الكاتب : حسن شعراوي وعزة إبراهيم
نصيحتى للشباب الحرص على الإخلاص للذات ومع الغير وللعمل
من المستحيل أن يكون متذوق الفن إرهابيا
نحن فى حاجة إلى أكشاك للموسيقى وليس أكشاكا للفتاوى
أعجبتنى عقلية شادى عبد السلام التجريبية ولم تعجبنِ عقلية سعد نديم التقليدية
“النيل أرزاق” اُعتبر من أفضل مائة فيلم تسجيلى فى العالم
عند الحديث عن السينما التسجيلية فى مصر، يتبادر للذهن اسم “هاشم النحاس”، الذى خطفته السينما من الفلسفة التى درسها فى كلية الآداب،والتى يبدو أنها تركت تأثيرها عليه فيما بعد كمتأمل يرى الأشياء بعينالفيلسوف، ويختبر الأفكار بروح المغامر، فى رحلة امتدت لأكثر من نصف قرن من الثقافة السينمائية الرفيعة، وصناعة الأفلام التسجيلية.
فى هذا اللقاء تفتح مجلة “الفيلم” صندوق ذكريات المخرج الكبير هاشم النحاس، ليحكى عن رحلته الطويلة مع السينما التسجيلية، التى يتشابك تاريخها بمساره فى الحياة، وأصبح علامة بارزة من علاماتها بفيلمه الأيقونة “النيل أرزاق”، الذى اختير كأحد أهم مائة فيلمقصير فى تاريخ السينما التسجيلية العالمية.
-المخرج المبدع هاشم النحاس، هل من الممكن أن تحكى لنا عن بداية عملك في السينما؟ ولماذا اخترت هذا المجال؟.
* لم أختر هذا المجال،وإنما هو الذى اختارنى، لم يكن فى ذهنى وأنا شاب أن أكون مخرجًا تسجيليًا، أو أن يكون عملى فى السينما، ولكن ما حدث أن دعانى صديقى أحمد راشد عام 1958 لحضور “ندوة الفيلم المختار”فى حديقة قصر عابدين،التى أنشأها الأديب الكبير يحيى حقى،عندما كان مديرًا لمصلحة الفنون، وأسند إدارة الندوة إلى فريد المزاوى، وكان حضورى هذه الندوة بداية تعلقى بفن السينما،ومن خلال مواظبتى على حضور الندوة والمشاركة فى مناقشاتها،بدأت أكتب فى النقد السينمائى فى نشرة الندوة، وحينما أغلقت الندوة أبوابها، بسبب تغيير الحكومة سياستها،اشتركت فى تأسيس “جمعية الفيلم” عام1960، برئاسة أحمد الحضرى،وكانت هذه الجمعية هى المدرسة الحقيقة التى من خلالها تعلمتفن السينماذاتيا، وقد نظمت فيها لقاءات أسبوعية لأفلام “صلاح أبو سيف” وكنت أناقشها فيلمًا بعد آخر مع الحاضرين، وفى نهاية العروض حضر صلاح أبو سيف ويبدو أنه قد استفزته بعض آرائى النقدية، مما أثار غضبه، وكانت هذه المناقشات بمثابة الأساس للدراسة، التى كتبتها عن “إخراج صلاح أبو سيف” ونشرت فى مجلة “المجلة” على عددين (يناير/ مارس 1963)، التى كان يرأسها الأديب يحيى حقى، وفى ظنى أن هذه الدراسة تعتبر أول دراسة منهجية موضوعية لمخرج مصرى فى النقد السينمائى العربى، وهنا نبتت فى ذهنى فكرة أن أعد نفسى لأكون ناقدًا سينمائيًا متميزًا. ورغم غضب صلاح أبو سيف عندما ناقشت أفلامه، إلا أنه حينما أصبح مديرا للشركة العامة للإنتاج السينمائى،استدعانى للعمل معه، فى لجنة قراءة النصوص المُرشحة لعمل أفلام، وكان من أعضاء هذه اللجنةأحمد راشد ورأفت الميهي ومصطفى محرم وبكر الشرقاوى، كما مر بها محمد خان. حين كنت أعمل بالصحافة وقتها.
- ما الأثر الذى تركه فيك صلاح أبو سيف خلال عملك معه؟
* كان صلاح أبو سيف يجمع أعضاء لجنة القراءة أسبوعيًا ليناقشنا فيما قرأناه، وكان هذا أشبه بورشة تعليم، ولم يكتف صلاح أبوسيف بذلك فقد أنشأ فى نفس العام “معهد السيناريو” عام 1963، وأمرنى أن ألتحق به، ومن المعهد اختار بعض الشباب للعمل فى لجنة القراءة، هذا هو ما جعلنى أقول إننى لم أختر السينما إنما وجدت الحياة تتجه بى نحوها، ووجدت نفسى فى قلب العمل السينمائى دون أن أقصده مسبقًا.
- وكيف بدأ عملك فى المركز القومى للسينما التسجيلية؟
* فى عام 1963 كانت كتاباتى النقدية قد بدأت فى الظهور، وكنت أكتب أسبوعيا فى مجلة “الكواكب” نقدا لبعض الأفلام المصرية، ومن خلال الكتابة فى الصحافة تعرف علىَ المخرج التسجيلى الكبير صلاح التهامى وعرض علىَ العمل معه فى المركز القومى للأفلام التسجيلية والقصيرة، قبلت عرضه كى أتعلم تكنيك السينما حتى أكون ناقدًا أفضل.
- ومتى قررت ان تكون مخرجًا تسجيليًا؟
*عندما أخرجت فيلم “النيل أرزاق” وكان له هذا الأثر القوي، في الداخل والخارج، وحصل على عدة جوائز دولية، شعرت أن هذا هو المجال الذي يجب أن أتفرغ له.
- احكِ لنا عن بداية دخولك عالم الإخراج ؟
*عملت أولا كمساعد للمخرج الكبير صلاح التهامى فى فيلم “الجمهور يلعب” سنة 1967 وكان عبارة عن مباراة بين الأهلى والإسماعيلى،حدثت فيها مشادة بين الجانبين فتحولت من مباراة الى خناقة جماهيرية،فكانت الخناقة موضوع الفيلم، بعد ذلك بدأت أخرج فقرات فى مجلة سينمائية كان يصدرها المركز القومى اسمها “مجلة الثقافة والحياة”، ثم عملت فى مجلة “النيل” السينمائية، التى كانت موجهة للفلاحين وكنا نصور حياة الناس فى الأقاليم، فمثلا عملت فقرات صغيرة مدتها من ثلاث إلى خمس دقائق، كنت أعتبرها تدريبًا على الإخراج، منها فقرة عن السيد البدوى وأخرى عن الصرف الصحى، واستفدت منها كثيرا، فقد كان يدربنا خبير تشيكى اسمه “كوبيك” لم يكن يحضر معنا فى التصوير، لكنه كان قبل التصوير يناقشنا فى العمل وتركيبه وكانت له نصائح وإرشادات مميزة. وشعرت في هذه المرحلة بضرورة دراستي للسينما أكاديميا، فالتحقت بالدراسات العليا بمعهد السينما.
- وما الذى أضافته إليك الدراسة فى المعهد؟
*فى المعهد درست السينما من الناحية النظرية والعملية، وركزت اهتمامى على التصوير والمونتاج خاصة، وقرأت كتبا مهمة منها “فن السينما” لمؤلفه “ردولف أرنهايم”. درست المونتاج على يد مسيو “بوهارى” الذى أفادنى كثيرا، فقد كان يحضر لنا نسخ الأفلام المستهلكة التى كانوا يتخلصون منها فى السفارة الفرنسية، ويطلب منا أن نستخرج منها أفكارا نصنع منها أفلاما قصيرة، فكنت أعرضها على المافيولا وأستخرج الأجزاء السليمة التي توحى لى بفكرة، فأبدأ فى القص واللصق وكانت عملية مرهقة جدا، لكنى تعلمت منها المونتاج، وتعلمت أيضا من “بول وارين” وهو خبير كندى أفادني بتعميق فهم علاقة الفيلم بالمجتمع. كذلك درست مع محمود مرسى فلسفة الفيلم والإخراج وكان يتمتع بفهم عميق للسينما أفادنى كثيرا. والخلاصة أن دراستى فى المعهد أفهمتنى قواعد اللغة السينمائية،وأعتقد أن فيلمى “النيل أرزاق” هو ثمرة ما تعلمته فى معهد السينما .
-كيف ترى حاضر السينما التسجيلية فى مصرالآن؟
* للأسف، لا أشعر بالاطمئنان إزاء الحاضر لأنه لا توجد مؤسسة أو جهاز يتبنى السينما التسجيلية فى مصر. ولكن ما يطمئننى هو وجود المبدعين من الشباب فى هذا المجال وهم يشكلون موجة غير مسبوقة فى تاريخ السينما المصرية، وصنعوا أفلاما جيدة نالت جوائز وتقديرا بالداخل والخارج،ولكن الجمهور المصرى لا يشاهد أفلامهم، وهذه مهمة ووظيفة المركز القومى للسينما الذى يفترض أن يقوم بدور مشابه لدور مركز السينما فى فرنسا، لكن فى الحقيقة هو لا يشبهه إلا فى الاسم فقط، ومن دون دعمالدولة الفيلم التسجيلى،من الصعب أن تنشأ حركة تسجيلية قوية. أنا مع دعم السينما وليس تمويلها، فالتمويل الكامل مفسدة للممول نفسه “الحكومة” ومفسدة للمخرج أيضا، أما الدعم فإنه يشعر المخرج بالمسئولية، فيهتم بفيلمه ويسعى لعرضه فى المهرجانات، ولا يترك الأمر فى أيدى الموظفين الذين لا يستطيعون استثمار هذه الثروة ويحولوها إلى علب يصيبها الصدأ في المخازن.وأنا أفكر هذه الأيام فى أن أجمع أكبر عدد من المخرجين الشبان من أصحاب المواهب، وهم كُثر، لتكوين مؤسسة أو جمعية أهلية لدعم السينما التسجيلية المصرية، ابتداءا من عمل ورش لتطوير الأفكار، ثم المساعدة على إنتاجها وتوزيعها، وتوفير العروض في الداخل والخارج، والاشتراك في المهرجانات، بالإضافة لعمل الندوات الثقافية للمناقشة، وكتابة البحوث والدراسات، وإصدار نشرة أو مجلة خاصة بالسينما التسجيلية.
- من أين يأتى الأمل فى ظل هذه الصورة التى ترسمها؟
* الأمل في توفر وجود المبدعين الشباب في هذا المجال رغم كل الظروف المحيطة المعاكسة، وهم كثر منهم، نادين صليب، وإيمان كامل، وأمير رمسيس، ورومانى سعد، ونيفين شلبى، وروجينا بسالى، وآيتن أمين،وأدهم الشريف،وعمرو سلامة،وتامر السعيد،وكوثر يونس، وتامر عزت، وشيرين طلعت، وغيرهم، كلهم أصحاب أفلام تسجيلية مبشرة،وطالما توفر هؤلاء المبدعين فلن يموت الفيلم التسجيلى، وهذا الكلام ينطبق أيضا على الفيلم الروائى الذى لديه نفس مشكلات الفيلم التسجيلى،فهو ليس أحسن حالا، حيث لا توجد مؤسسة كبيرة لرعايته ويعتمد على اجتهادات شخصية،أو مجموعات عائلية مثل أسرة “العدل جروب”لكن هذا لا يغطى احتياجات بلد كبير كمصر التى أراها أكبر من ذلك بكثير.
-فى ظل هذا الوضع كيف ترى دورالمركز القومى للسينما؟
* المركز القومى هو الجهة التى يمكن من خلالها أن نكتشف أصحاب المواهب.وعندما كنت رئيسًا للمركز أنشأت قسما للشباب، مهمته إنتاج أفلامهم الأولى التى لا تزيد مدتها عن عشر دقائق، ولو استمرت هذه التجربة لأمدت السوق السينمائية بطاقات فنية كبيرة، مما يسهم فى إشباع حاجة الجمهور إلى المعرفة ويخلق وجدانا ورأيا عاما، يربط الناس ببعضهم البعض، وأعتقد أن هذا يصب فى صميم العمل على مقاومة الإرهاب، فعمل الشباب فى السينما التسجيلية وخلق جو مناسب للإنتاج التسجيلى، يمنح الشباب فرصة اكتساب ثقافة مدنية، ويحميهم ويحمينا من الإرهاب.
-بهذه المناسبة ما رأيك فى مقاومة الإرهاب بأكشاك فتوى فى محطات المترو؟
* إنه شىء مضحك، فى الحقيقة هذا شكل من أشكال التطرف أيضا،والتعامل السطحى مع مشكلات الشباب. ربما كان من الأفضل إتاحة الفرصة للشباب للعمل وتوفير الثقافةالمدنية وتذوق الأعمال الفنية، فمن المستحيل أن يكون متذوق الفنون إرهابيا. نحن فى حاجة لأكشاك للموسيقى والغناء لا أكشاك للفتاوى، مع احترامى لتوفير الفتاوى الدينية من خلال منافذ أخرى وهى كثيرة.
-ما الأثر الذى تركته فيك مجلة “المجلة” تحت رئاسة الكاتب الكبير يحى حقى؟
* كان يحيى حقى شجاعا، وقد شجعنى بشكل غريب حينما كنت شابا صغيرا، ونشر لى مقالى عن صلاح أبو سيف. وحينما قدمت له اقتراحا بكتابة دراسة مقارنة ما بين قصة فتحى غانم “دنيا” والفيلم المأخوذ عنها الذى أخرجه “خليل شوقى”، وافق على الاقتراح، وتم نشرهافكانت أول دراسة مقارنة من نوعها فى هذا المجال.واعتبرها فتحا لطريق جديد في النقد وفي فهم السينما ، حيث أنها دراسة غير مسبوقة في مجال الدراسات المقارنة بين السينما والأدب، وحينما كتبت تلك الدراسة لم أكن أتخيل كل ذلك، وإنما كان هدفي فقط أن أتعلم،فإذا وجدت فيما تعلمته ما يفيد الآخرين سجلته في كتاب، لم أكتب شيئا بتكليف من أحد، وإلى الآن أعمل بنفس الروح،وغالبا ما تكون المبادرة من داخلي. ولا أفكر في النشر إلا بعد انتهاء العمل، فهذا آخر ما أفكر فيه حتى لو كنت سأوزع ما أكتبه مجانا.
- كانت لك صداقة خاصة مع الأديب الكبير”نجيب محفوظ”، توجتها بإصدار كتابك المهم “ نجيب محفوظ على الشاشة”، حدثنا عن ذلك؟
-في الستينيات، واصلت اتباع منهج النقد المقارن بين قصص وروايات نجيب محفوظ والأفلام المأخوذة عنها، وحينما تجمعت لدى مادة كافية، قررت إصدار كتاب،لكنى اكتشفت أن المادة المتوفرة لا تصلح لعمل كتاب متكامل، وإن استعنت بها فى فصل من الكتاب “نجيب محفوظ على الشاشة”، وكنت أول من عرّف الناس بنجيب محفوظ فى السينما ودوره فيها، وذكر ذلك نجيب محفوظ بنفسه فى أكثر من لقاء، وهو ما يؤكده الأديب يوسف القعيد أيضًا فى أكثر من مناسبة.
- هل كنت من رواد جلسة نجيب محفوظ الأسبوعية والتى استمرت لسنوات طويلة فى أحدالمراكب على نيل القاهرة؟
*لم أكن عضوا منتظما فى هذه الجلسات مثل يوسف القعيد وجمال الغيطانى،ورغم ذلك كنت أشعر بمتعة كبيرة لمجرد الوجود مع نجيب محفوظ،فقد كنت كالمريد المتعلق بشيخه ففى شخصيته جاذبية روحية تجذبنى إليه وأظن أنها تجذب الآخرين أيضًا.
-باعتبارك أحد المهتمين بنشر الثقافة السينمائية فى مصر،ماذا تقول عن دورك في هذا المجال؟
*شاركت في تأسيس الجمعيات الثقافية السينمائية الأولى مثل “جمعية الفيلم” 1960، و”جمعية نقاد السينما المصريين”، “جماعة السينما الجديدة”، “جماعة التسجيليين المصريين”، و”جماعة التسجيليين العرب”، كما أسست “مهرجان الاسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة” 1990، وشاركت في تزويد المكتبة العربية بحوالي “20” كتابًا تأليفا وترجمة، وأشرفت على نشر ثلاثين كتابا لآخرين فى سلسلة “الكتاب السينمائى”التى أصدرتها الهيئة العامة للكتاب ويرجع الفضل فى هذا لجرأة “سمير سرحان” وحماسه الشديد لتقديم كتب فى هذا المجال، وحتى الآن مازالت هذه السلسلة “سلسلة الكتاب السينمائى” مرجعا مهما ورئيسيا فى المكتبة السينمائية،كما قمتبتنظيم حلقات بحثية عن السينما المصرية، جمعت بين دارسي العلوم الإنسانية والسينمائيين، وكانت الأولى من نوعها، وأولها “الإنسان المصري على الشاشة” 1985، ومنها الحلقات البحثية الأربع التي تغطي تاريخ السينما المصرية في القرن الماضي.
-حدثنا عن “النيل أرزاق” وموقعه فى مشوارك الفنى الطويل؟
*حينما بدأت العمل فى “النيل أرزاق” كنت مشحونا بكل الأفكار التى تعلمتها، وبحماسى الكبير للسينما وضعت فيه كل معلوماتى.أخذ الفيلم حقه فى الشهرة والجوائز داخل مصر وخارجها، وربطنى أكثر بالفيلم التسجيلى، ورغم ذلك أعتقد أنه لم ينل حقه من النقد والتحليل، فعكفت على إعادة اكتشافه من جديد مؤخراً،ووجدت أن جزءا كبيرا فى الفيلم أتى من منطقة اللاشعور، وأن المونتير “عادل منير” أضاف بصمة متميزة للعمل جعلته أيقونة سينمائية، وكذلك أضاف المصور رمسيس مرزوق الكثير من خلال الصورة،وكان التكريم الكبير للفيلم حينما تم اختياره ضمن أفضل مائة فيلم قصير فى العالم فى دورة مهرجان كليرمو فيران عام 1995 تحت عنوان”قرن من الأفلام القصيرة”، وذلك احتفالا بمئوية السينما العالمية،إنها شهادة كبيرة للفيلم بعد مرور23 عاما على ظهوره.لم أكن حاضرا فى هذه الاحتفالية، وكانت مفاجأة حينما أخبرنى الصديق أحمد عاطف بذلك، ومنحنى نسخة من كتالوج المهرجان،وهو الوثيقة التي تثبت اختيار الفيلم ضمن المائة فيلم المختارة.
-حدثنا عن تجربتك مع الجرائد السينمائية المصورة ؟
*حينماتولى ثروت عكاشة وزارة الثقافة عين حسن فؤاد رئيسا للمركز القومى للأفلام التسجيلية، وكان حسن فؤاد كان مفكرا يساريا كبيرا،وأصدر المركز مجلتين سينمائيتين، واحدة للثقافة العامة تنشر الأخبار والمعلومات الثقافية باسم “الثقافة والحياة”، ومجلة أخرى باسم “النيل”موجهة للفلاحين، تحتوي علي أفلام من دقيقتين إلى خمس دقائق. وأخرجت بعض فقراتهما تحت اشراف الخبير التشيكي “كوبيك”، وكعادة كل الاشياء الجيدة التى ما تلبث أن تنتهى سريعًا، لم تستمر تجربة مجلة “النيل” لأكثر من أربعة أعداد، أما مجلة “الثقافة والحياة” فقد أغلقت بعد العدد العاشر. طبعا لوأنها استمرت لكانت قد خلقت تراكما ومدرسة فى هذا الاتجاه، خاصة أن المركز كان يشتمل على كل الإمكانيات والتقنيات فى ذلك الوقت، لكن بعد أن ترك ثروت عكاشة منصبه وكذلك حسن فؤاد توقف المشروع.
-حدثناعن تجربتك مع مركز الأفلام التجريبية لشادى عبدالسلام وطبيعة عمله؟
*عملت مع شادى عبد السلام سنة 1969 بعد أن رأى شغلى فى مجلة “الثقافة والحياة” عرض على أن أعمل معه فيلم “منمنمات تركية” عن معرض المنمنمات المقام فى فندق سميراميس، والذى شاركت به تركيا بمناسبة الاحتفال بألفية مدينة القاهرة ، ولم أمانع لأنها فرصة، وعمل معى مدير التصوير علىّالغزولى الذى أفادنى كثيرا لأنه كان يسبقنى فى العمل بخمس سنوات، بالإضافة الى أنه مصور بارع وشخصية إنسانية رائعة وأشعر بالامتنان له.
-لك وجهة نظر خاصة فى أفلام الرائد سعد نديم .. كيف تراها ؟
*كان سعد نديم تقليديا فى تفكيره لا يخرج عن النمط المعهود فى الفيلم التسجيلى، على عكس شادى عبد السلام الذى كانمبدعا فى تفكيرهأكثر، ويهتم بالدقة فى صنع الفيلم، وكنت أعى هذه الفروق فى الإخراج وأنا أعد فيلم “النيل أرزاق” الذى أخذ وقتا طويلا جدا فى المونتاج وأعدت بناءه أكثر من عشر مرات. وكنت أندهش من السرعة التى ينهى بها سعد نديم أفلامه، كنت أشعر أن سعد نديم يهمه الإنتاج أولا أكثر مما يهمه المستوى الفنى. وكان يمر علينا فى المونتاجيطالبنا بالسرعة فى الانتهاء من العمل، ولأنى كنت شابا ومتمردا لم أهتم بالسرعة التى كان يطالبنا بها واستغرقت وقتا طويلًا فى المونتاج، نحو شهر.
-فى “النيل أرزاق” جماليات خاصة ظهرت فى الإيقاع والصورة وفيه أيضا صنعة جيدة كيف وفقت فى ذلك؟
*أنا أهتم بالفن أكثر من الصنعة التى أرى إتقانها ضرورة، وأراها مرحلة من مراحل الفن، فكلما كانت دقيقة وماهرة،اقتربتأكثرمن الفن، لأنه لا يوجد فن بدون صنعة جيدة. وفى كل الأفلام التى قدمتها كان يهمنى أن يكون الفيلم بمبادرة مني،وبدون تكليف من أحد. وضعت خطة لنفسى لكى أتعرف على الإنسان المصرى فى بيئاته المختلفة، وكيف يخلق لها طعما إنسانيا، وهو يحفر بأظافره لينحت حياته فيها، وكيف أصوغ ذلك فى عمل فنى مشوق .
- فى فيلمك “البئر” تظهر هذه الصياغة لإنسان الصحراء بلحمه ودمه وبيئته القاسية.. حدثنا عن ذكرياتك مع هذا الفيلم ؟
*لما عملت فيلم “البئر” كنت “زعلان” جدا من مستواه واعتبرته فيلما غير ناجح، ولذلك لم أرسله إلى المهرجانات، لكن عندما أراه الآن وأستمع إلى ما يقال عنه، وأنه ينافس “النيل أرزاق” أشعر أن تشددى مع نفسى جعلنى أنقده نقدا ذاتيا يقضى على العمل نفسه .
- أنت أسست مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة.. كيف ترى هذه التجربة الآن ؟
* عندما توليت رئاسة المركز القومي للسينما أسست المهرجان الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة 1990، واخترت الإسماعيلية وقتها لأنها بعيدة عن القاهرة، التى تحتكر النشاط الثقافى والسينمائى وفى نفس الوقت قريبة منها، وكان هدفى أن يكون المكان معسكرا ثقافيا نقضى به الوقت كله فى مشاهدة ومناقشة الأفلام.
- ما هى أكثرالأفلام التسجيلية التى تركت أثرها فيك وكانت علامات بارزة؟
*كثيرة هى الأفلام التى أثرت فىَ، خاصة مونتاج مشهد سلالم الأوديسا فى فيلم “المدرعة بوتمكين” لإيزنشتاين وأنا أعمل فى فيلم “ النيل أرزاق”، وتأثرت أيضا بفيلم “جيرنيكا”اخراج آلان رينيه، وكتبت عنه دراسة، وتأثرت أيضًا بفيلم هولندى اسمه “الزجاج” للمخرج “هانسترا” عن مصنع زجاج يدوي، والفيلم بدون تعليق صوتي معتمدًا على الموسيقى المصاحبة لحركة العمال.
- وأخيرا ما هى وصاياك لصناع الفيلم التسجيلى؟
*إننى لا أميل إلى الوصايا أو النصائح، التى تجعل من صاحب النصيحة وليًا على الآخرين، ولكن بعد أن تجاوزت العام الثمانين من عمرى، من حق الشباب علىَ أن أقدم لهم بعض خبراتى الحياتية، أنصح الشباب بالإخلاص، الإخلاص للنفس،الإخلاص مع الغير، والإخلاص في العمل، الإخلاص للنفس بمواجهتها وعدم الكذب عليها، وذلك بتقوية القدرة على النقد الذاتى المستمر، فبدون هذه القدرة لا يحتمل التغيير للأفضل، والإخلاص مع الغير يكون باحترام العلاقة وشفافيتها بين الأنا والآخر، والإخلاص في العمل يتمثل فى الدقة والإتقان، وأقصد الدقة الحرفية التى تحكمها مجموعة قواعد وتقاليد، لا يصح اختراقها، إلا فى حالة أن يكون هذا الاختراق لتغييرٍ أفضل، ويكون له أيضا قواعده المنظمة.