السيناريو... ليس مهما مانروى المهم كيف نرويه

ثناء هاشم 05 يناير 2019 كمال الشيخ الهارب من ظلة

الكاتب : ثناء هاشم
عندما قال ر . بريسون إن السينما هى كتابة الغد كان محقا إلى حد بعيد ، إذ بعد سنوات قليلة من ظهورها ، حلت محل كافة أشكال الفنون الأخرى (الأدب ، الشعر، المسرح، الموسيقى التى ظلت مهيمنة عبر عصور مختلفة فى خلق أحلام مصنوعة، لا يشاركها أى شىء فى هيمنتها حتى ظهرت السينما.


لقد سُئل حكيم صينى عجوز عن أول قرار يتخذه لو قدر له أن يتسلم زمام سلطة؟ فأجاب .. إعادة تعريف الكلمات،
وكلمة سينما هى من تلك الكلمات التى طالما استفادت من أمنية هذا العجوز الحكيم ، وأصبحت فى مصاف الدراسات الإنسانية العليا ، واعتبرت من أخطر الصناعات بلا جدال منذ ظهورها فى بدايات القرن العشرين، إذ ساهمت بشكل خفى وتلقائى فى بلورة أشكال لا نهائية من الخيال والمفاهيم والأحلام والخرافات والحقائق.
إن الإنسان دائما فى حاجة لأحلام الصحو، أحلام النهار ، مثلما هو فى حاجة لأحلام الليل ، أحلام النوم، كصمام توازن له، ولقد كانت المفارقة أن حاجتنا إلى ذلك الحلم تتوازى وتتنامى بشكل طردى مع النمو المذهل فى الميكنة والتقنيات وآليات الإنتاج والإستثمار، فالسينما صناعة وفن فى آن واحد، ولعل حساسية السينما تكمن فى كونها لا تقترح صورة للواقع فحسب وإنما رؤية للعالم بأسره، إنها طريقة مدهشة لفهم ذلك الشىء الذى لا شكل دقيق له، وإعادة بنائه ، ذلك الشىء الغامض والملتبس الذى نعرفه تحت مسمى الواقع.
إن غالبية الفنون تضطلع بتلك المهمة، إلا أن السينما وحدها هى الفن الأكثر شمولية وكونية، إنها تأخذ من كل الفنون أجمل وأصدق مافيها، إنها لغة الأشياء والبشر معا
إن السينما تضطلع بمهام جسيمة فى الوقت الذى تطفللنا فيه دوما، فنظل نحلم فيها بالجدات بشعر فضى ووجه متغضن طيب، وبيوت دافئة أشبه بأكواخ القرميد الأحمر، وشوارع حبلى بالحواديت ، وبشر يتقافزون فى الغابات بسعادة، إنها السينما، الحلم، مهما تعاظمت موضوعاتها وتعقدت.
ماذا إذن عن السيناريو الذى عندما سُئل هيتشكوك عن ما يضمن النجاح لأى فيلم أجاب : ثلاثة أشياء، السيناريو ثم السيناريو ثم السيناريو.
ولعل لفظة سيناريو فى أصلها التاريخى ترجع إلى اللفظة الإيطالية SCENARIO المشتقة بدورها من الكلمة اللاتينية SCEANARIUM التى تعنى المشهد المسرحى بالمعنى الهندسى ، أى الفضاء المشهدى و ال SCEAENARIS هو الذى يعمل لصالح المنظر أو كاتب السيناريو بهذا المفهوم
ثم عادت الكلمة إلى الظهور عند نهاية القرن السادس عشر، فإن ال SCENARIO يعنى تماما الديكور ، وهذا المعنى يرتبط باكتشاف تقنية فن تصوير المناظر على الطريقة الإيطالية فى وقت كان فيه الفضاء المنظرى ينتظم وفقا للديكور ويختلط هندسيا به .
بينما كان تنظيم المنظر فى عصر النهضة ثم فى المسرح الباروكى يقترح وضع الأشياء فى شكل منظورى ENPERSPECTIVE ضمن مجموعة تركب فيها العناصر الهندسية مع لوحات مرسومة، وتركز دراسة نيكولا ساباتينى (1638) بشكل أساسى على ال SCENARIO أى على التنظيم الجيد للمنظر، ألواح خشبية، سماء، وسقيفة ديكور، وتخطيط منظورى ، إلخ، كما تركز على قطع الديكور والآثار الناجمة عن استخدام عُدد أو آلات المسرح ، إذا قال SCENARIO بالتعميم هو الوصف الفضائى للمنظر وتنظيمه السينوغرافى انطلاقا من اللحظة التى تتجاوز فيها لعب الممثلين على الفرجة الصرفة السينوغرافية للمسرح بمفهومه الباروكى .
واليوم حين يتحدث الإيطاليون عن سيناريو فيلم يقولون soggetto ، ولم تصل الكلمة إلى فرنسا إلا خلال القرن الثامن عشر حيث أخذت أولا واعتمادا على أصلها الإيطالى بمعنى(إخراج) ) حسب ماهو وارد فى فى قاموس روبير الفرنسى لأنها غير موجودة فى قاموس ليتريه ).
وكان لابد من الإنتظار مدة قرن تقريبا قبل أن تشير الكلمة إلى العرض الموجز لمسرحية ما أو المخطط المفصل لرواية معينة حيث نرى "بلزاك" يتحدث عن بناء أو هيكل أو سيناريو المسلاة ، لتظهر الكلمة بدقة عام 1907 بقلم جورج ميلينير بمفومها الحديث من حيث كونها قصة معدة للتصوير.
وإذا كانت قد اعتمدت هذه الكلمة من قبل محترفى وصناع السينما الأوائل، فذلك لأنها كانت أكثر ملائمة من مصطلحات مثل ملخص أو دفتر ،... إلخ للتعبير عن ذلك التنظيم الذى كانت تقوم عليه القصة السينمائية القديمة من مناظر محدودة للديكور، أى اللوحة المرسومة التى كانت تستخدم كخلفية لتلك المناظر ، وأمامها كان يجرى فعل مستمر يصور بلقطة وحيدة ،ومفهوم المناظر كان يختلط بشكل عام بمفهوم اللوحة TABLEAU بالمعنى المسرحى ، أى تقسيم الفصل بما تقابله أو يرتبط من تغيير فى الديكور.
وقد اتخذ السيناريو اليوم بعد أن ثبته الإستخدام ، معنى الوثيقة المكتوبة التى تطور ، بأى شكل من الأشكال، سواء كان قصة أو نص مسرود يتم إخراجهما سينمائيا بعد أن تتم معالجتها بشكل متتابع حتى كتابة الحوار والذى يسعى فى أكثر أشكاله إكتمالا إلى أن يكون نوعا من التصميم الأولى المكتوب للفيلم SIMULATION كما ينبغى أن يخرج للمتفرج، أى شكل من أشكال عملية التكوين ELABORATION ، وبالطبع يجب أن نشير هنا إلى استبعاد مرحلة DECOUPAGE أو مرحلة التقطيع الفنى والذى تقع مسؤولية تحريره على المخرج وليس على كاتب السيناريو، وعلى عكس مايجىء فى كتب عديدة ، فإن التقطيع لا يمثل المرحلة من السيناريو قبل التصوير كما هو شائع، بل يشكل العملية الأولى من الإخراج بحصر المعنى، إنه وثيقة تقدر عدد اللقطات ومدتها، ولقطات الترابط RACCORDS والأطر والزوايا وحركات الكاميرا ، وتقدم جميع المعلومات الضرورية حول الشكل الذى يتم فيه التصوير ، فالتقطيع إذن هو التنظيم الأولى لشكل القصة والتى سيشاهدها المتفرج، وهناك خطأ شائع يقع فيه كتاب السيناريو المبتدئين وهو عرضهم لمشاريعهم مكتوبة على شكل تقطيع فنى ظنا منهم أن هذه طريقة مثلى لإستعراض قدراتهم فى الكتابة السينمائية، وللحق هذا الشكل يعد كتابة مقيتة حتى بالنسبة للمختصين ولا يفهمها الجاهل بالصناعة كغالبية المنتجين الممولين الآن وهى أفضل طريقة عمل حتى لا تتم قراءة المشروع أبدا.
إذن ماهى أكمل معالجة لكتابة سيناريو ماقبل مرحلة التنفيذ .
إن كل النصوص التى كتبت منذ نشأة السينما وحتى يومنا هذا باختلاف مدارسها وتقنياتها تتمفصل فى مرحلتين هامتين سيدور حولها كافة حديثنا عن الكتابة السينمائية
1- اختراع القصة 2- بناء شكل القصة
إن السينما فى حقيقة الأمر تعيد رسم الأرض التى ينتشر فوقها الإلتباس بواقعها التقنى وواقعها الجمالى منذ أقدم الإخوان لوميير على اختراعها ، إنها لا تعيد إنتاج الواقع وتعرضه فحسب، وإنما تقوم باستكشاف معنى الواقع وبنائه.
والحق أنه ليس مهما ما نرويه ولكن المهم كيف نرويه، إنها الطريقة التى نروى بها قصصنا وحكاياتنا ، فمنذ تعلمنا أن نرى كما يقول "بيلا بلاش" ونحن مازلنا أسرى المتعة التى تعترينا عندما نرى الواقع معروضا فى صور صارخة بالحقيقة، ولا سيما عندما يكون هذا الواقع مذهلا .
إذن ماهى الكتابة السينمائية على وجه التحديد؟
إن هناك رؤية سطحية للأشياء لكنها شائعة مع الأسف بشكل واسع فى الكتابة للسينما، لذا اقترح "أيتين سوريو" تمييز فضائين للكتابة السينمائية، وهما الكتابة ماقبل الفيلمية والكتابة الفيلمية، الأولى تعنى كل ماهو موضوع أمام الكاميرا والميكرفون لكى يتم تسجيله من ديكور وممثلين وأفعال Actions ، أى كل ما يمكن أن يرى ويسمع، أما الكتابة الفيلمية فهى عبارة عن عمل الكاميرا والميكرفون، أى مجمل بناء الصور المتحركة والأصوات( زوايا التصوير، اللقطة، ومدة اللقطة، والتوليف Montage ...)
وهذا التقسيم والفصل بين المرحلتين يجنبنا خطأ ذو نتائج خطيرة على الجمالية السينمائية، والسيناريو يهتم أكثر بالكتابة ماقبل الفيلمية، ولعل المفهوم الشائع حول حصر كاتب السيناريو بالقصة وسردها مفهوم ساذج بل وناقص حول الفن السينمائى، وغالبا ما يسيطر هذا المفهوم على الإنتاج لكنه لا يتفق مع عملية الإبداع .
إنه لمن العبث أن يبحث الراغبون فى كتابة السيناريو عن وصفات جاهزة لكتابة فيلم، وكما يرى "بيير مايو" أن الفن يشترك مع تعلم الفلسفة فى ميزة نادرة قلما يحسدان عليها، ألا وهى ميزة الحاجة، إذ لا يستطيع الفن كما الفلسفة أن يقدما لتلاميذيهما تلك النوعية من المعارف التى يمكن صياغتها فى مبادىء وقوانين وقواعد وصيغ ونماذج تحتذى، وأقل النظريات تواضعا لدينا لا يمكنها إلا أن تكون نسبية.
إن مبادىء رونوار وفرضيات أفلام أو قانون أوزو Ozo ولا صيغة كانط يمكنها أن تقدم وصفة جاهزة لتعلم الفن، لأن تعليم الفن مثله مثل تعليم الفلسفة، لا ينفتحان إلا على الأسئلة، لأنهما لا يملكان معرفة موضوعية يقدمانها للآخرين، والسبب الكبير فى ذلك هو أن الفن والفلسفة لا يملكان إلا حقيقة واحدة، هى أن الطريق لا يوجد إلا فى حد ذاته كما قال بيتر فالك p.falk إلى الملاك الهابط فى فيلم أجنحة الرغبة (ف . ويندرز 1987) .
إن تعلم السينما كتعلم الفلسفة يرشدانك إلى معرفة الذات وإلى التعبير الشخصى الخاص بك، وفى أحسن الحالات لن يجد المتعلم فى الدرب إلا ذاته وأسئلته.
إن سيناريو أى فيلم يشير ويسمى واقعين متجاورين فحسب بل ومتلاصقين، ومع ذلك يختلفان عن بعضهما اختلافا شديدا،
- Action والحبكة والقصة التى يقصها فيلم ما
- ثم عملية سرد هذا الفعل بهدف تصوير الفيلم من جهة أخرى
وينبغى ألا نخلط بين هذين العالمين حتى لا نتسبب فى خلق مشاكل نحن فى غنى عنها، ربما تعيدنا لذلك الصراع الدائم حول تعليم كتابة السيناريو ( إذ هل يمكننا تعلمه أم لا؟ ).
إن الإجابة هنا نعم أو لا، فالسؤال ينطوى على وحدة ظاهرته خادعة (ال سيناريو) لأنه مضاعف ، إذ يحمل معنيين مختلفين ،
فحينما نتحدث عن السيناريو بمعناه الأول باعتباره حبكة أو قصة ، فهذا يحيلنا إلى عدم إمكانية تعليمه دون أن نكون عرضة للنزعة الأكاديمية فى بعض الأحوال، أو للنزعة التجارية فى الحالات الشائعة ، إذ ليس هناك قانون لإختراع القصة، وليست هناك قاعدة لكتابة النص، من بين كل اللحظات الإبداعية فى العملية الجمالية، هناك لحظة أكثر إبداعية وهى تلك التى يبدأ فيها التخطيط التأسيسى .
كان أحد الشعراء يقول " أن الله يهب البيت الأول" والقصة هى ذلك البيت الشعرى الأول بالنسبة للروائى أو المؤلف، فالقصة، هى الفعل والشخصية والديكور والزمن والمعانى الجمالية والدلالية التى هى مجموع تلك العناصر .
إن القول بعدم وجود قاعدة أو قانون لإبداع القصة، فإن هذا يعنى بكل بساطة أننا نصرح ونؤكد بأن كل قصة هى فريدة من نوعها، والقول بأننا لا نستطيع تعليم خلق القصة فهذا يعنى بكل بساطة أننا نستخلص الفهم حول كون " السينما فن " .
وإذا كان السينما فنا، وكل فيلم فريد من نوعه، فإننا لا يمكننا الزعم بقدرتنا على تعليم خلق فريد، فالفريد غير قابل للتعليم، لأنه لا يمكن أن يتكرر.
إن المرء يتعلم كتابة رسالة علمية، لكنه لا يتعلم كتابة رسالة غرامية، وبالمقابل فإن الفريد هو معلم لنا ومن هنا ينبغى دراسته وليس نقله حرفيا، ومن ثم فإن تعليم السيناريو ليس وصفة لصناعة منتج ما، ولأنه لا توجد وصفة أصلا لخلق عمل ما فلن يكون تعليم السيناريو سوى أسئلة أساسية تتمحور حول ثلاثة أقطاب:
1- مقاربة الفن السينمائى من وجهة نظر الكتابة السينمائية
2- حتمية وجود منهج لقراءة الأعمال السينمائية العظيمة
3- البحث فى تقنية الكتابة السينمائية، أى كتابة تستخدم دوالا سردية لتمنحها شكلا يتجه نحو السينمائية
إننا عند التحدث عن نظرية السيناريو فلابد أن نقدم مقولة أرسطو (قبل كل شىء.. نحن إزاء تمثيل أفعال لبشر يفعلون ، فعل، فعل، فعل
هناك طريقتان للإقتراب من السيناريو، الطريقة الأولى أن تكون لديك فكرة ومن ثم تقوم بخلق شخصياتك بحيث تتلائم مع تلك الفكرة، والطريقة الأخرى هى أن تقوم بخلق الشخصية ومن داخل هذه الشخصية ستنشأ حاجة وحدث درامى وقصة.
إن خلق الشخصية هى سلسلة من العمليات المتعاقبة، ولكى نتمكن من صنعها وإنجازها بإتقان فإننا معرضين لأن نتعثر على نحو مربك كرجل أعمى يسير فى وسط الضباب ، إبدأ بالأسئلة، إن الشخصية هى الأساس الجوهرى للسيناريو الخاص بنا، إنها القلب والروح والجهاز العصبى لأى قصة.
قبل أن تبدأ بكتابة كلمة واحدة فى السيناريو تعرف على شخصيتك جيدا وحدد من هى الشخصية الرئيسية فى عملك، حتى إذا كانت قصتك تدور حول ثلاثة شبان مثلا يشتركون فى جريمة، حدد جيدا من هى شخصيتك الرئيسية، اختر واحدا منهم لتكون الشخصية الرئيسية،
هناك عدة طرق للوصول لخلق الشخصية وكلها صالحة ولكن علينا أن نختار أفضل الطرق، كون ورسخ الشخصية الرئيسية لعملك بعدها قم بفصل مكونات الشخصية إلى صنفين( داخلية، وخارجية) .. الحياة الداخلية تبدأ منذ الميلاد وحتى لحظة البدء بالفيلم وهذه هى العملية التى تكون الشخصية،
أما الحياة الخارجية فتبدأ منذ لحظة بدء عرض الفيلم وحتى الوصول للنهاية، وهى العملية التى تكشف الشخصية، وما السينما إلا وسيلة بصرية عليك أن تجد الوسائل الكفيلة بكشف صراعات الشخصية بصريا، ولكن كيف ستكشف لنا مالا تعرفه أنت، لذا.. إعرف شخصيتك جيدا،
علينا أن نخلق أناسا لهم علاقة مع أناس آخرين وأشياء أخرى ويتفاعلون ويتصارعون بطرق شتى أهمها ،
- يخوضون صراعا لتحقيق حاجتهم الدرامية الدرامية ( مال- نفوذ – حب – عواطف - ) وكيف سيحصلون على ما يريدون
- عليهم أن يتفاعلوا مع شخصيات أخرى، إما بطريقة عدائية أو ودية أو بطرق مختلفة، فالدراما هى الصراع،
يرى المخرج الفرنسى الشهير( جان رينوار ) أن تقديم صورة " ابن عاهرة " أكثر تأثيرا من الناحية الدرامية من تقديم صورة شخص عادى طيب وهو أمر جدير بالتفكير
- على الشخصيات أن تتفاعل مع نفسها أيضا ( تتغلب على مخاوفها) ، ( الصراع النفسى )،
جزىء حياة شخصياتك لثلاثة مكونات ( مهنية، اجتماعية، وخاصة أو ذاتية )، ولعل أصدق بعد فى هذه الأبعاد هى الخاصة أو الذاتية والتى تخلع فيها الشخصية كل الأقنعة وتكشف عن نفسها تماما للمتفرج بجلاء وقتما تختلى بنفسها تماما.
إهتم بمظهر الشخصية الخارجى ( البعد المادى) ( نحن نروى قصة بالصور، تذكر) ، السمات الجسدية المميزة هامة تماما كأفعال الشخصية وخصالها، ثم أطلق حوارها، حوارك لابد أن ينساب بيسر مع سير الأحداث، جميعنا يخشى الحوار، نخشى أن يخرج سمجا طنانا، ومن المحتمل أن يكون هكذا، وماذا فى ذلك، إن كتابة الحوار هى عملية تعود وتعلم ، وستصبح سهلة كلما مارسناها أكثر، لا بأس إذا ماكانت الستون صفحة الأولى من مسودة عملك مليئة بالحوارات السمجة ، لأن الستين صفحة الأخيرة ستكون ناعمة ورقيقة وتؤدى الوظيفة المطلوبة ثم نعود للستين الأولى ونعيد فيها النظر ليصبح الحوار كله سلسا مقبولا.
عندما تكون مستغرقا فى عملية الكتابة ستجد أنها ستأخذك إلى مكان يصل ل عشرين أو خمسين صفحة قبل أن تبدأ شخصياتك بالتعرف إليك وابلاغك ما تريد أن تفعله وأن تقوله، وبمجرد أن تتصل جيدا بشخوصك وكونت علاقة وطيدة معهم ستكون لهم الغلبة، لا بأس، دعهم يفعلون ما يشاؤون وثق بمقدرتك على ممارسة الخيار والتوجيه لشخصياتك على الورق، وقد تقوم شخصياتك فى بعض الأحيان بتغيير خط القصة دون أن تدرى ماذا تفعل، هل تتركهم يفعلون ذلك؟ نعم، دعهم يفعلون ذلك، لا تضيع أياما فى الظن أنك ارتكبت خطأ حيالهم ليشقوا طريقهم بعيدا عنك، الإبداع لابد أن يأخذ شكلا عفويا فى بعض الأحيان، بكل بساطة أعد كتابة ذلك الجزء وفق التغييرات التى ألحت الشخصية عليك لتفعلها لأنها ببساطة نضجت وصارت حرة،
الكتابة دوما مغامرة وعندما تسر لك الشخصية بما تريد أن تفعله حقيقة، وليس ما تريده أنت طوال الوقت، ثق بها فأنت قد خلقتها جيدا وصارت حقيقية وهذا ما نصبو إليه جميعنا فى الكتابة.
أما الديكورات فهى ذلك الفضاء الذى نؤسسه للأحداث وتؤسسه الشخصيات تبعا لتاريخها وتركيباتها النفسية، إن السينما تنتمى بالأساس إلى فنون الزمن، لكنها حليفة لفنون الفضاء عن طريق الصورة نحو الرسم، وعن طريق بناء فضاء معين نحو البناء المعمارى .
والسينما ليست ممكنة إلا إذا استخدمت مادة الرسم والضوء ومجمل الفضاء الطبيعى أو الهندسى أو المعمارى، والعكس حقيقة غير صحيح، فالنحت والرسم والهندسة المعمارية لا تستخدم أى شىء من مواد السينما لكى تبنى نفسها ولكننا نستطيع القول أن السينما تتضمن فنون الفضاء كلها فيما إنها ليست متضمنة فى أى من تلك الفنون، ومن ثم أى خصائص جمالية تتمتع بها السينما ليس مرد ذلك أنها فن للفضاء، بل لأنها شىء آخر تعمل على مادة أخرى غير الفضاء.
إن هناك عدة أشكال لتصنيف الديكورات وأكثرها شيوعا فى السينما تلك التى نميزها بالداخل والخارج، إن كاتب السيناريو عليه أن يسأل نفسه وهو يكتب فيلمه لأسباب تقنية وعاطفية هامة ، هل نفضل المشاهد الخارجية أم الداخلية؟ ولماذا؟ وماهو هذا الخارج، مدينة أم ريف أم ماذا؟.. وما الأصوات التى ينبغى أن تصاحب هذا كله؟
إن الديكورات تقتضى وجود ملحقات أيضا ( الإكسسوارات) فى مشاهد الداخل، الملحقات هى الأغراض ( الأثاث، وكل مايتعلق بتنظيم الفضاء الداخلى وبتزيينه وبوظيفته وبالشخصيات أيضا) وما يتعلق بالصور الخارجية ينبغى أن نتمرن على دقة النظر نفسها فيما يخص المدينة وكل عناصر المدنية وما يجرى فيها، والريف وعناصر المنظر الثقافى والطبيعى به،
وحينما تتأمل الصور والأصوات التى تشغل الديكورات ينبغى التوصل إلى استخلاص روحها العامة والوسط والجو، ولا يوجد قانون يساعد الكاتب على الإنتقال من الديكور إلى دلالته، فكل مدرسة فنية تختار ديكوراتها وتجتهد فى جعلها دالة بشكل دقيق متمثلة فى كافة عناصر الديكور والفضاءات الأساسية الأربعة ( أماكن العمل، الأماكن الخاصة، أماكن النقل والمواصلات وأماكن العبور( الموانىء والأرصفة والعتبات..) والأماكن العامة، ثم السلم أو الدرج والذى يعتبر المستوى المائل الوحيد فى البناء الداخلى ويستخدمه صناع الأفلام فى التلويح بدلالات عديدة وأشهر مشاهد السلم فى تاريخ السينما هو مشهد ( مذبحة الأوديسا) فى فيلم المدرعة بتومكين للمخرج والمنظر الروسى العظيم أيزنشتين بدلالاته المبهرة، وجليا أن نذكر أيضا ذلك التقسيم للأماكن التى تخضع للسلطة، لسلطة ما،
- مكان عندى، وهو المكان الذى أمارس فيه سلطتى فيصبح حميما وأليفا.
- مكان عند الآخرين، وهو يشبه المكان الأول ولكنه يخضع لسلطة الغير.
- الأماكن العامة، وهى أماكن ملكا لأحد، ولكنها ملك السلطة العامة النابعة من الجماعة والتى يمثلها الشرطى المتحكم.
- المكان اللامتناهى، هذا المكان عادة ما يكون خاليا من الناس، فهو الأرض التى لا تخضع لأحد، البحار، الصحراء، المحيطات، الجبال الشوامخ، وهى بعيدة بحيث يصعب على أى سلطة امتلاكها، ولأنها بعيدة عن المؤسسات فهى ذات دلالة خاصة تستدعى المغامرة والإنطلاق والإكتشاف والإفلات من سطوة السلطة، إنها نموذج لمعادلة المكان والحرية.
الزمن: والذى هو أحد ألغاز الكون السرمدية، وهوأيضا أحد الأشكال السيناريوية الكبرى التى تكون ( الصورة والصوت) إذ أن واقع الأمر أن هذه الأماكن تقع بالضرورة دائما فى زمن معين أو أزمان محددة بمعنى أنها تقع فى ضوء ما،
إن الزمن الفيلمى ينقسم إلى جزأين هامين ( الليل والنهار)
فى الليل، قلما تكون الحواجز الإجتماعية مرئية، لأن عالم العمل يكف عندها عن عرض تدرجاته، ويكون الفرد أقل خضوعا للمجاملات، وفى الليل تخف وطأة المسؤولية، ربما لأن الواقع الأقل وضوحا يستحث الخيال ويقل ضغطه عليه، لكن الليل ينطوى أيضا على الفرد الخاضع لقدره، إنه درجة من درجات السجن تستولى على العالم وتنتفتح القبور، وما هو موجود فى الأسفل، الليل يفصل الناس عن بعضهم بعضا.
وعكسه النهار تماما، فإنه ينتمى لوضوح الأشياء وموضوعية الواقع والحياة، ولكننا ينبغى أن نلازم الحذر حتى لا نقع فى النمطية، علينا أن نمعن التفكير قبل تقرير ساعة المنظروتعيين التاريخ ليس من باب الإهتمام بالقصة المسرودة فقط ولكن إلى قيمة الضوء العاطفية والرمزية، علينا ألا نهتم فقط بالساعة والليل والنهار، وإنما بالمواسم والفصول أيضا ، علينا أن نحدد فى أى فصل تدور الأحداث، شتاء أم صيف، خريف أم ربيع، ولعلنا نذكر كيف جاء المصرفى ليقتلع (تشارلز فوستر) من بين ذراعى والدته فى عز الشتاء وفى يوم بارد مثلج فى فيلم ( المواطن كين ) للمخرج أورسن ويلز
إن منجزات فنون الفضاء نراها موجودة حاضرة أمام الناظر صامتة خرساء مكشوفة كلها فى شمولية أشكالها ولها دائما شكل خارجى ما، أما بالنسبة لمنجزات فنون الزمن فالأمر معاكس تماما، إذ أن هذه الأعمال تبدو غائبة ولا تشغل أى فضاء وغير حاضرة دائما، بيد أن المعانى بها لا تنكشف إلا من خلال الزمن، وهى غير صامتة ولا خرساء، بل مسموعة وناطقة ولا يسهل إدراكها ماديا ولكن المتلقى يجد نفسه منقادا إلى بنائها بشكل داخلى عن طريق عمل الذاكرة عبر أنواع الزمن الداخلية والخارجية والنفسية للفيلم مثلا،
إن محاولة القبض على الزمن وفنونه يطرح مشكلة باستمرار، والأصل المشترك لكل فنون الزمن نجده حصرا فى الصوت باستثناء التأليف الموسيقى الذى له أصل أكثر فيزيائية مرتبط بأصل النحت، فى الصوت إذا، وفى قدرته المضاعفة على تشكيل الكلمات والصور مثلما تشكل النغمات.
أما الحوار، فيرى أغلب منظرى السينما الكبار، أن الحوارات ينبغى أن توضع قبل فترات الصمت والتشكيل السكونى تماما، وأن هذا يدل على أنه يجب اعتبار الكلام فى السينما على أساس الصمت، وأن نحذر من السينما التى تكثر من الكلام، فالسينما الثرثارة ليست بالضرورة هى السينما التى تتكلم كثيرا، فشخصيات (برجمان) تتكلم كثيرا، ببساطة لأنها لديها الكثير لتقوله، لكن السينما الثرثارة هى تلك التى تستخدم الحوارات لأنها عاجزة عن إفهام نفسها بطريقة أخرى، بيد أن الحوار يساهم بالقطع فى رسم الشخصيات ويكمل المنقوص فى سلوك الشخصية المتجسد بصريا ويزاوج بين الشخصيات والحبكة( تنظيم بناء الحكاية) ، لإظهار الدوافع العاطفية لدى الشخصيات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فضلا عن فائدته البالغة كأداة انتقال بين المشاهد واختصار زمن القصة فى بعض الأحيان، وتعميق التوتر أو تخفيفه حسب درجة سخونة الحدث أو الصراع داخل المشهد،
إن المراوحة بين الكشف والتلويح بالحقائق أمر هام جدا، والحوار السىء يفقد الشخصية مصداقيتها والذى إن حدث فقد تداعت بلا شك كافة عناصر السرد الأخرى.
وبعد.. الحق أن كل ماسبق تناوله لا يمكن اعتباره سوى مقدمة وعتبة للدخول بقوة فى عوالم السرد السينمائى ، التى تحفل بعناصر كبرى موغلة فى العمق ومحملة بتفاصيل دقيقة حول كيفية سرد قصة سينمائية مهمة، فيما بين التقنى والفنى والجمالى والمعرفى، مابين مخططات نمطية وأخرى جامحة وغير نمطية على الإطلاق ، ويمكننا تغطيته فى كتابات وشروحات أخرى قادمة، بيد أن أثمن نصحية يمكن أن نقدمها الآن فى تتمة هذا العرض الأولى لكتاب السيناريو الواعدين فى هذا العصر المتخم بكل فنون الرؤية والإستماع، تذكر ماعند المشاهد الذى سيتلقى فيلمك، فالمتفرج فى حضارتنا الراهنة يمتاز بقدرة انسانية بحكم خبراته التى باتت معقدة على الإدراك وعلى المعرفة الواعية مهما كانت درجة تعليمه وثقافته، و يأتى إلى الفيلم وهو مسلح ومستعد لهذه المهمة تماما وهدفه الأساسى قبل أى تعقيدات جمالية وفنية وفلسفية هو الرغبة الشديدة فى مشاهدة قصة صادقة ومفهومة، وهو ما يجب أن نسعى ، إليه من تلك العملية المعقدة الشائكة .. كيف نحكى حكاية جيدة ، قررنا أن نحكيها بالسينما.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات