الجريدة السينمائية.. الذاكرة المرئية للماضى

اية طنطاوي 09 يناير 2017 السينما التسجيلية في مصر الحقيقة والجمال

الكاتب : اية طنطاوي
أجيال كاملة لا يغيب عن ذاكرتها حفلات السينما، الفيلم الروائى الذى يسبقه فيلم قصير لكارتون «ميكى ماوس» و «الجريدة السينمائية» التى لا تتجاوز مدتها العشر دقائق التى تعرض على الخلفية الموسيقية للمارش العسكري- أحدث أخبار وإنجازات الدولة خلال الأسبوع، هذه الجريدة التى بدأت رحلتها منذ بدايات القرن العشرين، وأصبحت الآن وثيقة تاريخية تحمل أشرطتها تراثا مصورا لتاريخ الشعب المصرى، وشعوب العالم، ونافذة مرئية لأجيال جديدة لم يتسن لها أن ترى صورة حية لماضيها.


جيال كاملة لا يغيب عن ذاكرتها حفلات السينما، الفيلم الروائى الذى يسبقه فيلم قصير لكارتون «ميكى ماوس» و «الجريدة السينمائية» التى لا تتجاوز مدتها العشر دقائق التى تعرض على الخلفية الموسيقية للمارش العسكري- أحدث أخبار وإنجازات الدولة خلال الأسبوع، هذه الجريدة التى بدأت رحلتها منذ بدايات القرن العشرين، وأصبحت الآن وثيقة تاريخية تحمل أشرطتها تراثا مصورا لتاريخ الشعب المصرى، وشعوب العالم، ونافذة مرئية لأجيال جديدة لم يتسن لها أن ترى صورة حية لماضيها.
أيضًا عام 1935م «جريدة باراماونت» وهى تمثل فرعا لجريدة باراماونت الأمريكية فى مصر، وكانت تصور كل أحداث مصر المحلية لكن لم يُذكر إن كانت أعمالها قد عرضت فى السينمات المصرية أم لا، إلا أن الجريدة على الأغلب كانت تعمل تحت مظلة «اتحاد الجريدة السينمائية الإخبارية» الذى اشتركت فيه أغلب الجرائد السينمائية على مستوى العالم من أجل تبادل أنشطتها المصورة للاستفادة منها فى عروض الجرائد. وهناك أيضًا تجربة فردية ظهرت فى أواخر الثلاثينيات للمخرج والممثل والمنتج أحمد سالم وهى «جريدة أحمد سالم السينمائية» وقد عرض العدد الأول لها بسينما ديانا بالقاهرة فى ديسمبر 1938م مع عرض فيلم «أجنحة الصحراء» بطولة وإخراج وإنتاج أحمد سالم.

الميلاد الجديد
لم يكن يوم 23 يوليو 1952م يومًا عاديًا فى حياة المصريين، وفى حياة «حسن مراد» أيضًا الذى أصابه الارتباك بشأن عمله وموقفه، وبعد بيان الثورة الذى ألقاه أنور السادات فى صباح ذلك اليوم، أصبح موقف حسن مراد حساسًا، فلم يعرف هل سيتحرك للتصوير؟ أم سينتهى عمله فى هذه اللحظة للأبد؟ خاصة أنه كان يتلقى أوامر التصوير من القصر الملكى، وآخر عدد صوره (309) عرض قبل الثورة يوم الأحد 20 يوليو 1952م، وعدد أغسطس، كان معدا بالفعل لكن تم إلغاؤه. لكن ما حدث فيما بعد أن مراد تقدم لتصوير العدد (310) الذى كان عددًا خاصًا عرض فى السينمات يوم 4 أغسطس 1952م تحت اسم «عيد الحرية».

ثمة مفارقة طريفة يجب الإشارة إليها، وهى أنه منذ بداية الخمسينيات وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انضم التليفزيون لمنظومة الإعلام المرئى ذات التأثير الأخاذ على الشعوب، وأصبح المنصة الجديدة التى تبث الأخبار مباشرة، وبشكل سريع دون الحاجة إلى الانتظار للذهاب إلى السينما، فتراجع دور الجريدة السينمائية على مستوى العالم إلى أن اختفت تمامًا، وأصبحت شيئا من الماضى لا يواكب تطورات العصر، وعلى العكس تمامًا فى مصر، كانت الجريدة فى أوج ازدهارها خاصة بعد ثورة يوليو، التى اتخذت من الجريدة نافذة رئيسة وفعالة، تعرض إنجازات وأخبار قيادات الثورة على عموم الشعب، بل وانتظم إصدارها أكثر وتنوعت فقراتها وأصبحت موضوعات كل عدد تتدرج من الأحداث الأهم إلى الأقل أهمية وتنتهى بالأخبار الترفيهية وفقرة «حول العالم» التى تبادلتها مع الجريدة السينمائية للاتحاد السوفيتى، وكان حسن مراد -مستعينًا بعناوين وأخبار الجرائد المطبوعة - يصيغ بنفسه نصوص الجريدة التى يقرأها المُعلق.
يستنتج الكاتب والمخرج إبراهيم الموجى - فى مقدمة كتاب دليل الجريدة السينمائية - أن الجريدة تأثرت بالصراع والخلاف السياسى الناشب بين الرئيس «محمد نجيب» ورئيس الوزراء فى حينها «جمال عبدالناصر»، فشهدت انقطاعا لمدة أطول من شهر (5 أعداد) ويؤكد الموجى أن أعداد الجريدة قبل الانقطاع - أو المصادرة على حد استنتاجه - كانت مهتمة بأخبار الرئيس نجيب وأنشطته بصورة مبالغ فيها، وأنه كان مهتمًا فى تلك الفترة بالكاريزما الشخصية له وظهوره فى الصحافة والإذاعة ليستقطب حب الشعب، الأمر الذى أغضب عبدالناصر لأنه لم يرِد صناعة صورة أخرى مشابهة للملك، الأمر الذى دفع قيادات الثورة إلى إنشاء جريدة سينمائية جديدة، تصدر عن أستوديو الأهرام باسم «جريدة الحرية» وكان الأخوان عبدالعزيز فهمى ومحمود فهمى المسئولان عنها، وصدر منها عددان، لكن سرعان ما عادت «مصر الناطقة» مرة أخرى بفضل حنكة حسن مراد، الذى لطالما كان مقربًا من السلطة ومنتميا لها، وبذلك انتهت تجربة «جريدة الحرية» للأبد، التى توطدت من بعدها علاقة عبد الناصر بمراد حتى آخر يوم فى حياة الأخير، وكرمه الرئيس الراحل بمنحه وسام العلوم والفنون فى احتفالات عيد العلم . والطريف أن الجريدة السينمائية كانت تنتهج طوال الوقت تصوير إنجازات الزعماء واهتماماتهم، وتصور محبة الشعب لهم منذ أول أعداد جريدة آمون، ونفس هذا النهج استخدمه مراد لاحقًا مع عبدالناصر، الذى كان واعيًا أن الجريدة السينمائية هدفها أن تكون نافذة إعلامية ودعائية للرئيس مع جماهير الشعب من مختلف طبقاته، الذين لا تنقطع زياراتهم للسينما ومشاهداتهم لأعداد الجرائد.

أصبح الإذاعى «جلال معوض» الملقب بصوت الثورة واحد من أبرز المعلقين فى الجريدة، ومن بعده «صلاح زكى» و «أحمد سمير» و»فاروق خورشيد» و «سليم رزق الله». وأهم ما كان يميز الجريدة هو موسيقى المارش العسكرى، التى تعزف على خلفية الأحداث والأخبار السياسية، التى تعرضها الجريدة، والموسيقى الخفيفة التى تعرض على خلفية الأخبار الترفيهية، وعند مشاهدة العدد الصادر بعد وفاة جمال عبدالناصر وانتخاب السادات رئيسًا، نجد أن موسيقاه كانت حزينة وبها لمسة شجن واضحة، واختفى عن الخلفية صوت المارش العسكري. وكانت الجريدة تقدم بالأساس باللغة العربية وباللغة الإنجليزية أحيانًا. ولم تكتف الجريدة بنقل الأحداث داخل مصر، بل كان مراد ينتقل مع الوفد المصاحب للرئيس أثناء زياراته الخارجية لدول العالم لتصويره.
ومنذ منتصف الخمسينات وحتى الثمانينيات تعرضت الجريدة لانتقالات إدارية عديدة، ففى 1955م انتقلت تبعيتها إلى الهيئة العامة للاستعلامات - التى أُنشئت قبلها بعام - وسميت «الجريدة الناطقة» وتطورت هياكلها الإدارية وتم تدعيمها بمعدات حديثة، وفى عام 1960 وبعد الوحدة مع سوريا تغير اسمها إلى «الجريدة العربية»، ثم انتقلت تبعيتها للتليفزيون عام 1963م واستعادت اسمها «الجريدة الناطقة».


«فقدت السينما المصرية رائدًا من روادها كان علمًا فى فن تصوير السينما الإخبارى، المرحوم الفنان حسن مراد» ... كانت هذه الفقرة خبرا من أخبار العدد (1202) الصادر بتاريخ 22 يونيو 1970م، ولكن الخبر لم يذكر ملابسات وفاة مراد، الذى توفى قبل صدور العدد بأسبوع، حيث كان يصور زيارة الرئيس الراحل معمر القذافى للجبهة بقناة السويس مع الرئيس جمال عبدالناصر، وبعد انتهائه من التصوير طلب مراد من سائق سيارته أن يسرع ليلحق بطائرة الرئيس قبل إقلاعها ليصوره فانقلبت السيارة وتوفى حسن على الفور عن عمر 67 عامًا، ولم يرزق مراد بالذرية، لكنه خلف وراءه إرثًا فنيًا يُشهد له ويخلف اسمه الذى لا ينساه أحد. وتم تكريم مراد بأن أطلق اسمه على الشارع الذى كان يقطن به بحى جاردن سيتى بالقاهرة.
كان على الجريدة أن تستمر بعد وفاة صانعها الأوحد، فتولى «صلاح زكى» - معلق الجريدة - إدارتها فى أغسطس 1970م وفى العام التالى انتقلت تبعية الجريدة مرة أخرى إلى الهيئة العامة للاستعلامات، بعدها بعام عادت للتليفزيون مرة أخرى، ثم عادت إلى الهيئة مرة أخرى منذ عام 1980م وحتى الآن. ولم يُذكر أبدًا سبب التنقل المستمر لتبعية الجريدة بين الهيئة والتليفزيون، لكن على الأغلب إنها مجرد إجراءات إدارية لم تؤثر فى محتوى ورسالة الجريدة.
أخر أعداد جريدة مصر الناطقة (2401) صدر بالسينمات فى 23 سبتمبر 1995م، وفى العام التالى أصدر وزير الثقافة الأسبق «فاروق حسنى» قرارا وزاريا بتخلى وزارة الثقافة عن صناعة السينما وعن حصتها فى دور العرض السينمائي، ومع هذا القرار تجمدت الجريدة وتوقفت عن الصدور ، وركزت الهيئة العامة للاستعلامات جهودها فى إنتاج الأفلام التسجيلية وأصبحت الجريدة السينمائية جزءا من الماضى.

بتتبع تاريخ الجريدة السينمائية التى توقفت عالميًا منذ الخمسينيات واستمرت فى مصر حتى عام 1995 كان من المهم الوقوف عند نقطة مهمة وهى أسباب استمرار الجريدة فى الصدور على الرغم من ظهور التليفزيون فى مصر فى الستينيات، وتوسع تطورات التكنولوجيا بإنتشار الفضائيات وإستخدام شبكة الإنترنت فى نقل وتبادل الأخبار . فى حوار صحفى نُشر فى جريدة الأهرام هذا العام يقول د. عبدالناصر أبو بكر الجوهينى - مدير إدارة الجريدة السينمائية ورئيس تحريرها من عام 2010م حتى الآن - إن الجريدة هدفها هو مساندة النظام السياسى والاجتماعى للدولة وتوثيق إنجازاتها، وأن الأخبار وإن كانت تعرض على التليفزيون والفضائيات إلا أن رواد السينما طالما كانوا هم الهدف الذى تستقطبه الجريدة، فهم مُجبرون على مشاهدتها قبل عرض الفيلم فى السينما. إن تصريح الجوهينى صائب، لذلك كانت الجريدة السينمائية دائمًا هى المنبر الذى تهتم به الدولة لتدعيم نشر أخبارها وإنجازاتها، ولإدراك أن التأثير المرئى على المشاهد أقوى وأعمق من تأثير الأخبار المقروءة أو المسموعة، لكن مع التطورات التكنولوجية المستمرة الذى نشهدها الآن، واتساع منصات وقنوات الأخبار وتعدد سُبل التوثيق المرئى، أصبح وجود جريدة سينمائية يُفرض عرضها على جمهور السينما أمرا فى غير محله ولا يُواكب العصر، بل به نوع من تقييد حريات الجمهور فى ظل انفتاح قنوات الاتصال وعصر السوشيال ميديا.

النهاية.. الأرشيف
قد يكون هدف إدارة الجريدة الآن هو بحث سبل وآليات تطوير الجريدة، لكن ما أراه مناسبًا هو التفكير فى إطلاق مشروع جديد لرقمنة أعداد الجريدة وتحويل شرائطها إلى نسخ ديجيتال للحفاظ على النيجاتيف من التلف، وأرشفة وحصر أعدادها وإتاحتها وعرضها على الجمهور بالشكل الذى تراه الهيئة مناسبًا. فيصعب علينا أن نهدر هذا التراث القومى ونتجاهله وهو يمثل ذاكرة نادرة لتاريخ مصر الحديث.
وتجدر بنا فى هذا السياق الإشادة بمجهود المخرج الراحل محمد كامل القليوبى الذى أخرج سلسلة وثائقية بعنوان (الوقائع المصرية المصورة.. مصر فى عيون جريدتها السينمائية خلال خمسين عاما 1955-2005) من إنتاج الهيئة العامة للاستعلامات عام 2005م بمناسبة مرور خمسين عاما على صدورها عن الهيئة، جمع فيها مقاطع متفرقة من أعدد جريدة مصر الناطقة وتم تبويبها تحت عدد من الوقائع التاريخية وأصدرها فى سلسلة مدتها نحو 6 ساعات، وقد وثق القليوبى فى هذه السلسلة باختصار تاريخ نشأة الجريدة السينمائية فى مصر ومراحل تطورها.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات