الأرشيف الفوتوغرافي للأدباء والفنانين (3)

إيمان علي 05 يناير 2019 كمال الشيخ الهارب من ظلة

الكاتب : إيمان علي
نعمان عاشور.. نبّي المسرح جامع المتناقضات قبل ثورة يوليو بعامين، كان نعمان عاشور (الشاب) يسكن مع عائلته بيتا متواضعا في شارع عبد المنعم بالجيزة.. لا تمرُّ أحداثٌ كثيرة أو أوقاتٌ طويلة حتى ترتبط حواسُّه - كما هو معتاد - بالمكان. ستُعيده مدينة الجيزة بحركتها التجارية النشطة بوصفها عاصمة لمحافظة إقليمية؛ إلى ذكرياته في مدينة المنشأ (ميت غمر).. حيث الفلاحون القادمون من القرى يختلطون بأهل المدينة الحضريين، فبدا له المشهدُ مألوفا. هذه الحركة الدائرة للنسيج المجتمعي على سبيل المثال هي ما ألهمت خياله في "المغماطيس".


الأرشيف الفوتوغرافي لأبي المسرح المصري المعاصر ليس مجرد صور من أفلام نيجاتيف، هي لقطات حيّة ونابضة لعشقٍ أبديّ.. لارتباطٍ بالمجلات المصوّرة وقصّ صور الممثلين على خشبات المسرح. صورٌ ذهنية وواقعية للبقّال ومحلّ البقالة، لعطوة أفندي كاتب الحسابات، والسنّي خادم البقالة، إلى شخصية (فرحانة) بائعة الخضار في السوق التي ألهمته شخصية الخاطبة بائعة السمن في المسرحية. كان مسرح نعمان عاشور باختصار صورةٌ نابضة من كل هذه الصور وغيرها.. منظورٌ عميق لقطاع غائرٍ متّسع من المجتمع ومظاهره وصفاته وكل ما يمكن أن يُشكّل القوام الرئيسي للبيئة المصرية. كل هذا معجونٌ بخلاصة التجارب، وعُصارة النشاط السياسي الذي انغمس فيه حتى أذنيه، قبل أن يعود إلى الكتابة والدور الثقافي ناذرا بقيّة حياته وذهنه وفكره للكتابة المسرحية.
من ميت غمر محافظة الدقهلية.. جمع محاسن التحضّر المدني والأصالة الريفية. ما انتقل هذا إلى كتاباته عن "ناس" مصر. في الصور لا تُخطيء عين هيئته الفارعة بكتفَيه العريضتين.
للصور والمجلات المصوّرة، وللمكان تأثيراتها الممتدّة في جذور طفولة نعمان عاشور. ببساطة كانت مسرحياته المُعادل المكتوب للصورة والمشهد، وتأثّره ومعايشته للمكان. صحيح أنه كما قال "حينما أكتب أبدأ بالشخصيات"، وأن "الشخصيات تقودني إلى الفكرة"؛ لكنه كان يُولّي تفاصيل المكان عناية كاملة، نقرأ في مذكّراته التي نشرها في كتاب "المسرح حياتي" أنه وقت الغروب؛ يُعطي ظهره للشمس، ويُراقب تأثير الضوء على البيوت في أقطار مصر التي يزورها.
مسرحيّاته وثيقة عن التاريخ الاجتماعي السياسي لمصر في ذلك الوقت. فهو نتاج فترة الأربعينيات، فترة التكوين، كان سابقا لزملائه فكريا، وخطفته السياسة مُبكّرا قبل أن تأخذه ندّاهة المسرح.
الواقعية والقَدَرية والشاعرية.. أوجه متناغمة في تصوّراته عن الحياة وما نقله منها إلى المسرح المعاصر. كيف مزج هذه التناقضات في نسيج واحد لم يبن منه أي نشاذ؟!
كان لجذور والده التي سيطرت عليها التأثيرات الدينية، وبيت العائلة الذي كان بمثابة "مشيَخة" عظيم الأثر في انتباهه المبكّر لحسن القراءة والمطالعة والتثقيف، جرّاء المكتبة الضخمة التي امتلكها أبوه من إرث العائلة قبل أن يضطّر والده إلى بيعها. ثم فرقة علي الكسّار التي لازمت العائلة واستضافها الأبّ في البيت الكبير.
الابنة هالة تحكي:
أمي كانت تُغلق عليه باب المكتب أثناء مُباشرته للكتابة، تمنعنا من الدخول إليه خوفا من إزعاجه. كان يبدأ يومه في الثانية عشر ظهرا، وقبلها طوال الليل كان يجلس لسماع إذاعة لندن ومتابعة أخبار السياسة.
أتذكّر من طقوسه في الكتابة أنه كان يتحدّث بصوت عالٍ وهو يكتب. أقصد يقرأ ما يكتبه بصوت عالٍ. كان يتكلّم بأصوات الشخصيّات التي يكتبها، حتى أن المُربّية التي كانت تساعد أمي في شئون البيت تصوّرت أنه مجنون، يُحدّث نفسه.
كل ما في الأمر أن بابا كان يتقمّص الشخصية ويُعايش الحوار وهو في طور التأليف. كانت فترة الكتابة اليومية عنده تنتهي عند الساعة الثالثة. كل ما كان يكتبه كان يعرضه على أمي. كان يكتب عن الناس "اللي هوّه منهم". "عيلة الدوغري" هذه هي عائلته بالفعل. كان يكتب عما يعيشه في الواقع.. عن الطبقة الوسطى، في مسرحية "وابور الطحين" مثلا.
في مذكراته، أو سيرته، يحكي نعمان عاشور عن زوجته؛ خطيبته وقتها، وكيف كانت أوّل من شجّعه على التقدّم بنصّ "المغماطيس" إلى المسرح. كان ذلك عام 1954. كان وقتها عاشور يعمل سكرتيرا صحفيا لوزير الشئون الاجتماعية، يكتب: "الطريف أن أول وأهم شيء أعنى به في أوّل تعرّفي على زوجتي وفي باكورة لقاءاتنا أيام الخطوبة، أن أقرأ عليها نص مسرحية المغماطيس، وأدهشني حماسها وشغفها الكبير بالأدب والفن وتذوّق المسرح، على الرغم من تخصصها العلمي الدقيق كدكتورة في علم الوراثة النباتية، لكنها تعيش بأحاسيس ومشاعر الفنان".
مسرحيات نعمان عاشور وكتاباته؛ تأريخ للمجتمع في المراحل السياسية المهمة والمتعاقبة: 67، و73، وقبلهما في 52. لكن جيل نعمان عاشور هو جيل 48 وليس 52.. الأربعينيات التي كانت فيها "مصر بتِغلي".. هو جيل الكفاح داخل زخم سياسي وثقافي. جيل اشتغل على نفسه وتشكّل بالندوات الثقافية والحراك النضالي غير المسبوق.
في كتاب السيرة الذاتية "المسرح حياتي" كتب عن سنة 46 التي حُبس في أعقباها؛ أنها "ثورة مُكتملة الأركان لم تكتمل". بعد 1946 عام "الثورة الوئيدة" كما أسماها؛ ترك النضال السياسي العلنيّ والسريّ وارتمى بكل ثقله في الحياة الثقافية.
تواصل ابنته الحديث: وُلد في ميت غمر، تزوّج في الجيزة، بعد 68 سافرنا عامين إلى الكويت وعدنا وسكنّا في مدينة نصر ثم استقرّت الأسرة نهائيا في المعادي.
كان حريصا على جمع مقالاته. في "صور وأقاصيص" نقرأ انبهاره بالجبرتي. أوّل وآخر ما قرأ نعمان عاشور كان للجبرتي. كان مبهورا بالشخصيات النضالية، الشخصيات التي أثّرت في تاريخ مصر، وكتب مسرحياته عنهم: رفاعة الطهطاوي، الشيخ المنسي، الحملة الفرنسية.. إلخ.
دراسته للأدب الإنجليزي دَفعته وساعدته على المزج الثقافي بين العالميْن. كان نعمان عاشور مُولع بالتاريخ الاجتماعي، وعنده يبدأ التأريخ للمسرح العربي المعاصر.
كتب نعمان عاشور نصا مسرحيا عربيا خالصا للمسرح العربي والمصري، من دون تعريب كما كان العادة قبله. رغم أنه بدأ قاصّا، لكن اتّجه بقوة للكتابة المسرحية.
في البداية؛ كان خائفا من الاندفاع إلى المسرح. بدأه بـ"المغماطيس"، وعُرضت في الأوبرا القديمة. تعرّف عاشور عبر المسرح الحرّ على الممثلين الذين سيقومون فيما بعد بتمثيل كل أدوار شخصياته. منهم ممثّله الأثير الذي يَعشقه: توفيق الدقن، وقطعا سعد أردش.
"مجنون مسرح"، حافظ شكسبير كلّه. كان يعرف أنه سيعشق المسرح إلى هذا الحدّ، ويكتب له. يعود الإلهام الأوّل إلى أستاذ الدراما في كلية الآداب، الاسكتلندي مستر هاورث، الذي دبّ في قلبه العشق للمسرح. رغم بداياته أيضا في المسلسلات الإذاعية.
صورة الأب والأم:
بعد وفاة الأبّ، غطّت الأم كل فراغعاطفي في حياة نعمان عاشور، يكتب عنها في مذكراته: "كانت أمي جزءا مني". ورث عاشور من والدته كل صفاته تقريبا: "الإنسان الخيالي غير العملي التلقائي شبه الفوضوي".
اقتبس نعمان عاشور أغلب أقول وعبارات أمّه في حوارات بطلاته، بل أحيانا رسم جوانب من شخصيتها في الشخصيات النسائية في مسرحياته. ست سكينة في "الناس اللي فوق" لمّاحة وذكيّة كوالدة نعمان، حتى أنها همست في أذنه وهي تُشاهد العرض: "مش هية دي أنا يا ابني".
وماذا عن الأب؟ اعتاد والد نعمان عاشور الذهاب إلى القاهره. كان يصطحب نعمان ويحضرا مسرحيات علي الكسّار، والريحاني. وبعد عودتهما، كان نعمان الطفل ثم الشاب، يُحضر ستارة كأنها ستارة المسرح، أو الملاءات، ويقوم بتمثيل الأدوار التي شاهدها فوق سطح المنزل. وفي المدرسة كذلك؛ كان مدرّس الفصل يُتيح فقرة لنعمان حتى يؤدي ما شاهده على المسرح أمام زملاءه في الفصل. هذه بدايات انبهار نعمان عاشور بالمسرح.
والده كان من أغنياء الدلتا، وكان يستضيف في منزله الفرق المسرحية، فرقة علي الكسّار بالتحديد، ثم فرق السيرك، كان يستضيف السيرك في ساحة كبيرة من بيت العائلة.
هذه الخلفية تفسّر ولعه بالبلياتشو في السيرك، وبشخصية البلياتشو في أعماله والأفكار التي تُلهمه.
في "سيما أونطة" و"بلاد برّه" كتب عن شخصيات أثيرة التقطتها عيناه منذ صغره. ثم هناك صورة المرأة في كتابات نعمان عاشور.
المرأة عند نعمان عاشور:
الذي لم ينتبه إليه كثيرون؛ الشخصيات النسائية عند نعمان عاشور. "قادرة ليست ضعيفة.. متحكّمة ليست مكسورة الجناح" كما تصف هالة نعمان عاشور. ربما لأن عاشور نفسه لم تكسره الهزائم المتتالية، كانت أعماله بمثابة التبشير دوما بالأمل والغدّ.
كان جيل نعمان عاشور جيلا محظوظا أيضا. منذ الطفولة مُحاطٌ بالمسرح، انبهار تام. وفي السينما، تحوّلت "الناس اللي تحت" و"برج المدابغ" إلى أفلام. لكنه ظلّ على تبشيره بأن القادم هو الدراما التليفزيونية. وكانت بمثابة نبوءة.
قبل هذا، كان لا يكلّ من المحاولات.. أسّس مجلة "كروان" في جراج بيت، مع صلاح جاهين واللبّاد. وكروان شخصية طفل مصري من الحارة المصرية. ظلّت المجلة تصدر لمدة عام حتى أغلقها عبد الناصر. قال وقتها جملته الشهيرة: "بيعلّموا العيال الشيوعية".
منذ وقت مُبكّر، كان لعاشور إصرار على إحداث تغيير وريادة ما في مجال الكتابة والحياة الثقافية في مصر الستينيات. يكتب في مذكّراته عن "الاندفاعية الثورية الأصيلة" التي عاودت تبلورها مع هذه الحقبة من تاريخ مصر. أوائل الستينيات حيث الأيدلوجية الاجتماعية للنظام الناصري، ومن ثم مواكبة "التعبير الدرامي" للحياة الثورية الجديدة. ظلّ نعمان عاشور على نضاله الثقافي والفنّي، حتى على الرغم من ملاحقات أصوات الردّة والتخلّف وترصّدها للحركة المسرحية.
تمرين طويل على الحوار:
كان يُقرأ المسرحيات التي تنشرها مجلة "السياسة الأسبوعية"، ويقوم بتلخيصها إلى زملاء الفصل.. "وهكذا تكوّن لديّ الولع والشغف بكتابة الحوار، ولم يكن شيئا جديدا عليّ". هذا الافتتان المبكّر بالقراءة وتلخيص الحوارات الطويلة، كان الدافع الممهّد إلى بدايات الكتابة، أو التأليف.
بدأ بالشعر. ثم نمت رويدا رويدا وبنَفَسٍ جارف ونهم؛ الكتابة للمسرح.
قدّم نعمان عاشور فكاهة كوميدية وتحليلات طبقية للمشاكل الاجتماعية في مسرحياته، كوميديا هادفة كما رآها أستاذه مندور. وكان نضاله الثقافي بعد ذلك قائم على مواجهة أي محاربة وجّهت للفكر والفن الذي يحمل بذور واعية تدعو إلى التقدّم.
من شدّة الاتجاه الاجتماعي الواقعي في أعماله، ظلّت مسرحية مثل "الناس اللي تحت" ثٌقدّمها فرق الهواة في الجامعات والنقابات العمالية. كان عاشور يبتغي المعالجة الجدلية الواقعية والموضوعية للواقع وتغييراته المتلاحقة.


سيما أونطة ومهيّئات الأونطة:
يعترف عاشور بأنه في مسرحية "سيما أونطة" حدا بنهجه الاجتماعي في كتاباته المسرحية، وناقش قضية نخبوية ولكنها في صميم اهتمامه وهمّه بالنهوض بالفنون للتعبير عن واقع مجتمعها، وليس "المتاجرة بالثقافة" كما كتب في سيرة حياته. على إثر "سيما أونطة" توقّف العرض وفُصل كاتبها من وظائفه الحكومية، وكان وقتها رئيس المكتب الفني في وزارة الثقافة، كل هذا تحت شعار حماية الثورة ومقاومة النشاط الهدّام!
كان ألم نعمان عاشور من هذه الواقعة شديد، لأنه اعتبر نفسه "خادم المسرح" الذي طوّر نصّا مسرحيا مرتبطا بالواقع ومعبّرا عن آلام الناس وآمالهم ومشكّلا لرؤية اجتماعية مستقبلية.
صعد مع زمالة فتحي رضوان ولطفي الخولي وحتى توفيق الحكيم الذي توجّه للمسرح بمسرحية "الصفقة" أواخر الخمسينيات.
هكذا كان إيمان نعمان عاشور بما يفعله، وبأن "المسرح هو التعبير الحتمي الذي تحتاجه حياتنا الاجتماعية".. المسرح الذي يصفه كثيرا بـلفظة "التعبير الدرامي".
بعد الأربعينيات وعنفوانها، وما تلا ثورة يوليو من إحباطات وخيبات أمل وتصعيد في الرقابة وتضييق الخناق، زاد إيمان صاحب "عيلة الدوغري" بأن المسرح أصبح من ضرورات الثورة وليس مجرد تعبير فنّي.
لكن ماذا كانت محنة السينما من وجهة نظر نبيّ المسرح المعاصر؟
هو كان يرى أن لا سبيل لإنقاذ السينما من أيدي صُنّاعها و"تجّار الثقافة" إلا بالتأميم.
كتب عن هذه الأزمة التي وقف بسببها العرض: "من يومها أصبحتُ في نظر السادة السينمائيين عدوّهم رقم واحد.. الشيء الذي أفادني من سيما أونطة هو معاودة التفكير في قضية الموضوع الواجب عرضه على المسرح.. إن السينما التي كتبتُ عنها لم تكن مهنة بل لم تكن مجرد صناعة.. بل إنها عملية استغلالية بحتة لجهاز لو أحسن توجيهه لكان من أكبر الأجهزة أثرا على الحياة العامة التي تنشد إصلاحها".
يستشهد عاشور بكلمات بديع خيري بعدما شاهد "سيما أونطة" على مسرح الأزبكية: "أنت عملت حاجة ما قدرناش نعملها أنا وسي نجيب.. هو ده اللي كنا بندوّر عليه في مسرحياتنا ومش قادرين نوصل له.. إزاي نطلع الناس زي ما هما ع المسرح وبعد ما نخرج منه نشوفهم ماشيين معانا في نفس الشارع".
تكشف مسرحية سيما أونطة أساليب عمل واحتكار ونفعية رجال السينما في العمل. كانت المسرحية تزداد نجاحا كلما اشتدت الحملة، ودرّت على المسرح القومي ربحا صافيا بعد الخمسة عروض الأولى.
سيتعدّى نعمان هذه الأزمة سريعا، وسرعان ما يعود لكتاباته في الجمهورية. ولا يتوقف جموحه المسرحي، وتتوالى أعماله.
وجه الرقيب:
جانب من الصورة هو وجه الرقيب في نعمان عاشور.
زامل نعمان عاشور نجيب سرور في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية. ويحكي عن سرور أنه كان من "أكثر الرقباء تشدّدا". رفض سرور إجازة عمل مسرحي لأبو السعود الإبياري لأسباب فنية كما أبدى. كانت المسرحية التي سيمثّل فيها إسماعيل يسن منقولة كما هي العادة من مسرحية أجنبية لمجنون يهرب من مستشفى المجاذيب، وبسبب الإغراق في الاقتباس أُفرغ النص من أي خيط درامي وهو سبب اعتراض نجيب سرور.
نعرف من سرد نعمان عاشور للحكاية أنه اقترح على الإبياري كتابة خاتمة للمسرحية بإمكانها تبرير تصرفات المجنون السابقة وتضع لها نهاية عادلة، بأن يتم القبض عليه ويودع مرة ثانية إلى المستشفى.
موقف غريب ومثير للسخرية، وعاشور نفسه ذكر ذلك في سيرته؛ حينما كتب: "وضع شاذ كنتُ فيه وأنا أعمل في الرقابة".
أصداء السيرة:
توفيق صالح كان يعتبر مسرحياته "دراسات اجتماعية". ومندور شدّته "روحه الشعبية" و"شخصيات ولاد البلد" التي يستقدمها من الحارات.. محمد شلضم وإبراهيم الدسوقي.
أمّا هو فكان من رأيه أن "الناس اللي فوق" أعلى من "الناس اللي تحت"، رغم أراء الجميع المخالفة لذلك.
في حين وصفه أحمد عباس صالح بـ"التلميذ المخلص لتشيكوف". بسبب الاعتماد على الموهبة التلقائية.
فيما رأى معاصروه أنه استمد حماسه وإخلاصه للمسرح من نظرة برنارد شو، بأن المسرح أقوى منبر يُعبّر من خلاله الكاتب عن نظرته ورؤاه السياسية والاجتماعية والحضارية والإنسانية.
كان عاشور يعني منذ البدايات بعميق تأثير كيانه الثقافي عليه، وقوامه التأمّل، والتأمّل هو ما زوّده بالروح النضالية. كان يحّب لنفسه وصف يحمل ضدّين: "رجل الحركة المتأمّل الراكد".
كان يرى في نفسه مزيج المتناقشات تلك، بحيث أن ثقافته الرفيعة مكّنته من الالتصاق أكثر برجل الشارع وابن الحارة. الكاتب الذي لا يستكين ويجوب مكاتب الوظيفة الحكومية، وفي الوقت ذاته؛ ذلك الساكن خلف مكتبه وأوراقه.. يُحدّث شخصياته ويتحدّث بها، ولا يقف إلهامه في الحياة عند حدّ.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات