"رمسيس مرزوق" يكتب عن "يوسف شاهين"

امير رمسيس 01 يونيو 2018 يوسف شاهين "عدد تذكاري"

الكاتب : امير رمسيس
كان يفهم كل صغيرةٍ وكبيرةٍ فى فيلمه ولا يرضى بأقل من جنونه إبداعًا.. شهد العالم كله ليوسف شاهين ولأفلامه، وتم تكريمه فى أنحاء العالم من أمريكا لإنجلترا لفرنسا، وتكريمه فى مهرجان "كان" الذى يعد أكبر مهرجانٍ سينمائىٍ عالمىٍ.. إذن فإن شهادتى له لا تساوى شيئًا أمام تكريم العالم كله له.. ومهما قلت عن "يوسف شاهين" لن أوافيه ما يستحقه، ويشرفنى أننى عملت معه أفلامًا من أعظم ما قدمته السينما المصرية فقد صورت معه "المهاجر " و"إسكندرية كمان وكمان".


كانت الثقة بيننا قويةً جدًا لدرجة أنه كان يقول لى: "عاوز جنُّونة من جنوناتك"، فهو يفهم فى التصوير جيدا.. وأذكر أنه أثناء عملنا معًا كان يلازمنى فى أول عشرة أيامٍ من تصوير الفيلم ليرى ما أفعله ويحدد لى ما يريده ثم بعد ذلك لا يتدخل أبدًا بل يقول لى :أنا عاوز جنونة ،وحينما كنت أقول له : أنت بتصعبها على زيادة ،جنونة إيه ؟
يرد: إنت إعمل ما تريده المهم الجنونة.

وبعد الأسبوع الأول يتوقف تماما عن توجيهى فى أى مشهد فقد كنا ندرس السيناريو معًا قبل بداية التصوير، ونتناقش لأعرف التكوين الدرامى للمشاهد بحيث عندما أنور فى "الموود" لا أخرج منه ،وهو كان يرى أننى أعمل له الدراما التى يريد تحقيقها .
هذا هو "يوسف شاهين" العالمى الدقيق الذى يعرف كل صغيرةٍ وكبيرةٍ فى فيلمه، وأذكر أننا فى أحد الأفلام كنا نصور فى "المريديان" على النيل وأراد أن يصور الممر الذى يواجه النيل، وكانت كل الحجرات مشغولة ولا يمكن فتح أي منها لنخرج منه النور لأن الضيوف أجانب وإدارة الفندق لا تستطيع أن تدخل أحد إلى حجراتهم، فجلست أفكر فى طريقة فقال لى بهزار: مش عارف تنوره ،ورديت عليه :نوره إنت ،وجلست أتفرج وبعد دقيقتين جائتنى الفكرة إنما قلت انتظر ماذا سيفعل، استمر يحاول ثلاث ساعات يركب لمبات وأبولوهات ثم قال لى : أهو صور، فقلت له ضاحكا: ما هذا؟ هذا الشغل ينفع فى الثلاثينات عندك أنا لا أضع اسمى على هذا العك ،وضحك ونفذت فكرتى البسيطة وهى إنى غيرت لمبة السقف من 20 وات الى 150 وات، الحقيقة أنه كان يفهم فى التصوير والإضاءة وكل صغيرةٍ وكبيرةٍ فى الفيلم.
بدأنا نعمل سويًا عندما شاهد أعمالى فطلبنى للعمل معه ، وفى أحد الأفلام حدث خلافٌ بيننا فاستعان بمدير تصوير فرنسى بدلا منى لكنه تركه وعاد ليعمل معى فقد أرسل لى خالد يوسف ليقول لى :كلم الأستاذ واعتذر له فذهبت له ووجدته هو الذى يعتذر لى ،فقلت له: كل واحد له وجهة نظره وأنت كانت وجهة نظرك المصور الفرنسى فرد :لأ ده زفت.

فى أول جلسة لنا بعد قراءة السيناريو كنا نناقش وجهات نظرنا وأفهم منه ما يريده، وما يقصده ونتناقش لنصل لأحسن شكل ، فى فيلم المهاجر قدمنا معا شغل حلو ودراما وتاريخ وأفكار قديمة وفرعونى وغيره.
بشكل عام لا تسطيع تحديد stayle ليوسف شاهين فهو خليط من المحلية والعالمية، ومختلفٌ مثلًا عن صلاح أبو سيف صاحب الأسلوب المصرى الخالص والذى لا يتجه لأية اتجاهات عالمية.
وعندما يسألوننى عن من هو أحسن مخرج أجيب بأنه لا يوجد ما يسمى بأحسن مخرج، فالمخرج الجيد هو الذى يعرف فيلمه ويعرف كيفية استخراج الدراما التى يريدها منه، ولكل مخرج أسلوب مختلف عن الآخر يكون قويا فيه ،ويصل به إلى الناس وقلوبهم، لذلك لا تستطيع المقارنة بين يوسف شاهين وأى مخرج آخر من الصف الأول من المخرجين، أما الصف الثانى فتجد فيه من يقلد يوسف شاهين وأنا لم أعمل مع الصف الثانى، والذين عملت معهم من الصف الأول مختلفين فى أفكارهم وطرق تعبيرهم، فمثلا لو أعطينا أحد الأفلام ليوسف شاهين ولمخرجين آخرين كصلاح أبو سيف وكمال الشيخ ليخرجوه ستكون النتيجة مختلفة والطريقة مختلفة وربما يرفضه أحدهم لأنه لا ينتمى لأسلوبه فهم يحترمون أنفسهم وأساليبهم.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات