أحمد حسونة.. كتابة مخلصة عن ما بعد الحداثة

حسام الخولي 31 مارس 2023 جمعية نقاد السنيما المصريين

الكاتب : حسام الخولي
ثمة مدارك متعددة للتأويل النقدي، أو لكتابة النقد أساسًا، ليست من المنحى الأسلوبي وحده أو الشكل الظاهري العام، فقط، بشكلٍ شخصي أهتم بتأويلات تحليلات الخطاب السينمائي الذي يتبعه ناقد ما لتفسير الأعمال والعالم من خلالها، لماذا اختار الكتابة عن ما قرر أن يكتب عنه تحديدًا دون غيره؟ وما الذي يمثّله الخطاب السينمائي والنقدي المبني على ذلك للقاريء وللعام كمجاز أوسع خصوصًا في لحظة تحكمها العولمة وتنطلق من فرضية الحداثة؟


ثمة مدارك متعددة للتأويل النقدي، أو لكتابة النقد أساسًا، ليست من المنحى الأسلوبي وحده أو الشكل
الظاهري العام، فقط، بشكلٍ شخصي أهتم بتأويلات تحليلات الخطاب السينمائي الذي يتبعه ناقد ما لتفسير
الأعمال والعالم من خلالها، لماذا اختار الكتابة عن ما قرر أن يكتب عنه تحديدًا دون غيره؟ وما الذي يمثّله
الخطاب السينمائي والنقدي المبني على ذلك للقاريء وللعام كمجاز أوسع خصوصًا في لحظة تحكمها
العولمة وتنطلق من فرضية الحداثة؟
لذلك تبدو الكتابة عن الناقد المصري أحمد حسونة واضحة تمامًا، رجل اختار من اللحظة الأولى خط
مفاهيمي كان يرى أن التحليلات النقدية السينمائية تحتاج إليه، وصنّاعه، وذلك منذ سنوات راكمت تصورات
الحداثة وما بعدها ووضعت سياقاتها في الداخل العربي للحاق بالركب العالمي، خاطر قليلًا بالمشاركة في
صناعة مكان نقدي تمامًا داخل الصورة الكبيرة.
على سبيل المثال أوجد العمل على أسبوع النقاد الذي كان تحت إدارة جمعية النقاد ثم سحبته إدارة مهرجان
القاهرة فيما بعد، بعد أن حقق نسبيًا حلم تواجد النقاد بمهرجان مصغّر يعطيهم الأحقية والأولوية في أن
يكون لها مهرجانها الخاص، وأشياء أخرى بالتأكيد جميعها يدعم التواجد النقدي بقوة.
كذلك فتح المجال لمشاهدات فيلمية مختلفة عما يتم تقديمه بالجمعية، خاصة التيارات السينمائية الحديثة،
ساعد في ضم أعضاء جدد إلى جمعية النقاد، قام بتمثيل الجمعية في الفيبريسي عندما كان سكرتير للجمعية.
أيضًا أوجد ورشة للكتابة النقدية بمختلف أشكالها وقد قام بتدريسها في البداية الناقد الأمريكي كيفن لي من
جمعية نقاد شيكاجو بالولايات المتحدة. كما تم تكريم المخرج التسجيلي وصاحب الكتابات المتميزة هاشم
النحاس وأردنا أيضا أن نخلق تواصل مع النقاد العرب فأصدرنا كتاب يشمل كتابات الناقد المغربي الراحل
مصطفي الحسناوي، وأقامه ندوة يترأسها رئيس الجمعية المغربية خليل ديمون في ذلك الحين، ومنها أوجد
مساحة حراك متميز للجمعية.

كان الرجل يعي جيدًا أن تبلور مفهوم ما بعد الحداثة في السبعينيات عندما رأى عدد من الكتّاب ينتمون إلى
مجالات ثقافية مختلفة مثل الفلسفة والعمارة والدراسات السينمائية والأدبية، وما حدث لهم من تحول كبير
في قلب الظواهر الإجتماعية والثقافية عما كانت عليه من قبل. أصبح من الضروري التحدث عن ما بعد
الحداثة، تحديدًا، ولكي نتحدث عن سينما ما بعد الحداثة، يجب أن نتحدث عن سينما هوليوود الكلاسيكية
بإيجاد عدد من الصيغ الموحدة لصناعة الفيلم على المستوى التقني والإبداعي بحيث تضمن الربحية وتبتعد
عن المخاطر الإنتاجية.
هذه الكتابات النقدية كان بناء محكم لتغيّر النظرة العامة للمفهوم الفيلمي والنقدي بالتبعية، في التصور العام
لما يمكن أن نكتب عنه نقديًا في سياق تجربة ما بعد الحداثة التي وجد الرجل أنها تصلح إلهام جيد لكل
قاريء مصري وعربي.
على ما يبدو تحوّلت النظرة إلى الأفلام التي كانت تتبّع نمط سرد محكم للحبكة واستخدام العناصر المختلفة
للفيلم: صورة ومونتاج وتمثيل كعوامل مساعدة للحبكة مما يساعد المتفرج على أن يتوحد مع الفيلم ويتوهم
أن ما يراه على الشاشة هو الواقع بعينه، إلى سينما الحداثة في الخمسينات من القرن الماضي، كإتجاه مضاد
لهوليود بحيث كان همها الأول هو التعرف على ماعية الفيلم وإمكانياته وبالتالي بدأت تعمد إلى أن يكون
السرد غير محكم وأن تشكك في مصداقيته وأن تستخدم العناصر المختلفة من صوت وصورة ومونتاج
وتمثيل للماهية الفيلم.
سينما المؤلف مثلا ظهرت إرهاصًا للحداثة، قدم الرجل برنامج عن سينما ما بعد الحداثة باختيارأربعة أفلام
لمخرجين من بلدان مختلفة هم ديفيد لينش وإتامي جوزو وبدرو ألمودوفار وبيتر جريناواي.
جوهرية العمل الذي يجعل كتابات واختيارات النقاد مصل أحمد حسونة شديدة الأهمية تظهر في مساحات
مثل التي اختارها الرجل للعمل؛ تصور واضح تمامًا عن ما يمكن أن يقدم تصورات حداثية عن العالم
المعاصر من خلال خطابات سينمائية غير مباشرة يمكن فهم العالم من خلالها.
بعد سنوات طويلة من قراءة بعض مما كتب وسخّر حياته أمامه أحاول أن أكتب سريعًا عن مسيرة الرجل
ومشاركاته في جمعية النقاد بشكل أكثر تحديدًا، ولا أجد أكثر أهمية يستحق البروزة والاحتفاء أكثر من
وعيه الذي بات يبدو متجاوز للحظته السابقة.
أتحدث إلى الرجل في مكالمة طويلة حول حال النقد، يبدو واعيًا تمامًا باللحظة متجاهل الانخراط في معارك
تحملها لسنوات، أخطأ وأصاب، وكما كانت حياته العملية دون إرادة شاهد على لحظة تاريخية بعينها حاول
النقد الفني في مصر أن يتحرك في كل إتجاه ليصنع مساحة كتابة مختلفة وملهمة يبدو لي الآن أنه دون أن
يعي أيضًا يظل سكونه وعدم مشاركته شاهد آخر على ركود عام ينجو منه استثناءات قليلة وكتابات تدعي
النقد ولا تملك رؤية بينما يجلس الرجل مصابًا بعدم الرغبة في المشاركة بأي شيء كاستراحة قصيرة،
لحظة حزينة وكاشفة مهما بدت استثنائية نتنمنى سرعة زوالها وإعطاءه ما يستحق أو على الأقل الاستفادة
مما يمكن أن يقدمه لنقّاد يشقون طريقهم الوعرة في لحظة قاسية على الجميع.

التعليقات :

قد تعجبك هذه المواضيع أيضاً

أحدث المقالات