادي السينما باتصالها المباشر مع الجمهور وعرضها لأفلام خارج دائرة السينما التجارية أو الأمريكية السائدة، وتبني برامج خاصة ثقافية (التعريف بشخصيات أو موضوعات أو إتجاهات سينمائية) وإتاحة مساحات للنقاش وتبادل الآراء، كما أنها لقاء مهم بين الناقد والجمهور بعيدا عن الورق أو الشاشة..
ورغم ما شكلته الجائحة من ازدهار للمتابعة السينمائية الالكترونية (جروبات ومنصات) إلا أن بعض النوادي السينمائية دخلت المضمار الالكتروني لتستمر في أداء دورها التثقيفي (نادى سينما الآداب بقسم اللغة الفرنسية بجامعة القاهرة الذي تديره د.سلمي مبارك كنموذج لاستكمال الرسالة أيا كان الوسيط).
السؤال السابع عشر : عن رضا الجمهور
اقتربنا من نهاية الاستبيان وكان لابد أن تقودنا الأسئلة لتقييم عام لحركة النقد السينمائي يصدره جمهور العينة بذكر رضاهم أو عدمه عن هذه الحركة
١٢،١٪ أجابوا بنعم ..و ٣٤،٨٪ اختاروا ربما وحسم ٥٣٪ رأيهم بـ "لا"
إذا قمنا بضم فريقي "نعم" و"ربما" نجد ٤٦،٩٪ راضين ولو إلى حد ما عن النقد السينمائي، بينما يعترض عليه ٥٣٪ ورغم أن الاعتراض والانتقاد هما الأعلى صوتا لكن تقارب النسبة يجعل الخلاف في نطاق "المقبول " و"المسموح" فليس هناك تناقض صارخ أو رفض مطلق، وتحمل لنا إجابات السؤال القادم والأخير شعاع الأمل و روشتة العمل .
---------------------------
"تحتاج الساحة النقدية لطريقة عرض فعالة تصل للمتلقي دون التعالي عليه"
هبة بكري - ماجستير في الآداب
السؤال الثامن عشر : خارطة طريق
وصلنا للسؤال الأخير ونستطلع فيه اقتراحات المشاركين عن خارطة طريق لتكون الساحة النقدية أكثر فعالية وتأثيرا.
بعض الإجابات عكست تلهفا لظروف أفضل للنقد أو مواصفات النقاد مثل "الحرية" "الواقعية" "الصدق "و "إفساح المجال للمتخصصين" و "الدارسين" "المثقفين " مع إتاحة "مساحات أكبر للتحليل والنقد الموضوعي "، و "التخلص من قيود المجاملة والقراءات الانطباعية"، و" الجرأة في إبراز السلبيات دون الخضوع لرأي الجمهور دون تطرف"، أو "إزدراء أو نفاق للصناع "، مع "سعة أفق في تلقي النقد من جانب المبدعين"، بشرط أن يكون "رأي الناقد بناء على دراسة ووعي وحيادية"، أي وجود "رقابة ذاتية".
وبعضها رد الأمر إلى ظروف الصناعة بأكملها؛ إذ نحتاج "أفلام أفضل" "تكون انعكاسا للمجتمع بأكمله"، يشاهدها "جيل واع يسعى لبلورة فكره والتعرف على نقد الأعمال السينمائية بعد مشاهدتها"، باختصار "مراجعة مؤسسات الصناعة أولا"؛ لأننا "نحتاج صناعة حقيقية، وأن يشمل النقد الأفلام القصيرة والتسجيلية والوثائقية؛ لأن الإبداع الحقيقي الآن هناك".
البعض طالب بدوري مؤسسي لإصلاح أو مراجعة المنظومة وقدمت اقتراحات مهمة مثل : "مؤسسات للنقاد وحلقات نقد جامعية" - "منصات لنشر المقالات والآراء" - "مجلات للنقد متخصصة وأيضا "تحمل الترفيه والتثقيف كتجربة جودنيوز سينما" - "منح للدراسة الأكاديمية " - "منصات للتدريب " من أجل "مزيد من النقاد الحقيقيين" - "إتاحة الأفلام المصرية بجودة نظيفة للنقاد الجادين لاستخدامها في التحليل " - "دور أكبر لقصور الثقافة في نشر السينما وتنظيم الحلقات النقدية " - "التذكير الدائم بأهمية النقد ودوره في الارتقاء بمستوى التذوق الفني للقارئ أو المشاهد".
وظهر في الإجابة المقارنة مع المواقع النقدية الأجنبية واستعارة بعض التجارب الناجحة مثل دعوة "لتجميع المقالات النقدية الخاصة بكل فيلم على غرار موقع Rotten Tomatoes الاستفادة من تجارب قنوات اليوتيوب مثل:
Every Frame a Painting و Nerdwriter
بما تقدمه من محتوى تعليمي يحول المتابعين إلى متذوقين".
وقد يظهر التناقض بين مَنْ رأى "عودة النقد إلى السابق " ومن دعا "للخروج من الكتب والمجلات إلى الفضاء الواسع" أو مَنْ تحمس لـمتابعة الأفلام الجديدة والترندات" كوسيلة في رأيه لنشر النقد، ومن طالب بالانتقاء بعيدا عن "الترافيك أو الفيديوهات للحصول على مشاهدات بمعنى الجدية في الكتابة واحترام القاريء وتحقيق قيمة مضافة".
فالهدف واحد في النهاية وهو "تقديم خدمة للقارئ أو المشاهد ومساعدته لاختيار أفضل الأفلام لمشاهدتها" مع التشديد على "للوصول للمشاهد العادي" و"الاقتراب من عقله وعينه" و "ترك المشاحنات بين الأذواق".
ونلاحظ أن برنامج "نادي السينما" لمعده يوسف شريف رزق الله ومقدمته درية شرف الدين تم ذكره أكثر من مرة في الاستبيان أحدها كمصدر لأسماء النقاد، وأيضا كدعوة لتبني النقد وتعريف الجمهور بالنقاد الجادين والارتقاء بالذوق.
ولم يخل الأمر من اقتراحات ساخرة مثل اختفاء الساحة أو مسابقات تجريها نتفيلكس.
وننوه أن نغمة السخرية تلك لا تنفي الاهتمام بالإجابة وربما تعكس موقفا شخصيا من النقد لكنها في الوقت نفسه لا تتجاهله .
وفي ختام الاستبيان نعتقد أن ما توصل إليه الجمهور - بفطرتهم أو وعيهم - هو بالضبط ما يردده النقاد في انتقادهم للساحة النقدية مدركين في الوقت نفسه العوائق في مقابل الطموحات.
فرأت خيرية البشلاوي في تحقيق صحفي (أنك لا تستطيع فصل الناقد عن المجتمع أو الصناعة؛ لأن الصناعة نفسها تطرح أمامنا تحديا)٬(الذي يساهم في هدم النقد السينمائي هو عدم حصول الناقد على مكان متميز في الصحف وعدم وجود مطبوعات متخصصة في النقد٬أضف إلى ذلك أن منتجي الأفلام تنتابهم السعادة عندما يتم مدح الفيلم، بينما هم لا ينتبهون للنقد. كما أن المعاهد الفنية المتخصصة ضعيفة ولا تسهم في إخراج ناقد جيد من خلال المقررات والقائمين على العملية التعليمية غير قادرين على الإبداع ٬وتسهم في تجريف العقول حيث لا يوجد من يؤمن بفكرة الكمال والكل يبحث عن الاستسهال) ٢٤ وفي التحقيق نفسه كان رأي الراحل محسن ويفي رئيس جمعية نقاد السينما ضرورة التفرقة بين النقاد والصحفيين في قسم الفن (نتيجة توقف نوادي السينما وعدم وجود نشرات سينمائية متخصصة انتشرت الصحافة الفنية، ولكن حاليا لا توجد مساحات حتى لو أراد الناقد السينمائي أن يكتب فلن يجد المساحة الملائمة لهذا النوع من الكتابات٬لذلك أصبح المنتشر على الساحة الصحفي الفن الذي لا يتعامل مع مع الموضوع كنص أو ينقد الفيلم من جميع جوانبه ويخلط الأمور.. وأضاف ويفي: هناك نقاد سينمائيون ليس لهم علاقة بالسينما ولهم علاقات مع الجهات الإنتاجية ولهم أهواء شخصية وأمثال هؤلاء لا يحملون صفة النقاد من الأساس لكن الناقد الحقيقي هو الذي يفترض فيه الموهبة والنزاهة) ٢٥
إذًا رغم كل شيء.. ما يجمع النقاد والجمهور أكثر مما يفرقهم.. يجمعهم حب السينما وفي النقد الذاتي من النقاد للمهنة والنقد الموضوعي من الجمهور رسائل محبة مسجلة في هذا الاستبيان.
المراجع والهوامش:
١-د.وليد سيف -أسرار النقد السينمائي (أصول وكواليس) - الهيئة العامة لقصور الثقافة -٢٠١٢- ص ١٠٦٬١٠٧
٢-إدوارد مرى - عن النقد السينمائي الأمريكي - ترجمة جرجس الرشيدي-الألف كتاب الثاني - الهيئة العامة للكتاب -١٩٩٣ - ص ١٢٩
٣-سعيد شيمي - خطابات محمد خان إلى سعيد شيمي الجزء الأول مشوار حياة-دار الكرمة - ٢٠١٨- ص ١٤٦
٤- إدوارد مري - عن النقد السينمائي الأمريكي - مرجع سابق ص ٢٣١
٥- مصطفى محرم -السينما والفنون - مكتبة الأسرة- ٢٠٠١ ص ٥٠
٦- جوزيف م.بوجز - فن الفرجة على الأفلام - ترجمة وداد عبد الله - الهيئة العامة للكتاب - ١٩٩٥- ص ٢١٥
٧-جوزيف م.بوجز - المرجع نفسه - ص ٢١٦
٨-د. وليد سيف - أسرار النقد السينمائي - مرجع سابق ص ١١٨
٩-محمود عبد الشكور - كيف تشاهد فيلما سينمائيا - دار نهضة مصر - ٢٠١٩ ص ٣٢-٣٤
١٠-حوار مع الناقد سمير فريد أجراه على حمود الحسن بعنوان (السينما الايرانية أكذوبة كبرى) وأعادت نشره منتديات ستار تايمز بتاريخ ٣٠ يناير ٢٠١٠
١١-د.وليد سيف - أسرار النقد السينمائي - مرجع سابق ص ١٢٨
١٢-حوار مع الناقد جان ميشيل فرودون أجراه محمد سيد عبد الرحيم في جريدة الأهرام بعنوان (دور الناقد السينمائي توضيح كيف تساعد السينما البشر على سبر أغوار نفوسهم وحياتهم) بتاريخ ٩ أكتوبر ٢٠١٦
١٣-١٤-١٥ - إدوارد مرى - عن النقد السينمائي الأمريكي - مرجع سابق (من ملحق صانعى الأفلام عن نقاد الأفلام ص ٢٦١-٢٦٥
١٦-جيروم ستولنيتز - النقد الفني دراسة جمالية وفلسفية-ترجمة د. فؤاد زكريا - دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر - ٢٠٠٧ ص ٦٥٥
١٧-١٩ تيموثي كوريغان - دليل موجز للكتابة عن الأفلام -ترجمة محمد منير الأصبحي - سلسلة الفن السابع - المؤسسة العامة للسينما - دمشق - ٢٠١٣ صفحات ٢٦٬٢٩٬٣٠٬٣١
٢٠-أحمد رفعت - مقال تجارب سينمائية بديلة في السياق المصري - ملفات (مدونة شبكة الشاشات العربية البديلة (ناس) البحثية - بتاريخ ٤ أغسطس ٢٠١٦
٢١-أمير العمري - مقال ذكريات حول تجربة نادي السينما منشور بمدونته حياة في السينما بتاريخ ٧ أغسطس ٢٠١٢
٢٢-٢٣ مروة عبد الله سيد-مقال (نوادي السينما : عودة قوية لدور قديم) -ملفات (مدونة شبكة الشاشات العربية البديلة (ناس) البحثية- بتاريخ ٢٧ يوليو ٢٠١٨
٢٤-٢٥ - محمد مختار أبو دياب - تحقيق (روشتة لإنقاذ مهنة النقد السينمائي - الأهرام بتاريخ ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤)
.........