من داخل بلاتوه "كمال الشيخ" باستوديو "جلال".. تامر رأفت الميهى لـ "الفيلم"‪:‬ "الميهى"كان يكتب السيناريوهات بيده‪..‬ وعيناه تتعلم الإخراج من "كمال الشيخ"

حسن شعراوي وعزة إبراهيم 05 يناير 2019 كمال الشيخ الهارب من ظلة

الكاتب : حسن شعراوي وعزة إبراهيم
كونا (المخرج الكبير "كمال الشيخ" والسيناريست الشاب ــ حينذاك ــ "رأفت الميهى") ما يشبه الثنائى.. وقدما معا أربعة أفلام، اختير ثلاثة منها ضمن قائمة أفضل فيلم مصرى، وكان لقاؤهما الأول فى واحد من أهم أفلام السينما المصرية، وهو "غروب وشروق"، وتلى ذلك أفلام "شىء فى صدرى" و"الهارب" و"على من نطلق الرصاص" . فى حوار "مجلة الفيلم" مع "تامر رأفت الميهى" داخل بلاتوه "كمال الشيخ" بأكاديمية الميهى نبحث فى تاريخ علاقة هذا الثنائى وأثره على مسيرة عملهما ومسيرة السينما المصرية.



أثر الأخوين "كمال وسعيد الشيخ" على الميهى

* ما الذى تذكره عن العلاقة بين والدك "رأفت الميهى" والمخرج "كمال الشيخ"؟
ــ أذكر أن والدي ــ الله يرحمه ــ كان دائما يردد أن من علمه الإخراج هو المخرج الكبير "كمال الشيخ". وأتذكر أيضا أنه فى أعماله مع المخرجين الآخرين كان لا يقف في البلاتوه أثناء التصوير، فعادة يكتب السيناريو ويحضر جزءا من التصوير وفقط، لكن مع "كمال الشيخ" كان يذهب من الصباح الباكر ويظل فى الاستوديو حتى الليل. وأتصور أنه كان يتعلم كثيرا فى هذة الأثناء. ومن الحكايات التى سمعتها منه مرة أنه تعلم من "الشيخ" ضبط حركة الممثل.. ومن الذكريات اللطيفة أنه فى مرة أثناء التصوير مع الفنان "محمود ياسين" كانت هناك مشكلة كبيرة فى السيطرة على حركات الأيدى المفرطة للأستاذ "محمود" فهو ممثل مسرح ومعتاد على التعبير بجسده وبيديه طوال الوقت، فقال له "الشيخ": سأربط يديك وراء ظهرك حتى تتوقف عن التمثيل بهما، وتمثل بتعبيرات وجهك، ولا أريد أن أرى يديك فى الكاميرا، وظل يوجهه حتى توقف عن هذة العادة . أعتقد أن طريقة إدارة الممثل لقطها والدى من "كمال الشيخ".
وكما كان يحضر التصوير كان أيضا يحضر فى المونتاج مع المونتير الكبير "سعيد الشيخ"، ومنه تعلم أشياء كثيرة من بينها أن المخرج الذى يصور كثيرا قبل بداية التصوير الفعلى وبعده يكون مهزوزا ولا يعرف ما يفعله؛ لأنه لم يكتب "ديكوباج" جيدا أو واضحا، وكان يقول له "لو ديكوباجك مظبوط لن تتعب أو تتعب من حولك".

* من الذى اكتشف رأفت الميهى؟
ــ "صلاح أبو سيف" هو أول من اكتشفه ولذلك سمى أول بلاتوه فى استوديو جلال بعد أن اشتراه باسمه ،وقبل ذلك كان يعمل مدرسا للغة الإنجليزية قبل أن يتعرف على "كمال الشيخ".

اللقاء الأول
* وكيف بدأت هذة العلاقة بين الوالد والمخرج كمال الشيخ رغم اختلاف رؤيتهما للسينما، كما ظهر فيما بعد، ما الذى جمع الشامي علي المغربي هل "كمال الشيخ" وجد في "الميهى"عبقرية ما أو أسلوب كتابة جديد؟
ــ لا أعرف كيف تعرفوا، لكن أتصور أن هذةهالمعرفة حدثت فى فترة الخمسينيات و الستينيات، ففى ذلك الوقت كان هو و"مصطفى محرم" وآخرون يحضرون فى ورشة لمعهد السيناريو، ومنها انطلقوا جميعا وتعرفوا على الوسط الفنى، لكن التفاصيل الخاصة بلقائه الأول مع "كمال الشيخ" لا أعرفها، لكن أتصور أنه لمس موهبته وقدرته على كتابة ورق حلو، وفى نفس الوقت رغبته القوية فى التعلم . من ناحية أخرى وجد والدى فى "الشيخ" عينا قادرة على عمل لغة شعرية فى السينما، وهذا لم يكن موجودا عند غيره، ربما من هنا جاء التقارب فيما بينهما واستمر طوال عملهما معا فى الأفلام الأربعة التى تشاركوا فيها.

* وماذا كان رأى "كمال الشيخ" في أول أفلام "الميهى"؟
ــ لا أتذكر سوى أنه حضنه وطبطب عليه بعد العرض الخاص للفيلم، وقاله برافو عليك. وقتها أنا كنت طفلا، وماما كانت تأخدني معها ولم أكن أعى جيدا ما يقولونه.

حب الأنتيكات والسفر يجمعهما
* هل تتذكر أشياء كانت مشتركة فيما بينهما؟
ــ كلاهما لم يكن يحب السهر. وتعلم والدى منه أشياء مثل حب التحف والأنتيكات ، حيث كان "الشيخ" يسافر كل سنة ويشترى الكثير من التحف. وقد عرفت هذه الحكاية من بائع تحف شهير فى الزمالك كان يتعامل معه هو صاحب صالة كان اسمها "القصر المصري للمزادات"، لم تعد موجودة الآن، لكن مكتب صاحبها ما زال موجودا فى نفس العمارة التى كانت بها الصالة، وحكى لى أن والدى كان زبونا عنده، وحكى لى عن محبتهما المشتركة هو و"الشيخ" للتحف، وما زال فى البيت عند ماما مكتبة جميلة تعتبر تحفة فنية نطلق عليها "مكتبة كمال الشيخ"؛ لأنهما اشتراها معا، وهى عبارة عن تحفة إنجليزى معمولة كلها بطريقة العاشق والمعشوق دون أن يدق فيها مسمار واحد، ثم صنع على غرارها واحدة أكبر لتستوعب كل كتبه فيما بعد.
أيضا كان "كمال الشيخ" يسافر كل سنه ويشترى قطعة او قطعتين من الخارج، وكذلك كان يفعل والدى ولم أكن اعرف من أين أتى والدى بحكاية المزادات هذه إلى أن اكتشفت بعد كل السنين أنه أخذها من كمال الشيخ.

* من الذى كان له التأثير الأكبر على شخصية "الميهى" هل هو "صلاح أبو سيف" أم "كمال الشيخ"؟
ــ حاجة غريبة جدا، كل الناس بتتكلم عن تأثير "صلاح ابو سيف" عليه، وطبعا "صلاح ابو سيف" كان له مكانة كبيرة بالنسبة لبابا، لكن التأثير الأعمق علي المستوى الشخصي كان من "كمال الشيخ"، وكان هذا واضحا في علاقة المحبة الكبيرة جدا التى جمعت بينهما، وأنه كان يعتبره أستاذه.

سينما "الشيخ" وسينما "الميهى"
* وعلى مستوى السينما هل كان هناك تشابه فيما بينهما؟
ــ الآن وأنا أعيد الفرجة على أعمال "كمال الشيخ" باكتشف إن فى شغل "الميهى" ما يشبهها أحيانا، فمثلا فى فيلم "ست الستات" كان توظيفه للظل والنور قريبا جدا من طريقة "الشيخ" فى فيلمه "الرجل الذى فقد ظله". لكن طبعا "الميهى" لم يكن يهتم إن الصورة تكون عالية جدا فقد كانت أفكاره الغزيرة أهم عنده من الصورة، وسألته مرات عديدة عن السبب فى ذلك، وأخيرا أجاب بأن فكرة الفيلم عميقة ولو عبرت عنها بصورة عالية فى الجماليات والتقنيات فالمشاهد سيتجه كل تركيزه إلى تقنيات الصورة وإلى "القلة البمبى" وسيترك الموضوع . هو لم يكن يحب التركيز على التشكيل أو الديكور لكن كان تركيزه الأساسى على الفكرة.

* لكن فى فيلمه "للحب قصة أخيرة" له اهتمام عال بالصورة والتشكيل؟
ــ لأن الفيلم كان يحتمل ذلك، أما في بقية الأفلام لم يفعل ذلك وقدم لغة سينمائية غير متوقعة من قبل المشاهد الذى يريد أن يفهم قصد المخرج من كل تفصيله وكل منظر ولقطة .

* لكن "كمال الشيخ" كانت الصورة لدية عنصرا أساسيا. وحتى صور الميهى وأسلوبة المختلف تعلمه من أساتذته لكن لم يكن يقلد أحدا،
ما الذى استفدته منه فى عملك معه؟
ــ عندما أنشأ أكاديمية "الميهى" كنت أتمرن معه، ولاحظت أنه كان يهتم بالدراما بشكل كبير، وأصر على أن الطلبة تدرس الدراما الإغريقية والأساطير اليونانية القديمة؛ لأنه كان مؤمنا بالقراءة بشكل غير طبيعي، فالسينما عنده كانت بالأساس ورق جيد على عكس المخرج الكبير "يوسف شاهين" حيث كان الورق عنده يأتى فى المرتية الثانية أو الثالثة، وربما لا يكون هناك ورق من اصله أحيانا. من فترة قريبة كنت أتفرج على فيلم "حدوتة مصرية"، فيلم مبدع وعظيم لكن ليس هناك ورق على عكس "الميهى" أهم حاجة عنده الورق ومن خلاله يحرك الكاميرا وليس العكس.
حينما بدأت التمرين معه لم أبدأ كمساعد مخرج لكن تمرنت كمساعد سكريبت. ودورى أنى أتأكد إن كل شىء كما هو عند استكمال المشاهد واللقطات، يعنى مثلا على أن أتأكد من كل الأشياء الدقيقة مثل أن تكون خصلة شعر الممثلة فى نفس مكانها بالضبط عند استكمال التصوير وهكذا. وأدركت أن وظيفة مساعد الإسكريبت مهمة جدا وأفادتنى طبعا.

* ما الذى كان حريصا على وضعه فى الديكوباج؟
ــ كل التفاصيل الصغيرة كان يضعها فى الديكوباج وكان بيعمله على ضهر أوراق السيناريو أو فى أوراق منفصلة خاصة بكل مشهد وبصفتى مساعد الاسكريبت كنت أذهب فى الصباح فيتجمع حولى الممثلون ليعرفوا التفاصيل الخاصة بما سيفعلونه أمام الكاميرا. فقد كان يكتب حركة الكاميرا وأحيانا يتدخل مدير التصوير لكن فى الأغلب كانت الأمور تمشى كما تصورها.

* هل كان يعيد كثيرا.. وهل مثلت معه؟
ــ علي حسب الممثل الذى معه. وأنا مثلت معه فى فيلمين هما "عشان ربنا يحبك" و"شرم برم" فى دور صامت لكن اكتشفت إن التمثيل الناطق أصعب كثيرا.

* وعلى أى أساس اختارك ؟
ــ كانت لدى رغبة فى التمثيل، وفى مرحلة كنت أمر بظروف صعبة فى حياتى، قلت له إننى أريد أن أكون ممثلا وكنت بالمصادفة أرتدى بدلة وبالطو، فقال لي ستقوم بدور بنفس هذه الملابس وكان دور أشبه بالمفتش "كورمبو" وكنت أشبه بإفيه فى الفيلم وبعد ذلك أراد يجربنى فى ادوار ناطقة لكن كانت مسألة صعبة.

* من خلال عملك معه كمساعد سكريبت كيف كانت علاقته بالكاسيت؟
ــ كان لطيفا عموما إلى أن يحس أن الوقت بدأ يهرب بمعنى يتبدد فيتوتر؛ لأنه كان هو المنتج أيضا وتكاليف يوم الإنتاج ليست قليلة، فمثلا لو عندك 300 شخص داخل اللوكيشن فى حالة فوضى الدنيا هتبوظ لو لم تتحكم فى الوضع، لكن هو عامة كان لطيفا ولا يحب التسخيف على العاملين معه ولديه، مهارة غير عادية فى إدارة الممثل ووضعه فى صورة جديدة، واكتشاف إمكانياته فى شخصيات لم يعتد عليها ولم يره المشاهد فيها من قبل.
وحينما كنت أسأله إلى من سيسند هذا الدور أو ذاك فى مرحلة الإعداد للفيلم بعد أن أقرأ الإسكريبت فيقول مثلا "ليلي علوي" أكون مندهش من الاختيار، لكن حينما يبدأ الشغل أكتشف أنه لا أحد غيرها كان سيصلح للدور، وهكذا مع "معالى زايد" أو "شريهان". كانت لديه رؤية فى الاختيار لا يدركها غيره، فمثلا أنا لم أكن أتخيل إن "ماجد المصري" مناسب للأدوار التى اختاره فيها لكن عمل معه فيلمين كسروا الدنيا وأخدوا 8 جوائز. هو كان يعرف يطلع من الممثل ما يريده.

الأفوكاتو لم يعجب "عادل إمام"
* ألم يحدث اختلاف فى وجهات النظر مع العاملين معه؟
ــ حدث طبعا، كانت مشكلته مع الممثل الذي يريد دراما كبيرة ويريد أدوارا تكسر الدنيا.

* مثل من؟
ــ حدث مثلا مع "عادل إمام" في فيلم "الأفوكاتو"، فطبعا الزعيم لا يحب التوجيه كثيرا، والميهى أراد تقديمه بصورة مختلفة وبالفعل الفيلم كان من أحسن الأدوار التى قدمها "عادل إمام"، وأدى الأمر إلى أن مرتضى منصور رفع قضية عليهم وحدثت ضجة كبيرة، ورغم ذلك فإن عادل إمام قال إنه لا يحب هذا الفيلم، وأيضا لم يحب فيلم "الحريف" الذى مثله مع المخرج الراحل الكبير "محمد خان" رغم أن هذين الفيلمين من أفضل ما قدمه، وقدموه بشكل جديد، ففى أفلامه الأخرى كان يكرر نفسه. ورغم ذلك قرر أنه لن يعمل مع "الميهى" مرة أخرى.

مع سعيد الشيخ
* أيضا كان لرائد فن المونتاج "سعيد الشيخ" ــ أخو كمال الشيخ ــ تأثير على "رأفت الميهى".. هل تتذكر شيئا من هذه العلاقة؟
ــ طبعا كان لسعيد الشيخ أثره الكبير وكلمته التى لها وزنها عند "الميهى"، فإذا ما جلس على المافيولا وقال على لقطة أو مشهد إنها غير مناسبة، فهى تكون كذلك بالفعل. وكان أستاذا كبيرا ومعلما، فقد كان يذهب للعمل قبل الموعد، وكان لديه التزام شديد، وكانوا يقولون إنه تربية إنجليزى، فمثلا إذا ذهب للسوق كان يشترى احتياجاته فقط بمعنى 3 برتقالات مثلا وحينما ينتهى منها يشترى غيرها. طبعا هذه الطريقة لم يستطع "الميهى" اتباعها مع ماما فى البيت.
أيضا كان منظما جدا في مواعيده، ولو اتأخرت علية ثلاث دقائق فقط سيتركك ويمشي .أتصور أنه تعلم ذلك من "كمال الشيخ". والخلاصة أن والدى تعلم من مدرستين كبيرتين فى الإخراج وفى المونتاج، وفى الحياة، ومنهما تعلم عدم السهر، فمهما بحثت لن تجد أى صور لهما فى حفلات السهر.
ولما كانت تواجه "الميهى" مشكلة فى الشغل أو يحدث أى خلاف وكان وقتها هو مخرج صغير كان يتكلم مع أى حد غير كمال أو سعيد الشيخ ولو كنت رأيت "سعيد الشيخ" كنت ستعرف أنه محترم لدرجة أنك لن تعرف كيف تختلف معه. والخلاصة أن هذا الثنائى "كمال الشيخ وسعيد الشيخ" هما من صاغا تكوين رأفت الميهى، وكان لهما دور كبير جدا فى التأثير علي حياته.

ذكريات أفلامهم المشتركة
* هل تذكر شيئا عن فترة عملهما معا فى الأفلام الأربعة المهمة التى قدموها معا؟
ــ كنت صغيرا للأسف، لكن فاكر وأنا عمرى تقريبا ست سنوات كانوا بيشتغلوا فى فيلم "الصعود إلى الهاوية" الذى كتبه "صالح مرسى" وجاء "كمال الشيخ" إلينا فى الإسكندرية، وكنا وقتها فى المعمورة وحكى لى والدى عن قصة الجاسوسة "هبة سليم"ونحن نعوم فى البحر؛ لأنه بيشتغل فى مخه، وحينما أحضر له "الشيخ" لفة ورق فيها القصة قام هو بضبط السيناريو.
وذكر ذلك كمال الشيخ فى يومياته التى نشرها سنة 1988 . وقال: إن وقت عمل الفيلم فى 1979 كانت البلد خارجة من الحرب وتمر بمرحلة سياسية حرجة، وكان مهما أن السينما تقوم بدور فى بروباجندا الحرب .
ووقتها كان الميهى لا يزال صغيرا وأراد أن يقدم سيناريو قويا يقدم به نفسه ويقول: أنا هنا.

* في فيلمه شروق وغروب" يقال إنه غيَّر فى السيناريو كثيرا كيف كان ذلك؟
ــ فيلم "شروق وغروب" لم يكن يتكلم عن الفساد بقدر ما كان يتكلم عن ملامح عصر. وبالفعل هو كان مكتوبا كإسقاط ونقد لثورة 23 يوليو لكن تم تحويل الهجوم الى العصر الملكى السابق للثورة، وتمت إعادة كتابة تاريخ هذة الفترة، لهذا يرى البعض أنه كان "بروباجندا" لثورة يوليو.
لكن طبعا يظل هذا الفيلم من الأفلام السياسية المهمة فى تاريخ السينما المصرية، وكذلك فيلمه التالى مع سعاد حسنى أيضا "على من نطلق الرصاص؟" والذى كانت لديه القدرة على التنبؤ بعصر قادم قائم على الفساد

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات